تسعة مجهول
فتيات سوهام
الرئيسية » الغاز » فتيات سوهام : لغز الاختفاء المحير الذي قلب إنجلترا

فتيات سوهام : لغز الاختفاء المحير الذي قلب إنجلترا

فتيات سوهام فتاتين صغيرتين خرجتا في أغسطس 2002 ولم يعودا للبيت مرة أخرى، ثم فيما بعد تم العثور على جثتيهما متفحمة، إليكم التفاصيل.

مما لا شك فيه أن قصة اختفاء فتيات سوهام لا تزال حتى الآن واحدة من القصص المؤلمة في تاريخ إنجلترا على الرغم من أن الحادثة قد مضى عليها أكثر من خمسة عشر عام، إلا أن الحادثة نفسها وما صاحبها من ملابسات كانت بحق تستحق كل هذا الألم، فنحن هنا نتحدث عن فتاتين لم يتجاوزا العشرة أعوام يذهبان لشراء الحلوى فيختفيا ثم بعد ذلك يتم العثور على جثتيهما في ملابسات غامضة، كما أن وقت الاختفاء نفسه قد شهد العديد من التطورات في القصة، حيث تحول بعض الشهود إلى متهمين وانقلب الأمر برمته في اتجاه غير الذي كان من المفترض أن يسلكه، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على تلك القصة من بدايتها وما حدث لفتيات سوهام المساكين، وهل كانت عملية إزالة الغموض عن تلك القصة أمر سهل أم أنه كان كما صنفته وسائل الإعلام وقتها، أصعب جريمة في تاريخ إنجلترا.

بداية فتيات سوهام

في البداية يجب علينا التعرف على أبطال القصة، وإن كانت تلك القصة تمتلك أكثر من بطل لكننا سنجعل البداية من الفتيات الضحايا، أو المجني عليهم كما يُعرّفوا في القانون، وهم فتيات سوهام، هولي وجيسكا، فتاتان في العاشرة من عمرهما، دفعتهما الجيرة إلى التقرب من بعضهما منذ اللحظة التي تعلما فيها الكلام، ثم بعد ذلك تطور الأمر أكثر، ولم يعد مجرد جيرة، وإنما كذلك صداقة امتدت إلى الدراسة، بمعنى أدق، كانتا متلازمتين كل الوقت، في البيت أو المدرسة.

صداقة هولي وجيسكا أخذت تطورًا أكبر عندما تم إقحام الآباء والأمهات بها، حيث أن العائلات بدأت تتقارب بتقارب الأبناء، فأصبحت الزيارات متبادلة بينهما وأصح هناك موعد عشاء شبه دائم بينهما، ومن هنا يمكننا القول إنهما قد أصبحا أسرة واحدة، وأن هولي وجيسكا قد أصبحا شقيقين، وإلى هنا أيضًا يسير كل شيء بخير، لكن، هل هذا ما تعودتم عليه من الحياة؟ هل حقًا تسير الأمور بخير دائمًا؟ لا، بالطبع كان ثمة وقت تحل فيه العاصفة، والتي كانت أقوى بكثير مما يُمكن تحمله، عاصفة اقتلعت كل شيء في طريقها.

عاصفة فتيات سوهام

في عام 2002، وفي واحدة من الزيارات بين عائلات الفتاتين، كان الجو أقل ما يُقال عنه أنه عائلي بحت، الآباء والأمهات يتناولون الطعام، والفتيات يلعبان بجوارهما، ثم بعد ذلك، وكأمر طبيعي، خرجت الفتيات لشراء الحلوى من مكان من المفترض أنه قريب، كل هذا جميل حتى ذلك الوقت، لكن، مرت ساعة وساعتين وثلاثة، وثمة شيء غريب قد حدث، أو أمر من المفترض حدوثه ولم يحدث طوال هذا الوقت، وهو أن الفتاتين لم يعودا بعد!

كان الأمر جنونيًا، ولم يعد من الممكن احتمال غياب فتيات أكثر من خمس ساعات فقط لشراء الحلوى من متجر بالقرب من البيت، كما أننا كذلك مُطالبون بالوضع في الاعتبار أننا نتحدث عن فتيات في سن العاشرة، وطبعًا كان التطور الطبيعي لهذا الأمر أن يتم إبلاغ الشرطة، وبالفعل تم إبلاغ الشرطة، وما هي إلا ساعات قليلة حتى تم قلب مدينة سوهام بأكملها بحثًا عن الفتاتين المُختفيتين.

