إذا كنا سنتحدث عن تجارة المخدرات الكولومبية فإننا سنتحدث عن شيء استثنائي لن نجده في أخطر البقع الإجرامية في العالم، فتاريخ الدولة مع هذه التجارة الممنوعة هو تاريخ طويل ومليء بالأحداث المؤسفة، وكي ندرك أيضًا التأثير الكامل لهذه التجارة علينا أن نفهم أولاً المناطق التي تذهب إليها هذه الكميات الكبيرة من المخدرات والأسباب التي دفعت إلى وجود هذا الكم الكبير من المدمنين، ولذا فإننا سنفرد الفقرات الأولى من الموضوع للحديث عن التغيرات المجتمعية التي طرأت على المجتمع الأمريكي في الستينيات والسبعينيات، ثم سنتحدث بعدها عن الموضوع بشكل مفصل، وعامةً فإن العصابات التي سيطرت على التجارة هناك هي أربعة عصابات، أولها وأشهرها هي عصابة ميديلين التي تزعمها بارون المخدرات الشهير بابلو إيسكوبار (في الفترة بين 1976 وحتى 1993) ثم عصابة كالي التي لا تقل شهرة عنها (بين 1977 وحتى 1998)، بالإضافة إلى عصابة نورتي ديل فالي (1990-2012) وأخيرًا عصابة الساحل الشمالي (1999-2004) مع عدم إغفال المجموعات الصغيرة التي تسيطر على التجارة الآن.
ما سبب شهرة تجارة المخدرات الكولومبية ؟
هناك قطاع ليس بالكبير من الشعب الكولومبي ممن يتعاطون مختلف أنواع المخدرات، لكن ترجع شهرة التجارة إلى هذا الكم الهائل من المخدرات التي يتم تصنيعها وتصديرها إلى الخارج، ويعود هذا إلى أسباب عديدة سنحاول استكشاف كنهها في الفقرات التالية، ومن أهم تلك الأسباب وجود مساحة حرة للكولومبيين لتصنيع الكوكاكيين، فالتقارير تخبرنا بأن كيلو الكوكاكيين الواحد يتم إنتاجه بثمن بخس هو ألف وخمسمائة دولار للكيلوجرام الواحد، في حين أنه بإمكان التجار بيع الكيلو الواحد بأكثر من خمسين ألف دولار في الولايات المتحدة، وما يميز الكوكاكيين المصنع في كولومبيا هو درجة نقاءه العالية التي لم يعتد عليها الناس من قبل، ومع وجود إمبراطورية بابلو إيسكوبار الذي سنتحدث عنه بالتفصيل، فإن كل هذا ساعد على خلق بيئة مريحة زادت من حجم تجارة المخدرات الكولومبية ، لكن ليست هذه هي الأسباب الوحيدة، وقبل أي شيء علينا أن ندرس بدقة ما حدث في المجتمع الأمريكي في تلك الفترة، وذلك لأن أمريكا هي من وفرت المناخ لتصنيع المخدرات في كولومبيا، وفي الفقرات التالية سنتعرض إلى هذا بشيء من التفصيل.
السوق الأمريكي
علينا أن ندرك أولاً ما حدث في حقبة الستينيات والسبعينيات في الولايات المتحدة الأمريكية، فوجود هذا الكم الكبير من اللاجئين إلى المخدرات كان هو سبب زيادة تجارة المخدرات الكولومبية في المقام الأول، فقد ظهرت العديد من الاتجاهات الجديدة بين الشباب وكبار السن أيضًا، فبسبب حرب فيتنام التي قتل فيها أكثر من 58 ألف من الجنود الأمريكيين وجرح أكثر من 300 ألف جندي، ومن الفيتناميين قتل أكثر من مليون من العسكريين والمدنيين، تغير وعي قطاع كبير من الشعب الأمريكي، فقد شعروا للمرة الأولى أن رؤوس السلطة لا يهتمون بقيمة الإنسان سواء كان أمريكي أو فيتنامي، ولهذا ظهرت حركات السلام. وتزامن هذا مع ظهور حركات الهيبيز، وهم مجموعة رفضت كل القيم المجتمعية وتصرفوا مثلما تصرف البوهيميون من قبل في أوروبا. ومن الهام أن تعلم أنه في نفس الوقت الذي كثرت فيه عصابات تجارة المخدرات الكولومبية فإن أمريكا كانت تحتضن عدد كبير من عصابات المخدرات في تلك الفترة مثل عصابة “بلاك تونا” والتي رأسها روبرت بلاتشورن وروبرت مينستر واللذان كانا من أهم موزعي الماريجوانا في مدينة ميامي الأمريكية في السبعينيات، ومع أنهم لم يطلقوا على أنفسهم اسم بلاك تونا إلا أنه أصبح الاسم الأكثر رواجًا لهم، وخلال 16 شهر فقط قاما باستيراد حوالي 500 طن من الماريجوانا من كولومبيا، واستطاعا بيع هذه الكمية بسهولة تامة في ميامي الساحلية.
