تسعة مجهول
مومياء أوتزي
الرئيسية » جريمة » مومياء أوتزي : مومياء تحدت الزمن لآلاف السنين

مومياء أوتزي : مومياء تحدت الزمن لآلاف السنين

مومياء أوتزي هي مومياء حفظت في الثلج لآلاف السنين، وقد أسهمت مومياء أوتزي في اكتشاف الكثير من الأمور عن الإنسان القديم، نستعرض كل ما يخص مومياء أوتزي .

مومياء أوتزي هي مومياء تحدت عوامل الزمن وحفظت لآلاف السنين. أثناء قيامهما برحلة تسلق عبر جبال الألب في أواخر عام 1991م عثر الزوجان الألمانيان أيريكا وهلموت سيمون  على جثة مجهولة مدفونة بين ثلوج منطقة هوسلابيوخ على الحدود بين النمسا وإيطاليا. ولكن كانت هناك مفاجأة فالجثة لا تعود إلى أحد متسلقي الجبال الذي لقى حتفه أثناء تسلق الجبال. ولا تعود كذلك إلى أحد المتزلجين المتهورين مثلاً الذي أودى بحياته. بل على العكس من ذلك، فقد اكتشف العلماء عند فحص الجثة أنها تعود الجثة إلى شخص عاش على ظهر هذه الأرض قبل خمسة آلاف سنة كاملة. حيث وجدوا بعد تحليل الجثة أن ربما تعود إلى العصر النجاسي أو العصر الحجري الحديث في عام 3400 قبل الميلاد. حيث ظلت الجثة بحالة جيدة نتيجة البرد القارص الذي يسود المنطقة وبقيت محفوظة بين الثلوج ليتم اكتشافها بعد أكثر من خمسين قرناً من الزمان. طول المومياء يبلغ 160 سنتمتراً أي أنه كان متوسط الطوع، ووزنها 45 كج، بينما قدر العلماء عمر مومياء أوتزي وقت وفاته بحوالي 45 عاماً. وقد أطلق على المومياء اسم أوتزي نسبة لوادي أوتزتال بالنمسا. وتعتبر هذه المومياء هي أقدم مومياء بشرية تم اكتشافها على وجه الأرض.

مومياء أوتزي : القصة الكاملة

جريمة قتل

توصل العلماء أن موت أوتزي عن عُمر يناهز الخامسة والأربعين لم يكون موتا طبيعياً، بل إنه دخل في قتال حاد قبل وفاته. اكتشف العلماء أن أوتزي كان يحمل أسلحة وبعض الأدوات الحادة معه فقد كان يحمل فأسا طولها 60 سم، بالإضافة إلى سكين صغيرة، وقد كان يحمل أربعة عشر سهماً. كان يرتدي ملابس من جلود الغنم والبقر ويضع قبعة مصنوعة من فرو دب. بعد فحص مومياء أوتزي عثر العلماء على علامات جروح على يديه ومعصمه. كما عُثر على أثر ضربة تلقاها على رأسه، بالإضافة إلى أنهم وجدوا أن نصلاً حاداً اخترق رئته وأن سهما طُعن به في كتفه أدى إلى قطع في أحد شرايينه وتسبب في نزيف حاد أودى بحياته. من ناحية أخرى، وجد العلماء بقايا دماء على سهمين من الأسهم التي كان يحملها أوتزي وتوصلوا إلى أن هذه الدماء تعود إلى شخصين آخرين وليست لأوتزي. كل هذا جعل العلماء يرجحون فرضية أن أوتزي قد دخل في عراك حاد أدى في النهاية إلى مقتله.

أقدم وشم في التاريخ

باستخدام الأشعة تحت الحمراء تمكن العلماء من رؤية وشم كبير مرسوم على مومياء أونزي ويمتد الوشم إلى مناطق عديدة من جسده ليصل بذلك عدد الرسومات الموجودة على جسد أوتزي إلى 61 وشماً. وقد أصيب الخبراء بالدهشة لدى تمكنهم من العثور على الوشم بحالة جيدة وبصورة واضحة رغم مرور كل هذه القرون. ويعتقد العلماء أن استخدام هذا النوع من الوشم أحد أنواع العلاجات المستخدمة في تلك الفترة لعلاج آلام المفاصل والالتهابات. ويحتل هذا الوشم أهمية خاصة جداً فقد أدرج كأقدم وشم في التاريخ.

أوتزي له أقرباء على قيد الحياة

ربما مرت آلاف السنين على وفاة أوتزي ولكن ذلك لم يمنع من وجد أقرباء له في الوقت الحالي يعيشون بيننا في هذه الأيام. حيث أجرى العلماء تحليلاً للحمض النووي في مومياء أوتزي وقارنوا ذلك بتحليلات لعينات من الدم جمعت من 3700 ألف متبرع نمساوي قاموا بالمشاركة في هذا التحليل الضخم، ليكتشف العلماء أن تسعة عشر شخصاً من أجريت لهم التحليلات يتصلون بقرابة جينية لأوتزي الذي قتل قبل خمسة آلاف عام.