البحث عن الفتيات

أثار خبر اختفاء فتيات سوهام اهتمام الناس، لدرجة أن فرق البحث لم تكن من الشرطة فقط أو ذوي المُختفين، بل انضم كذلك الجيران وكل الموجودين في الحي، الجميع كان يبحث عن الفتيات ويُريد العثور عليهما قبل أن يحل الظلام، لكن الظلام بالفعل قد حل، ولم يتم العثور على أي شيء يدل عليهما بعد، كان الجميع مُتشبثًا بالأمل، أو هكذا كان يبدو في كل شخص يتحدث عن الأمر أو يسمع به.

مر اليوم الأول دون أي جديد، بدا أن كارثة ما قد حدثت بلا أدنى شك، فحتى لو أن الفتاتين لا يزالا على قيد الحياة فبالتأكيد شيء ما قد ألم به، لأنهما لو ضاعا فسوف يحرص من يجدهما على أن يتصل بالشرطة أو ذويهما، وإذا لم يعثر عليهما أحد ولا يزال بلا طعام أو شراب منذ وقت الاختفاء فهذه كارثة أخرى تستحق الكثير من التفكير، أما إذا كان الأمر يتعلق بالخطف المتعمد فنحن أمام احتمالات أكثر سوءًا بكثير، وهذا في الحقيقة ما فكرت به الشرطة ووضعته بحسبانها.

الشرطة تستمع للشهود

بعد اختفاء فتيات سوهام وعدم العثور على أي شيء يدل عليهما لأكثر من يومين كان من الطبيعي أن تجلس الشرطة مع الشهود وتستمع لهم، إذ ربما تُقال معلومة ما تُساهم في قلب مسار البحث، وأول الشهود بالطبع كان الأهل والجيران، حيث أكد الجميع أن كل شيء كان يسير بصورة طبيعية، وأن الفتاتين، وكذلك عائلتهما، لا يُملكان أي أعداء على الإطلاق، كما أنه لم يتصل بهما من يطلب فدية أو ما شابه، وهو ما يُعقد الأمر أكثر وأكثر.

بقية الشهود رجحت نفس الأمر، الجميع لم يلحظ شيئًا غريبًا، عدا حارس مدرسة الفتاتين إيان، والذي قال في شهادته أنه قد رأى فتيات سوهام آخر مرة قبل الاختفاء بساعات قليلة، وقد كانا في هذا الوقت يُمسكان بيد بعضهما البعض ويعبران الطريق، ويقول إيان أنه كان يود سؤالهما عن وجهتهما لكن شيء ما قد شتت انتباهه، أما الشهادة الأخرى فقد خرجت من مدرسة الطفلتين في المدرسة ماكسين، ذلك الشخص الذي خرج بتصريح أقل ما يُقال عنه أنه تصريح مدوي، حيث قالت في نهاية شهادتها أنهما، تقصد الفتاتين، كانتا فتيات جيدة، وهنا لمع أمر ما في رأس المحقق، والذي لم يستسغ أبدًا ذلك الوصف الذي يدل على أن ماكسين تشعر بأن مكروهًا ما قد أصاب الفتاتين، مع أنه في ذلك الوقت كان لم يتم الإعلان بعد عن وقوع أي ضرر لهما، كما أن المُحقق كذلك لم يستسغ وجود علاقة بين المدرسة وحارس المدرسة، الشخصان اللذان أدليا بشهادة مثيرة للشك.

الشك في الحارس والمدرسة

على الفور أُطلقت أسهم الشك باتجاه مُدرسة فتيات سوهام ماكسين وعشيقها إيان، فقد ذكر شهود آخرون بأنهم قد شاهدوا الحارس والمدرسة معًا في يوم الحادثة، على الرغم من أنهما قد أنكرا ذلك، ثم جاءت الضربة القاضية من خلال مُتصلة تليفونية قالت إنها قد رأت وجه حارس المدرسة من قبل وتعرفه، فهو كان مُتهمًا في قضية اغتصاب طفلة تسكن بجوارها، وطبعًا لأن القانون يقضي بحذف الجرائم التي لم يثبت صحتها لم تجد الشرطة أي سجل للحارس إيان في تلك الجريمة.

تصاعدت وتيرة الشك خصوصًا بعد تلك المكالمة المُشككة في الأمر أكثر، لذلك تم دعوة الحارس وعشيقته بحجة الحقيق معهم لفترة أطول، ثم تم استغلال وجود العشيقين في مقر الشرطة وحدث تفتيش سريع خفي لبيتهما أسفر عن مفاجأة مدوية بكل ما تعنيه الكلمة من معان، حيث تم العثور على ثياب محترقة بسلة المهملات، تلك الثياب ترجع إلى الفتاتين، وهنا كان يُمكن توجيه التهمة بصورة طبيعية إلى إيان، لكن ماكسين قد أعطت الشرطة دليلًا أقوى من تلك الثياب.

