ليزي بوردن، هي اسم الفتاة التي أثارت قضيتها الرأي العام في أمريكا. ونسجت قصتها العديد من قصص الرعب والجريمة، لتصبح وكأنها جزء من الفولكلور الشعبي الأمريكي. بعد جريمة قتل والدها وزوجته، قتلًا وحشيًا، بعام 1892. وعلى مدرا قرن من الزمن ظهرت العديد من النظريات التي تفسر من هو القاتل الحقيقي الذي لم يعرفه أحدًا أبدًا. ليزي بوردن هي الابنة الأصغر لوالدها. ورغم أن كل الأدلة أشارت بأصابع الاتهام إليها، إلا إن المحكمة ولسبب ما قررت بحكم البراءة. لتعود وتعيش في نفس البلدة التي مات فيها والدها، رغم امتلاكها للمال الوفير. ورغم كل النفور الذي واجهته من سكان المنطقة، المؤمنين بكونها مذنبة. رغم نفي أي اشتباهات أخرى، فلم يتركوا شخصًا إلا وشتبهوا به. الخادمات، الأقارب الآخرين، وحتى عابر سبيل غير معروف الهوية. الأدلة القادمة، تثير الشك في قضية ليزي بوردن المحيرة. ولك عزيزي بالأخير أن تحكم الأمر في عقلك.
من هي ليزي بوردن وهل هي بريئة أم مذنبة؟
بخل والدها الشديد
ليزي بوردن البالغة من العمر 32 عام، كانت تعيش مع أختها الكبرى “إيما”، ووالدها “أندرو بوردن” وزوجة أبيها “آبي”. كان والدها رئيس البنك المحلي، كما أنه كان رجل أعمال كبير ومهم، ويمتلك عدة عقارات تجارية. وبذلك فهو كان من أغنى أغنياء نهر فال (المكان الذي سكنوا فيه). إلا إنه كان رجل سيء، وبخيل لأبعد درجة ممكنة. فبكل تلك النقود كان من السهل توفير حياة مرفهة بين قصور المدينة بين النخبة الغنية، ويريح أسرته. إلا إنه أصر على العيش في منزل صغير، على الجانب الأخر من الحياة الراقية. وكان ليزي بوردن كثيرًا ما تحسد من يعيشون برفاهية.
بخل هذا الرجل وصل إلى حدود خطيرة. ومن أجل جمع المال، رفض أن يرمي الطعام الفاسد الذي لم تتمكن أسرته من أكله، وحين اضطروا أصيبوا جميعًا بالإعياء الشديد. ولم يكن بالمنزل كهرباء، رغم كونها قد دخلت عدة بيوت أقل دخلًا في ذلك الوقت. ولم يمتلكوا سباكة جيدة، ولا أثاث متين. وطالما اعتقدت ليزي أن والدها يقصد أن يعاملهم بتلك الطريقة الرديئة. ويقصد أن يجعلها تفشل في إقامة أنشطة اجتماعية جيدة. والنتيجة كانت الشعور بالقهر والكره ناحية هذا الأب البخيل والظالم.
زوجة الأب
“آبي” كانت زوجة أب بالنسبة إلى ليزي بوردن. وطالما ظلت هكذا إلى أخر لحظة. وفقًا للأستاذ “جولز ريكيبوش”، كرهت ليزي زوجة أبيها أشد الكره. بعد موت أم ليزي الحقيقة، تزوج أندور من آبي. وكانت قصيرة، سمينة، ولا تمتلك من العمر سوى 37 عام. بالإضافة إلى والدها الفقير الذي يعمل بالقصدير. ولم يكن والد ليزي ينظر إلى آبي سوى على إنها خادمة. واعتقد أهل البلدة أن هذا الزواج مجرد حيلة من أندرو، للحصول على خادمة ومربية لأطفاله بدون مقابل مادي.
تم وصف علاقة ليزي بوردن بآبي، على إنها علاقة أقل من المودة. على الرغم بأن ذلك لا يعني بالتأكيد أنها القاتلة، إلا إن المؤرخون يعتبرون أن تلك الزوجة هي سبب رغبة ليزي بالقتل. ومن ثم اضطرت إلى قتل والدها، لأنه يعرف حقدها وكرها، وسيشهد ضدها في المحكمة لا محالة. فلم يكن أمامها خيار أخر. وما يؤكد كره ليزي بوردن لآبي، بأنه حين تم التحقيق معها، قام المحقق بالإشارة إلى آبي على إنها أم ليزي. فصرخت فيه بحدة وقالت: “إنها ليست أمي، إنها زوجة أبي.”