التغيرات الفنية والمجتمعية في أمريكا
علينا ألا نغفل التجديد الهائل الذي حدث في الموسيقى في تلك الحقبة الهامة من تاريخ البلاد، فبعدما أبهرت فرقة البيتلز العالم كله بموسيقاها الحديثة، وبالاعتماد على جذور أخرى من موسيقى الروك أند رول وظهور الجيتار الكهربي فقد ظهرت أنواع جديدة من الموسيقى وأهمها الروك والهارد روك والبلوز روك والميتال، وظهر جيل جديد من الفنانين مثل فرقة بينك فلويد وإيريك كلابتون وليد زيبلين وجيمي هيندريكس وذا رولنج ستونز وميتاليكا وبلاك ساباث وإيروسميث ونيرفانا وديب بربل وذا كينكس وذا دورز وأيرون مايدن، كل هؤلاء قاموا بإنتاج نوع جديد من الموسيقى لم يألفه العالم من قبل، والصخب الموجود في العديد من تلك الأعمال كان من أكثر الأشياء المثيرة للغرابة والحماسة، وبغض النظر عن الناحية الفنية، فإن هذه الأنواع الجديدة من الموسيقى حملت تأثيرات مجتمعية بالغة الأهمية ومؤثرة في تحليلنا لموضوع تجارة المخدرات الكولومبية ، فقد ظهر جيل جديد يبحث عن السلام النفسي بعيدًا عن قيود الأسرة والدين والتقاليد، فبدأ الأمر أولاً بتغيير الملابس والمظهر عامةً ثم تغيير نمط الحياة، وكانت المخدرات من أهم ملامح ذلك الارتباط بموسيقى الروك وغيرها.
إدمان المخدرات في الأوساط الفنية الأمريكية
حتى أولئك الفنانون كانوا يلجأون إلى المخدرات للبحث عن السلام النفسي، لدرجة أن بعضهم مات بسببها، مثل المغنية جانيس جوبلين التي أنتجت ألبومين فقط وماتت في السابعة والعشرين بسبب جرعة مخدرات زائدة، وبريان جونس أيضًا وفي نفس السن، والمفارقة أن العديد منهم ماتوا بسبب المخدرات في نفس السن، لدرجة أن البعض أطلقوا عليهم أصحاب “نادي 27″، ومنهم أيضًا رودي لويس وديكي برايد وآلان ويلسون (المعروف باسم بلايند آول) وجاري ثاين الذي مات بسبب الهيروين وجين-ميشيل باسكويات الذي مات بسبب المخدر المعروف باسم الكرة السريعة (وهو مخدر خطير عبارة عن خليط من الكوكاكيين مع المورفين أو الهيروين) وغيرهم الكثير، ناهيك عمن ماتوا بسبب جرعات الكحول الزائدة، لذا فإن إدمان المخدرات أصبح موضة بالنسبة لمحبي الموسيقى في الولايات المتحدة ويمكننا تقدير أعدادهم بعشرات الملايين.
