بالرغم من مرور عدة عقود على الحادثة إلا أن بطلة قصتنا ديان داونز لا تزال مُحتفظة حتى الآن بمكانتها كأشهر ثكلى في التاريخ، والواقع أن شهرة ديان لم تأتي من مجرد كونها أم بُليت بفقدان أحد أبنائها، وإلا، فتلك الأمور تحدث كل يوم تقريبًا، لكن، ما لا يحدث بالطبع هو أن تُقدم الأم بنفسها على قتل أبنائها بدم بارد، وهذا بالضبط ما تم اتهام ديان داونز به مساء التاسع عشر من مايو القابع في عام 1983، حيث كانت واحدة من الليالي التي خلّدها التاريخ ولم يثبُت تكرارها حتى الآن، فدعونا نتعرف سويًا في السطور الآتية على ما حدث في تلك الليلة وبطلتها الأولى، ديان داونز.
ديان داونز الأم القاتلة
من هي ديان داونز؟
منتصف القرن العشرين، وتحديدًا في عام 1955، ولدت ديان داونز، وذلك في مدينة أريزونا القابعة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كانت تتبع أسرة مُتدينة إلى حدٍ ما، وعلى الرغم من أنه لم يكن لديان أشقاء يُنازعوها والديها، إلا أنها عانت كثيرًا في طفولتها، خاصةً في ظل تطوع الأب والأم في الكنيسة وعدم تفرغهما لها، مما مهد كثيرًا في تنشئة ديان وتشكيلها، واللذان كانا بعيدين كل البُعد عما كان يطمح إليه والديها.
طفولة ديان
لم تُعاني ديان داونز وحدها في طفولتها، بل جعلت كل من حولها يُعاني معها، وقد بدأ ذلك في عمر العشر سنوات حيث أبلغت ديان مديرة المدرسة أن والدها قد أقدم على التحرش بها، وهذا في الحقيقة لم يحدث، لكنها من وجهت نظرها تظن أنها بذلك تُعنّف والدها وتُعاقبه على معاملته لها، أما والدتها فقد رَمتها أيضًا بمحاولة تعذيبها وتعريضها للكيّ، الغريب، أن كل ذلك كان يحدث بالرغم من تلقي ديان التعليم في الكنيسة والمدارس الدينية.
ديان داونز والزواج
تزوجت ديان وهي بعمر الثامنة عشر، ولم تلبث أكثر من خمس سنوات حتى أنجبت ثلاثة أبناء، ولد وبنيتين، وقد أثّرت العلاقة المُضطربة بين ديان وزوجها على تربية الأطفال، والواقع أن تلك العلاقة نشأت في الأساس بسبب الأفعال الغريبة التي كانت تُقدم عليها ديان، والتي كان أهمها بالطبع الخيانة، أجل، كانت ديان تُرافق الرجال وتواعدهم بدون علم زوجها، وقد وصل الأمر إلى أن الطفل الثالث لم يكن من زوجها الأصلي، وإنما أحد الرجال الذي واعدتهم أثناء تلك الفترة، لتأخذ ديان بذلك مُنعطفًا آخرًا أدى إلى جريمة قتلٍ غريبة، يُمكن أن نتناولها بطريقتين، أو بمعنى أدق، روايتين.
الرواية الأولى
الرواية الأولى لحادثة القتل تلك بسيطة إلى حدٍ ما، فهي تقول إن ديان داونز كانت مع أولادها في سيارة على طريقٍ مهجور وفجأة قام رجل غريب بمهاجمتهم وإطلاق النار عليهم، مما أدى إلى وفاة أحد الأطفال وإصابة الاثنين المُتبقيين فهرعت ديان إلى المستشفى من أجل إنقاذهم وإنقاذ نفسها، فقد كانت هي الأخرى مُصابة بإحدى الطلقات.
فور وصول الشرطة إلى المستشفى قامت بالتحقيق في الأمر واستخلصت من أقول المجني عليها ديان أن رجال بأوصاف ما، قالتها ديان في التحقيقات، أراد سرقتهم وإجبارهم على إيقاف السيارة تحت تهديد السلاح لكنهم لم يستمعوا له وتركوه حتى جن جنونه وأطلق رصاصته التي فعلت ما فعلت في الأم وأبنائها، لكن، الأمر اللافت للنظر فعلًا، أن هذه الرواية لم يكن شاهدًا عليها سواء ديان فقط، بل إن أوصاف الجاني التي قالتها ديان لم تنطبق على أي مشتبه به يقطن بالمنطقة التي وقعت بها الجريمة أو بالقرب منها، وهناك أمر آخر هام، ابنة ديان تقول أن والدتها تكذب، وأن ثمة رواية ثانية.
