المغنية أسمهان ، آمال الأطرش،أميرة الجبل، شقيقة فريد، ابنة الماء، كل هذه أسماء أُطلقت على صاحبة الموهبة التي زلزلت الأرض بصوتها وهزت عرش أم كلثوم أعتى الأصوات وقتها، حتى قيل عن موتها أنه قد فرش طريقًا من الورود أمام مجد أم كلثوم، وأنه لولا اختفاء أسمهان ما برزت أم كلثوم. سبعة عقود مضت على موت أسمهان، وما زال الناس يسألون، هل ماتت أم قُتلت ؟ وإن كانت قد قُتلت فكيف حدث ذلك ؟ ومن قتلها؟ ولماذا يقتلها من الأساس ؟، سبعة عقود وما زال الجميع يتحسرون على ضياع تلك الموهبة التي اجتثت في ريعانها على يد قاتل دنئ.
القصة الكاملة لموت المغنية أسمهان
من هي أسمهان؟
أسمهان فتاة مُتقلبة الحظ، فقد يبدو حظها الجيد في كونها الابنة الوحيدة التي عاشت لأبويها، فقد كانت الإناث من هذه العائلة تموت قبل إتمام العام، وقد يبدو حظها العثِر في كونها من الأشخاص القلائل الذي لم يولدوا على أرض أوطانهم، فقد وُلدت أسمهان في عرض البحر المتوسط، تحديدًا على متن السفينة التي كانت تحمل والديها.
والد أسمهان هو السيد فهد الأطرش، ووالدتها السيدة علياء المنذر، كانا يستقلان في تركيا ويعملان هناك، إلى أن تعرضا لبعض المضايقات وتم ترحيلهما على متن السفينة التي ولدت عليها أسمهان في عام 1912.
كانت أسمهان تمتلك أربعة أشقاء،مات اثنين منهم في الصغر وبقي لها شقيقان، أحدهما المطرب الشهير فريد الأطرش والذي جاءت أسمهان معه إلى مصر.
في عام 1934 تزوجت أسمهان من الأمير حسن الأطرش وقضت معه ست سنوات أنجبت فيها طفلتها الوحيدة كامليا قبل أن تتركها هي وأبيها وتذهب إلى القاهرة لتبدأ رحلة المجد من هذه البوابة التي شهدت معبر العديد من النجوم كان على رأسهم شقيقها فريد الأطرش، والذي ظل حتي وفاتها بمثابة ساعدها الأيمن.
طريق مفروش بالورود
بدأ نجم أسمهان يلمع في سماء الفن منذ عام 1931، أي مُنذ بلغت سن التاسعة عشر، وكانت بدايتها في صالة ماري منصور، حيث شاركت شقيقها فريد الأطرش الغناء أمام الجموع، واستطاعت بصوتها الهادئ الناضج أن تأثرهم جميعًا، كما نالت إعجاب أكبر الفنانين وقتها الموسيقار والمطرب محمد عبد الوهاب، والذي أشار إلى أسبقية صوتها لسنها.
بعد الشهرة التي نالتها أسمهان عن طريق الغناء تهافت عليها المنتجين من أجل إقناعها بالتمثيل وتكليل النجاح الذي حققته بشهرةٍ أوسع وانتشار أكبر، خاصة وأن الشاشة الصغيرة تصل إلى عدد كبير جدًا من الناس، بخلاف الحفلات والإذاعات، والتي كانت أسمهان لا تظهر في سواهما.
في عام 1941 اقتنعت أسمهان بقول المنتجين وبدأت تجربة التمثيل وكان ذلك عن طريق فيلم “انتصار الشباب ” والذي شاركها في بطولته شقيقها ” فريد الأطرش”، وغنت فيها أسمهان أكثر من أغنية وحققت شهرة واسعة، إلا أن الشيء الأكبر الذي خرجت به أسمهان من هذا الفيلم هو زواجها العرفي من مخرجه “أحمد بدرخان”.
في عام 1944 قامت أسمهان ببطولة فيلمها الثاني “غرام وانتقام”، وكان يوسف وهبي منتج الفيلم ومشاركها في البطولة، حيث أدت أسمهان أخر مشاهدها ثم طلبت منه أجازة للاستجمام، ولم يكن أحد – ولا حتى أسمهان نفسها- يعلم أن هذه الإجازة ستتطول، بل ستستمر للأبد.
موت أسمهان
في صبيحة الرابع عشر من يوليو عام 1944 طلبت المغنية أسمهان من سائقها حجز تذكرتين إلى رأس البر، فأخبرها أن كافة الحجوزات قد انتهت، فطلبت منه السفر بها عبر السيارة فرفض مُبررًا بأن السيارة تُعاني من عُطلٍ حاليًا، فما كان منها إلا أن اتصلت غاضبة بيوسف وهبي وأطلعته على تلك المشكلة، فأرسل لها سائق لديه بعربة خاصة، ولكي نكون أكثر دقة، فقد أرسل لها يوسف وهبي ملك الموت على هيئة سائق.