مهرجان وودستوك للموسيقى والمخدرات
يكفيك أن تعرف أن هناك مهرجان موسيقي تم إقامته في مزرعة بعيدة عن صخب نيو يورك في شهر أغسطس من سنة 1969 لمدة ثلاثة أيام متتالية، وكان شعاره “ثلاثة أيام من السلام والموسيقى”، وضم عدد كبير من الفنانين منهم بعض ممن ذكرناهم سابقًا، وحضر المهرجان حوالي نصف مليون شخص، والواقع أنه لم يكن ثلاثة أيام من السلام والموسيقى فقط، بل كانت المخدرات هي أهم الأشياء الحاضرة في هذا المهرجان وبصورة علنية، وبالتحديد الماريجوانا ومخدر الإل إس دي والكوكايين، لذا فإنك تدرك الآن مدى حجم هذا السوق المفتوح الكبير الذي شجع تجارة المخدرات الكولومبية في تلك الفترة، فكل ما كان يحتاجه الكولومبيون هو طريق آمن لإدخال المخدرات إلى أية ولاية أمريكية، أما مسائل التصنيع والخروج من كولومبيا فقد كانت عمليات روتينية تقوم بها العصابات، وهذه هي بداية قصة تجارة المخدرات الكولومبية .
كيف ظهرت الأزمة؟
يقول بعض المحللين أن قوانين منع تجارة وتعاطي المشروبات الكحولية في الولايات المتحدة خلال فترة الكساد الكبير كانت الإلهام الأول الذي دفع المشرعين في كولومبيا إلى إقرار قوانين منع المخدرات، وقد بدأ هذا في سنة 1914 مع قانون هاريسون الذي منع إنتاج وتعاطي الأفيونيات والكوكاكيين، وفي سنة 1937 تم إضافة كل من الماريجوانا والتبغ والكحول، وفيما بين 1964 و1968 تم إضافة قائمة كبيرة من الأدوية المضادة للاكتئاب والمسببة للهلوسة وغيرها من التي تستخدم في العلاج في المقام الأول، مع العلم أنه في السابق كان يتم استهلاك جزء من تلك المخدرات عن طريق السكان الأصليين وبالتحديد أوراق الكوكا والماريجوانا، ولكن في نطاق استخدامات الطب الشعبي والاحتفالات القبلية كجزء من ثقافتهم، وهذا الأمر شائع في العديد من دول أمريكا اللاتينية.
حجم التجارة
تم تقدير قيمة تجارة المخدرات الكولومبية بنحو 10 مليار دولار في السنة الواحدة وهذا يخص الكوكاكيين فقط، مع العلم بأن الدولة هي من أهم الدول المنتجة والمصدرة للهيروين وفي فترة معينة كانت من أهم مصادر الماريجوانا التي اجتاحت الولايات المتحدة منذ هذا الوقت وحتى وقتنا الحالي، وذلك قبل أن تظهر اتجاهات جديدة في التفكير تميل إلى أن الماريجوانا هي من المخدرات غير المؤذية، بل أن قد يكون لها نفعًا، أو على الأقل فإنها لن تكون أكثر ضررًا من الكحوليات التي لا تندرج ضمن المحرمات في أغلب دول العالم، إلى أن قامت بعض الدول بتشريع قوانين تبيح استخدام الماريجوانا بحدود معينة مثل هولندا والأوروغواي.
الحرب الدولية على تجارة المخدرات
طبقًا لأكثر من تقرير رسمي فإن تجارة المخدرات الكولومبية هي الأضخم على مستوى العالم بأكمله، ومن ضمن هذه التقارير تقرير لمكتب الأمم المتحدة للجريمة والمخدرات (UNODC). ولكن منذ بداية ما يعرف باسم “الحرب على المخدرات”، فإن الولايات المتحدة والدول الأوروبية قاموا بالعديد من الإجراءات التي تتضمن مساعدات اقتصادية ولوجستية وتكتيكية وعسكرية للحكومة الكولومبية لضمان مكافحة التجارة أو الحد منها بالقدر الأكبر، ومن أهم تلك البرامج الدولية ما يعرف باسم “خطة كولومبيا”، ومن أولويات الخطة محاربة القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) وهي من أخطر التنظيمات اليسارية المسلحة التي تعتبر العدو الأول للحزب الحاكم هناك وهو حزب المحافظين، ويسيطر التنظيم على نسبة كبيرة من زراعة وتصنيع الكوكايين في الدولة منذ عقود. وبالرغم من تصدر الدولة لهذه التجارة غير القانونية إلا أن تلك الخطط ساهمت – ولو بوتيرة بطيئة – في الحد منها، وفي سنة 2012 استطاعت الدولة بمساعدة القوى الدولية وبالتحديد الولايات المتحدة تقليل إنتاج الكوكايين بنسبة 60% عن سنة 2000، وفي نفس السنة أصبحت دولة بيرو أعلى من كولومبيا في إنتاج أوراق الكوكا في العالم. ومن الجدير بالذكر أن نسبة الجريمة المرتبطة بالمخدرات انخفضت إلى النصف وأصبحت في درجة أقل من دول أخرى في أمريكا اللاتينية مثل هندوراس وإل سيلفادور وفينيزويلا وجواتيمالا وترينداد وتوباجو.
