يُعتبر هنري لاندرو أحد أشهر السفاحين الذين مروا بفرنسا بداية القرن الماضي ونهاية القرن الذي يسبقه، فقد ضرب لاندرو أية في تنفيذ جرائمه وكيفية التخلص من آثارها، حتى أن اكتشافه كان شبه مُعجزة صغيرة، جاءت لتقضي على أسطورة قاتل كهل كان من المُمكن جدًا أن يضرب رقمًا قياسيًا في أعداد ضحاياه، خاصةً وأنه كان لا يترك أي دليل خلفه يصلح للاقتفاء، سوى تلك المذكرة الصغيرة التي كانت سببًا في الإيقاع به، لكن، دعونا أولًا نتناول القصة من المنشأ ونعرف ما يكفي عن حياة هنري لاندرو وكيف أصبح فيما بعد أشهر سفاح في عاصمة النور باريس.
تعرف على قصة السفاح الغريب هنري لاندرو !
من هو هنري لاندرو؟
ولد هنري لاندرو في باريس عام 1871، وفرنسا في هذا الوقت لمن لا يعرف كانت تستعد للانكماش من دولة استعمارية عظمى تُسيطر على نصف العالم إلى عدة مستعمرات صغيرة في بلاد فقيرة، لكن، بالرغم من كل ذلك، كان أبناء فرنسا، القابعين في باريس تحديدًا، يعتبرون أنفسهم الجنس الأعلى في العالم، فكل العلماء والمفكرين في هذه الفترة كانوا من فرنسا أو على الأقل تابعين لها، وللغرابة، لم يكن هنري لاندرو وأسرته يعتبرون أنفسهم جزء من تلك البهرجة الكاذبة، إذ كانوا يُعاملون مُعاملة العبيد في قلب باريس بسبب فقرهم الشديد.
طفولة هنري لاندرو
كانت طفولة هنري لاندرو صاخبة إلى حدٍ ما، فقد كان معروفًا وسط عائلته بالطفل الشقي لما كان يفعله فيهم من حركات جنونية، حتى في المدرسة، كان هنري يُطرد دائمًا من الحصص، ومع تكرار الأمر تم طرده من المدرسة وفصله نهائيًا، لكن ذلك لم يُغير شيئًا فيه، إذ عمل في ورشة خردوات وأكمل فيها جنونه وصخبه، وقد استمر على هذه الحالة حتى عام 1887، وتحديدًا عندما التحق بالجيش الفرنسي.
هنري لاندرو والجيش
التحق هنري لاندرو بالجيش الفرنسي للدفاع عما تبقى من المستعمرات الفرنسية، وللأمانة، كان هنري جُنديًا شجاعًا طوال فترة خدمته بالجيش، وهو الأمر الذي لم يكن موجودًا عندما أنجب طفلًا غير شرعي من ابنة عمه ثم تركها وتزوج من امرأة أخرى، وفي هذا الوقت تحديدًا، بدأت حياة لاندرو تنقلب رأسًا على عقب، حيث اكتُشف أن رب عمله الجديد نصاب كبير يأكل حقوق موظفيه، والذين كان لاندرو من بينهم، لذلك بدأ لاندرو يُعجب بفكرة النصب.
هنري لاندرو النصاب
تمكنت فكرة النصب من هنري لاندرو، حتى أنه بدأ في ممارسة ذلك مع كل المُحيطين به، ثم توسع فيما بعد وبدأ النصب يشمل أشخاص آخرين وبطرق مختلفة، فكان مثلًا يقنع الأرامل والمتزوجات من كبار السن أنه غارق في حبهن، ثم بعد ذلك يقوم بسرقة أموالهن والفرار، وبالرغم من أن أفعال لاندرو كانت تُكتشف، وبالرغم من سجنه أكثر من مرة بتهمة النصب، إلا أنه ذات مرة خرج من السجن عازمًا على فعل أمر جلل، أصبح حديث العالم فيما بعد.
التحولّ المُفاجئ
عندما خرج هنري لاندرو من السجن في المرة الأخيرة وجد زوجته قد هجرته بسبب أفعاله الشنيعة وسمعته السيئة، لذلك قرر أن ينتقم منها في كل نساء العالم، حيث أنشأ إعلانًا يقول فيه أنه رجل أربعيني مُقتدر ماديًا يبحث عن أرملة أربعينية مثله للعيش معها، وقد وجد هذا الإعلان صدًا كبيرًا بسبب الحرب التي جعلت من أغلب النساء أرامل، فكان إذا ذهب إليه امرأة من أجل الإعلان يقوم بمُباغتتها وقتله، حتى أن الأمر استمر على نفس المنوال مُدة طويلة بسبب أفكار لاندرو الذكية التي كانت تحول بينه وبين الافتضاح.