لم تكن جريمتها الأولى
ليزي بوردن لم يكن لديها مانع بالجريمة، وهذا واضح جدًا في سرقتها من والدها. في عام 1891، أي قبل عام واحد من جريمة القتل. دخلت ليزي خلسة إلى غرفة والدها، وسرقت مجوهرات آبي، وبعض المال من والدها. على الرغم من أن والدها يعلم جيدًا بأنها السارقة، اتصل بالشرطة وطلب فتح تحقيق لمعرفة السارق. ما تبع ذلك في الأسابيع التالية، كان إيماءات وترهيب تجاه ليزي بشكل صامت. فكان والدها يثبت البراغي والأقفال على أبواب المنزل والغرف.
بعد فترة وجيزة، تلقت صديقتها ليزي “أليس راسل”، اتصال هاتفي منها، تشتكي فيه من والدها. إلا إن همها كان منصب في العدد اللا نهائي من الأعداء الذين يعادون والدها، لأنه رجل أعمال سيء. وأوضحت في مهاتفتها أنها تخاف منهم، وما قد يفعلونه. وتعتقد أنهم سيقومون بحرق المنزل وهم بالداخل، لن يستطيعوا الخروج. وهي تشعر أن شيء سيء جدًا على وشك الحدوث.
انخفاض الثروة
ليزي بوردن شقيقتها إيما، لم يكونوا أبدًا على وفاق مع آبي زوجة أبيهم. ولكن زادت التوترات عندما بدأ ميراثهم وثروتهم تتناقص لصالح تلك الغريبة. في الشهور السابقة لموت أندرو، بدأ بإعطاء عطايا وهبات للعديد من أفراد عائلته الغير مقربين. وكانت الهدايا باهظة ولم تكن تلك عادته. إلا ابنتيه بالطبع. ومن ضمن الهدايا كانت عقارًا كبيرًا نقله لملكية زوجته آبي. حينها تمالك الغضب ليزي، وطلبت بإعطائها هدية مماثلة في القيمة. وبدأت في الإشارة إلى آبي، بزوجة السيد بوردن، كنوع من التحقير.
لم يكن هذا أخر المطاف، فالليلة التي سبقت الجريمة تحكي الكثير. لقد زارهم “جون مورس”، وهو خال ليزي بوردن. ولذلك لمناقشة أمور تجارية مع والدها. وتمت دعوته لقضاء عدة أيام. وقد شهد في المحكمة أن الجو العام كان مشحونًا بالعنف والكره، نتيجة التداعيات التي حدثت بأواخر الشهور. وأفادت شهادته، بأن الغضب والعنف الذي تملك ليزي هذه الليلة، قد يكون نتيجة ما سمعته خلسة عن الأمور التجارية المقدم عليها والدها. لأنها رأت في ذلك استنزافًا أكبر لا داعي له، للميراث الذي تتمنى الحصول عليه والتمتع به. ورأت أنه ينخفض تدريجيًا، وشعرت بأنها لم تعش سعيدة في حياة والدها، وستكون أتعس بعد أن يموت، في الوقت الذي تفرح فيه تلك المرآة الغريبة بالأموال. فلابد أن يكون العنف قد تملك عقلها بشدة في هذه الليلة.
حقيقة في القبو
منذ البداية، كان مسرح الجريمة مشوه بطريقة تختفي بينها القطع الأساسية لفك اللغز. فتم أخذ الأدلة التي يمكن الاستعانة بها، أو فهمها على الأقل. من أهم الأدلة كان نصل بدون مقبض، موجود في القبو. وبالطبع لم يكن الطبي الشرعي حينها في أفضل أحاوله. فاستغرق الأمر قرن من الزمن لمعرفة أن هذا النصل هو أداة الجريمة التي قطعت الوشاح على رأس آبي، قبل أن تصل للرأس نفسه. كما وجدوا بالفرن الموجود بالقبو، ما يبدو وأنه أداة خشبية أسطوانية، قبل أن يتم حرقها.
الآن دعونا نفسر الأمر بعقلانية. في ذلك القرن لم تتوفر المعرفة الكافية لكيفية إزالة الدماء من المقبض الخشبي، أما النصل المعدني فأمره سهل. لذلك توجب على ليزي بوردن بعد قتل أبيها أن ترمي المقبض في الفرن يحترق معه دليل مهم. والأغرب من كل هذا، أن ليزي بوردن زعمت أن فستانها قد تلطخ بالطلاء فاضطرت إلى حرقه بالفرن. وذلك تزامنًا بالصدفة مع أحداث الجريمة. لا يبدو أن الأمر يحتاج إلى شارلوك هولمز ليحل هذا اللغز. وبقيت الشرطة تجادلها بأن الفستان كان ملطخ بالدماء، لا بالطلاء. وأتصور أنهم لم يصلوا معها إلى حل.
