حظيت قصة القاتلة الألمانية إيرما غريس بشهرة واسعة، وذلك لأنها كانت إحدى القصص الخالدة للحرب العالمية الثانية، فلم تكن إيرما أول سجانة في التاريخ فقط، بل كانت أيضًا أكثر سجانة قتلًا للبشر، حيث يقال إنها خلال ثلاث سنوات فقط أقدمت على قتل أكثر من ألف سجين، حيث كانت تجد متعتها المجنونة في رميهم بالرصاص، والغريب أنها رفضت الهرب بعد انتصار الحلفاء ودخولهم ألمانية ومن ثَّم السجن، حتى تم إعدامها بتهمة ارتكابها جرائم ضد البشرية، عمومًا، في السطور القادمة سوف نتعرف بتفصيل أكثر على قصة إيرما غريس، كيف نشأت وكيف أصبحت سجانة، وإلى أي حد كانت تستمتع بالقتل، والأهم من كل ذلك بالتأكيد، كيف جاء سقوطها وإعدامها.
من هي إيرما غريس؟
إيرما ايلزا غريس، هذا هو الاسم الكامل لبطلة قصتنا السجانة ذات الوجه الجميل، وقد وُلدت إيرما في السابع من أكتوبر القابع في عام 1923، أي مع نهاية الحرب العالمية الأولى، وبالتأكيد لم يكن أحد يدرك وقتها أن تلك الطفلة البريئة ذات الملامح الساحرة سوف تُصبح أحد أبطال الحرب العالمية الثانية، الأبطال الأشرار تحديدًا.
وُلدت ايرما في مدينة مكلنبورغ القابعة في ألمانيا، وعلى الرغم من أن والدها كان مُجرد فلاح بسيط إلا أنه كان تابعًا للحزب النازي، والذي نعلم جميعًا أن الأمور بدأت تؤول إليها مع بداية العقد الثالث من القرن العشرين، عمومًا، بالعودة إلى بطلتنا وما فعلته من جرائم في تلك الفترة نجد أن الطفولة التي مرّت بها أزالت الستار عن بعض تلك العقد وأسبابها.
طفولة إيرما غريس
عانت إيرما غريس من طفولة مضطربة للغاية، فإضافةً إلى الأحداث الدامية التي كانت تشهدها البلاد، والاحتقان الذي سيطر على العالم بأكمله عمومًا، تجرعت إيرما مرارة الفقدان في أقرب شخص إليها، والدتها، والتي أقدمت على الانتحار لأسبابٍ مجهولة قبل أن تتم إيرما عامها الثامن.
الأشقاء الأربعاء لإيرما، والتي كانت ثالثتهم، بدأوا في التساقط أيضًا لأسبابٍ تتعلق بالمرض، وبالطبع كان من المنطقي جدًا أن تتدهور الحالة التعليمية للطفلة، حيث تركت حياتها التعليمية وهي في الخامسة عشر، واضطرت للانضمام إلى الاتحاد النازي للفتيات، وهو ما يُعادل اتحاد هتلر للأولاد، ومنذ ذلك الوقت بدأت حياة إيرما تأخذ مُنعطفًا آخرًا.
حياة إيرما غريس الأخرى
بدأت حياة إيرما غريس الأخرى بعد تخرّجها من الاتحاد النازي للفتيات، ففي البداية عملت لمدة عام في أماكن مُتفرّقة بأعمال أغلبها يدوية، ثم انضمت بعد ذلك لإخلاصها الشديد إلى الحزب النازي، والذي رشحها بدورها إلى العمل كسجانة في عدة سجون، والتي زاد العمل بها بالتأكيد بعد قيام الحرب العالمية الثانية، حيث امتلأت الجيوش الألمانية بالمعارضين وأسرى الحرب من دول الحلفاء، والحقيقة أن إيرما في البداية كانت مجرّد سجانة عادية مهمتها مراقبة السجناء أو بالكاد تعنيفهم، لكن، بعد عام واحد من العمل، تحولت إيرما ذات العشرين عام إلى فتاة أخرى مختلفة تمامًا، أو يمكن القول أنها قد أصبحت وحشًا، وحشًا يمتلك وجهًا جميلًا خادع.
