تسعة مجهول
الرحلة الليبية 114
الرئيسية » الغاز » الرحلة الليبية 114 والإسقاط الإسرائيلي والغموض الذي ما يزال

الرحلة الليبية 114 والإسقاط الإسرائيلي والغموض الذي ما يزال

لا ينتهي الجدل بخصوص حوادث الطيران على الإطلاق، وحادثة الرحلة الليبية 114 واحدة من حوادث الطيران الأكثر إثارة للجدل حتى اليوم، هيا نتعرف على قصتها كاملة.

على الرغم من مرور أربعة عقود، لا تزال الرحلة الليبية 114 التابعة للخطوط الجوية الليبية محل جدلٍ كبير، حتى مع وضوح أمر سقوطها وأسبابه التي أدت معروفة للجميع، إلا أن الجدل الذي يثار بسبب القضية التي رفعها أبناء ضحايا هذه الطائرة ضد سلاح الطيران الإسرائيلي، والذين طالبوا بأقصى التعويضات الممكنة، جراء الخسائر التي تعرضوا لها بسبب هذا الحادث والتي كان فقدان ذويهم أهمها، ويتصدر ممثلو أهل الضحايا نجل السفير الليبي وابنة المذيعة المصرية الشهيرة سلوى حجازي، واللذان كانا على متن هذه الطائرة وراحا ضحية هذا الحادث الذي وقع في الشهر الثاني من عام 1973، حادث الطائرة الليبية 114 والإسقاط الإسرائيلي.

الرحلة الليبية 114 والقصة الكاملة لها

الوضع قبل الرحلة الليبية 114

كانت تلك الرحلة تنطلق بشكل شبه دائم من مدينة بنغازي في الأراضي الليبية إلى القاهرة، وكانت تسلك طريقًا مُحددًا يقتضي مرورها بمحاذاة شبه جزيرة سيناء، والتي كانت في هذا الوقت مُحتلة من الكيان الصهيوني وخاضعة للسيادة الإسرائيلية، ورغم أن بداية هذا العام شهدت قرارًا بوقف إطلاق النار بين الجانبين إلا أن الطيارين الليبيين كانوا يتحاشون الاقتراب من منطقة الحرب تلك تحسبًا لحدوث أية مشاكل.

إقلاع الرحلة

في العاشرة والنصف من صباح الحادي والعشرين من فبراير عام 1937 أقلعت الرحلة الليبية 114، والتي كانت من طراز بوينغ 727، حيث غادرت مطار طرابلس متجهةً إلى مطار القاهرة كما هو المعتاد، كما مرت في طريقها بمطار بنينة حيث كان ينتظر الركاب المئة وأربعة، إضافة إلى تسعة أفراد من طاقم الطائرة، لتتجه طائرة الرحلة الليبية 114 إلى القاهرة وعلى متنها 113 شخصًا، كان أغلبهم من الفرنسيين وبينهم شخص مصري واحد.

كانت شركة الطيران الليبية وقتها قد أبرمت وثيقة مع نظيرتها الفرنسية تنص على التعاون الجوي المدني بين البلدين، حيث كانت فرنسا تشتري الطائرات في حين تزودها ليبيا بالنفط، كما نصت الوثيقة على أن تكون مسئولية تشغيل هذه الطائرات وقيادتها من نصيب الجانب الفرنسي، بسبب خبرتهم الواسعة في هذا المجال، لذلك كان طاقم الطائرة بأكمله من الفرنسيين تحت قيادة القبطان جاك بورجييه، عدا ليبي واحد، مات في أثناء السقوط.

العاصفة الرملية

في الطريق إلى القاهرة تعرضت طائرة الرحلة الليبية 114 إلى عاصفة رملية شديدة وهي تُحلق في السماء المصرية، واكتشف القبطان جاك بورجييه بعد وقت قصير أن ثمة خطأ ملاحي قد حدث بسبب العاصفة، كما أن المرشد اللاسلكي وبوصلة الطائرة قد تعطلا، فتواصل مع فريق المتابعة المصري الذي أرشده إلى الطريق الصحيح وحذره من الاقتراب من سيناء القابعة تحت الاحتلال الإسرائيلي وقتها، كان ذلك في تمام الثانية إلا عشر دقائق وكان وقت التحذير قد فات.

الاشتباه والاشتباك

مع دخول طائرة الرحلة الليبية 114 إلى الأراضي المصرية المحتلة رغمًا عنها بسبب الرياح القوية، وفي تمام الثانية ظهرًا، التقط الرادار الإسرائيلي هذه الطائرة وقام بتتبعها عن طريق مُقاتلتين من القوات الجوية الإسرائيلية، وفي تمام الثانية وخمسة دقائق كانت المُقاتلتين الإسرائيليتين يُحاصران الطائرة الليبية ويُطبقان عليها.

الإسقاط

حسب الرواية الإسرائيلية، أرسلت إحدى المُقاتلتين الإسرائيليتين إشارة إلى قائد الرحلة الليبية 114 جاك بورجييه تأمره فيها بالهبوط في مطار ريفيديم الإسرائيلي والتحقق من هويته، إلا أن الطاقم بأكمله رفض تنفيذ الأمر وخشي أن يتم اعتقالهم كأسرى حرب، فتابعوا وجهتهم وتبعتهم إحدى المقاتلات الإسرائيلية وأطلقت عليهم صاروخًا أصاب جناحها الأيسر.

