تسعة مجهول
لاتيسيا توفو
الرئيسية » جريمة » لاتيسيا توفو : تعرف على صاحبة أغرب قضية قتل في التاريخ

لاتيسيا توفو : تعرف على صاحبة أغرب قضية قتل في التاريخ

قصة الفتاة الفرنسية ضحية القتل لاتيسيا توفو واحدة من أكثر الألغاز غموضًا في التاريخ الحديث، حيث لم تُحل التفاصيل الكاملة للقصة إلا بعد عدة سنوات من وقوعها.

تُعتبر الفتاة الفرنسية الإيطالية لاتيسيا توفو أغرب فتاة، أو شخص عمومًا، تعرض لجريمة قتل في التاريخ، والغرابة ليست في الشخص بقدر ما هي في ملابسات الجريمة، والتي وصفها الكثيرون بالجريمة المستحيلة، لما احتوت عليه من مُلابسات ونظريات جعلت القاتل إما شخص محترف أو شخص ليس له وجود من الأساس، والغرابة أيضًا لم تتوقف عند قتل لاتيسيا وملابسات القتل، وإنما ما عُرف عن حياة هذه الفتاة قبل موتها، وهو ما فتح الباب على مصرعيه أمام الكثير من الاحتمالات، أهمها أن الرئيس الإيطالي موسوليني هو من خطط لقتلها بنفسه، فدعونا نكتشف سويا في السطور الآتية الملابسات الكاملة لتلك الجريمة وما كان قبلها وعُرف بعدها.

لاتيسيا توفو ضحية جريمة القتل البشعة

من هي لاتيسيا توفو؟

وُلدت لاتيسيا توفو في ديسمبر 1906 بأحد الأحياء الفقيرة بميلانو في إيطاليا، وقد تلقت تعليمًا متوسطًا بأحد المدارس المتوسطة لم تُكمل فيه للنهاية بسبب موت والدها في الحرب العالمية الأولى وإصابة والدتها مانديرا بمرض السل، وبالطبع مرض السل في هذه الفترة كان يُعد طريقًا مُختصرًا للموت، من يُصاب به يكون في عداد الموتى في شهور قليلة دون شك، وهذا بالضبط ما حدث لوالدة لاتيسيا، حيث ماتت وتركتها لا تزال طفلة في الرابعة عشر.

القدر لم يُمهل لاتيسيا أكثر من ثلاثة أعوام، بعدما تعرضت للخطف على يد مافيا دولية مُتخصصة في خطف الفتيات والاتجار بهم لاستخدامهم في البغاء، وبالفعل تم إرسالها إلى فرنسا لتعمل هناك فتاة ليل بالإجبار، إلا أن الحياة لم تلبث وابتسمت لها من جديد وهي في الرابعة والعشرين من عمرها، حيث التقت برجل أربعيني وقامت بينهما قصة حب انتهت بزواجهما، لكن مرة أخرى أعطت لها الحياة ظهرها مرة أخرى بعد ست سنوات، حيث مات هذا الرجل وتركها أرملة فقيرة لا تمتلك فرانك واحد في جيبها، فاتجهت للعمل مرة أخرى، بيد أن هذه المرة عملت بأحد مصانع الغزل والنسيج لتتقاضى منه ما يكفي لطعامها، كل ما مضى يُمكن اعتباره مجرد قصة عادية لفتاة عادية، لكن ما حدث بعد ذلك هو كل ما يعنينا.

جريمة المترو

في أحد الأيام كانت لاتيسيا توفو للغرابة ترتدي زيًا أنيقًا لا يتماشى أبدًا مع جسدها الأنيق المنمق وحالتها المالية المُعدمة، وكانت تنتظر مع المنتظرين وصول المترو المتجه إلى العاصمة باريس، وكان هذا القطار من المُفترض أن يقف في محطة بعد ركوب لاتيسيا توفو بأقل من دقيقة، لكن، بعد أن فتح القطار أبوابه في المحطة التالية كان هناك أمر يدعو إلى الدهشة والذهول، لقد كانت لاتيسيا مقتولة وغارقة في دمها.

ما الذي حدث؟

لا أحد يعرف تحديدًا ما الذي حدث، وربما هذا هو الأمر المثير للانتباه في تلك القضية المستحيلة، فملابسات القضية على الأقل يجب أن يتم معرفتها، ويمكن بعد ذلك البحث عن المتهم، لكن أن يكون ما حدث مجهولًا تمامًا مثل المتهم، فهذا هو الأمر الغريب الذي جعل الشرطة الفرنسية تستدعي فريق كامل من المُحققين الدوليين، والذين قيل لهم نصًا أن لاتيسيا توفو دخلت عربة قطارات فارغة لمدة سبع وخمسين ثانية فقط ثم فُتح الباب لتوجد جثتها في قلب العربة دون آثار لأقدام أو لمحاولة فتح أو غلق في الأبواب، فقط آلة حادة صغيرة وجدت على رقبتها وتم اعتبارها أداة لتلك الجريمة، وبالطبع كان التعليق الأول لفريق المحققين كان هو الجذم بانتحار لاتيسيا، لكن كان السؤال التالي هو “لماذا؟”