تناقضات استجواب ليزي بوردن
ثم لحظة اكتشاف الجريمة، وبداية التحقيقات، لم تكن الشرطة تحب سلوك ليزي أبدًا. لقد بدت هادئة جدًا، ولا يبدو عليها الحزن أبدًا، بالنسبة إلى فتاة كانت قد تلقت خبر وفاة والدها وزوجته للتو، وبهذا تصبح يتيمة. أما الأغرب من تصرفات فكانت تناقضات إفادتها. خلال الاستجواب، لم تكن الإجابات غريبة ومتناقضة فقط، بل كانت تتغير باستمرار في حجة الغياب. فقد أخبرت ليزي بوردن العديد من رجال الشرطة والجيران، بأنها كانت في الحظيرة لمدة 20 دقيقة أو نص ساعة تقريبًا. وذلك الوقت هو توقيت حدوث الجريمة.
مع ذلك، اعترضت الخادمة “بريدجيت” واثنين من الجيران، حقيقة هذه الحجة. قائلين بأنها لم تمضي في الحظيرة سوى خمس دقائق بالكثير. ومن خلال استكمال الاستجواب، بدا أن الأكاذيب بالطفو إلى السطح. كذبة وراء الآخرى جعلت ليزي تظهر وكأنها كانت في عدة أمكنة في ذات الوقت، أو أنها مجنونة لا تعرف أين كانت. بالطبع بدأ المحققون بالتأكد من أن الجاني الحقيقي يقف أمامهم. إلا إنهم لم يعرفوا أبدًا العقبات التي سيجدونها في المحكمة بعد ذلك.
اكتشاف الجثة
في الصباح قبل عملية القتل بقليل، أوضحت الخادمة “بريدجيت سوليفان”، أن السيد أندور كان يتمشى بالخارج. وعندما عاد إلى المنزل اكتشف أنه مقفل من الداخل، وأنه محبوس من الخارج. حاولت بريدجيت مسرعة أن تفتح الثلاث أقفال المثبتة على الباب، بعد أن كان أندرو في غاية من الضيق والإحباط. وقابل ذلك ضحك عالي وسخرية من ليزي بوردن في أعلى السلم المقابل. بعد أن دخل أندرو أخيرًا إلى المنزل. ذهبت بريدجيت لتأخذ قيلولة، وكانت الساعة الحادية عشر صباحًا بالضبط. بعد عشر دقائق فقط، سمعت صراخ من ليزي يناديها: “انزلي حالًا، والدي قد مات، جاء شخص من الخارج وقتله.”
ما يثير الدهشة، أن بريدجيت أكدت أنها لم تسمع أي أبواب تقفل وتفتح، ونظرًا لصعوبة فتح الباب فالأمر قد يحتاج إلى بعض الوقت والضوضاء. وأكدت كذلك أنهم كانوا بمفردهم بالبيت أثناء وقوع جريمة موت الأب. أي بريدجيت وليزي بوردن وأندرو بوردن. بالطبع بالإضافة إلى جثة آبي التي لم تكن قد اكتشفت بعد عند هذه النقطة، ولكنها ماتت قبله.
في البداية، أكدت ليزي شهادة بريدجيت، بأنها كانت في الطابق العلوي أعلى السلم. ومن ثم تغيرت التفاصيل وأصبحت عند أسفل السلم في الطابق السفلي ورأت الغريب. ومن ثم تغيرت مرة أخرى لتقول إنها لم تكن بالمنزل أصلًا وكانت بالخارج. بالأخير قالت بأنها كانت بالحظيرة لمدة 20 أو 30 دقيقة، فكانت كذبة أخرى كما رأينا في النقطة السابقة.
الميراث وحياة ليزي بوردن التالية
بعد حكم البراءة، جاء وقت التمتع بالميراث. وخلال التحقيق، كان قد أكد أن القتل لم يترافق معه أي سرقة لمال أو مجوهرات. مع التذكير بانه قبل عام واحد تم سرقة القليل من المال، بدون معرفة الفاعل. بعد البراءة ورثت ليزي وإيما ما يقدر اليوم بسبعة ملايين دولار. لأن ثروة أندرو كانت ضخمة بالفعل. وأول شيء قاما بفعله هو شراء منزل باهظ الثمن وراقي جدًا، في الاتجاه المعاكس للحياة المتدنية في منزل والدهم. ولكنهم ما زالوا يعيشون عند نهر الفال. وكان قصرهم الفاخر عند مرتفعات هريتاد هيل، مكون من 14 غرفة، ومصمم على الطراز الفيكتوري. وكان ذلك من أبرز الأحياء في تلك البلدة، في وقتهم. بعيدًا عن الحياة العاملة الصاخبة والفقيرة لحيهم القديم.
