قبل كل شيء، يجب أن تعرف بأن ماري ريزر ليست فنانة أو راقصة أو مُغنية، هي لم تفعل أي شيء مما سبق كي تنل كل هذا القدر من الشهرة، لكن ما فُعل بها أثناء موتها كان السبب الرئيسي لشهرتها التي امتدت إلى الآن، فلك أن تتخيل أن ماري ريزر ذات السبعة عقود ونصف نامت في يومٍ من الأيام ولم تستيقظ لأسباب تتعلق بحِسبة المعجزات الصغيرة في هذا العالم الكبير، ولكي نكون أكثر وضوحًا دعونا نتفق على شيء، ماري لم تحترق، وإن احترقت، فهي لم تحترق بالنار، لقد حدث لها شيء آخر، شيء أشبه بمعجزة، وإليكم ما حدث بالتفصيل.
ماري ريزر والقصة الكاملة للموت الغريب
من هي ماري ريزر؟
ماري امرأة عادية، وُلدت في الثامن من مايو عام 1866 في فلوريدا، درست الفنون ونشأت في أسرة فنية مهتمة بالآداب، تزوجت في سن الثالثة والعشرين من جندي بسلاح الطيران، ثم مات الجندي بعدها بسنة واحدة قبل أن تُنجب منه ماري أية أطفال، امتنعت ماري عن الزواج بعد موت زوجها، وبما أنها لم تُنجب أولاد حرصت على تربية القطط والحيوانات، وكانت تعيش على المال الذي يأتيها من إيجار المزرعة التي تركها لها زوجها قبل أن يموت، إجمالًا، كانت حياة ماري بسيطة جدًا، ليس فيها ما يُمكن ذكره، لكن موتها كان فيه الكثير والكثير.
موت ماري ريزر
الموت ليس بالأمر الغريب، يحدث الموت في كل دقيقة تقريبًا، والموت بالنار تحديدًا ليس جديدًا على البشر، فالكثير منهم يموت أثناء الاشتعال أو في الحرائق، لا خلاف في ذلك ولا تعقيب عليه، لكن ما حدث لماري لم يكن شيئًا مما سبق.
في الأول من يوليو عام 1951 شهدت مدينة فلوريدا واحدة من الليالي الثقيلة الحارة، الكل كانوا في بيوتهم، لا مارة ولا بائعين، حتى أن ماري-التي لم تكن تخرج من البيت-قد دفعها الحر لرؤية ما يحدث في شارع بستراسبورغ، وبالطبع لم تحتل الجو لأكثر من عشر ثوان، أغلقت بابها ودخلت، ثم أشعلت سيجارًا مُعاندةً بذلك الطقس، كانت في السابعة والسبعين من عمرها، لكنها كانت قادرة على إكمال سيجارتها حتى النهاية.
في التاسعة من مساء هذا اليوم زارتها جارتها السيدة بأنسي كار ينتر، أحضرت لها مشروبًا وتمنت لها نومًا سعيدًا ثم رحلت، كانت مري وقتها تجلس على كرسي كبير في ردهة بيتها وكانت حالتها طبيعية جدًا مقارنةً بسنها.
في الصباح، أو في الخامسة من فجر اليوم التالي تحديدًا، استيقظت السيدة بانسي على رائحة غريبة، فظنت أن الرائحة تنبعث من مجاري المياه الخاصة بها، فنامت ولم تُعر الأمر أي اهتمام، ثم استيقظت مرة أخرى على نداء ساعي البريد الذي كان يحمل رسالة لماري.
أخذت السيدة بانسي المظروف من الساعي ثم ذهبت لماري لتعطيه لها وتتناول معها الإفطار، لكنها عندما اقتربت من الباب شعرت بحرارة شديدة، وشاهدت مصارع الباب تنصهر أمام ناظريها، فصرخت وطلبت النجدة من الجيران، وبعد محاولات عديدة لفتح الباب عن طريق قطعة القماش تمكنوا أخيرًا من فتحها، وكان ما شاهدوه داخل هذه الشقة في غاية الفزاعة، حيث وُجدت جمجمة ماري على الأرض بجانب قطعة صغيرة من قدمها وقطع أصغر من كبدها تناثرت على الحائط، أما الأواني والأثاث فقد انصهرا بالكامل، ووُجد ثقب كبير في المنتصف أيضًا، لكن ما لم يتم العثور عليه هو سبب هذا الحريق، ليبدأ وقتها مصطلح الاحتراق الذاتي في الظهور.
