سجن أبو غريب ، أو السجن المركزي، أو جوانتنامو الثاني كما يُسميه البعض، يُعد واحدًا من أقذر سجون الأرض، حيث شهد هذا السجن الواقع في مدينة أبو غريب العراقية الكثير من التجاوزات بحق المساجين العراقيين مُنذ بناءه على يد المتعهد البريطاني مُنتصف القرن الماضي، مرورًا بفترة حكم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وانتهاءً بحكم الولايات المتحدة الأمريكية، والذي شهد أسوأ فترات السجن وأعنفها، حيث تحول هذا البناء الضخم من مُجرد سجنٍ عادي قائم لمُعاقبة المُذنبين وتأهيلهم لبدء حياة جديدة إلى جحيم فعلي، جحيم فوق الأرض.
أبو غريب الرعب والتعذيب في العراق
رحلة السجن
تناوب على حكم هذا السجن ثلاثة حكام مثلما هو الحال مع العراق نفسها والتي تناوب على حكمها ثلاثة حكام أيضًا منذ بناء السجن، وهؤلاء الحكام يتمثلوا في الحكم البريطاني، الرئيس صدام حسين، قوات التحالف وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وبالطبع اختلفت سياسة السجن في كل فترة من هذه الفترات.
أبو غريب في الحكم البريطاني، النشأة
تم بناء سجن أبو غريب في خمسينيات القرن العشرين على يد المتعهد البريطاني، فقد كانت العراق قبل الاحتلال وأثناء الحكم العثماني بلا أية سجون، لذلك كان المُحتل البريطاني في حاجة إلى سجنٍ لمُعاقبة المُتمردين على الحكم والفدائيين الذين يقومون بمُهاجمة المعسكرات البريطانية، وهنا برزت الحاجة إلى سجن في أرض العراق، خاصةً مع صعوبة نقل المتردين والمارقين إلى سجون في دول أخرى، وتم إنشاء السجن في عام 1956 بسواعد أبناء العراق وتحت إشراف الحكومة البريطانية، فيما بعد، تم لعن هؤلاء البناة من قِبل أحفادهم.
أبو غريب في حكم صدام، التطور
في عام 1997 تسلم الرئيس العراقي صدام حسين الحكم، وهنا حدث تغيير كُلي في سياسة السجن، حيثُ تم توسيعه ليصل إلى ستة فدادين، وإنشاء أقسام جديدة تَسع الكثير من المساجين، خاصةً مع كثرة المُعارضين لحكمه، كما تم إنشاء عدة سجون أخرى بالبصرة والكوفة، لكن لم يرقى أحدهم إلى مستوى سجن أبو غريب، والذي كان يُعد صفوة هذه السجون وأشدها وطأة، كما أُشيع وقت حكم صدام أن دخول هذا السجن يعني دخول الجحيم من أوسع أبوابه، والخروج منه أشبه بمُعجزة الصغيرة، وبالفعل، لم يتم توثيق أي حالة إخلاء سبيل لأيًا من المُعتقلين، كم تم استحداث غُرف كثيرة مُخصصة فقط لتنفيذ أحكام الإعدام، وهو ما كشفت عنه الولايات المتحدة الأمريكية بعد دخولها العراق، حيث أبرزت للعالم كيف كان أبو غريب جحيمًا فعليًا في عهد صدام، لكن ما حدث في عهدها بعد ذلك كان أسوأ من الجحيم بكثير.
أبو غريب في الوقت الحالي، الذروة
في عام 2003، وبعد إزاحة حكم صدام حسين وإعدامه، انتقلت سلطة العراق والسجن إلى قوات التحالف وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وتم فتح السجون للصحفيين وإظهار الوجه الحسن للسجن الذي أصبح عليه بعد رحيل صدام، لكن، بعد إغلاق الكاميرات، ومغادرة الميكروفونات، تم عرض الوجه الحقيقي للسجن، وسُمعت الصرخات من جديد.
غيرت الولايات المتحدة الأمريكية من سياسة السجن كُليًا، بدأت ذلك بتغيير الاسم، حيث جعلته سجن بغداد المركزي بدلًا من أبي غريب، ثم قامت بتسريح طاقم حراسة السجن بالكامل واستقدام طاقم أمريكي جديد، تفنن هذا الطاقم في انتزاع الآهات من السُجناء العراقيين، وتحول السجن من جحيم صدام كما كان يقول الأمريكيون إلى الموت المحقق، فلم يعد بإمكان أحد القول بأن من يُزج به في هذا السجن يتم سجنه فقط، أو يتم تعذيبه فقط، لكن، ثمة موت، موت مُحقق، يأتي بصورةٍ مُوحشة ومُذرية، والجحيم ليس وصفًا دقيقًا لما يحدث على الإطلاق.