هل هو انتحار؟

“بالطبع لا”، نطق بها أحد المحققين الفرنسيين فور سماعه لتحليل الفريق الدولي للقضية، وقد برر هذا المحقق ذلك بكون الانتحار يحتاج إلى دافع، ولا يوجد أي دافع لهذه الفتاة كي تقتل نفسها، وإن كان، فلماذا القطار تحديدًا؟ ألم يكن من الممكن لها الانتحار في بيتها أو في الطريق أو أي مكان، هل يأبه المنتحر بالناس، هل يستتر منهم في عربة قطار، مُغلقة الأبواب، هل يرتدي قبل انتحاره أفخر الثياب الموجودة لديه؟ ما الذي سيفعله أصلًا بالثياب الجديدة الأنيقة؟ ثم أنه لا أحد قادر على قتل نفسه بتلك الدقة التي ماتت بها لاتيسيا!، كل هذه تساؤلات جعلت فريق التحقيق الدولي يُعيد القضية من جديد ويتراجع عن قراره السابق ويبدأ هذه المرة في البحث خلف لاتيسيا توفو نفسها.

مفاجأة الجريمة المستحيلة

كُشف الغطاء عن الجريمة المستحيلة بعد عدة سنوات من وقوعها، حيث وقعت في يد الشرطة وثائق تُثبت أن لاتيسيا توفو متورطة في قضية مُخابراتية، حيث قيل أنها كانت تتعاون مع المخابرات الإيطالية لكشف جماعة شيوعية إيطالية تعيش في فرنسا وتُخطط للإطاحة بموسوليني، لكن، من قتلها؟

هناك من ذهب إلى القول بأن لاتيسيا توفو قد ماتت على يد تلك الجماعة الشيوعية التي تمكنت من كشفها، وأنهم قد أرسلوا قاتل مُحترف قام بقتلها داخل القطار بخفة ورشاقة دون أن يترك أي دليل، وهناك من يقول أيضًا أنها قد قُتلت على يد المخابرات الإيطالية نفسها، وهذا هو الشائع مع كافة العملاء والجواسيس بعد أن تنتهي مهمتهم، حيث تقوم المخابرات بقتلهم كي تموت المعلومات التي يعرفونها معهم، وهذا هو القول الراجح بدليل أن الحكومة الإيطالية قد أعطت اهتمامًا كبيرة لقضية لاتيسيا توفو بالرغم من أنها كانت في فترة الحرب العالمية الثانية، ويقول أن الحكومة لم تهدأ إلا بعد أن تم تلفيق التهمة لقاتل مُحترف يُدعى فيليول، وهو الذي نفذ من قبل الكثير من عمليات الاغتيال الخاصة بالمخابرات الإيطالية، والغريب أيضًا أن الحكومة الإيطالية أخذت تروج لهذا الأمر وكأنها تؤكد عليه.

الرأي العام ولاتيسيا توفو

كان الرأي العام الفرنسي منقسمًا على قضية لاتيسيا توفو وجريمتها المُستحيلة، فقبل ظهور الأدلة الجديد كان الجميع يسأل بنهم عن القضية ويطلب من الحكومة وفريق التحقيق الدولي بذل الكثير من الجهد كي يتم العثور على قاتل هذه الفتاة المسكينة وتقديمه للعدالة بأسرع وقت، لكن، بعد ظهور الأدلة التي تُثبت تورط لتيسيا في قضايا مُخابراتية تخلى الجميع عن تأييده لها وتحول السعي إلى العثور على قتلتها شبه عبث، لا يلتفت أحد إليه، وفي الواقع أنهم قد تعرضوا للصدمة بعد سماع الأقاويل حول كون لاتيسيا تتبع المخابرات الإيطالية، وتزايد الأمر مع قيام الحرب العالمية الثانية والكارثة التي حلت بالشعب الفرنسي مع احتلال ألمانيا لهم، والتي كان يدعمها إيطاليا وقيادتها، لذلك لم يكن من المعقول أبدًا أن يتم التحقيق في مقتل فتاة إيطالية عادية أو السعي للتعرف عن كل ما هو جديد بشأنها.

في النهاية لا يُمكن القول بأن لاتيسيا توفو قد قُتلت على يد المخابرات الإيطالية أو الجماعة الشيوعية التي كانت تتجسس عليهم، ولا يمكن القول أيضًا أنها قد انتحرت مثلما توصلت إليه التحقيقات، ما يُمكن قوله فقط هو أن لاتيسيا توفو قد تعرضت لأغرب جريمة قتل في التاريخ، أو بمعنى أدق، لقد تعرضت للجريمة المستحيلة، والتي ما زالت تُدرس حتى الآن في كليات الشرطة الفرنسية والإيطالية، بالرغم من أن لُغزها لم يُحل بعد.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

تسعة عشر − خمسة عشر =