لم تسقط الطائرة فور إصابتها بهذا الطريق، حيث تابعت طريقها في اتجاه المجال الجوي المصري، إلا أن الطائرة كانت قد بدأت تتأذى من الإصابة وتعطلت أنظمتها الهيدروليكية، وأصبح الدخول في الأجواء المصرية أمرًا شبه مُستحيلًا خاصةً مع الإطلاق الإسرائيلي المُكثف، فاضطر قائد الطائرة إلى القيام بعملية هبوط اضطراري مفاجئة، لتسقط الطائرة على منطقة مليئة بالكثبان والصخور، ويلقى مئة وثمانية فرد ممن كانوا على الطائرة حتفهم، فيما نجى خمسة أشخاص فقط، تم اقتيادهم إلى قاعدة ريفيديم والتحقيق معهم.

ما بعد السقوط

فاجأت إسرائيل الجميع وأعلنت أنها لم تتعرض من قريب أو بعيد للرحلة الليبية 114، وان ما حدث كان تحطمًا طبيعيًا نتج عن عطل وارد في الطائرة، وكان هذا بمثابة صفعة كبيرة للطيران الليبي، إلى أن تم العثور على ما تبقى من الصندوق الأسود الخاص بالطائرة ليتم اكتشاف أن قرر تحطم الطائرة جاء بتفويض مباشر من وزير الدفاع الإسرائيلي وأن الطائرة لم تسقط، بل تم إسقاطها بعد أن تمت إصابتها إصابة مباشرة رغم عدم دخولها في أية اشتباكات.

موقف الأمم المتحدة

رغم توافر الأدلة وثبوت إدانة إسرائيل، لم تتحرك الأمم المتحدة لاتهام إسرائيل بالحادث، بل اعتبرته أمرًا عاديًا وانه واحدة من إجراءات الاحتياط كان الواجب على إسرائيل فعلها لتأمين نفسها، وهو موقف يُعد مُغايرًا تماما لموقفها من حادث لوكيربي الشهير، والذي كانت الضحية فيه طائرة تابعة للولايات المتحدة الأمريكية، لذلك تم إدانة ليبيا المتهمة في الحادثة وسجن اثنين من مواطنيها إضافة إلا إلزامها بدفع عشرة ملايين على كل ضحية، لكن في هذه الحالة كان الأمر مختلفًا ولم تتم إدانة إسرائيل، في حين اكتفت منظمة الطيران المدني الدولية بإعلان استياءها.

أهالي الضحايا

بعد موقف الأمم المتحدة المتخاذل قرر أهالي الضحايا وعلى رأسهم نجل وزير الخارجية الليبي الذي كان على متن الطائرة وابنة المذيعة المصرية الشهيرة سلوى عثمان التي كانت في نفس الرحلة أيضًا رفع قضية تعويض في المحكمة الدولية ومُلاحقة إسرائيل قضائيًا بسبب تسببها في قتل أكثر من مئة وثلاثة عشر راكبًا دون وجود أية دليل أو شبهة لتهديد أمن سيناء التي كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي في هذا الوقت.

النادمون

بعد نحو عشرة سنوات من حادثة إسقاط الرحلة الليبية 114 خرج أحد الطيارين الإسرائيليين والذي كان يقود واحدة من المُقاتلتين اللتان أطلقتا الصواريخ على الطائرة الليبية وقال أنه يشعر بالندم لما فعله لأنه قد شاهد بعينه وجود المدنيين فقط داخل هذه الطائرة وعدم وجود أي تهديد على سماء إسرائيلي، كما انه يتذكر حتى الآن نظرات بعض الركاب المستغيثة والتي لا تجعله ينام هادئًا حتى الآن، وقد تسريح هذا الطيار عقب هذا التصريحات مباشرة وتم تكذيبه والقول بأنه قد تعرض لصدمة عصبية بعد فقدان أخيه في حرب أكتوبر جعلته يتحدث حديثًا غير مفهومًا طوال الوقت، وبالطبع لا يُعد هذا سوء تعتيم على الأمر ومحاولة لحفظ ماء الوجه والتأكيد على الرواية التي تقول بأن إطلاق الصواريخ جاء بعد التأكد من خطر هذا الطائرة على إسرائيل واختراقها المجال الجوي دون مبرر حقيقي.

قطع العلاقات بين البلدين

عقب حادثة إسقاط الرحلة الليبية 114 مباشرة كنت ليبيا العداء لإسرائيل، وبعد معاهدة كامب ديفيد واعتراف بعض الدول العربية بها رفضت ليبيا إقامة أي علاقات دبلوماسية مع هذا البلاد كما أصدرت قانونًا بسحب الجنسية الليبية من أي مواطن يذهب إلى إسرائيل، واستمر هذا الموقف إلى الآن، حتى بعد رحيل الرئيس الليبي الذي أصدر هذا القرار معمر القذافي، لتظل الأجيال تتوارث تلك العداوة التي سببها الإسقاط الإسرائيلي لطائرة الرحلة الليبية 114.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

4 × واحد =