تحركت السيارة وبها بجوار السائق أسمهان ومساعدتها الخاصة ماري قلادة،وما إن اقتربت السيارة من ترعة الساحل حتى فقد السائق القدرة على التحكم بها، فألقى بنفسه من النافذة بينما ترك أسمهان وماري للموت، أو هكذا قيل وقتها وكُتب، وبناءً عليه، ماتت المغنية أسمهان في حادثة سير.
لم تكن بالطبع هذه التفاصيل هي التفاصيل الحقيقية للحادثة، بل أنها قد أُحيطت بكثير من الغموض بدأ بنجاة السائق الغير منطقي واختفائه بعدها ثم العثور على جثته بعد عام، بل وشهادة أهل المناطق المُحيطة بترعة الساحل والذين أكدوا أن ارتفاع الترعة لا يُمكن أن يؤدي للموت بأية حال، وأن الكثير قد سقط وخرج دون أن يُصيبه أي مكروه، والدليل على ذلك هو نجاة السائق، وهنا يلوح في الأفق صحة المعلومة التي ترددت وقتها والتي أثبتها المعامل الجنائي وتم تجاهلها من قبل المحققين، وتقول هذه المعلومة بأنه تم إصابة أسمهان بطلقة في رأسها قبل موتها مُباشرة، وهذه المعلومة حتى وإن كان مشكوك فيها فإنها لا تُبرر ما فعله شقيق المغنية أسمهان المطرب فريد الأطرش، والذي تعجل في إنهاء التحقيقات ورفض تشريح الجثة، بل وطالب باعتبار الحادثة مُجرد حادثة سير عادية لا تتوافر فيها أي شُبهة قتل.
أعداء أسمهان
ظل الموت يُلاحق أسمهان مُنذ نعومة أظافرها، فلعنة موت الإناث التي ابتُليت بها هذه الأسرة لم تكن أول ما واجهته المغنية أسمهان ، بل بدأ الأمر منذ ولادتها التي تمت على ظهر إحدى السفن، وبالتالي تعذر وجود الطبيب وقتها، وتعرضت ولادة أسمهان للخطر، إلا إن إحدى المسافرات بالصدفة كانت تعمل ممرضة، فقامت بإسعاف والدة المغنية أسمهان وإنقاذ الطفلة.
بعد ذلك استطاعت أسمهان مواجهة لعنة وفاة الإناث في الصغر، وعندما جاءت إلى مصر وتزوجت حاول زوجها أن يقتلها وبالفعل أطلق عليها الرصاص، إلا أنها قد نجت من الموت بأعجوبة، حدث ذلك في الثالث عشر من يوليو عام 1944، أي قبل موتها بيوم واحد.
أم كلثوم أيضًا تم تصنيفها كعدوة لأسهمان واتهمت بقتلها، بالرغم من تصريحها أكثر من مرة بأن ما يجمعها باسمها هو الود والحب، لكن أصابع الاتهام كانت ترفع في وجهها بسبب الفوائد التي جنتها أم كلثوم من موت أسمهان، إذا كانت تُعتبر المنافس الأوحد لها، وكانت تهدد بطريقة مباشرة مجدها التي وصلت إليه.
الملكة “نازلي” والدة الملك فاروق لم تخرج أيضا من دائرة الاتهام، وتم تبرير ذلك برغبة الملكة في التخلص منها لتنفرد بعشيقها أحمد حسانين والذي كان قد وقع في حب أسمهان.
وأخيرًا يطل المتهم الأكثر حظا في الاتهام وهو الغدر، حيث تشير كافة التحقيقات إلى أن حادث مقتل أسمهان قد تم تدبيره على يد المخابرات البريطانية، والتي فضلت التخلص من أسمهان قبيل دخول الألمان مصر، وذلك خشية أن تقع في أيديهم وتدلي بما تعرفه، حيث أنه من المشاع أن أسمهان عملت مع المخابرات البريطانية، بل وقامت بالإيقاع بأحد الضباط الألمان، وهو ما رجح لدي البريطانيين بحث الألمان عنها للحصول على اعترفتها، لذلك فضلوا التخلص منها خاصة وأنها تعرف الكثير، وهذا ما يفسر تعجل الجهات السيادية وقت في إنهاء التحقيقات والتعتيم على أمر إصابتها في رصاصة بصدرها، بل وإغلاق القضية على اعتبار أنها حادثة سير عادية.
أضف تعليق