الرواية الثانية
الرواية الثانية، والتي روتها ابنة ديان داونز الصغرى تقول ببساطة أن هذه المرأة تكذب، وأنها كانت بالفعل تقلهم بسيارتها لكن أحدًا ما لم يعتدي عليهم أو يُهاجمهم، وإنما ما حدث هو أن ديان نفسها قد حاولت قتل أبنائها، وأنها قد أخرجت سلاحًا من حقيبتها وأطلقت ثلاثة رصاصات على الأطفال ورصاصة على كتفها كي تُضفي بعض المصداقية على القصة، وبالفعل أنتم تتوقعون درجة فعل الشرطة بعد سماع تلك الشاهدة العجيبة من أحد الضحايا، والواقع أن كل محاولات الاستيعاب كانت تحاول النجاح في فهم أمر واحد، هل حاولت ديان داونز فعلًا قتل أطفالها، وإن كان، فلماذا تُقدم أصلًا على مثل هذا الأمر؟
أيهما أصح؟
حارت الشرطة بين الروايتين، فكلاهما من أحد ضحايا الحادث، لكن رواية الطفلة بالتأكيد لا يُمكن أن تكون كاذبة، وذلك لسبب بسيط جدًا هو أنها مجرد طفله، وأن من تحاول اتهامها هي والدتها، كم أن ما يرجح الرواية الثانية أيضًا هو الوصول المتأخر للمشفى من قِبل ديان، بالرغم من أن الطريق كان فارغًا ولا وجود لما يُعيق الوصول سريعًا وإنقاذ أبنائها، أم أنا فعلًا كانت تتأنى حتى تتأكد من موت أطفالها كما تقول الطفلة!
الرواية الأولى أيضًا قد تبدو منطقية بعض الشيء في حال وضعنا في الاعتبار أن إصابة ديان داونز برصاصة في كتفها أعاقتها عن القيادة بسرعة طبيعية، وأن هذه المنطقة فعلًا معروفة بكثرة قطاع الطرق، لكن، إذا عدنا لأول الدائرة من جديد فنحن ما زلنا نبحث عن إجابة لسؤال منطقي ومستفز، لماذا تُقدم أم على قتل أطفالها؟
مبررات الرواية الثانية
إجابة السؤال الغريب، المتعلق بأسباب إقدام ديان داونز على قتل أبنائها، هو نفس الإجابة عن ماهية مبررات صحة الرواية الثانية، ففي النهاية الدافع واحد، وهو التخلص من الأطفال، والهدف واحد، وهو الحب.
كانت ديان داونز كما اكتُشف فيما بعد غارقة في الحب مع شاب يصغرها بخمس سنوات، إلا أن هذا الشاب للتخلص منها أخبرها أنه لا يمكن أبدًا أن يتزوج من امرأة متزوجة ولها أطفال، وللغرابة، اختلقت ديان المشاكل مع زوجها حتى ظفرت بالطلاق وحاولت كما أشرنا التخلص من أطفالها، إذًا هناك مُبرر منطقي إلى حد ما، لكن هل هذا كل شيء؟
نهاية ديان داونز
ليس كل ما سبق ذكره هو كل ما قيل عن قضية ديان داونز، والتي كانت قضيتها ومحاكمتها هي الأشهر على الإطلاق في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن الأمر الذي يستحق الذكر فعلًا هو ما حدث لديان في السجن الاحتياطي أثناء فترة التحقيقات، حيث تفاجئ العالم أنه قد أصبحت حاملة لطفلة، لا يعلم أحد حتى الآن متى وكيف حملت بها، كما أن ردود فعلها أثناء جلسات الاستماع كانت لا تقول أبدًا أنها أم فقدت أحد أطفالها، لذلك جاء الحكم عليه بالسجن مدى الحياة في سجن انفرادي، ومُنعت من رؤية أطفالها المُتبقين لمدة عشر سنوات.
ما بعد النهاية
حاولت ديان داونز الهرب أكثر من مرة لكنها في كل مرة كانت تفشل ويتم إيداعها في السجن من جديد، حتى جاء عام 1993 وأدركت أنها لن تتمكن من الخروج أبدًا، فبدأت في دراسة مواد القانون وبعض المواد الأخرى، كما حصلت على بعض الشهادات التي اتخذتها زريعة للعفو المشروط عنها، لكن ذلك لم يفلح أيضًا، وتم إغلاق باب الصفح حتى عام 2020.
أضف تعليق