أصناف العذاب في أبي غريب
تتنوع أصناف العذاب في سجن أبي غريب، فهناك لا وجود للأمرّين فقط، هناك الكثير من المُرّ، الكثير من العذاب، والقليل من الرحمة، وعدد لا بأس به من الانتهاكات اليومية، وما سيأتي ذكره لا يُمكن مقارنته بما يحدث في الحقيقة، لكن ربما هي مُحاولة مقبولة لوصف ما يحدث في السجن العراقي الذي تُشرف عليه الولايات المتحدة الأمريكية الآن.
الشمس. ضيف رحل ولم يعد
مع اليوم الأول لمسجون أبي غريب هناك حقيقة مُطلقة عليه إدراكها، عليه أن ينسى أن هناك شمسٌ وقمر، وأن ثمة ما يُدعى بالليل والنهار، هناك لا شمس، ولا قمر، ولا ليل، ولا نهار، بل ثمة فقط ظلام يُبسط قبضته على المكان، ظلامٌ لا يُمكن لأحدٍ هناك معرفة إذا ما كان يتبع الليل أم النهار، ظلام حالك مُخيف، والأكثر رُعبًا أنه دائم ومُطبقٌ على المكان.
الاعتداء الجنسي. طريقة أمريكية خالصة
ربما يكون من المنطقي القول بأن طريقة الاعتداء الجنسي على المساجين طريقة حديثه على هذا السجن، تم ابتداعها على يد الولايات المتحدة الأمريكية، فالعرب، مها بلغ جأشهم، لا يُقبلون على هذه الأفعال التي تتنافى مع الأخلاق والذوق العام، والتعاليم الدينية أيضًا.
الاعتداء الجنسي غالبًا يحدث أمام الأهل والأصدقاء، وفي ذلك وقعٍ أشد على الشخص الذي يتم تعذيبه، وبهذه الطريقة يُمكن استخراج الاعترافات المطلوبة منه دون عناء، ولا يحدث الاعتداء على النساء فقط، بل يتم ذلك على الرجال والأطفال، والذين يتعرضون في الغالب للموت في أثناء هذا الاعتداء.
الكهرباء. أكثر الأصناف طلبًا
الكهرباء بطبيعة الحال من أقدم الصنوف المستخدمة في التعذيب، حيث انتشرت في الكثير من السجون على مستوى العالم منذ وقت طويل، وربما يكون هذا السبب هو التبرير الأمثل لشيوعها المكثف داخل سجن أبي غريب، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تتهاون في وضع بصمتها على هذا الصنف أيضًا، حيث ابتدعت عدة طريق يمكن من خلالها استخدام الكهرباء في التعذيب، أشهرها وأقساها، هي تجريد المساجين من ملابسهم وكيهم من المناطق الحساسة كالإبط والعانة والعضو الذكري، وهو ما يجعل تحمل هذه الكهرباء مسألة وقت، ففي كثيرٍ من الأحيان ينتهي الأمر بموت السجين في أثناء التعذيب، وهو ما لا يُمثل أي ضررٍ ولا يُعرض من قام بالتعذيب حتى الموت للعقاب.
الماء للغرق وليس للسباحة
في أبي غريب ثمة صنف غريب من التعذيب، حيث أكدت المعلومات المُسربة من داخل السجن وجود غرف ذات فتحات بالأعلى مُخصصة لإغراق المساجين، حيثُ يتم إغلاق الغرفة عليهم وفتح المياه لتنهمر وتملئ الغرفة حتى سطحها، حتى يظل السجين – مهما كانت مهارة السباحة لديه- في صراعٍ مع الغرق، وريثما تُغلق الصنابير يكون السجين إما قد مات أو يقوم بلفظ أنفاسه الأخيرة، وثمة احتمال ضعيف، ضعيف جدًا، بأن ينجو من هذا الصنف، وعليه يتم تحويله إلى صنف أخر من العذاب، ففي أبي غريب، أصناف العذاب لا تُفنى، وتُستحدث من العدم.
العالم يتحدث عن أبي غريب
مع ذياع صيت أبو غريب وتوجيه العالم أنظاره نحو هذه البقعة من الجحيم بدأت الكثير من الحقائق في الظهور، وتم تسريب العديد من الوثائق التي تُوثق الانتهاكات التي تحدث بداخله، لكن أحدًا ما لم يتجاوز التحفُظ والإدانة ويتحرك لنجدة القابعين فيه، والذين باتوا على دراية كاملة أن أبي غريب ليس سجنًا عادي، لكنه جحيم، جحيم فوق الأرض.
أضف تعليق