جاءت حادثة اختفاء سفينة الجوهرة الصغيرة التي وقعت في عام 1955 لتؤكد على أن حوادث الاختفاء الغير مبررة ستظل الشيء الأكثر إبهامًا في عالمنا هذا، خاصةً إذا كانت مُلابسات الاختفاء كلها لا تستند إلى دليلٍ عقلي يُمكن من خلاله الجذم بطريقة الاختفاء، وهذا بالضبط في حدث في واقعة اختفاء سفينة الجوهرة الصغيرة، حيث لم تتواجد أية أدلة توحي بكيفية الاختفاء أو حتى وقته، وإن كان هناك بعض النظريات الواهية التي حاولت كسر الصمت المُريب الذي حلّ بعد الواقعة، فما هي سفينة الجوهرة الصغيرة؟ وما الذي حدث لها في أكتوبر 1955؟ كل هذه إجابات سنُحاول الإجابة عليها في السطور التالية.
اختفاء سفينة الجوهرة الصغيرة والقصة الأكثر إثارة للجدل
بداية الجوهرة الصغيرة
الجوهرة الصغيرة لم تبدأ كسفينة، بل كانت مُجرد يخت صغير فاخر تم صنعه عام 1931 ويمتلكه أحد المُخرجين المشهورين ويُدعى “رونالد”، كان في الأصل قد اشتراه كهدية لزوجته التي وافتها المنية بعد أقل من خمس سنواتٍ على شراء اليخت، والذي كان معروفًا بالذي لا يغرق، وربما كانت هذه مُبالغة، لكنها تستند على المواد المتطورة التي استُخدمت في بناءه، والتي لم تشفع في بيع اليخت، حيث تم بيعه بعد وفاة زوجة المخرج الأمريكي إلى إحدى شركات الشحن، والتي تُدعى إي ميلتون، لتبدأ بعدها رحلة اليخت إلى جميع الأمكنة.
رحلة الجوهرة الصغيرة
على مدار خمسة عشر عام قامت الجوهرة الصغيرة بعدة تنقلات، بدأت كما أسلفنا بشركة النقل والتفريغ إي ميلتون، والتي بدأت في استخدام اليخت لنقل البضائع، حيث طاف الأمريكيتين وشرق أوروبا، ثم بعد ذلك ضمته الولايات المتحدة الأمريكية إلى أسطولها البحري في عام 1941، وقامت ببعض التعديلات عليه حتى أصبح يبدو كسفينة، سفينة بحرية حربية تحديدًا، تم الانتفاع بها خلال الحرب العالمية الثانية.
ذهبت الجوهرة الصغيرة إلى اليابان وألمانيا، وأخذت تطوف وتطوف إلى أن انتهى بها المطاف عام 1946، أي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، في يد شركة الإخوة لويس، وقد كانت الجوهرة الصغيرة وقتها قد أصبحت سفينة حربية مُتكاملة، لكن، عندما تسلمها البحار توماس دستي قام بتحويلها إلى سفينة بحرية مدنية من جديد، واستخدمت في نقل البضائع والأشخاص.
اختفاء الجوهرة الصغيرة
في الثالث من أكتوبر عام 1955، وفي رحلة من رحلات الجوهرة الصغيرة، انطلق ستة عشر فردًا من طاقم السفينة وتسعة من الركاب وتسعة أطنان من الإمدادات، وذلك من مدينة نيوزيلاندية تُدعى سوما، متجهين إلى جزيرة تُدعى توكيلاو، وقد كانت الرحلة تستغرق يومين على الأكثر، أي أن موعد الوصول كان من المفترض أن يكون الخامس من أكتوبر، لكن، في هذا الموعد، لم تصل الجوهرة الصغيرة ولا أي فرد من أفرادها إلى شاطئ توكيلاو.
لم يتعجب أحد، وربما يكون ذلك بسبب العطل المُتكرر الذي كان يُصيب الجوهرة الصغيرة من وقتٍ إلى آخر، وكان يجعلها تصل مُتأخرًا عما هو متوقع لها، لكن هذه المرة لم تأتي لا في اليوم السادس ولا السابع من أكتوبر، ليبدأ القلق بعدها في مُداهمة الجميع، ويصبح أمر تعرض الجوهرة الصغيرة للغرق مُمكنًا جدًا.
البحث عن الجوهرة الصغيرة
انتفضت البحرية والجوية النيوزيلاندية، السفن تبحث في البحر والطائرات تُحملق من السماء، لكن لا شيء يظهر أمامهم، ولا وجود للجوهرة الصغيرة أو أي شيء يتبعها، ورغم ذلك الجميع مستمر في البحث، حتى وجدوا أنفسهم يتجاوزون الأسابيع الخمسة، خمسة أسابيع مضت على البحث ولا جديد يُذكر، في التاسع من نوفمبر أعلنت البحرية النيوزيلاندية أنها تأسف لعدم عثورها على الجوهرة الصغيرة أو أي شيء يتعلق بها، ثم أبلغت القيادة الأمريكية بذلك وطلبت منهم البحث بأنفسهم إن أرادوا، لكن، قبل أن تنتفض البحرية الأمريكية، وعن طريق الصدفة البحت، تم العثور على الجوهرة الصغيرة.
