تعد أسطورة النداهة الفاتنة من أهم الأساطير الموجودة في العالم منذ قديم الأزل، هذا بالرغم من عدم انتمائها إلى حضارة أو بلد مُعينة، فتقريبًا لم يترك أحد أسطورة النداهة الفاتنة إلا وتناقلها على أنه تتبع حضارته، والواقع أنه تُعد تراث شعبي تابع لكل الشعوب، أي لا يُمكن نسبها لشعب بعينه، لكن الجميع بالطبع يتناولها من زاوية مختلفة حسب ثقافته ومعتقداته، والغريب أيضًا أنه بالرغم من عدم وجود أصل لهذه الأسطورة إلا أن الجميع قد سلّم بها تمامًا، ولا تكون الخلافات إلا حول بداية تلك الأسطورة ونشأتها، وهذا بالضبط ما سنحاول التعرّف عليه في السطور الآتية.
تعرف على أسطورة النداهة الفاتنة
النداهة الفاتنة
النداهة الفاتنة هو الاسم المُتعارف عليه للمرأة التي تُنادي على الرجال قبل أن يختفوا للأبد، وبالطبع يتضح فعل النداء من اسم النداهة، ويبرز سبب استجابة الرجال لها من وصفها بالفاتنة، وقد اختلف الجميع حول وصف تلك النداهة وطريقة ظهورها، إلا أنهم اتفقوا جميعًا في أنها كانت مرأة فائقة الجمال، لا تتشبه أبدًا مع قريناتها من النساء، كما أنها كانت لا تظهر إلا ليلًا، وتحديدًا عند الانتصاف، وربما يرجع ذلك إلى رغبتها في عدم التعرّف عليها من قِبل الآخرين، عدا أولئك الذين يقعون في شراكها والذين لا يتمكنون من مقاومة صوتها عند النداء، فيذهبون إلى موتهم بأقدامهم.
نظريات حول النداهة الفاتنة
خرجت الكثير من النظريات والآراء حول أصل النداهة الفاتنة وبدايتها، فمنهم من قال أنها زوجة الشيطان، وأنها تمتلك القدرة على التشكل في صورة مرأة جميلة ثم تقوم بعد ذلك بنداء الرجال وإغوائهم وإجبارهم على الانتحار أو على الأقل التفريق بينهم وبين أزواجهم، وهي غالبًا تأتي في الليل على أطراف كل مدينة، فهي مثل الشيطان قادرة على التواجد في كل مكان وإغواء جميع البشر، وبالطبع هذا الرأي ليس محل تصديق لأنه لا يستند على أي سند نقلي أو حتى عقلي، فإن كانت النداهة هي زوجة الشيطان فالمعروف عن الشيطان أنه لا يقتل وإنما يوسوس فقط، لكن في حالة النداهة يحدث أن يموت الشخص التي تقوم بالنداء عليه.
نوع من الجن
نظرية أخرى حول ماهية النداهة الفاتنة تقول أنها ليست إلا نوع غريب من الجان، يتلذذ فقط بإغواء الرجال وإيقاعهم في شراكه، والدليل على ذلك كما يقول أصحاب هذه النظرية أنه الجن هو المخلوق الوحيد الذي ثبت أنه قادر على الظهور في عدة أشكال، وأنه أيضًا قد ظهر للبشر ويُمكن أن يظهر لهم مرات ومرات بسهولة، لكن تبقى إشكالية وحيدة، وهي أن الجن لا يُمكن أبدًا أن يتخصص في نوع معين من البشر كما تفعل النداهة الفاتنة، فهو إذا أراد مثلًا الإغواء فسيكون الإغواء للرجال والنساء على حدٍ سواء، وليس كما يحدث من إغواء لنوع فقط وهو الذكور.
نصيرة النساء
نظرية ثالثة حول النداهة الفاتنة تقول إنها في الأصل جنية خَيرة جاءت لتحرير النساء من الرجال، وتفعل ذلك عن طريق اختبارهم، فمثلًا الرجل الذي سوف يستمع لندائها ويذهب إليها فهو من وجهة نظرها خائن لزوجته، ولا يستحق أبدًا العيش معها، لذلك هي تقوم بإهلاكه على طريقتها، أما الذي يتغاضى عنها ولا يستمع لها فهو المخلص لزوجته المُستحق لها، وهذا النوع تتركه النداهة الفاتنة دون أذية، وعلى هذا، فإن هذه النظرية تجعل من تلك الأسطورة أداة لتحقيق العدل من وجهة نظرها وتطبيق مبدأ احترام الزوج لزوجته وإخلاصه لها.