الحرب المحلية على تجارة المخدرات
علينا أن ندرك أن هناك صراع محتدم يخوضه حزب المحافظين الحاكم في كولومبيا، فهو يحاول قدر الإمكان الابتعاد عن أي شيء يمكن أن يساهم في زيادة تجارة المخدرات الكولومبية ، فمثلاً إذا وضعنا في المقارنة ما قامت به الدولة تجاه الأدوية المختلفة وما قامت به دول العالم المتقدم التي وقعت على اتفاقية الأمم المتحدة ضد الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية في سنة 1988 فإننا سنجد أن كولومبيا هي الأكثر تشددًا بين كل الدول، فقد وضعت كم كبير من الأدوية في قائمة الممنوعات بالرغم من أنها قد تكون مجرد أدوية لأمراض معينة مثل التهابات الأعصاب أو مضادات الاكتئاب والأمراض النفسية، هذا في الوقت الذي يقل فيه عدد المدمنين في كولومبيا بكثير عن دول أخرى مثل الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي، مع العلم بأن الولايات المتحدة هي أكثر الدول التي يستهلك أفرادها المخدرات غير القانونية، حيث يوجد شخص واحد من بين كل ستة أشخاص اعترفوا بتعاطي الكوكاكيين لمرة واحدة على الأقل في حياتهم. وهناك المزيد من الجهود الواضحة التي تبذلها السلطة لتقليل حجم التجارة، فمثلاً نجد أن الدولة استطاعت القبض على وتصفية عدد كبير من تجار المخدرات في العقود الماضية، ووصل المعدل إلى 100 منهم في كل سنة طوال العقد الأخير، وحاليًا وصلت السلطة إلى مرحلة متقدمة وهي إسداء النصيحة إلى المسئولين في دول أمريكا اللاتينية والذين يعانون من نفس المشكلة.
ردود فعل العصابات
على الجانب الآخر علينا أن ندرك أن تجارة المخدرات الكولومبية ليست في مراحلها الأولى، بل هي إمبراطورية عتيدة لها خطط بديلة وتملك قدرات بالغة القوة لم تستطع الحكومة القضاء عليها حتى الآن بالرغم من وجود مساعدات خارجية من أقوى الدول، لذا فإنهم كانوا يقومون بضربات انتقام في العديد من الأوقات، ومن أقوى تلك الضربات قتلهم لسبعة من مرشحي الانتخابات الرئاسية وهم لويس كارلوس جاتان سارمينتو وجيمي باردو ليال وبرناردو جاراميلو أوسا وألفارو جوميز هورتادو وكارلوس بيزارو ليونجوميز، ومن الضربات التي لا تنساها الحكومة الكولومبية ما يعرف باسم أحداث قصر العدل في سنة 1985، حيث قامت حركة 19 أبريل (المعروفة أيضًا باسم M-19) باحتلال المحكمة العليا في بوجوتا، وكان غرضهم إقامة محاكمة علنية للرئيس الكولومبي وقتذاك، ولكن بعد بضعة ساعات تدخل الجيش النظامي ودارت مذبحة كبرى، وقتل فيها أولاً 11 من قضاة المحكمة العليا (من أصل 25 من القضاة) و48 من جنود الجيش و35 من الحركة اليسارية مع تدمير شبه كامل للمبنى. كل هذا بالإضافة إلى عمليات قتل لعدد كبير من رجال الشرطة والقضاة وحتى الشهود من المدنيين.