الاحتراق الذاتي
الاحتراق الذاتي ظاهرة جديدة على الإنسان، وتعني أن يقوم جسم الإنسان بالاحتراق ذاتيًا دون أي تدخل منه، ودون وجود أي مُثير للحرائق، وقد انتشر هذا المصطلح منذ نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وهي الفترة التي تفشت فيها الحروب وتعرض العالم بأكمله إلى ضغط نفسي كبير، حيث كان يُقال عن الشخص الغاضب المهموم أنه الآن يحترق من داخله، وربما تكون ماري بانسي هي أول من أعطت دليلًا قاطعًا على وجود هذه الظاهرة باحتراقها ذاتيًا عام 1951، أو ربما هناك حالات اشتعال ذاتي سبقت ماري لكن لم يتم توثيقها.
أسباب الاحتراق الذاتي
لا أحد يعرف حتى الآن سببًا مُقنعًا لاحتراق جسد الإنسان وتفحمه دون تدخل من أي شخص ودون وجود أي سبب للحريق، بل إن ما يُزيد الأمر تعقيدًا هي درجة الاحتراق التي تصل إلى 1500 درجة، وهو ما لا يُمكن الوصول إليه مع أضخم المُعدات الموجودة حاليًا.
في عام 1967 أُجريت عدة اختبارات على هذه الظاهرة والحالات التي تتعرض لها، وتمت الإشارة إلى أن الكحول الذي يكون موجودًا داخل الشخص الذي يشتعل ذاتيًا هو السبب الرئيسي في حدوث الاشتعال، وهو رأي مردود، لأن أكثر من 70% من جسم الإنسان ماء، وهو ما يعني عدم قدرة الكحول على الاشتعال وسط هذا الكم الكبير من الماء، وهذا هو التبرير المنطقي للأمر.
بعدها بعشرة أعوام ظهرت دراسة أخرى تؤكد أن بعض الأشخاص الذين يتناولون الكحول ثم يُتبعونه بالسجائر هم أكثر الأشخاص عُرضةً للاشتعال الذاتي، وقد استندت الدراسة في ذلك إلى حادثة اشتعال ماري ريزر، والتي أكدت جارتها على أنها قد تناولت الكحول وشربت سيجارة كبيرة قبل أن تتركها وتذهب للنوم، وهو أمر تم التأكد منه عند تشريح الجزء الصغير الذي تبقى من الجثة.
هنري توماس، خليفة ماري
في عام 1980 تعرض رجل ويلزى يُدعى هنري توماس للاشتعال ذاتيًا، وقد كان عمر هنري وقتها ثلاثة وسبعين عامًا، وأيضًا لم يتبقى من بعد الاشتعال سوى جُمجمته وجزء صغير من قدمه، لكن الضابط المُكلف بالتحقيق لم ينتبه إلى إمكانية كون الأمر اشتعالا ذاتيًا، فقام بجعل سبب الحريق هو اشتعال الفتيل، وبعد أكثر من عام تم فتح القضية مرة أخرى بعدما تأكد الشبه الكبير بين حادثة هنري توماس وحادثة ماري ريزر، وتم توثيق الحالة على أنه اشتعال ذاتي، لتكون بذلك ثاني حالة اشتعال ذاتي موثقة في التاريخ.
الطفل الهندي راهول، حريق جزئي
في أغسطس 2014، وفي إحدى الولايات الهندية التاميلية، ولد طفل هندي بحرق في أقدامه ويديه، وقد قال الأطباء أن هذا الطفل كان وشيكًا على التعرض لحريق ذاتي كامل أثناء الولادة، إلا أن هذا الأمر قد توقف لأسباب مجهولة، وقد تم وضع هذا الطفل تحت الأعين لمدة ستة أشهر تحسبًا لمداهمة الاشتعال الذي له، إلا أنه لم يُصب بأي أذى، بل وبدأت آثار الشفاء في الظهور على المناطق التي كانت قد اشتعلت أثناء الولادة، ويعيش الطفل الذي يبلغ من العمر ثلاث سنوات حاليًا حياة طبيعية، ويتم معاملته على أنه الحالة الوحيدة في العالم التي تعرضت للاشتعال الذاتي وبقيت على قيد الحياة.
في النهاية، لا يسعنا سوى القول بأن ماري ريزر وهنري توماس، وغيرهم الكثير ممن تعرضوا للاشتعال الذاتي لم يُقدموا على ما يجعلهم يتعرضون لذلك، وأن ما حدث لهم مجرد حالات مُتفردة أشبه بمعجزات صغيرة لا تتكرر كثيرًا، وإن كان السؤال حول احتراقهم فعلًا، فأجل لقد احترقوا، لكنه احتراق ذاتي.
أضف تعليق