بالطبع جميعنا يعرف أن كل البلاد تبحث دائمًا عن أساطير لها في التراث حتى تتباهى بها أمام أقرانها، وقد كانت أسطورة ميرلين هي الأسطورة الأقرب لدى البريطانيين، حيث ظلوا يُرددونها ويتفاخرون بها طوال تاريخهم، والواقع أن من يُمعن في هذه الأسطورة فسيجد أنها استنساخ كاذب لقصة سيدنا عيسى، حيث جعل البريطانيون من ميرلين هذا شخص ذو كرامات لا يُعرف له أب، ثم أقحموه في قصة أسطورية مع الملك واعتبروه بطلًا لهم، ولكي لا نُسهب في التقديم دعونا نتعرف سويًا في السطور الآتية على أسطورة ميرلين من البداية إلى النهاية.
أسطورة ميرلين هل هي حقيقيةً فعلاً أم إنها مجرد كذبة؟
من هو ميرلين؟
أسطورة ميرلين من الطبيعي جدًا أن تبدأ بقصة ميلاده الشهيرة، والتي وقعت في العصور الوسطى بأوروبا، ولمن لا يعرف، لقد كانت أوروبا في هذا الوقت تعج بالجهل والفساد والظلم والخرافات، وبالطبع كانت هذه الأشياء كفيلة بأن يقوم الرجال بخداع النساء ومعاشرتهم وتركهم دون زواج أو ارتباط، ومن بين هؤلاء كانت ثمة واحدة من أشهر نساء التاريخ فيما بعد، وهي والدة ميرلين، حيث خُدعت في رجل قام بالهرب بعد نيل المراد منها، لتشعر المرأة بعدها أن قد أجرمت في حق نفسها ودينها وتقوم بطلب التوبة والمغفرة، تقول الأسطورة أن الرب استجاب لها وأنعم عليها بطفل ذو قدرات خارقة وبركات عجيبة، وكان هذا الطفل هو ميرلين.
تقليد آخر
لم تكتفي أسطورة ميرلين بالاقتباس من قصة سيدنا عيسى فقط، بل أقدمت أيضًا على الاقتباس من قصة سيدنا موسى، حيث تقول الأسطورة أن رجال الدين قد أخبروا الملك بأن حكمه إلى زوال إذ لم يقم بقتل أطفال المدينة، فقام الملك بقتلهم بالفعل إلا أنهم عادوا وقالوا إنه ثمة شرط هام في الطفل الذي سيقتل وهو أن يكون بلا أب، وبعد بحث شديد تمكنوا من العثور على طفل واحد في البلاد غير معروف أصله أو والده، وهو الطفل ميرلين، فأمر الملك بقتله.
التقرّب إلى الملك
انقلب خطة كهنة وسحرة إنجلترا رأسًا على عقب، فبعد أن كانوا يُفكرون في كيفية التخلّص من أسطورة ميرلين لما رأوه فيه من قدرات خارقة قادرة على إزاحتهم من أماكنهم قام هو بذكائه ودهائه من الوشاية بهم لدى الملك وإيهامه بأن السحرة والكهنة في الحقيقة يخططون لتهييج العامة عليه وأنه لو وجود لطفل قادر على زحزحة الملك من تحت قدميه، وبالرغم من أن ميرلين وقتها كان لا يتجاوز العاشرة من عمره إلا أنه استطاع بقدرة عجيبة الوصول إلى الملك وإقناعه بكل ذلك، ليتخلص الملك من الكهنة والسحرة ويُقرّب ميرلين له حتى يكبر أمامه وفي كنفه.
ميرلين وآرثر
تقول الأسطورة أن قدرة ميرلين الخارقة جعلته يتنبأ بميلاد الملك آرثر، والذي قال عنه ميرلين أنه القائد الهمام المنتظر، والشخص الذي من المتوقع أن يقود معركة الخير ضد الشرّ ونزع السيف المُبارك من مكانه، وقد بلغ ميرلين الثلاثين من عمره عندما كان آرثر يتولى الحكم لذلك جعله مُستشارًا له ومُعينه في كافة الأمور، والحقيقة أن آرثر كان بخلاف الحُكم أسدًا مغوارًا، حتى أن الأساطير قالت إنه استطاع صيد التماسيح أكثر من مرة، لكن، وبالرغم من كل ذلك، تمكن أحد التماسيح من طعنه في ظهره.