تأثير التجارة على الشعب الكولومبي
هناك تأثيرات بالغة الحدة تنتج عن تجارة المخدرات الكولومبية ، ومن أهمها التأثير البالغ على الوضع البيئي في الدولة، فقد تعرضت كمية كبيرة من الغابات إلى الإزالة وتصحرت التربة بنسبة مخيفة في العقود الماضية وذلك بسبب إنشاء معامل التصنيع في أحراش الغابات وزراعة نبات الكوكا بكميات كبيرة دونًا عن أي محصول آخر، كل هذا بالإضافة إلى التأثيرات البالغة على مستوى التعليم والصحة العامة والعلاقات الخارجية مع الدول الأخرى والسياحة، فلا يوجد شك أن تجارة المخدرات الكولومبية تضرب الدولة في مقتل وتجعلها عرضة لكبرى الأزمات التي تخشاها أي دولة، وإذا نظرنا إلى التأثير على الفرد فإن الأمر يستدعي دراسات مجتمعية كاملة، فمثلاً نجد في مصانع إنتاج المخدرات أعداد غير قليلة من فتيات الليل اللاتي تم توظيفهن عبر كبار التجار لتسلية العاملين هناك، ولذلك فقد كثرت الأمراض المعدية بدرجة كبيرة خاصةً في غياب الوعي الصحي، لكن كحال أي شيء في الدنيا فإن للتجارة مزايا لا يمكننا إغفالها وأهمها زيادة مستوى دخل الفرد.
بابلو إيسكوبار وعصابة ميديلين
حمل إيسكوبار عدد كبير من الألقاب، أشهرهم دون بابلو أي السيد بابلو، وإل بادرينو أي العراب أو الأب الروحي، وإل باترون أي الزعيم، وإل ماجيكو أي الساحر، وإل بابليتو أي بابلو الصغير، وأخيرًا قيصر الكوكاكيين، وعصابته الخاصة كانت تسمى ميديلين، وهي ليست كبقية العصابات الكولومبية، بل هي جيش كامل ومنظم عمل في السبعينيات والثمانينيات في عدة دول غير كولومبيا وهي بوليفيا وهندوراس وبيرو والولايات المتحدة وكندا ودول أوروبية عديدة.
حياة إيسكوبار
ولد بابلو إيسكوبار في مطلع ديسمبر 1949 وتوفى في الثاني من ديسمبر 1993، وهو بلا منازع أهم أطراف تجارة المخدرات الكولومبية والعالم كله، وفي أوج مجد إمبراطوريته فقد استطاع تهريب أكثر من ثلاثة أرباع الكوكاكيين الذي كان يصل إلى الولايات المتحدة، وكان يحصل في السنة الواحدة على 22 مليار دولار تقريبًا، لذا فهو تاجر المخدرات الأغنى في التاريخ، حيث وصلت ثروته إلى 30 مليار دولار في مطلع التسعينيات (وهذا يساوي حوالي 55 مليار دولار في 2016)، أي أنه كان واحدًا من أغنى الرجال في العالم. ولد إيسكوبار في مدينة رينيجرو وترعرع بالقرب من مدينة ميديلين وهي ثاني أكبر مدينة في البلاد وتوجد في وادي أبورا الذي يعتبر منطقة مركزية في جبال الإنديز في أمريكا الجنوبية، ووصل في الدراسة إلى مرحلة الجامعة لكنه لم يكملها وانخرط في الأنشطة الإجرامية البسيطة مثل بيع تذاكر اليانصيب المزورة وسرقة محركات السيارات، وفي السبعينيات بدأ بالعمل لدى بعض عصابات خطف البشر مقابل فدية، ثم بدأ بالعمل في تجارة الكوكاكيين حتى كون إمبراطوريته الخاصة التي كانت تهرب ما بين 70 طن إلى 80 طن كل شهر إلى الولايات المتحدة.
