انتشرت مجموعة فرسان الهيكل في العصور الوسطى، وهو الوقت الذي بدأت فيه الحملات الصليبية على دول المشرق والمغرب العربي، حيث كانت هذه المجموعة في مقدمة صفوف المجاهدين المسيحين باسم الصليب، وهم أيضًا لم يكونوا مجرد فرسان مُحاربين، بل كانوا كذلك رهبان ومُتدينين، لكن هذا الكيان لم يستمر أكثر من قرنين، حيث تم القضاء عليهم وتفكيكهم بعدها، وكانت نهايتهم مأسوية بحق، لكن دعونا قبل أن نعرف هذه النهاية نتناول سويًا في السطور الآتية ماهية فرسان الهيكل وبدايتهم وأهميتهم في التاريخ المسيحي بأكمله، وأخيرًا، كيفية سقوطهم.
فرسان الهيكل و حملاتهم ضد المسلمين
من هم فرسان الهيكل؟
فرسان الهيكل هم مجموعة من المسيحين الذين عاصروا الحملات الصليبية ويدعون أنهم يحمون هيكل النبي سليمان، وقد كانوا يمثلون الصفوف الأولى في الحروب الصليبية، حتى أنهم كانوا سببًا رئيسيًا في الانتصارات التي أُحرزت في البداية.
لم يكن فرسان الهيكل كذلك مجموعة قتالية وحسب، بل كانوا كيانًا كاملًا وضالعًا في كل شيء يتعلق بالمسيحين، حتى التجارة والدين كانوا يتحكمون فيهما كذلك، وقد قيل إن هؤلاء الفرسان كان لهم زيًا موحدًا في البداية، لكنهم مع تقدم الوقت لم يرتبطوا بهذا الثوب، حتى جاء سقوطهم بعد قرنين من قيادتهم للمسيحية في أوروبا والعالم بأكمله، لكن ما قبل سقوط هناك البدايات بالطبع، البدايات التي تُعد الفصل الأجمل في أغلب القصص.
بداية فرسان الهيكل
ربما يكون من الغريب أن نعرف أن فرسان الهيكل قد بدأوا من أرض عربية خالصة، وتحديدًا سوريا، حيث كانت البداية من هناك قبيل الحروب الصلبية، وذلك على يد بعض الفرسان الذي قرروا طلبوا الخلاص في الآخرة عن طريق حماية الحجاج المسيحين الذين كان يتم مواجهتهم وصدهم من قِبل بعض الهمج.
ارتفعت أسهم هؤلاء الفرسان لحمايتهم الحجاج، ومنذ هذه الواقعة عُرفوا باسم فرسان الهيكل، لأنهم كانوا يحمون هيكل النبي سليمان، لكن أعمالهم توسعت بعض ذلك، ولم يظلوا مجرد مجموعة من المُقاتلين، وإنما تم فتح الانضمام لهم وولج إليهم العديد من المسيحين، بينهم الراهب والتاجر وغيرهم، لتقوى شوكة فرسان الهيكل ويصبحوا قوة صليبية كبرى.
الاعتراف بفرسان الهيكل
ظلت جماعة فرسان الهيكل تزدهر يومًا بعد الآخر، لكن مع ذلك لم تلقى الاعتراف من قِبل بقية الأقباط، والذين بدأوا في محاربتهم بشتى الطرق، وأولها بالطبع إطلاق الشائعات والأكاذيب، حيث أشاعوا أن جماعة فرسان الهيكل لم تقم لأسباب دينيه مطلقًا وإنما هي في الأساس من أجل مصالح سياسية، وأن اليسوع الذي أمر بالحب والسلام لا يُمكن أن يقبل أبدًا بمجموعة من المقاتلين وسفكة الدماء كحماة له، على كلٍ، في نهاية اضطر البابا إلى الاعتراف بجماعة فرسان الهيكل، وذلك بعد مرور حوالي عشر سنوات على تأسيسهم، حيث رأى فيهم قوة لا يجب تركها دون الاستفادة منها، وفي نفس الوقت لا يجب الاستهانة بها خشية الانقلاب على الكنيسة.
سمات فرسان الهيكل
تميز فرسان الهيكل بعدة سمات كانت كفيلة بترجيحهم عن أي جماعة صليبية أخرى، حتى أنه كان يُنظر لهم على أنهم الجماعة المسيحية الأكثر التزامًا والأكثر تميزًا وتفردًا، والحقيقة أن هذا التميز والتفرّد لم يكونا في مجال الحرب فقط، وإنما كان في باقي المجالات، لذلك تمكن التاريخ من رصد بعض السمات لهؤلاء الفرسان.
