هولاكو المغولي أو المنغولي لأنه من دولة منغوليا من شرق أسيا، وهو هولاكو خان الذي اجتاح جنوب غرب أسيا واحتلها قاتلاً من أهلها الملايين، إلى أن وصل إلى مملكة فارس أو إيران حالياً وبعدها إلى بغداد العاصمة الإسلامية العباسية في هذا الوقت. حب القتال وسفك الدماء واحتلال البلاد ليس في الحقيقة شيء غريب على هولاكو المغولي لأنه من أحفاد جنكيز خان مؤسس الإمبراطورية المغولية، والتي حكمت أسيا لقرون من الزمن واحتلت معظمها، ليكون جنكيز مثلاً لهولاكو في الجنون وفي الدهاء العسكري كذلك. في هذه السطور تعرف على هولاكو المغولي أكثر واقرأ عن كيفية هزيمته لبغداد الإسلامية ووحشية معاملته معها.
هولاكو المغولي وقصة اقتحام بغداد الأكثر دموية في التاريخ
عائلة هولاكو المغولي
هولاكو ولد سنة 1217 بأسرة متعددة الثقافات وذات نسب عالي جداً، أبوه هو تولوي خان وهو الابن الأصغر لجنكيز خان إمبراطور أوسع وأكبر إمبراطورية بهذا الوقت. أمه هي سرغاغتاني بكي وهي من قبيلة تركية وتعتنق الدين المسيحي وبالتحديد المذهب النسطوري. كبر هولاكو بين أخوته الثلاثة الذين أصبحوا هم أيضاً أباطرة كلاً في منطقته، ثم كبر ليتزوج من امرأة مسيحية أيضاً مثل أمه واسمها طقز خاتون وهي كانت في الأساس خليلة لأبيه، ولكنه تزوجها بعد موته، ولكنه امتلك عدد كبير من الجواري والمحظيات والزوجات إلا إن طقز كانت الإمبراطورة وأم لأبنائه الشرعيين. إلا إنه كان يتبع الديانة الأرواحية تماماً مثل جده. شب هولاكو المغولي على حب الثقافة الفارسية وكان مولع بالعلم والآداب، إذ إن فارس كانت حضارة العلم بذلك الزمن، ليكبر وهو يأمل أن يحتلها ويصبح الإمبراطور عليها أو الخان. وهو بالفعل ما حدث بعد ذلك، وأسس فيها عهد الخانات مع أولاده من بعده، وازدهرت الكتابة الفارسية عن العربية لأنه جمع هناك في فارس في بلاطه الملكي جميع العلماء والأدباء الفرس.
بداية حملات هولاكو المغولي العسكرية
كان هولاكو هو قائد جيش أخيه مونكو خان الإمبراطور أو الخان العظيم الذي أمره أن يذهب ويحتل بلاد جنوب وغرب أسيا ويقضي تماماً على الخلافة الإسلامية حتى يمتلك كل غرب أسيا، وذلك بعام 1255 ولم يكن هولاكو سوى رجلاً بالسادسة والثلاثين من العمر. مونكو أمر هولاكو بالرحمة على من يستسلم والقسوة على من يعارض إلا إن هولاكو كان يفضل الجزء الثاني في أغلب الأوقات، فكان رجلاً دموياً جداَ ويقدر عدد ضحاياه بالملايين. انطلق هولاكو المغولي مع أكبر جيش كونته الإمبراطورية المغولية نحو هدف محدد ألا وهو بغداد وفارس. أولاً تمكن من هزيمة اللور وهم جماعة تعيش بجنوب فارس أو إيران حالياً، وبسبب السمعة التي تركها هناك استطاع أن يصب الخوف في قلوب أعدائه القادمين “طائفة الحشاشين” فأسلموا قلعتهم بدون حرب “ألموت”. وبعد ذلك وجه نظره إلى بغداد وخليفتها العباسي “المستعصم بالله”.
هولاكو المغولي يجتاح بغداد
وجه هولاكو أنظاره نحو المدينة التي وقفت قرون من الزمن تحمي الإمبراطورية والهيمنة الإسلامية في المنطقة، وأرسل رسالة إلى الخليفة ليطلب منه أن يسلم المدينة ويحافظ على المملكة تحت قيادة المغول وسلطتهم. بالطبع رفض الخليفة رفضاً قاطعاً رغم علمه بضعف قواته، فلم تكن بغداد وجيشها كسابق عهدها، ورد عليه بالتوعد إذا قرر احتياج المدينة. قسم هولاكو جيشه إلى نصفين ليتوق الحصار على بغداد من الشرق والغرب، استطاع جيش الخليفة التصدي للجيوش بالغرب ولو جزئياً إلا إنها في النهاية سقطت بغداد وخليفها في قبضة هولاكو المغولي. كان ذلك سنة 1258 وبالتحديد في العاشر من فبراير. حين شاهد العالم الإسلامي عاصمتهم تقع في يد المغول وقع الرعب في قلوبهم، لأنهم ومن وقت الرسول محمد عليه السلام لم يقعوا بذلك المأزق حين وجدوا أنفسهم ولأول مرة بدون خليفة.