العثور على الجوهرة الصغيرة
في اليوم العاشر من نوفمبر عام 1955، وبالقرب من جزيرة مهجورة تُدعى فيجي، عثرت قافلة بحرية تُسمى توفالو على بقايا سفينة اتضح فيما بعد أنها الجوهرة الصغيرة، وفور اقتراب قائد القافلة البحرية توفالوا من الجوهرة الصغيرة قال إن هذه السفينة تبدو غريبة للغاية، لأنها بالرغم من أنها تبدو وكأنها قد غرقت إلا أن حالتها الظاهرة أمامه لا تقول ذلك أبدًا، حتى وصل إلى الوصف الدقيق وهو أنها شبه غارقة، ولم يلبث إلا أن استدعى المُحققين لتفحص الأمر برمته.
أشياء مُذهلة
عندما دخل فريق المُحققين الجوهرة الصغيرة وجد فيها أشياء ليس لها أي تفسير على الإطلاق، فمثلًا، كان هناك طبيب على متن السفينة قبل تحركها، ومن الطبيعي جدًا أن يكون معه بعض الأدوات الطبية، لكن أن يتم العثور على حقيبته مفتوحة وبجانبها الكثير من الضمادات المُلطخة بالدماء فهذا أمر غير منطقي بالمرة، وأيضًا كابينة القيادة فوضوية على نحوٍ غريب، وكأنها قد تعرضت للسرقة والتفتيش، وعليه لم يتم العثور على السلاح الخاصة بقائد السفينة، لكن، الشيء الأغرب، هو أن السفينة لم يكن بها أي شخص ولم تكن هناك آثار لدخول أو خروج. استمرارًا في الغربة، كانت كل الأضواء الموجودة في الجوهرة الصغيرة مُنارة، وكان ثمة ساعات فيها، وُجدت جميعها متوقفة عند زمنٍ معين وهو العاشرة وخمسة وعشرين دقيقة، هذا يعني أن الأمر الذي حدث كان في هذا الوقت، وأيضًا يدل ذلك على أن ما حدث لم يكن طبيعيًا أبدًا.
آراء المُحققين
بعد فحص الجوهرة الصغيرة رجح بعض المحققين أن يكون ما حدث هو فرار طاقم السفينة بسبب ثقب صغير حدث بها، فاختاروا الفرار في قارب الإنقاذ قبل غرق السفينة، لكن، إن كان هذا الأمر صحيحًا، فأين ذهبوا؟ وهل أصلًا يستدعى هذا الثقب البسيط أن يترك الجميع السفينة خوفًا من الغرق؟ مع العلم بأن الطاقم الذي كان موجودًا في الجوهرة الصغيرة وقتها كان يُعد من أمهر الأطقم وأكثرها خبرة، أيضًا يجب أن نضع في الاعتبار أن قوارب الإنقاذ صغيرة جدًا ولا تسع كل الموجودين على الجوهرة الصغيرة وبضائعهم، والتي وجدت مفقودة عند التحقيق، وهذا يأخذنا إلى أن عدد الموجودين على السفينة تم تقليصهم، وربما كان هذا هو الجسر الذي عبر به المحققين إلى الاحتمال الثاني والقائل بأن مساعد قائد الجوهرة الصغيرة قد اشتبك معه وقتله بسلاحه الذي كان مُختفيًا أثناء التحقيق، وقد تمر ترجيح ذلك الأمر بسبب الشائعات التي خرجت قبل مغادرة الجوهرة الصغيرة وقالت بوجود خلاف كبير بين قائد السفينة ومساعده، أسفر فيما بعد عن قتل المساعد للقائد والهرب في القارب وحده مع البضائع، أما البقية فقرر السباحة نحو الشاطئ وماتوا في الطريق غرقًا.
نهاية الجوهرة الصغيرة
تم بيع الجوهرة الصغيرة إلى أحد رجال الأعمال ومنه إلا شركته الملاحية لتتعرض السفينة بعدها للغرق ويعرف الجميع أنها فأل سوء فيتم تفكيكها وبيعها كقطع غيارٍ، ويبقى سر طاقمها الذي اختفى في منتصف القرن الماضي مجهولًا حتى الآن، فلا أحد يعرف أين اختفوا وكيف، لكن الجميع يعرف أن الجوهرة الصغيرة كانت تحوي بين جنباتها الكثير من الأسرار والألغاز، تم فقدان الأمل في معرفتها بسبب إعدام السفينة وتفكيكها.
أضف تعليق