تسعة مجهول
ليلة الرعب
الرئيسية » جريمة » الرابع والعشرون من أغسطس 1572 : تعرف على ليلة الرعب الخالدة

الرابع والعشرون من أغسطس 1572 : تعرف على ليلة الرعب الخالدة

ما هي المجزرة التي هزت باريس في الرابع والعشرون من أغسطس 1572؟ بالتأكيد لم تكن تلك الليلة ليلة عادية، وإلا ما استحقت أن يطلق عليها ليلة الرعب.

لا أحد يعرف تحديدًا ما الذي حدث في ليلة الرعب تلك، وليس المجهول ما حدث من مجزرة، فالكل يعرف كيف جرت وكيف خُطط لها، لكن، من جعل باريس، عاصمة النور والحب، تشتعل لأسابيع كثيرة؟ هذا بالضبط ما لا يعرفه أحد حتى الآن، لكن الأمر كله بالتأكيد قد صار حسب ما خُطط له، وحسبما انتجته العداوة المُتأصلة بين المسيحين الكاثوليكيين والمسيحيين البروتستانت، والذين كانت خلافتهم تلك هي الشرارة التي أشعلت باريس في ليلة الرابع والعشرين من أغسطس عام 1572، أو ليلة الرعب الخالدة كما سُميت فيما بعد، فدعونا نتعرف سويًا في السطور التالية على ما حدث ليلتها بالضبط.

تفاصيل ليلة الرعب الباريسية

ما قبل ليلة الرعب

الحياة في فرنسا قبل ليلة الرعب، وتحديدًا في عام 1572 كانت عبارة عن صراعات وخلافات بين المسيحين أنفسهم، الكاثوليكيين والبروتستانت، فالجميع كان يُريد التحكم في الكنيسة الأم والاستيلاء على الحكم، والدين كما هو معلوم في تلك الفترة كان المرجع الرئيسي في الشئون السياسية، وكان بابا الكنيسة هو الحاكم الفعلي للبلاد، وربما تكون الحملات الصليبية التي شُنت في هذه الفترة خير دليل على ذلك، حيث كان المسيحيون يتحدون فيما يتعلق بالشأن الخارجي، أما داخليًا، وتحديدًا الكاثوليكيين والبروتستانت، كانت الخلافات بينهم على أشدها، حتى ارتأت العقول الراشدة في البلاد إقامة سلام بين الطائفتين ونزع الحقد والقتال الذي كان على أشده، خاصة من الكاثوليكيين الذين كانوا أكثرية في هذا الوقت ويتحكمون في شئون البلاد.

سلام قبل المذبحة

في عام 1570 تم توقيع معاهدة سلام بين الطائفتين، وكان الكاثوليكيين شبه مُجبرين على تلك المعاهدة، حتى أنهم أُجبروا أيضًا على زواج شقيقة الملك لويس من الملك البروتستانتي هنري الثالث، وكان من المفترض أن تنتهي كافة الخلافات على إثر هذا الزواج، لكن في الحقيقة لم يحدث ذلك أبدًا، بل ازدادت الأمور في السوء أكثر وأكثر، وتجدد الحقد في القلوب مع اقتراب هذا الزواج المشؤوم، وحدث ما لم يكن أحد يتوقعه.

بداية الزواج المشؤوم

بدأ الإعداد للزواج في بداية أغسطس عام 1572، وبدأ البروتستانتيين في التوافد على عاصمة النور والسلام غير مُدركين لما يُخطط لهم من قِبل الكاثوليكيين، والذي لم يتمكنوا من تحمل رؤية أعدائهم ينعمون بالفرح ويتزوجون من شقيقة ملكهم، حيث كانت العداوة أشد من أن تُمرر كل ذلك، الجميع في البيوت والشوارع والأزقة ينتظرون فقط أي إشارة لكي يفترسوا أعدائهم افتراسا، وبالفعل جاءت الإشارة قبل الزواج بأيامٍ قليلة، واشتعلت المدينة بالشرارة الأولى وباتت مستعدة لاستقبال ليلة الرعب.

الكاثوليكيين ومحاولة الاغتيال

في أحد الليالي، وقبل الزواج بأيام قليلة، كان البروتستانتيين يطوفون الشارع في فرحٍ بهذا الزواج، وكانوا يمتطون أحصنتهم ويرفعون أيديهم بإشارات النصر للكاثوليكيين الذي كانوا يرقبون ذلك من النوافذ، ولم تمضي دقائق قليلة حتى تم إطلاق نار من مصدرٍ مجهول، سقط على إثره أحد القادة البروتستانتيين، ورغم أنه لم يلقى حتفه أثناء تلك المحاولة إلا أنه قد لزم الفراش مُتأثرًا بإصابته، لتبدأ بعدها أبواب الجحيم في الانفتاح.

الثأر والعدالة، كانا المطلبين الرئيسيين للبروتستانتيين، حيث أخبروا الملك أنهم إذا لم يأخذوا حقهم منه فسيأخذونه بأيديهم، تزامن ذلك مع تحرك أحد القادة البروتستانتيين بجيش من أربعة آلاف مقاتل وعسكر بهم قرب المدينة، مما جعل الكاثوليكيين يشعرون بالهلع، ويتوهموا أن البروتستنتيين يتأهبون للقضاء عليهم، وكان التفكير وقتها في التعجيل بقتلهم قبل أن يقتلونهم، وهكذا بدأت بوادر المجزرة.