الدمار يحل ببغداد
لم يكن هولاكو المغولي رجلاً عسكرياً عادياً بل كان متوحش ومتعطش للدماء هو وجيشه. بعد اجتياح المدينة وسقوطها دخلت جيوش هولاكو إليها فنهبوا كل مجدها من مساجد ومكتبات وحمامات عامة ومستشفيات وأبنية أخرى مهمة ثم أحرقوهم جميعاً. الدولة العباسية على مر السنوات في عز مجدها كانت قد بنت أهم عاصمة بالعالم في هذا الوقت واستقطبت إليها جميع العلماء والمهندسين الماهرين والفنانين فلم تكن هناك عاصمة جميلة وراقية وحضارية مثل بغداد، ثم تحولت بليلة وضاحة إلى خراب ودمار. من أهم الخسائر والذي سيظل التاريخ يذكر اسم هولاكو المغولي مرتبطاً بتلك القصة هي مكتبة بغداد. تلك المكتبة كانت تحتوي على أهم وأقيم الوثائق العلمية والأدبية المكتوبة باللغة العربية، ويقال إن الذي كتب فيها على أيدي العلماء المسلمين استغرقت النهضة الأوروبية فترة طويلة لتستوعبه وتعيد اكتشافه بعد ذلك. كل من تعرفه من العلماء المسلمين الأشهر في تاريخ في كل المجالات المهمة من طب وفلك وكيمياء وهندسة كانوا قد تركوا كنزهم بتلك المكتبة العريقة، وكذلك أدباء العصر العربي الأصيل بكل روعة رواياتهم وقصصهم تركوا ذلك التراث هناك ولم يتوقع أحد ما الذي سيحدث بالمستقبل.
هولاكو المغولي أمر جيشه بإخراج الكتب الثمينة ليرموها في مياه نهر دجلة لتعبر الخيول فوقها كالجسر، ومن خرج من المدينة حياً روى أن المياه صارت سوداء من كثرة الحبر الدائب من كتب المكتبة. ولأن هذه الكتب النفيسة لم يكن لها نسخ احتياطية سوى بمكتبة بغداد فقط، ضاعت كل ذلك التراث الثمين ولو كان بقي لكان وفر على العلم سنوات كثيرة ولكان عرف العالم أكثر على العلم والثقافة العربية التي رفعت رأس العلم في وقت لم تعرف أوروبا فيه سوى الجهل والظلام. وبعد ذلك قتل هولاكو المغولي ما يقارب المليون قتيل، حتى إنه أمر معسكره بالتخييم خارج المدينة من الرائحة الكريهة للجثث والدمار، وظلت المدينة على هذا الحال لسنوات كثيرة. حتى الخليفة لم يسلم من هولاكو المغولي ولم يستطيع أن يفر منه، فكان عقابه أن يلفوه بسجادة وقيدوه بالخيول ويوسعوه ضرباً حتى الموت، لأنهم لا يسفكون دماء النسل الملكي بطريقة مباشرة كما اعتادوا حسب عادات جدهم جنكيز خان.
هولاكو المغولي يتجه نحو دمشق
وجه أنظاره نحو الشام ولم يكن في نيته سوى احتلالها وخرابها مثل بغداد. فاستولى أولاً على “ميافارقين”، التي صدمت لعامين ولكنها وقعت بالأخير بسبب نفاذ المؤن. ثم واصل طريقه إلى “مادرين” التي لم تصدم سوى ثمانية أشهر، واستولى على مناطق أخرى كثيرة. أخيراً توق الحصار على حلب التي عانت من عشرين منجنيقاً ووابل من القذائف، فسقطت عام 1260. وحينها فر “الناصر يوسف الأيوبي” من دمشق وتركها بدون معركة، فاضطر أهلها وأعينها إلى التماس السماح وبقاءهم أحياء بكثرة الهدايا والتقديمات، وسلموا المدينة. ولم يتبقى أمامه سوى عقبة مصر وبعدها يستطيع الهجوم على أوروبا ويحلم في التوسع الكبير الذي لم يصل إليه أحد من قبله، والذي لن يجد أمامه من يوقفه لأن أوروبا لا تمتلك لا العقول ولا القوة والجيوش والأموال الكافية لسد قوات التتار.