المُكالمة التي أنهت كل شيء

في مُكالمة تُعرف بأنها المكالمة التي أنهت كل شيء فيما يتعلق بقضية فتيات سوهام، طلبت ماكسين من الشرطة تلفنت شخص ما وطمأنته عليها أثناء تواجدها في مقر الشرطة، كانت تظن أن الهواتف الموجودة في مثل هذه الأماكن غير خاضعة للمراقبة، لذلك اتصلت بوالدة عشيقها إيان وأخبرتها أن ابنها موجود في القسم بتهمة الاختطاف والاغتصاب والقتل، لكن يجب عليها ألا تقلق، فلا أدلة بعد يُمكن أن تؤخذ عليه، وفي نهاية المكالمة سألت الأم ماكسين إذا كان ابنها قد فعل ذلك الأمر فعلًا فأجابتها أنها كانت لحظة عابرة لم يشعر فيها بنفسه، وهنا منحت ماكسين دليلًا لا يُمكن الشك به على أن إيان قد ارتكب شيء ما بحق فتيات سوهام، لكن ما هو ذلك الشيء يا ترى؟

العثور على الجثث

كان المسألة مسألة شك في اختطاف الفتيات من أجل طلب الفدية، لكن بلاغًا قد وصل إلى الشرطة قد أزاح الغبار عن كل شيء دفعة واحدة، حيث أنه قد تم العثور بالقرب من أحد الأنهار على جثتين مُحترقتين احتراقًا يُخفي معالمهما، لكن الأمر لم يأخذ وقتًا حتى تم اكتشاف تابعية الجثتين إلى فتيات سوهام، ولا يُمكنكم أن تتخيلوا منظر الأمهات عند إبلاغها بذلك الخبر الصاعق، ولم تجرؤ الشرطة أصلًا على جعلهم يُشاهدون الجثة، لكن الأبوين قد تعرفا عليهما من بعض العلامات، كما وُجدت بصمات حارس المدرسة إيان وبات يقينًا أنه المُذنب الذي خطط ونفذ لتلك الجريمة، لكن هذا لم يمنع من التحقيق معه لمعرفة كيفية قيامه بالأمر، والأهم من ذلك، الدافع وراء القيام به.

اعتراف ساذج من شخص ساذج

واجهت الشرطة ماكسين وإيان بما تعرفه، وطالبتهما بوضع تفسير لما حدث مع فتيات سوهام، وهنا قرر ماكسين أن يمنحهم أكثر اعتراف ساذج قد تسعوه في حياتكم، لقد قال إن أحد الفتاتين قد فقدت الوعي فأدخلت صديقتها إلى بيته من أجل إفاقتها وأثناء دخولها انزلقت على الدرج فسقطت على رأسها ميتة ثم تبعتها الأخرى بنفس الطريقة ولم يكن يعرف ما الذي يفعله بجثتيهما فقرر حرقهما من أجل محو أي شيء ضده والابتعاد تمامًا عن أي ضرر يُمكن أن يُصيبه.

بالتأكيد لم تُصدق الشرطة رواية الرجل الساذج، ومع الضغط أكثر اعترف أنه قد قام باختطافها ثم اغتصبهما وقتلهما وأحرق النيران بهما من أجل إخفاء معالم الجثة، هذا قبل أن ينسى ثيابهما في سلة المهملات، أنظروا كيف كان جنون ذلك الحارس طاغيًا ومُسيطرًا عليه إلى أبعد حد!

نهاية القصة المأسوية

نهاية تلك القصة المأسوية التي وقعت مع فتيات سوهام لم تكن بالقدر الذي تستحقه، فبالنسبة لماكسين مثلًا فقد تم الحكم عليها بالسجن ثلاث سنوات فقط، أما الداهية الكبرى إيان فقد كان الحكم بالسجن مدى الحياة هو الحكم المناسب من وجهة نظر المحكمة، مع الوضع في الاعتبار أن ذلك الشخص قد ثبت أنه قد اتُهم من قبل في خمس جرائم اغتصاب فتيات صغيرات، وفي كل مرة كان يتم منح البراءة له لعدم كفاية الأدلة، وفي النهاية قد شاهدتم بأنفسكم ما الذي تطور عليه ذلك الرجل، لقد قام باختطاف واغتصاب وقتل طفلتين صغيرتين لا ذنب لهما في أي شيء سوى أنهما قد عبرا في طريقه ذلك اليوم المشؤوم.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

ثمانية عشر − اثنا عشر =