إن ما يجعل قصة آندرو كيو خالدة إلى الآن ليس كونها قصة سفاحٍ فقط، فهناك الآلاف من هذه القصص، لكن ما حدث لآندرو كيو تحديدًا كان يستحق الوقوف عنده كثيرًا، فأي حادثة تلك التي أوصلت هذا الرجل الوجيه المُثقف المحبوب بين الناس إلى القاتل الذي يُفكر في قتل كل أطفال بلدته، أي بداية قادته لهذه النهاية المأسوية، ومن المسئول عن كل ذلك، هل هو آندرو كيو وحده؟ وإن كان، فهل نحن في مُجتمع ملائكي يُهيأ الظروف لأفراده كي يخرجوا منه أشخاص جيدين وودودين؟ إجابة آندرو كيو كانت لا، أما قصته، فها هي تأتيكم في السطور التالية بالتفصيل.
آندرو كيو والقصة الكاملة من الألف إلى الياء
من هو آندرو كيو؟
في بلدة تيكومسة، القابعة بولاية ميتشغين، رأى آندرو كيو النور لأول مرة، كان ذلك في عام 1872، حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال في مهدها، وكانت الظروف الاقتصادية لها جيدة إلى حدٍ ما، وربما انعكس ذلك على والديّ آندرو، واللذان كانا مُزارعين بسطاء طيبين، يُحبهم الناس ويُحسنون لهم.
لم يكن آندرو وحيدًا، فقد كان لديه خمسة عشر شقيق، حيث كان هو الطفل الثالث عشر لوالديه، وربما يُؤدي ذلك إلى قلة الاهتمام بآندرو، إلا أنه لم يلق إلا المعاملة الطيبة والاهتمام الزائد، فقد كان والديه بالرغم من فقرهما بارعين في تربية أطفالهم، وخاصةً آندرو، لكن، كعادة كل الأمور الجميلة، لم تمض الحياة على هذا المنوال.
طفولة آندرو كيو
طفولة آندرو كانت جيدة حتى سن السادسة، وتحديدًا عندما توفيت والدته بشكلٍ مُفاجئ، فما كان من الأب إلى أن تزوج غيرها كي تُساعده على تربية أبناءها، لكن هذا لم يحدث، بل حدث ما كان مُتوقع في حالات زواج الأب بعد موت الأم، وكثرت المشاحنات بين آندرو وزوجة أبيه لمدة لم تطل.
في أحد الأيام أرادت زوجة الأب إشعال الموقد، فانفجر لأسبابٍ غريبة في وجهها، ولم يكن هناك في البيت سوى آندرو، والذي لم يتدخل أبدًا لإنقاذها، لتلتهما النيران وتُرفع أصابع الاتهام في وجه الطفل الذي لم يكن قد تجاوز الرابعة عشر بعض، والذي كان سنه سببًا في رفع التهم عنه، ليُكمل تعليمه ويحصل على شهادته الثانوية.
آندرو كيو والاستقرار
أنهى آندرو كيو تعليمه وأصبح خريجًا لكلية الهندسة الكهربائية، فأخذ بعدها يبحث عن الاستقرار العاطفي حتى تزوج بإحدى النبلاء وتُدعى “نيللي”، وقد كانت نيللي جميلة وثرية، ساعدت آندرو كثير حتى وجد له عمل ككاتب في مدينة باث، والذي ذهب إليها الزوجان بعد سبع سنوات من الزواج لتبدأ مرحلة جديدة في حياتهم وتأخذ قصة آندرو مُنعطفًا آخر، ربما لو كان يعرف به ما فكر أبدًا في الذهاب إلى باث أو الخروج من بيته في الأساس.
آندرو كيو في باث
استقر آندرو في باث، اشترى مدرعة كبيرة بها حظيرة مُكدسة بالحيوانات، إضافةً إلى أنه قد عمل في منصب إداري كبير وقتها وهو كاتب البلدة، ثم بدأ بعدها في المساهمة بتأسيس مشروع كبير لخدمة أهالي باث وهو مدرسة باث الموحدة، وتوالى منصب أمين المدرسة، ببساطة، لقد دخل آندرو قلوب كل أهالي البلدة وأصبح رجلها الأول.
مع مرور الوقت تغير الأمر وبرزت بعض الحوادث الغريبة من آندرو، فقد شاهده الناس يقتل حصانه ذات مرة، وعندما سألوه عن السبب قال إنه حصان شؤم يستحق الموت، كما ذبح دجاجة صغيرة انسلت إليه من الحظيرة المجاورة له وقام بإلقاء رأسها على صاحب الحظيرة، إجمالا، فقد آندرو حب الناس واحترامهم له تدريجيًا.