قرار المجزرة

قبل قيام المجزرة بيومٍ واحد، وتحديدًا في الثالث والعشرين من أغسطس عام 1572، ذهب الملكة كاثرين، والدة الملك لويس ملك فرنسا الكاثوليكي، ونقلت إليه مخاوفها من البروتستانت وتحرك جيشهم بالقرب من المدينة، وأكدت له أن كل البروتستانتيين الموجودين في المدينة الآن يتأهبون للقيام بانقلابٍ عليه في الغد، وأنهم هم أنفسهم من خططوا لمحاولة الاغتيال ليلة أمس لجعلها زريعة للانقلاب الذي سيقومون به، وبعد كل تلك الشكوك التي نقلته إليه اقترحت عليه التخلص من البروتستانتيين الآن قبل الغد، وبالرغم من أن الملك لويس كان رافضًا للأمر برمته في البداية إلا أنه مع الضغط الشديد والمعلومات الخاطئة حول الانقلاب لم يجد بُدًا من الموافقة، حيث قال بالحرف الواحد اقتلوهم دون أن تتركوا أحدًا منهم يجعلني أشعر بالذنب، كان ذلك في الصباح الأخير لباريس النظيفة الطاهرة الخالية من الدماء.

الاستعداد للمجزرة

كانت استعدادات المجزرة تتمثل في إغلاق كافة نوافذ المدينة ومُحاصرتها، وذلك منعًا لهرب أي قائد أو فرد من البروتستانت، بعد ذلك تم نفث السلاح في باريس بأكملها، فكانوا يطرقون الأبواب ويسألون الشخص عن طائفته، إن كان كاثوليكيا أعطوه السلاح وأمروه بالاستعداد للمذبحة غدًا، وإن كان من البروتستانت أوهموه أنهم في حملة للبحث عن اللصوص فقط لا أكثر، وكانت إشارة بداية المجزرة هي وضع علامة بيضاء على الكتف اليُسرى حتى يتم التفريق بين الكاثوليكي والبروتستانتي، كما شملت الاستعدادات أيضًا قتل كل القادة التابعين للبروتستانت والذي كانوا موجودين في القصر الملكي لحضور مراسم الزفاف، ببساطة، أصبح كل شيء جاهز لبدء ليلة الرعب الخالدة.

ليلة الرعب الخالدة

مع أول ضوء للفجر بدأت المجزرة المجنونة، حيث تم الذهاب أولًا إلى غرفة القائد البروتستانتيين الذي تعرض لمحاولة اغتيال قبل المجزرة، ودون أن يُخبروه بأي شيء تم قذفه من النافذة أعلى القصر، بينما كانت الجموع في الأسفل بانتظاره، وقاموا بتقطيعه إربًا إربًا، أما الكاثوليكيين الذي تسلموا الأسلحة بالأمس قاموا أيضًا بواجبهم، حيث ذهبوا إلى كل البيوت البروتستانتية وقاموا بقتل رجالها واغتصاب نسائها وقتلها وذبح أطفالها حتى أن الناس لم يعودوا قادرين على التحرك في المدينة بسبب الجثث المُتراصة على الأرض، لذلك قاموا بإلقائها في البحر لتكون غذاءً للأسماك.

لقد كانت مجزرة كبيرة وهيستيريا غريبة كما يقول المؤرخين، حتى أن المبالغة والتهويل فيما حدث وصلت إلى أن الناس ظلوا فترة كبيرة مُمتنعين عن تناول الأسماك والمأكولات البحرية، وذلك لأنها كانت كما يزعمون تحمل في أحشائها جثث الضحايا البروتستانتيين، كانت مجزرة بشعة وكبيرة جدًا.

نهاية المجزرة

في اليوم التالي أخرج البلاط الملكي بيانًا يقول فيه أن المجزرة قد انتهت ولا شبهة لحدوث انقلاب الآن، لكن أحدًا ما لم يستمع إليه واستمرت الجحافل في القتل والاغتصاب لأسابيع وربما لشهور، حتى فنيت المدينة تمامًا من البروتستانت، وأصبحت تدين بالكاثوليكية فقط، حتى ظن البعض أن هذا انتصارًا لهم ولدينهم، لكن هيهات.

البروتستانت لم يصمتوا على ما حدث لهم في باريس، فقاموا بفعل ما يُماثله بالكاثوليكيين في بقاء أنحاء فرنسا، حتى صار الدم المسيحي بركة دماء تدوسها أقدام ما تبقى من الفرنسيين، وبالرغم من أن الكاثوليكيين هم أصحاب الوزر الأكبر والمبادرة في هذه الجريمة إلا أنهم يرفضون حتى الآن الاعتذار أو حتى الاعتراف بما حدث تلك الليلة، وما زالوا يؤكدون على أن ما حدث كان فقط لدرء الانقلاب الذي كان سيُطيح بالمسيحية جمعاء، لا أحد يعرف أين الصواب من الخطأ، لكن الجميع يعرف أن ما حدث في تلك الليلة جعلها ليلة الرعب الخالدة.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

واحد + ثلاثة =