حرب طروادة ، أو عشر سنواتٍ من الدمار، أو الحرب المجنونة، أو لعنة باريس، أو ما اقترفته هيلين، كلها أسماء لما وقع بين الإغريق في سنواتِ ما قبل الميلاد، ميلاد المسيح، وميلاد الحكمة التي افتقدها أطراف هذه الحرب المجنونة التي يؤكد الجميع – عدا المؤرخ هيرودوت- أنها قامت من أجل امرأة واحدة، وتحديدًا الأميرة هيلين، تلك الأميرة التي دفعها الطيش والحب إلى الهرب مع باريس إلى طروادة وخيانة زوجها الذي كانت قد استغلت انشغاله في أحد الحروب، ووضعت بفعلتها تلك الإغريق في مأزقٍ وتحدي حقيقي لكرامتهم أمام العالم بأكمله، فلم يكن هناك بدٌ من الزحف نحو طروادة واستعادتها من جديد، حتى لو دفعهم ذلك إلى خوض حرب طروادة، أكبر حروب التاريخ.
حرب طروادة والقصة الكاملة
مدينة الحرب
وقعت حرب طروادة في مدينة طروادة، وهي مدينة صغيرة تقع في أسيا الصغرى، تمتاز بكونها ذات بيئة بحرية، مكنتها من إنشاء أسطول بحري قوي، وربما يكون ذلك سببًا في صمودها عشر سنوات من الحصار، وتقول الأساطير أيضًا أن هذه المدينة تم تشييدها على يد الإله بوسيدون، ويعد ذلك سببًا أخر في صمودها واستبسال شعبها.
تبعد هذه المدينة عن الإغريق أو اليونان بحوالي ست مئة كيلو متر مربع، تفصلها عن أقرب المُدن إليها بحر يمتد لمسافة أكثر من ثلاث مئة كيلو متر مربع، ورغم كون ذلك نقطة قوة وحماية لها إلا أنه أيضًا جعل منها مُنعزلة عن باقي المدن، وهو ما جعلها تخضع للحصار عشر سنوات دون أن يمد أحد يد العون لها.
أسباب الحرب
حكت الأساطير الكثير من الأسباب لهذه الحرب، بل إن منها ما تطرق إلا ما قبل بداية الحرب بكثير، قبل ولادة الأمير باريس تحديدًا، حيث تقول بعض الأساطير أن كاهنًا تنبأ في أثناء حمل ملكة طروادة في باريس بأن هذا المولود سيكون سببًا في هلاك هذه المملكة، وأن من الواجب على الملك التخلص منه فور ولادته إن أراد الاستمرار في الحكم.
وبالفعل، يأمر الملك بريام ملك طروادة بقتل باريس بعد ولادته مباشرةً، إلا أن الخادمة تشفق عليه وتكتفي بتركه وحيدًا أعلى قمة أحد الجبال ليلقى مصيره، فيأخذه أحدة رعاة الأغنام ويقوم بتربيته ليصبح باريس مُزارعًا وراعيًا للأغنام.
لكن الآلهة، بطريقة ما ابتدعتها- كما تقول الأسطورة- تمكنت من إعادته إلى مُلك والده من جديد عن طريق الربة أفروديت، والتي أغرته بإعطائه أجمل نساء الأرض إذا قام باختيارها من بين الربات الثلاث، وبالفعل اختارها هيلين وبدأت الربة أفروديت في تنفيذ ما وعدت، حسبما ذكرت الأسطورة بكل تأكيد.
ابتهج أهل طروادة بعودة أميرهم من جديد، ونسى الملك بريام ما قاله الكاهن له، بل انه حين أقدم على الاعتراض على قبول الملك لباريس قام بقتله، مُعتقدًا أن وقت اللعنة قد مضى وانتهى، كما وفت الربة أفروديت بوعدها بأن تهبه أجمل نساء الأرض، فأرسلته إلى مدينة سبرطة الإغريقية، وهناك قابل الأميرة هيلين زوجة أمير سبرطة منيلاوس، فقام بإغواءها مُستغلًا غياب زوجها منيلاوس وانشغاله في الحرب، ثم قام بخطفها وعاد بها على متن سفينة إلى طروادة، وعندما عرف ملوك سبرطة بذلك قرروا الذهاب إلى طروادة مجتمعين واسترداد أميرتهم وكرامتهم من جديد، في الوقت ذاته قرر ملك طروادة الدفاع عن زوجة باريس وأميرة طروادة الجديدة، لتقوم بين المدينتين أكبر حرب في التاريخ، والسبب كما أجمعت الأساطير هو لعنة باريس وطيش هيلين.