لقد تغيرت كامل الحياة بالنسبة إلى ليزي بوردن. وعاشت حالة من الإنكار لمستواها المعيشي السابق. وسمحت لها الأموال بذلك. فأخذت تسافر إلى كل مكان رغبة فيه، ولا ترضى في كل مرة سوى بالدرجة الأولى على الطريق. واشترت العديد من السيارات واستأجرت العديد من السائقين. وعينت العديد من الخادمات لكل صغيرة وكبيرة في البيت. لتعيش حياتها البراقة الجديدة في أبهي حلة وأكثر راحة مع هذا التغير المفاجئ.
نية سابقة بالقتل
قبل جريمة القتل بيوم، حاولت ليزي بوردن شراء حمض البروسيك، وهو سيانيد الهيدروجين، وكان يستخدم من قبل النازيين في الإبادة الجماعية أثناء الحرب العالمية الثانية. وكان الصيدلي “إيلي بينز”، قد رفض طلب ليزي بشدة، نظرًا لخطورة المادة وكونها غير خبيرة بعلم الصيدلة. أما في اليوم التالي، استيقظت آبي مع معدة متعبة. وذهبت لرؤية الطبيب “بوين”، وقالت له أنها تشعر بأن أحدًا حاول أن يسممها. بالطبع لم يلتفت الطبيب لهذا الادعاء، لأنها مجرد امرأة أخرى متعبة من مرضاه. ولأنه لم يعلم خطورة الوضع آنذاك. ولم يعرف قصة رغبة ليزي في شراء السيانيد.
ويبدو أن رفض الصيدلي لإعطاء ليزي بوردن ما تريد، جعلها تفكر بأداة أكثر توفرًا بالنسبة لها. بالطبع كان السيانيد سيكون تأكيد الجريمة واثباتها على ليزي، ولحسن حظها أنه لم يوافق. بالرغم من هذه النية الواضحة للقتل، إلا إن المحكمة لم تلتفت لها لسبب ما. وحكم عليها بالبراءة.
اضطرابات في شخصية ليزي بوردن
علم النفس التحليلي قام بدوره في هذه القضية، ملقيًا الضوء على كمية الضربات التي تلقاه كل فرد في الجريمة. مما يشير إلى إن الجاني يكن لهم العداء والكراهية ولا وجود للرحمة والعطف. محاولة فصل الجمجمة من الجسم، يحتاج لوقت ومجهود وخاصة باستخدام نصل حديدي واحد. وهذا يدل على كمية الغضب والإصرار على القتل والتعذيب من قبل الجاني، فإنه لم يكن عابر سبيل أبدًا. وبالتالي هذا الكلام ينطبق بشكل أكبر على أفراد الأسرة، أو أصدقاء مقربين جدًا، ولكنهم يكنون كراهية شديدة نحو الضحايا، وينفسون عن هذا الغضب العارم من خلال القتل والتشويه المتعمد.
كما إن جثة آبي كان في وضعية تشير إلى كونها قد أعطت ظهرها إلى القاتل، قبل أن تموت مباشرة. مما يعني أنها كانت تعرفه، وتثق به ولا داعي للهجوم عليه ومواجهته، لأنه ليس غريب. مع ذلك لم يكن هناك شيء أوضح من الاضطرابات النفسية والاجتماعية التي كانت تعاني منها ليزي بوردن باستمرار. وذلك كان واضحًا في تعاملها ليس فقط مع البشر بل مع الحيوانات أيضًا. لقد قامت يومًا بفصل رأس قطة آبي عن جسمها، ببرودة أعصاب، بدون عطف أو ندم.
التنوع الجنائي، الكذب المرضي، الفقر والتحقير، عدم التعاطف أو زرف الدموع، القسوة والعدوان، الاضطرابات النفسية والاجتماعية والتي بقيت معها حتى بعد امتلاكها لكل تلك الثروة. كلها أصابع اتهام تشير نحو ليزي بوردن وتصرخ عالية بأنها القاتلة الحقيقية. رغم ذلك، لم تجد المحكمة بطريقة ما، سببًا للحكم بجريمة القتل مع سبق الإصرار. أو يبدو أنهم أشفقوا على حال الفتاة.
بالنهاية عزيزي القارئ، أنت الآن محقق وقد سمعت إفادات الكل ووقائع الجريمة. وعرفت أيضًا ما كانت تعاني منه الفتاة وأختها. فهل ستفعل مثل المحكمة وتحكم بالبراءة؟ أسيكون هناك شفقة ممكنة للفتاة بسبب حالتها الغير طبيعية؟ أستجد بين الأدلة ما يشكك في براءتها؟ أم ستحكم بأن العدل يجب أن يأخذ مجراه مع ليزي بوردن؟ وأنها ستحق حكم الإعدام؟
أضف تعليق