خيانة آرثر
بعيدًا عن أسطورة ميرلين، وإذا مررنا بقصة الملك آرثر التي تزامنت مع ميرلين، فسنجد أنه قد تعرض لواحدة من أعظم قصص الخيانة في التاريخ، وذلك على يد زوجته العزيزة، حيث وقعت في حب أحد الفرسان واتفقت معه على قتله، وبالفعل أقدم على تسميمه وألقاه بجزيرة ما بعد موته، لكن بعد الروايات قالت إنه لم يمت، وأنه يتعافى عن طريق أشعة الشمس وسوف يعود يومًا ما، وقد كان ميرلين من أكبر المروجين لهذه الأسطورة، وذلك لشدة تعلقه بآرثر.
نهاية أسطورة ميرلين
كان ميرلين يُحب الملك آرثر، لذلك لم يستطع تحمل موته وانعزل في أحد الكهوف مبتعدًا عن العامة، وفي هذا الوقت حدث له ما عاش عمره كاملًا محاولًا الابتعاد عنه، سقط في الحب، وقع ميرلين في حب فتاة كان يرها عند البحيرة الواقعة بجوار الكهف المُعتزل فيه، ويقال أنه هذه الفتاة لم تكن تحب ميرلين كما يُحبها هو، وإنما قامت باستغلاله حتى تتمكن من تعلم السحر والعلم الوفير الذي كان يمتلكه ميرلين، وهذا ما حدث بالفعل، حيث لم تمضي أشهر قليلة من الخداع حتى تمكنت الفتاة من تعلّم أغلب الأشياء التي يعرفها ميرلين، بل وتفوقت عليه أيضًا وقامت بإغلاق الكهف عليه للأبد، وعلى ما يبدو أن الألم الذي سببته هذه الفتاة للساحر ميرلين كان أكبر مما يتخيل، لأنه بالرغم من قدرته على فتح باب الكهف لم يفعل ذلك وفضلّ الموت على أن يعيش بذكرى خداعه من الفتاة.
في رواية أخرى
هناك رواية أخرى تتعلق بموت ميرلين، ورغم أنها غير منطقية بعض الشيء إلا أن هناك الكثير من الكتب والروايات التي ذكرتها، تقول تلك الرواية أن ميرلين عندما انعزل بعد موت آرثر أصبح صيدًا سهلًا للشياطين التي كانت تتربص به من البداية، لذلك عندما وجدته في حالة الضعف تلك قامت باصطياده والصعود به نحو الجحيم، لكن حتى الآن لم يتم التعرّف على الجحيم الذي تقصده هذه الرواية، والتي قالت أيضًا أن ميرلين صعد للجحيم فقط، لكنه لم يمت، وإنما ينتظر النزول إلى الأرض رفقة الملك آرثر، وبالطبع هنا تكتمل الصورة في الأذهان، إذ أنه من الواضح جدًا أن كل ما مضى يُقصد به محاكاة قصة سيدنا عيسى عليه السلام، لكن الفارق الوحيد بينهما أن قصة سيدنا عيسى حقيقية ومُثبتة، بينما قصة ميرلين مجرد أسطورة لا تستند إلى دليل قوي.
القول الفصل
لا يوجد قول فصل في أي شيء يتعلق بأسطورة ميرلين، إلا أن بعض المؤمنين بهذه الأسطورة نفوا كل ما سبق ذكره وقالوا أن ميرلين لم يكن سوى ساحر عظيم قادر على فعل الكثير من الأشياء التي يعجز عن فعلها غيره، وأنه قد اكتسب قوته تلك من الشمس، واختتموا حديثهم بوصفه بالقول الفصل الذي لا يحتمل الشك أو التكذيب.
تخليد ميرلين
لأن أسطورة ميرلين كانت وستظل أحد أشهر الأساطير الأوربية كان لابد من تخليدها بعدة طرق من أجل ضمان ترديدها بين الأجيال، والواقع أن تلك الأسطورة لم تترك باب تخليدٍ إلا وطرقته، فقد وُجدت في القصص والروايات حتى مطلع القرن التاسع عشر، ثم بعد ذلك، ومع ظهور السينما، بدأت تتجسد في الأفلام والمسلسلات والمسرحيات، حتى الألعاب أيضًا لم تسلم منها، إذ هناك عدة ألعاب تحمل اسم ميرلين وتقوم على رجل يحاول الهرب من عدة مآزق، والحقيقة أن هذا كله يُعد نجاحًا لمن أطلقوا هذه الأسطورة في سماء التاريخ.
أضف تعليق