الولاء للمسيح، أمر لا خلاف عليه
كان الولاء للمسيح أمر لا خلاف عليه لدى فرسان الهيكل، والواقع أن هذا الولاء لم يكن مباشرًا وإنما جاء من خلال عدة طرق، فمثلًا في الحرب، كان الولاء للمسيح يتمثل لهم من خلال رفض فكرة الاستسلام نهائيًا، وعدم التفكير في شيء بخلاف الموت أو الانتصار، وكذلك في الأمور المالية، كانوا يحرصون على حفظ أموال الناس لدرجة أنهم كانوا يدفعون ما ينقص من جيوبهم، وقد ساهم كل ذلك بالطبع في زيادة حب الناس لهم، لكنهم كانوا يؤكدون في كل مرة على أن ذلك لم يكن الهدف مما يفعلونه، وإنما هم بحق يُناصرون الحق والعدل.
الالتزام الديني، شرط الانضمام
لم يكن الشرط الأول لانضمام المسيحين إلى فرسان الهيكل أن يكونوا أقوياء أو ما شابه، وإنما كان يُشترط فقط الالتزام الديني والأخلاقي، فالضعيف عندهم يمكن من خلال التدريبات إكسابه القوة اللازمة، وكل شيء وارد ما دام الالتزام الديني موجود، لكن المارق أو المبتعد عن تعاليم المسيح فلا مكان له بينهم، وذلك لأنهم ببساطة كانوا يرون فيه مُرتزق، يُدافع فقط عمن يوفر له الطعام والشراب، وهذا لم يكن أبدًا السبب الذي قاموا من أجله.
فرسان الهيكل والأسر
من ضمن الأمور الغريبة فيما يتعلق بجماعة فرسان الهيكل أنهم كانوا لا يتعرضون أبدًا للأسر، وخاصةً في حروبهم ضد المسلمين، حيث كان شعارهم الأول هو الموت أو النصر، لذلك لم يذكر التاريخ أن المسلمين تمكنوا يومًا من أسر أحد فرسان الهيكل، والحقيقة أنهم لو أُسروا فلن يكون لهم أي فائدة تذكر، لأنه من ضمن صفاتهم أيضًا أنهم كانوا لا يقبلون بالمقايضة، بل كانوا أثناء الأسر يقومون بالعمليات الانتحارية كالاندفاع نحو النار مثلًا أو محاولة التعدي على جنود الآسرين، وذلك من أجل ضمان الموت، وقد كانوا فعلًا يحصلون على بغيتهم في النهاية.
نهاية فرسان الهيكل
تلألأ نجم فرسان الهيكل لمدة طويلة تقترب من القرنين، بعدهما جاء السقوط الحتمي، والذي هو من سنة الحياة بطبيعة الحال، وقد جاء هذا السقوط على يد أحد حكام الكنيسة وقتها.
جاء سقوط فرسان الهيكل بعد سلسلة هزائم متتالية في الحروب الصليبية، حيث شعر البعض أن فرسان الهيكل قد أصبحوا مثل الخيول الكبيرة، والتي لا تلبث إلا أن يتم إعدامها، ولذلك جرى التضييق عليهم وإعمال القتل فيهم، حتى يقال إنه كان يتم قتل أعداد مهولة منهم يوميًا واستمر الأمر حتى لم يبقى من فرسان الهيكل سوى اثنا عشر فارسًا فقط، جمعوا في أحد الميادين وتم حرقهم أحياء، لتُكتب بذلك النهاية المأسوية لأشهر المحاربين الصليبين في التاريخ.
محاولات النهوض
جرت بعض محاولات النهوض بفرسان الهيكل من جديد، وذلك على يد بعض المؤيدين لهم من الشعب، لكن محاولات إشعال فتيل الفرسان من جديد باءت بالفشل، حتى أنه قد تم تجريم كافة أشكال التأييد لفرسان الهيكل، ولو حتى بمجرد القول، وبالطبع، على سبيل الترهيب، تم الزج ببعض الأبرياء وإعدامهم علنًا بتهمة محاولاتهم لإحياء ذكرى فرسان الهيكل، لتنطفئ الشرارة الأخيرة في شعلة فرسان الهيكل، وينساهم الناس مع مرور الوقت، لكن التاريخ أبدًا لم يفعل.
تخليد فرسان الهيكل
حاولت الكثير من الكتب تخليد ذكرى فرسان الهيكل بأي طريقة ممكنة، والصعوبة هنا في تعنت الكنيسة أيضًا بذلك، وحرقهم لأغلب الكتب التي تتناول حياتهم، لكن في النهاية نجحت المحاولات، وليس هناك دليل أكبر على ذلك من أنهم كانوا محور حديثنا طوال السطور الماضية.
أضف تعليق