إيرما في السجون
تدرجت إيرما غريس منذ عام 1942 من سجن إلى سجن، فقد كانت سمعتها الطيبة في السجون وقدرتها على السيطرة على كل شبرٍ فيها تجعلها لائقة للذهاب إلى كل سجن موجود في ألمانيا والعمل به، هذا على الرغم من أن إيرما كانت تعمل قبل هذه المهنة مباشرةً ممرضة في أحد المستشفيات، ولكم أن تتخيلوا أن الممرضة المسئولة عن إسعاف المرضى أصبحت متوحشة في معاملتها مع السجناء، لكن، مع مرور العام الأول كما ذكرنا كانت إيرما مجرد سجانة مهمتها تعنيف السجناء المحاولين الهرب أو المُثيرين للفوضى، لكن كل ذلك قد تغير تمامًا مع انتقالها لمعسكر الموت، معسكر أوشفتز.
معسكر أوشفتز
كان معسكر أوشفتز أحد أهم المعسكرات الموجودة في ألمانيا النازية وقت الحرب العالمية الثانية، فقد كان يحتوي وحده على أكثر من ثلاثين ألف سجين من النساء، حيثُ خصص المعسكر للجنس الناعم فقط، والحقيقة أنه في بداية إنشاء ذلك المعسكر كان ثمة عقبة كبيرة في السيطرة عليه، لكن، مع استدعاء ابنة الثانية والعشرين عامًا إيرما غريس أصبحت كل الأمور تحت السيطرة المحكمة.
لم تتعامل إيرما المعاملة العادية في ذلك المعسكر ذائع الصيت، بل أرادت منذ الوهلة الأولى أن تُحكم قبضتها على المكان، لذلك توالت ضحاياها واحدة تلو الأخرى، حيثُ قيل نها كانت تقتل في اليوم الواحد ما لا يقل عن عشرة سجينات، جميعهن ليس لهن أي ذنب للقتل سوى رغبة إيرما غريس السادية.
طرق القتل المجنونة
أُطلقت العديد من الألقاب على إيرما غريس بسبب وحشيتها، منها الشيطان الأشقر وملاك الموت، وكل هذه الألقاب كانت تستند في الأساس إلى الطرق الوحشية المجنونة التي كانت تتخلص إيرما بها من المُعتقلين، فبخلاف القتل عن طريق التعذيب الجسدي أو الضرب بالرصاص كانت إيرما تقوم بتجويع الكلام لفترة طويلة، ثم تُطلقهم على السجينات فتقوم بالتهامهن، كما كانت كذلك تدفنهن وهن أحياء بطريقة بشعة لا تنم على وجود الإنسانية بداخلها.
وحشية إيرما المفرطة لم تتوقف عند ذلك الحد، وإنما كانت هناك طرق أبشع للموت على يد تلك المجنونة، والحقيقة أن بعض المحظوظين الذين نجوا وأفلتوا من قبضتها قد قصوا كل ما تعرضوا له فيما بعد وتم توثيقه، عمومًا، ما يعنينا الآن هو ما حدث لبطلة قصتنا المجنونة إيرما غريس، والتي عاشت عامين كأفضل ما يكون بالنسبة لها.
التدرج في المناصب
بالطبع في دولة مثل ألمانيا في هذا الوقت كان ما ترتكبه إيرما غريس من جرائم أمر طبيعي جدًا ومُحبذ، بل إنه يستحق أن تُكافأ عليها، وبالفعل، كانت إيرما تتدرج في المناصب بشكل سريع جدًا لدرجة أنه كان ينقصها خطوة واحدة كي تُصبح أصغر مُديرة للسجن في التاريخ، حيث كان عمرها كما ذكرنا لا يتجاوز الثانية والعشرين عامًا، عمومًا، مرت السنوات السمان، وكان لابد لفتاة مثل إيرما من سنوات عجاف، كان لابد من السقوط الحتمي المدوي، وقد حدث ذلك في السابع عشر من أبريل القابع في عام 1947 على يد قوات الحلفاء.
نهاية إيرما غريس
في أبريل عام 1945 اقتحمت قوات التحالف السجن الألماني الذي كانت تعمل به إيرما غريس، وقد كانت المفاجأة المدوية حين تم العثور على عشرة آلاف جثة وستين ألف سجين آخر ما زالوا يُصارعون الموت، كل ذلك بسبب ما ارتكبته إيرما غريس، والتي تم اعتقالها على الفور وتقديمها للمحاكمة كمجرمة حرب.
لم تأخذ المحاكمة أكثر من شهور قليلة، فشهادة الشهود كانت كفيلة بالحكم على إيرما غريس بالإعدام هي وثمانية من الذين كانوا يديرون معها السجن، والحقيقة أن كل طلبات الاستئناف على الحكم التي قُدمت تم رفضها، وتم تنفيذ الإعدام في شهر نوبر عام 1945، حيث كانت إيرما غريس بالكاد تتجاوز الثانية والعشرين من عمرها.
أضف تعليق