ازدهار إمبراطورية إيسكوبار
في سنة 1982 تم انتخاب بابلو إيسكوبار كعضو بديل لغرفة ممثلي كولومبيا كجزء من حركة التحرر البديلة، وبالرغم من توزيعه لهذا الكم الهائل من المخدرات إلا أننا لا نستطيع إنكار الأعمال الخيرية الكبيرة التي قام بها لأبناء وطنه، حيث بنى العديد من المنازل وملاعب كرة القدم في المناطق الغربية في كولومبيا، وبهذا حصل على شعبية كبيرة بين السكان المحليين. ومن الحكايات الطريفة التي تحكى عن إيسكوبار أنه بعد تهديد السلطات في الولايات المتحدة له في سنة 1981 فقد قرر الانتقام بطريقته الخاصة ليثبت لهم أنهم غير قادرين على الوصول إليه مهما فعلوا، فسافر إلى هناك والتقط صورة تذكارية بجانب البيت الأبيض مع ابنه خوان، ويقال أن زوجته ماريا فيكتوريا هي من التقطت الصورة بنفسها وذلك حسبما صرحت في فيلم وثائقي باسم “خطايا والدي” الذي أنتجته قناة HBO الأمريكية.
بابلو إيسكوبار في السينما والتلفاز
ظهر إيسكوبار في العديد من الأعمال الفنية في العقدين الفائتين، وهذا الأمر طبيعي تمامًا، فقصته مليئة بالأحداث المثيرة، وباعتباره أكبر تجار المخدرات في التاريخ فإن هذا يخلق مساحات للإبداع وتكوين قوالب مختلفة لشخصيته، والطبيعي أيضًا أن تزيد شعبيته لدى الجمهور أو الجزء الأكبر منه بالرغم من كونه مدمرًا لجيل كامل، فالناس يتجهون إلى حب الشخصيات الشريرة خاصةً عندما يكون لها كاريزما ساحرة وعندما تظهر بعض الجوانب اللطيفة أو الإنسانية في الشخصية، حيث يشعر المشاهد بأن هذا الإنسان مظلوم وأن الظروف دفعته إلى اللجوء إلى هذا النوع من الحياة، وأنه لولا الظروف لكان قد سلك طريقًا آخر، ونجد هذا مثلاً في ثلاثية العراب التي تصور حياة المافيا الإيطالية في أمريكا، فهذه الثلاثية هي من أشهر الأفلام في التاريخ والتي لاقت استحسانًا من النقاد والجمهور على حد سواء. ومن أهم الأفلام الوثائقية التي تم إنتاجها عن حياته هو فيلم أنتجته قناة ناشونال جيوجرافيك في سنة 2007 باسم “بابلو إيسكوبار: ملك الكوكاكيين”، ويحتوي على كمية كبيرة من الصور والمقاطع الأرشيفية التي تذاع للمرة الأولى على أية وسيلة إعلامية.
فيلم Blow
ظهر إيسكوبار في فيلم Blow الهوليوودي من إنتاج سنة 2001، وهو من بطولة الممثل الأمريكي جوني ديب وجوردي مولا وبينيلوبي كروز وراي ليوتا ومن إخراج وإنتاج تيد ديمي، مع العلم بأن الفيلم لم يحقق سوى نجاح صغير بصورة غير متوقعة في شباك التذاكر الأمريكي، حيث حصد 83 مليون دولار في حين أن ميزانيته كانت 50 مليون دولار، ولم يحصل على استحسان النقاد إلا عدد قليل منهم، حيث قال بعضهم أن الفيلم قد استعار العديد من الملامح الموجودة في أفلام الجريمة التي تم إنتاجها في التسعينيات مثل فيلم Goodfellas وفيلم Boogie Nights دون أن يقدم ملامح جديدة، ويدور الفيلم عن مهرب الكوكاكيين الشهير جورج جانج، حيث يتتبع حياته بدايةً من سفره مع صديقه تونا إلى لوس أنجيليس ثم انخراطه في توزيع المخدرات وبعد ذلك تهريبها، وفي منتصف الفيلم يظهر بابلو إيسكوبار بهيبة بالغة في مزرعته الخاصة.