حرب طروادة
اتجهت مئات السفن الإغريقية المُحملة بآلاف الجنود إلى طروادة، وهناك قامت العديد من الحروب الدامية، وتمت مُحاصرة المدينة أكثر من عشر سنوات، قاد خلالها ابن الإله آخيل الإغريق إلى عدة انتصارات، قبل أن ينعزل عنهم بسبب مُخالفتهم لبعض قراراته ووقوعه في حب إحدى الأسيرات والتي كانت شقيقة أمير طروادة، وهنا بدأت الكفة تميل إلى أهل طروادة من جديد، وظن الجميع أن رحيل الإغريق وعودتهم إلا وطنهم بات مسألة وقت.
ذات مساء قام شقيق آخيل بسرقة سيفه ودرعه، وذهب لمُهاجمة الجيش الطروادي مُتظاهرًا بأنه آخيل، وذلك لإعادة الروح المعنوية إلى الجيش الإغريقي الذي كان قد بدأ في الاعتراف بالهزيمة ولملمة أوراقه للرحيل، وبالفعل ظن الجميع بما فيهم الإغريق أن آخيل قد عاد إلى المعركة من جديد، وفي خِضم المعركة سقط شقيق آخيل على يد أمير طروادة، ظنًا منه بأنه قد قتل آخيل، لتبدأ بعدها المعركة الحقيقة.
فور سماع آخيل للخبر استل سيفه وذهب لمبارزة أمير طروادة، وبالفعل تغلب عليه وأخذ معه جُثته وقام بالتمثيل بها، حتى أتاه ملك طروادة واستعطفه لأخذ جثة ولده ودفنه، ووافق آخيل أمام بكاء الملك، ثم قام بعدها باعتزال الحرب والتفرغ لقصة حبه مع أميرة طروادة التي تم أسرها في بداية الحرب.
قام الإغريق بإهداء حصان خشبي طويل إلى أهل طروادة، وتم قبوله بالفعل وإدخاله المدينة، في المساء، وعندما كان الجميع يحتفل بالانتصار، اندفعت شلالات من جنود الإغريق كانت تختبئ داخل هذا الحصان، وقامت مجموعة الجنود تلك بفتح الباب الرئيسي للمدينة ليقتحم جيش الإغريق المدينة وتقوم واحدة من معارك الإبادة بمشاركة آخيل الذي لم يستطع التخلي عن جيش وطنه، لكنه يُصاب بسهم في قدمه ويموت كما تنبأت والدته، وللمفارقة كان هذا السهم من رمح الأمير باريس، الذي قامت هذه الحرب بسببه.
طروادة في الشاشة الصغيرة
لم تمر هذه الحرب الأسطورية على السينما مرور الكرام، حيث تم تجسيدها في عدة ملاحم سينمائية، كان أكبرها وأهمها فيلم طروادة، والذي تم إنتاجه عام 2004 وقام ببطولته الممثل الأمريكي الشهير براد بيت مُجسدًا شخصية بطل هذه الحرب آخيل، وقد تكلف إنتاج هذا الفيلم ما يقرب من خمسة مليارات، نظرًا للتكلفة العالية للسفن والسيوف والديكور، كما تم إخراج هذا الفيلم الملحمي على يد فريق إخراج على أعلى مستوى، واستغرق تصويره ثلاث سنوات من العمل الشاق، كما تم الاعتماد في الأحداث على الإلياذة ومراجع تاريخية أخرى.
حقق الفيلم نجاحًا ساحقًا في السينمات وتم اعتباره نقلة نوعية في مجال أفلام الحروب، كما حصل الفيلم على عدة جوائز أهمها جائزة الأوسكار لأفضل إخراج وأفضل ديكور وأفضل تمثيل، وتم الاستعانة فيه بعدة الآف من جنود الجيش الاحتياطي للمشاركة كدوبلير في الفيلم، والذي عمل فيه أكثر من خمسة الآف شخص لمدة ثلاث سنوات.
وبعيد عن الجانب السينمائي للأمر، فإن تطرق السينما إلى حدثٍ كهذا وإنتاجه بكل هذه المليارات يعد دليلا دامغًا على ثبوت هذا الحدث تاريخيًا، ودحض للمشككين فيه وفي حدوثه، والقائلين بأنه مجرد أسطورة جديدة تضاف إلى الأساطير الرومانية التي لا تُحصى.
ورد البعض على هيرودت الذي خرجت على لسانه الكثير من الأقاويل التي تنفي قيام هذه الحرب وتُرجح القول بأنها أسطورة، تم ابتكارها من قِبل الإغريقيين، بأن هذا القول مردود لوجود هذه الحرب في الإلياذة وأغلب أشعار القُدامى، كما أن السينما العالمية أيضًا تصارعت على تقديمها بأقرب صورة لما كانت عليه، وبالطبع لم يكن هذا ليحدث إلا لو كانت حرب طروادة واحدة من أكبر حروب التاريخ.
أضف تعليق