تسعة مجهول
جوديث بارسي
الرئيسية » جريمة » جوديث بارسي : الممثلة الطفلة التي راحت ضحية جنون الأب

جوديث بارسي : الممثلة الطفلة التي راحت ضحية جنون الأب

جوديث بارسي هي طفلة صغيرة بدأت التمثيل منذ الثمانينات وكان من المتوقع لها أن تُصبح نجمة كبيرة لولا أن والدها أقدم على قتلها هي ووالدتها وسط حالة جنون غريبة.

حظيت قصة الطفلة جوديث بارسي بانتشار واسع نهاية القرن الماضي، وذلك بسبب الجريمة الشنعاء التي وقعت لها، والتي منعت ميلاد نجمة كبيرة في عالم الفن كما كان يُتوقع لها، لكن، بالرغم من كون جوديث بارسي هي بطلة قصتنا، إلا أن البطولة المساعدة كانت لوالد جوديث المجنون، والذي شكلّ محورًا هامًا في الأحداث، واستحق عن جدارة لقب أعته أب في العالم، لذلك، دعونا نتعرف سويًا في السطور الآتية على قصة جوديث بارسي ووالده المعتوه، وكيف قاده الجنون إلى ارتكاب تلك الجريمة الشنعاء.

قصة طفلة صغيرة انتهت بالقتل، فمن هي جوديث بارسي ؟

بداية القصة

في الحقيقة، لا يمكن اعتبار ميلاد جوديث بارسي البداية الحقيقية لهذه الطفلة المسكينة، وإنما كان ميلاد والدها جوزيف بارسي هو البداية الفعلية للأحداث، فقد وُلد جوزيف عام 1956 بالمجر، والواقع أن معاناته لم تتريث أبدًا، فقد بدأت منذ ولادته، حيث اكتشف أنه ابن غير شرعي، نشأ عن طريق علاقة عابرة بين والده ووالدته اللذان لا يعرفهما، لكن ذلك الأمر لم يُشكلّ العقبة الوحيدة في حياة جوزيف، وإنما جاءت طفولته في دار رعاية الأيتام لتشهد على عدة سنوات سوداء أخرى في حياته، لقي فيها سوء مُعاملة وبغض من أصدقائه، مما دفعه للهرب بعيدًا عن هذا الجحيم.

الحياة تبتسم

ابتسمت الحياة لجوزيف والد جوديث بارسي بعد الهجرة من المجر والذهاب إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث استطاع تكوين العلاقات والحصول على عمل وشراء منزل، كلها أشياء لم يكن جوزيف يحلم بها، بل والأفضل من كل ذلك أنه استطاع الزواج من فتاة جميلة كانت مجرية الأصل أيضًا، ولم تمضي عشرة أشهر حتى رُزقا بطفلة جميلة، اسماها جوديث، وكان ذلك في عام 1978، السادس من يونيو تحديدًا، لكن، هل اعتادت الحياة أن تمضي دائمًا على وتيرة دائمًا؟ بالطبع لا، فهناك ما يُدعى بالانقلاب الدرامي.

الانقلاب الدرامي

تغيرت حياة جوزيف بعد ميلاد جوديث، فقد أصبح مُدمنًا للخمور وبدأ صوته يرتفع على زوجته، حتى العمل، بدأ يتهاون فيه حتى تم إقالته، والواقع أن هذا التغير لم يكن له مُبرر حقيقي سوى أن ما عاناه والد جوديث بارسي في طفولته بدأ يظهر عليه في ذلك الوقت، وأنه شعوره بالحب تجاه طفلته يتعارض تمامًا مع الاضطهاد والكره الشديد الذي لاقاه هو في نفس السن، لذلك كان يتعمد بغرابة شديد إبكاء جوديث ومُضايقتها، بل كان يتلذذ بذلك ويستمتع به، مما أحال حياة الطفلة التي لم تتجاوز الخمسة أعوام إلى جحيم، لولا ذلك البصيص من النور الذي بزغ عام 1985.

وميض من نور

كانت جوديث بارسي بالرغم من كل ما مضى جميلة وهادئة ولبقة في الحديث، لذلك، عندما كانت السابعة، شاهدها أحد المُنتجين في حفلة مدرسية وأُعجب بها، وعرض على والدها أن يجعل منها وجه إعلاني ناجح، وبالفعل وافق جوزيف وعملت جوديث بأكثر من سبعين إعلانًا، حتى تطور الأمر ووصلت إلى السينما مطلع عام 1988، وبالطبع كان هذا يعني أن ثمة نجمة صغيرة في طريقها إلى هوليود الكبيرة، لكن، وبلا أية مُقدمات، ظهر جنون جوزيف والد جوديث بارسي من جديد، وتدخل بحمقٍ لإطفاء هذا الوميض من النور.