فكر إجرامي
في البداية، وحتى يكون الأمر غير قابل للافتضاح، كان هنري لاندرو يُعطي كل امرأة اسمًا مُختلفًا عن الآخر، بمعنى أنه قد ابتكر عدة شخصياتٍ وهمية حتى يستطيع مواجهة كل هذا الكم من الأرامل الضحايا، بعد ذلك كان يستقبلهم في بيته المُزيف، ويقوم بمباغتتهم وقتلهم ثم إدخال جثثهم في فرنٍ كبير كي يتحولوا إلى رماد، وبالطبع كان من السهل جدًا التخلّص من ذلك الرماد، وبذلك تمكن لاندرو الإفلات من كل الجرائم الذي قام بارتكابها، إلا أن السقوط الحتمي جاء مُتأخرًا على يد السيدة بيوسين.
سقوط هنري لاندرو
سقوط هنري لاندرو جاء عام 1921 عندما قامت سيدة تُدعى بيوسين بالإبلاغ عن لاندرو بتهمة اختطاف شقيقتها، وذلك لأنه كان آخر من شاهدتها معه، وعند تفتيش منزل لاندرو لم تجد الشرطة أي شيء فقاموا بتركه، إلا أنه بعد أقل من أسبوع جاء البلاغ الثاني من نفس النوع، وهذه المرة قامت الشرطة بالمداهمة أثناء غياب لاندرو فوجدوا المذكرة الصغيرة التي كان يُسجل الأسماء المُستعارة المُستخدمة لإيقاع ضحاياه، وعند المواجهة والضغط لم يستطع لاندرو المقاومة وقام بالاعتراف بكل جرائمه، إلا أنه قد رفض الإفصاح عن طريقة القتل أو مكان الجثث، حيث كان يرى ذلك الأمر سر يجب الاحتفاظ به لنفسه، لكن ذلك السرّ تهاوى على عتبة الموت.
محاكمة هنري لاندرو
لم تكن محاكمة هنري لاندرو صاخبة كما كان من المتوقع، فقد كان مُعترفًا بكافة جرائمه ومُقرًا بكل الاتهامات الموجهة إليه، لذلك لم يجد القاضي ذرة شك في الحكم على هنري لاندرو بالإعدام بالمقصلة، إلا أن غليل ذوي الضحايا لم يكن لينتهي إلا عند التعرّف على أماكن تواجد جثث ذويهم، لذلك عُرض على لاندرو كذبًا أن يتم تخفيف الحكم نظير الاعتراف بأماكن تواجد الجثث، وبالفعل قام لاندرو برسم مخطط لأماكن تواجد الفرن الذي كان يحرق فيه الضحايا، وعند التأكد من المكان تم تجهيز هنري لاندرو للإعدام حسبما لا ينص الاتفاق.
نهاية هنري لاندرو
شهد الشهر الأول من عام 1922 إعدام هنري لاندرو عن طريق المقصلة، وذلك في مدينة فيرساي، وقد قيل إن لاندرو في ليلة إعدامه أخذ يردد فيما معناه أنه بالرغم من كون الناس يرون الحائط قائم بهدوء أمامهم إلا أنه في الحقيقة قد يكون خلفه حريق كبير يلتهم الكثيرين، وفي هذا إشارة إلى عدم الأخذ بالمظاهر والبحث خلف الناس، والحقيقة أنه لا أحد يعرف الغرض من وراء نصيحة لاندرو تلك بالرغم أنه قد قتل أكثر من ثلاثة عشر امرأة بالإضافة إلى طفل صاحب والدته ذات مرة أثناء زيارتها للاندرو فقام بالتخلص منه وإحراقه مع والدته.
هنري لاندرو والسينما
لم تُفوت السينما الفرنسية والعالمية قصة هنري لاندرو دون استغلالها في قالب حكاء مفيد، لذلك تم تحويلها في البداية إلى رواية ثم تتطور الأمر إلى فيلم سينمائي فرنسي ثم بعده تم صناعة فيلم آخر أمريكي وهكذا حتى علم الجميع بقصة هنري لاندرو وأصبح اسمه يرتبط بالقتل أينما ذكر، وليس أي قتل أيضًا، وإنما القتل الوحشي الذي يعتمد على إذاقة الضحية الآمرين وتعذيبها قبل موتها، وهو ما كان هنري يواظب على فعله حتى اكتشافه.
أضف تعليق