بداية النهاية
نهاية آندرو كيو بدأت من المدرسة، وتحديدًا من الخلافات التي نشأت بينه وبين الإدارة، والتي نشبت بسبب بعض رغبات آندرو المخالفة لهوى باقي الإداريين وعلى رأسهم إيموري مويك، كما خسر منصبه ككاتب البلدة، وخاض الانتخابات وخسرها أيضًا، ثم جاءت الديون تتراقص فوق هذا الحِمل الثقيل من الكوارث.
لم يكن كل ما حدث من مصائب هو ذروة المتاعب التي واجهت آندرو، بل جاء مرض زوجته المفاجئ بالسل ليقضي على كل ما تبقى لديه من أمل في هذه الحياة، وربما يكون هذا طبيعيًا ومنطقي، لكن الغير طبيعي بالمرة كان ما فعله باث بعدها، والذي كان بدافع الانتقام من الجميع، لأنهم-حسبما يظن-المتسببين فيما حدث له.
انتقام آندرو كيو
لم يكن آندرو كيو يتوقع أنه ذات يوم سيقتل زوجته الجميلة نيللي، لكنه فعل، واقنع نفسه أن ذلك من أجل إراحتها من وجع المرض، ثم بدأ بعد ذلك في تفخيخ بيته بالديناميت، وقتل كل أحصنته وحيواناته الموجودة في الحظيرة، وأخيرًا ذهب إلى المكان الذي يعتقد أنه السبب الرئيسي في كل ما وصل إليه، المدرسة، حيث قام بتفخيخها وزرعها بالديناميت هي الأخرى مُدعيًا أنه يُصلح بعد الدوائر الكهربائية، ولأنه في الأصل مُهندس كهربائي، لم يتشكك به أحد وأعطوا الأمان، وكانوا بهذا يُعطون الأمان لقاتلهم هم وأطفالهم.
اشترى آندرو أيضًا سلاحًا ناريًا، ليُكمل بذلك تأهبه الذي بدأ ب 450 كيلو جرامًا من المتفجرات، ضبط المؤقتات، وحدد يوم التفجير، ثم فخخ سيارته بالمرة وجهزها للانفجار هي الأخرى، كل ذلك ولا أحد يشعر بأي شيء، حتى أن إدارة المدرسة جاءت تستأذنه في إجازة يوم واحد للطلاب، فوافق على الفور، ولابد أنه قد تمتم ” لا مانع من النزهة قبل الجحيم”.
جحيم باث
صباح يوم أسود من عام 1927 استيقظ الآباء كالعادة نشطين ومُقبلين على الحياة، وقاموا بإفطار أبناءهم، الإفطار الذي لم يعلموا أنه الأخير، ثم أوصلوهم إلى المدرسة وودعوهم في فرح، كان آندرو وقتها يُجهز نفسه لساعة الصفر الذي انتظرها لشهور عدة، عندما جاءت، بدأ الجحيم.
كان أول ما تم نسفه هو بيت آندرو ومزرعته، وبالطبع أصابت المتفجرات أغلب البيوت المجاورة، ثم سمع الناس بعد ذلك انفجارا يأتي من الجهة الشمالية، فهرول الجميع إلى الانفجار مذعورين، لأن الجهة الشمالية كان بها مدرسة أبناءهم، وبالفعل عندما وصلوا وجدوا نصف المدرسة قد تساوى بالأرض والنصف الأخر يستعد للحاق به، فقاموا مُسرعين بإخلائه ممن تبقى من الأطفال، وبالطبع كان آندرو كيو يقف بعيدًا يُشاهد صنيعه، وللغرابة كان مُستاءً.
نهاية آندرو كيو
لم تنفجر كل المفرقعات التي زرعها آندرو في المدرسة، بل انفجر نصفها فقط وقتل حوالي 36 طفل، وهذا بالطبع ما لم يكن يُريده هذا المجنون، خاصةً وأن النصف الذي نجى كان به ألد أعداءه إيموري مويك، والذي عارضه من قبل في كافة قراراته، لذلك رأى آندرو أنه إن كان لابد من الموت وقتل هذا الرجل فلا بأس.
دعا آندرو إيموري الذي لم يكن يعرف بأن آندرو المتسبب في كل شيء، وفور اقترابه أشهر مُسدسه وأطلقه عليه النار فلم يُصبه، ليُمسك به إيموري ويتنازع الاثنان السلاح حتى تخرج طلقة طائشة وتُصيب السيارة المليئة بالمفرقعات فتنفجر ويموت كلأيهما، فيما كان البقية مُنشغلين بالبحث تحت الركام عن جثث أطفالهم، لتكون هذه هي النهاية المأسوية لبلدة باث وسفاحها آندرو كيو، ذلك السفاح الذي خلقته الظروف.
أضف تعليق