الظلمة من جديد

ظهر جنون والد جوديث بارسي فجأة، حيث قام بمنعها من استكمال عملها بالتمثيل، بل وحبسها هي ووالدتها في البيت وفرض سياجًا كبيرًا عليهما، وبالرغم من أن الأمر كان غريبًا إلا أن والدة جوديث استنتجت إصابة زوجها بالجنون، لذلك قررت الهرب منه بأكثر من طريقة لإنقاذ نفسها وطفلتها كذلك، فقد كانت والدة جوديث في الأساس تعشق التمثيل، وتُريد أن تُصبح ممثلة شهيرة، إلا أن القدر لم يحمل لها ذلك، فأرادت أن تُحقق حلمها في طفلتها الوحيدة، والتي رأت جوزيف المجنون يمنعها من تحقيقه، إذًا، ستحاول بكل ما لديها من قوة أن تهرب من هذا الجحيم.

الفرار من الجحيم

في البداية بدأت والدة جوديث بارسي إرسال الرسائل خِلسة إلى الشرطة، حيث أبلغت فيها عن زوجها واتهمته بالتعدي عليها هي وطفلتها، لكن الشرطة لم تأخذ بهذه الرسائل، خاصةً وأنها لم تكن تستند على دليل حقيقي، فقررت الأم بعدها أن تهرب إلى شقة أخرى اشترتها من الأموال التي حصدتها جوديث من الإعلانات والأفلام، وبالفعل بدأت في تسريب أغراضها من أعلى السور بمساعدة أحد الجيران، إلا أن جوزيف المجنون اكتشف ذلك الأمر أيضًا، ليُقرر حينها قررا أقل ما يُقال عنه أنه أكثر القرارات جنونًا في التاريخ، ببساطة، لقد قتل جوزيف الجميع.

قتل جوديث بارسي

كانت واحدة من الليالي الثقيلة، وكانت جوديث بارسي ترقد مع والدتها في خوف وقلق، وبالفعل لم يُخيب جوزيف حدسها، إذا باغتها في الثالثة من فجر هذا اليوم واقتحم الغرفة حاملًا مُسدسًا بيده اليُمنى وكأس من الخمر في يده اليُسرى، ثم لم يُمهل جوديث وأمها أكثر من عشر ثوان، حيث أطلق الرصاص على كليهما ثم استلقى على السرير نائمًا كان شيئًا لم يكن، الجنون في الأمر أنه عندما استيقظ في الصباح ذهب وجهزّ الإفطار وتناوله ثم خرج يشتري الجريدة وعاد بعدها كأنه يُباشر حياته الطبيعية، بمعنى أدق، لقد نسي جوزيف فعلًا ما فعله ليلة أمس بزوجته وطفلته.

اكتشاف الجريمة

ظلت جثة جوديث بارسي ووالدتها على السرير مُدة يومين، وفي هذه الأثناء كان جوزيف المجنون يُمارس حياته الطبيعية، إلى أن دق الهاتف المنزلي ذات مساء من أحد المُنتجين، كان يُريد أن يعمل مع الطفلة المعجزة جوديث، الغريب أن جوزيف عندما تلقى المكالمة واستمع إلى طلب المنتج أمره بالانتظار حتى يسأل الطفلة أولًا، ثم صعد إلى غرفتها ناسيًا تمامًا ما فعله، وقد بدا ذلك جليًا من المفاجأة التي ارتسمت على ملامحه، والتي دفعته إلى تذكر الجريمة والشعور بالذنب، ليجد جوزيف نفسه نازلًا إلى القبو جالبًا كل البنزين الموجود فيه ومُغرقًا المنزل به ثم أشعله كاتبًا نهايته المجنونة بيديه، أجل، لقد تسببت الطفولة الغريبة في جعل رجل يقتل نفسه بعد أن يقتل زوجته وطفلته.

تأثير الرحيل

تأثرت هوليود بأكملها من رحيل جوديث بارسي التي كان يُتوقع لها مُستقبل باهر جدًا في الفن، كما تم جمع بعض التبرعات وتم عمل مقابر من نوع خاص لها ولزوجتها، إلا أن التأثير الأكبر وقع على البيت الذي وقعت في الحادثة، حيث لم يُقدم أحد على شرائه أو الاقتراب منه بالأساس، وكأنه قد أصبح ملعونًا بعد الحادث.

لماذا فعل ذلك؟

سؤال واحد بالطبع يسأله الجميع عن والد جوديث بارسي المجنون الذي قتل زوجته وطفلته ونفسه في يوم واحد دون سبب، أم أن السبب يكمن في الوصف الذي يوصف به، وهو الجنون! لكن الجنون بالتأكيد لا يُمكن أن يصل إلى هذا الحد، وإنما ثمة شيء آخر يمكن أن يفعل، وهو العقد والأمراض النفسية، والتي كانت تستحوذ عليه بالتأكيد في هذا الوقت.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

اثنا عشر − سبعة =