أقدم قطعة جبن

لم يتوقف العلماء عند هذا الحد من الاكتشافات، بل إنهم واصلوا أبحاثهم على مومياء أوتزي التي عثروا عليها قبل خمسة وعشرين عاماً، لعثروا على قطعة من الدهون في معدته يعتقد أنه قطعت جبن قد تناولها قبل وفاته. وإذ ثبتت هذه الفرضية فإن هذه القطعة ستكون أقدم قطعة جبن في التاريخ. علماً بأن أقدم قطعة تم اكتشافها مسبقاً كان جبن الكفير، اكتشفت محنطة مع مجموعة من الجثث في صحراء تكلماكان في الصين. وقد توصل العلماء كذلك بعد فحص معدة أوتزي إلى أن آخر وجبة تناولها هي وجبة لحم الغزال البري حيث أثبتت التحليلات ذلك.

مكان مومياء أوتزي حالياً

المومياء الآن موجدة في متحف جنوب تيرول للآثار في مدينة بولسانو في إيطاليا. قام العلماء بتهيئة البيئة المناسبة للحفاظ على المومياء فقاموا بوضعها داخل صندوق تبلغ درجة الحرارة داخله إلى ست درجات مئوية تحت الصفر ويصلع معدل الرطوبة فيه إلى ثماني وتسعين في المئة. ويمكن للزوار مشاهدة المومياء عبر نافذة زجاجية تطل على المكان الذي ترقد فيه الجثة.

نزاعات قضائية بسبب أوتزي

نشب نزاع قضائي بين النمسا وإيطاليا حيث ادعت إيطاليا حقها في الاحتفاظ بالمومياء لأن مكان اكتشافها كان يقع داخل الحدود الإيطالية ولكن النمسا نقلت مومياء أوتزي إلى مدينة إنسبروك في النمسا فقامت مقاطعة جنوب تيرول بالمطالبة بحقوق ملكيتها للمومياء. وانتهى النزاع بأن وافقت إيطاليا على ترك المومياء للخبراء النمساويين لفحصها ولإجراء الاختبارات عليها حتى عام 1998 حيث تم نقل الجثة حينها إلى متحف جنوب تيرول بإيطاليا.

لم تتوقف النزاعات القضائية عند هذا الحد إذ كان هناك نزاع آخر بين السلطات الإيطالية وبين الزوجين هلموت واريكا سيمون على حقهما في نسبة هذا الاكتشاف إليهما حتى تمكنا من الحصول على حكم من محكمة إيطالية في عام 2000 م بحقهما الرسمي في تسجيل هذا الاكتشاف، وحصلا على مكافأة بلغت 175 ألف يورو.

البعد الاجتماعي لهذا الاكتشاف

لا تقف أهمية هذا الاكتشاف عند النتائج العلمية التي توصل لها العلماء. بل إن أثره يمتد إلى أبعد من ذلك. فالاكتشاف له أهمية اجتماعية كبيرة لدى المتخصصين في العلوم الاجتماعية. حيث يمكنهم هذا الاكتشاف من دراسة مظاهر الحياة الإنسانية على وجه الأرض قبل خمسة آلاف عام. فالأدوات التي تم العثور عليها مع مومياء أوتزي تدل على مدى التطور الذي كان عليه الإنسان القديم. حيث تمكن من صناعة أدوات الصيد مثل السهام والسكاكين والفؤوس وغيرها. ونوع الملابس التي كان يرتديها فقد استعمل أوتزي جلود الحيوانات كمان تمكن من صناعة الأحذية من جلود الدببة والعشب وغيرهما. كما يسلط هذا الاكتشاف الضوء على الأطعمة التي كان يتناولها الإنسان في العصور القديمة فلحم الغزال ولحم الوعل وربما صناعة الجبن.

كذلك من المهم دراسة الفكر السائد لدى الإنسان منذ قديم الأزل في طريقة حل نزاعاته وخلافاته باستخدام العنف والاعتداء على إنسان آخر مما قد يصل إلى كثير من الأحيان إلى القتل. بداية من قصة قابيل وهابيل المذكورة في القرآن الكريم ومرورا بحادثة مومياء أوتزي الذي قتل على يد إنسان مثل، ووصولاً إلى يومنا هذا لا تزال الفكرة متجذرة في عقول البشر ولا تزال هي الحل الوحيد لكثير من الخلافات والنزاعات. كل هذه الدراسات ترصد مدى تقدم الإنسان وتطوره تكنولوجيا و اجتماعياً وفكرياُ.

أخيراً، فإن مومياء أوتزي ظلت باقية طيلة هذه القرون لتدل على أن البشر هم أكثر الكائنات قدرة على التكيف مع ظروف الحياة على وجه هذه الأرض. وأعطت العلماء فرصة لا تقدر بثمن للتوصل إلى مزيد من الاكتشافات والدراسات العلمية.

معاذ عبد الرحمن

طالب جامعي متخصص في دراسة المجال القانوني.

أضف تعليق

عشرة + إحدى عشر =