هولاكو المغولي مع مماليك مصر
في هذا الوقت الذي حارب فيه هولاكو المغولي من بقي من العائلة الأيوبية بالشام وأخرهم “الناصر يوسف الأيوبي” الذي فر وترك دمشق وراءه، ولم تكن مصر تملك ملكاً رجلاً بل كانت شجرة الدر هي الملكة ومن بعدها جاء المقاتل المخضرم “قطز” وصديقه المغوار الظاهر “بيبرس” ليكتبوا هما الاثنين على صفحات التاريخ أقوى وأعظم المعارك الذي صد فيها الضعيف أقوى الجيوش، بشجاعتهم وإيمانهم بقضيتهم ألا وهي معركة عين جالوت. قبل الواقعة كان هولاكو المغولي قد أرسل رسولاً ورسائل يتوعد فيها لمصر ولكل من سيقف بوجهه، وسيفعل بمصر كما فعل ببغداد. جمع المماليك بقيادة قطز وبيبرس جيوشهم والتي لم تكن بقوة جيوش هولاكو ولكن دهاء قطز كان الحكم الأخير. وانضم إليهم كذلك التركمان وعرب من الشام لما شاهدوه فيهم من قوة لا نظير لها. كان على هولاكو أن يرجع إلى منغوليا ليساند أخيه قوبلاي خان في حكم البلاد خلفاً لأخيه مونكو، فاستغل قطز الفرصة ولم ينتظر أن يأتوا هم بأرجلهم وقام بالهجوم على جيوش المغول تحت قيادة “كتبغا” صديق هولاكو منذ الطفولة، وأوقع بهم ما لم يذيقوه من قبل في منطقة عين جالوت بفلسطين. ولم تكن معركة طبيعة إذ ظهر فيها شجاعة واستبسال جيش مصر العظيم، وقيل إن قطز بكى أمام الجنود ليحاربوا بشجاعة، وجهاد زوجة قطز كانت هي الأخرى تبث الرجولة والشجاعة في الجنود، وهي القصة التي سميت بعد ذلك “وإسلاماه”. ولم يتوقفوا عن محاربتهم من بزوغ الفجر حتى حلول الليل. فهزموا جيش التتار أو المغول شر هزيمة، وكانت ضربة قاضية على حق إذ لم يتمكنوا من جمع شتتاهم مرة أخرى بعد ذلك.
بعد خيانة بيبرس لقطز بسبب من جعلوه يشك في أمانة قطز معه وندمه الشديد على ما فعله، كان بيبرس هو قائد البلاد والشام. حاول هولاكو المغولي الأخذ بثأر جيشه فعاد لينهب حلب ولكنه لم يتمكن من التقدم فعاد خائباً إلى ما وراء نهر الفرات. ورغم محولاته الأخرى حتى إنه حاول التحالف مع الملك لويس عام 1262 في العاشر من أبريل، حتى يهاجم الملك بأسطوله شواطئ مصر وهو من الشرق، وليكون النصر لاسم البابا واحتلال القدس. لم يتمكن هولاكو من هزيمة بيبرس وحلفائه، ومن بينهم “بركة خان” ابن عم هولاكو الذي أحب المسلمين وانقسم عن هولاكو، فكان القسمة واختلاف أمراء التتار هو سبب ضعفهم وعدم قيامتهم مرة أخرى ضد بيبرس.
وفاة هولاكو المغولي
مات هولاكو في الثامن من فبراير عام 1265، أي إنه كان في الثامنة والأربعين فقط، بسبب مرض لم يتمكن أي طبيب من معالجته ويقال إنه كان الصرع الذي أصابه بعد جنونه مما لحق به من هزائم على يد المسلمين، وقيل إنه كان يعوي في أخر أيامه مثل الكلاب، ليخلفه ابنه “أباقا”. دفن بجزيرة تسمى كابودي ببحيرة أورميا. وحتى في جنازته لم تكن عادية، بل كانت الجنازة الوحيدة التي تمت التضحية فيها بذبيحة بشرية. ولم يتبقى لهولاكو المغولي سوى اسمه المتوحش وأعماله السيئة ببغداد وباقي الدول الإسلامية، وبسالة قطز في هزيمته، وتأسيسه لعهد الخانات بإيران فترك لأبنائه ممالك فسيحة في فارس ليحكموها.
هولاكو المغولي كان شديد البأس وذو دهاء حربي إلا إنه ارتكب خطأ عمره حين قرر مواجهة المسلمين والقضاء على مدينتهم بغداد وارتكاب كل تلك الفظائع والمذابح، ولم يأخذ لباله أن بذلك يحارب ذكاء العرب المسلمين قبل قوته وذكاءه هو. فكانت نهايته مأسوية تماماً مثل باقي عائلته، بعد أن عانت من أسيا ومن سطوته وجنونه مثلما عانت من جده جنكيز خان المجنون فعلياً، ولكن التاريخ يثبت لنا أن لكل ظالم نهاية.
أضف تعليق