ألقاب النداهة الفاتنة
مع كثرة الثقافات، ووجود النداهة تقريبًا في كل هذه الثقافات، كان من الطبيعي جدًا أن تختلف مُسميات النداهة الفاتنة عندهم، فمثلًا العرب، من المعروف أن الاسم الشائع للنداهة الفاتنة عندهم هو الجنية، ومنهم أيضًا من يُسميها بعائشة قندشية، أما الثقافات الأخرى فتُسميها أسماء مختلفات، منها الشيطانة الجميلة، وهو أشهر الأسماء، حيث أنه ثمة شبه يقين عندهم أن النداهة من جنس الشياطين ويُسمونها أيضًا بساكنة المستنقع، وذلك لكثرة تواجدها بالقرب من المستنقعات، وأخيرًا يطلق عليها في المناطق الريفية اسم فتاة الرعب، وهو اسم يتناسب مع ما تُسببه النداهة الفاتنة لهم من خوف.
ماذا تفعل النداهة؟
إذا استطاعت النداهة الفاتنة الإمساك بك فهذا ليس أمر جيد على الإطلاق، لكن، هل تعرف ما الذي تفعله النداهة قبل ذلك؟ إنها ببساطة تتخفى حتى تصل إلى مكان مهجور قريب من المستنقعات غالبًا، ثم تقوم بإصدار صوت له من السحر ما يجعله قادرًا على تنويم الرجال مغناطيسيًا، فتراهم يأتون إليها بأرجلهم غير مُدركين لما يفعلونه، ثم بعد ذلك تُصدر رائحة جميلة تُمكن الرجال من تحديد أماكنها بالضبط، وبعد ذلك يحدث اللاشيء، حيث تختفي النداهة، ويختفي الرجل، ويختفي الصوت، كل شيء يبدأ في الاختفاء والخفوت، والأدهى من كل ذلك أن يعود الرجل بعد ملاقاة النداهة، فهذا إن حدث، مع كونه نادرًا، يكون أمرًا ليس جيد على الإطلاق.
العودة المُخيفة
تقول الأسطورة أنه إذا حدث وعاد الرجل بعد ملاقاة النداهة الفاتنة فإنه لا يعود على نفس الحالة التي ذهب عليها مُطلقًا، وإنما يتحول إلى شخص آخر صامت دائمًا ويُحملق في شيء ما مجهول، وغالبًا ما يبدأ في محادثة نفسه أيضًا، ببساطة شديدة، يعود الرجل بعد ملاقاة النداهة الفاتنة وهو مُصاب بحالة من الجنون، تقول الأسطورة أيضًا أن انتحار الرجل بعد العودة من مقابلة النداهة الفاتنة هي فقط مسألة وقت، إذ أنه يبدأ، بعد ظهور أعراض الجنون عليه، في حالة من الاكتئاب الشديد، يُصبح بعدها ناقمًا على الحياة وغير مُبالي له، حتى يستيقظ ذويه في صباحٍ ما ويجدوه قاتلًا لنفسه.
مزايا النَّداهة الفاتنة
بالتأكيد أن ما سبق ذكره عن أسطورة النداهة الفاتنة لا يجعلها أبدًا حاملة لأية فوائد، إلا أن هذا ليس صحيحًا تمامًا، إذ أنه على الأقل تمكن البعض من خلال أسطورة النداهة الفاتنة إيجاد جزء كبير من التراث والحكايات، وهو أمر ليس عادي كما يظن الآخرين، لأن التراث هو بطريقة أو بأخرى جزء من هوية الشعوب وثقافتها، وبه يُمكن أن تتفاخر أمة وتنتكس أمة أخرى، حتى لو كان ذلك التراث مجرد قصص عن مرأة تقوم باقتياد الرجال وقتلهم أو مسهم بالجنون، لذلك يرى فريق من المُفكرين أن الإرث الكبير من الحكايات هو أهم مزايا النداهة الفاتنة وأسطورتها.
النَّداهة الفاتنة والشاشة
لم تترك شاشات السينما والتلفاز أسطورة النداهة الفاتنة تمرّ عليها مرور الكرام، وإنما حاولت جاهدة تجسيدها ومُحاكتها في أكثر من صورة، منها الصورة القريبة المباشرة التي تكون فيها النداهة الفاتنة هي محور العمل وقصتها، ومنها الصورة الغير مباشرة التي تعتمد على الإيحاء، وقد يكون من الغريب أن نذكر أن النداهة الفاتنة لم تجسد في صورة مرعبة ومخيفة فقط، وإنما قامت بعض الأعمال أيضًا بمعالجتها في صورة كوميدية بحتة، تعتمد بشكل كبير على المواقف المضحكة التي تتفجر جراء جشع الرجال وإقدامهم على خيانة زوجاتهم، وهذا إن دل فيدل على التأثر الكبير الذي أحدثته أسطورة النداهة الفاتنة في عقول الناس وثقافتهم.
أضف تعليق