مسلسل ناركوس
مسلسل ناركوس هو أكثر الأعمال الفنية التي يرتبط بها اسم بابلو إيسكوبار، وهو مسلسل أنتجته شركة نيتفليكس وبدأت بعرض الحلقة الأولى في 28 أغسطس 2015، وهو من إخراج كريس برانكاتو وبطولة واجنر مورا وبويد هولبروك وبيدرو باسكال وجوانا كريستي ولويس جوزمان وأندريه ماتوس، وفي الموسم الأول نتعرف إلى القصة الكاملة لازدهار تجارة المخدرات الكولومبية على يد إيسكوبار، وتم عرض الحلقة الأولى من الموسم الثاني في 2 سبتمبر 2016 في موسم مميز مكون من عشر حلقات كسابقه، وبعد أربعة أيام من العرض أعلنت الشركة عزمها على إنتاج جزء ثالث ورابع بسبب النجاح الكبير الذي حققه الموسم الثاني – بدرجة أكبر نسبيًا من الموسم الأول – وتم ترشيحه كأفضل مسلسل تلفاز درامي في الدورة الثالثة والسبعين من جوائز الجولدن جلوب وترشح واجنر مورا في جائزة أفضل ممثل في مسلسل تلفاز درامي.
العصابات الحالية
أعلنت منظمة هيومان رايتس ووتش– بالاعتماد على مصادر كولومبية استخباراتية مع مصادرها الخاصة – أنه منذ سنة 2003 أصبحت المنظمات اليمينية المسلحة هي المسيطرة على تجارة المخدرات الكولومبية وذلك بصورة أكثر تنظيمًا وذكاء من السابق، وتضم أكثر من عشرة عصابات، وتسيطر تلك المجموعات على 40% من تصدير الدولة للكوكاكيين، وطبقًا لتحقيق مستقل قامت به جريدة “إل تيمبو” الكولومبية فإن النسبة تصل إلى 50%، وطبقًا للشرطة الكولومبية فإن عدد أعضاء تلك المجموعات يصل إلى أكثر من ثلاثة آلاف وسبعمائة فرد وذلك في إحصاء شهر يوليو 2010، وقالت منظمة كولومبية غير هادفة للربح أن تلك المجموعات تملك حوالي 6 آلاف مقاتل متأهبون للمعارك في كل الأوقات، وتقول بعض التقارير الأخرى أن الأعداد تصل إلى 10 آلاف.
أهم العصابات
من أهم تلك المجموعات مجموعة الصقور السوداء التي تم تشكيلها في سنة 2006 وتعمل حتى وقتنا الحالي، وتم إثبات أنهم قاموا بعمليات خطف كثيرة. وأيضًا مجموعة لوس راستروخوس، وعملت المجموعة على تهريب الكوكاكيين والماريجوانا والهيروين وتعدين الذهب غير القانوني، وبدأ عملها منذ سنة 2004 وانتهى في 2016، وكان نطاق عملها يشمل كل من كولومبيا وفينيزويلا والإكوادور والمكسيك، ووصل عدد الأعضاء فيها إلى حوالي ألف وخمسمائة عضو، وتم إثبات تهم القتل وتهريب المخدرات والسلاح وغسيل الأموال، ومن أهم حلفائها مجموعة سينالوا وتاجر المخدرات الكبير المعروف باسم إل لوكو والذي تم القبض عليه في سنة 2012 والمجموعة المعروفة باسم مكتب إنفيجادو، وأهم خصومهم مجموعة لوس أرابينيوس، وقد تكون هذه المجموعة هي من أهم عصابات تجارة المخدرات الكولومبية في وقتنا الحالي بالتوازي مع مجموعة نورتي ديل فالي حيث يتم اعتبارهم الوريثين لعصابة كالي التي سيطرت على تهريب النسبة العظمى من الكوكاكيين إلى مختلف دول أوروبا في التسعينيات وضمت أكثر من 700 ألف عضو عملوا فيما بين سنوات 1977 و1998 في نطاق ضخم ضم كل من كولومبيا والولايات المتحدة والمكسيك وإسبانيا والأرجنتين وفينيزويلا والإكوادور وبوليفيا وبيرو وبنما بقيادة الإخوة رودريجوز أوريخويلا.
أضف تعليق