تسعة مجهول
ليوبولد الثاني
الرئيسية » جريمة » ليوبولد الثاني : ملك بلجيكا الذي فاق هتلر في الوحشية والجنون

ليوبولد الثاني : ملك بلجيكا الذي فاق هتلر في الوحشية والجنون

ليوبولد الثاني أحد أكثر الحكام السفاحين دموية وجنونًا، حتى أن البعض يقول إنه قد فاق هتلر في جنونه، لكنه فقط لم يحظى بنفس قدر هتلر من الشهرة.

يُعتبر ليوبولد الثاني أحد أعظم الأمثلة على أن التاريخ من الممكن جدًا أن يتغافل أو ينسى أحد أهم البشر الذين أثروا فيه، سواء كان ذلك التأثير سلبيًا أو إيجابيًا، فمثلًا المجنون هتلر، على الرغم من أن هناك من فاق جنونه مثل ليوبولد الثاني إلا أنه لم يتجاوز أحد شهرته، وربما كان ذلك بسبب الحرب العالمية الثانية وتسببه في إشعال فتيلها، أما ليوبولد الذي كان له حكم بلجيكا في فترة من فترات القرن التاسع عشر فقد ارتكب هو الآخر الكثير من المجازر بحق فئات من البشر تمامًا مثلما فعل هتلر باليهود، لكن اليهود كما ذكرنا لا يعرف سوى الذين تسببوا في حروب وكوارث أكبر، لكننا بالطبع لن نُساير التاريخ في كل شيء، بل سوف نقوم من خلال السطور القادمة بالتعرف سويًا على ذلك المجنون المعروف باسم ليوبولد الثاني، حيث حياته الزاخرة والأعمال الجنونية التي قام بها، فهل أنتم مستعدون لتلك الجولة بالقرن التاسع عشر؟

من هو ليوبولد الثاني؟

أول شيء يجب أن نعرفه عن أي شخص هو اسمه، فالاسم هو بطاقة التعريف لكل شخص، وبالنسبة لبطل هذه الأحداث فاسمه هو ليوبولد فليب فيكتور، وهناك من يُضيف في منتصف ذلك الاسم اسمي لويس وماري، لكن ما يعنينا هو الاسم الذي يُعرف به ذلك الرجل، وهو ليوبولد الثاني، حيث ولد في التاسع عشر من أبريل الواقع في عام 1835، وتحديدًا في بروكسل الموجودة في دولة بلجيكا، وطبعًا كلنا نعرف بلجيكا حاليًا، لكن ما لا يعرفه الأغلبية منكم أن بلجيكا قديمًا كانت مملكة حقيقية، ولو كُتب لها الاستمرار لكانت الآن واحدة من الممالك الكُبرى الهامة في العالم كالمملكة البريطانية مثلًا.

كان ليوبولد الثاني الابن الأكبر سنًا وعقلًا لأبيه ليوبولد، الأول بكل تأكيد، ولهذا كان من الطبيعي أن يتولى حكم المملكة البلجيكية فور وفاة أبيه، لكننا لن نذهب إلى هذه النقطة مباشرةً، بل دعونا أولًا نمر من طفولة ذلك الرجل ونعرف كيف كانت حياة ذلك السفاح في صغره، وهل ثمة حقًا ما آهله لأن يكون هتلر بلجيكا أم أنه جينات عدائية بحتة؟

نشأة ليوبولد الثاني

ربما يعتقد البعض أن نشأة أبناء الملوك تكون نشأة مُرفهة وسهلة، لكن سيدهشكم طبعًا أن الأمر يكون على النقيض تمامًا، حيث أن ليوبولد تربى في أسرة ملكية صارمة، وبالمناسبة، الأُسر العاقلة المُدركة لحقيقة الأمور هي من تُحيل أبنائها إلى هذا النوع من التربية حتى يُصبحوا في نهاية المطاف حُكام حقيقيين مُستحقين للقبهم، فالترفيه والتربية المُرتخية سيصنعان بالتأكيد فتى مُدلل غير قادر حتى على قيادة نفسه، بيد أن النهايات لا تكون دائمًا واحدة، فقد تُسفر تلك التربية عن حاكم جيد وقد تتسبب في خلق حاكم مُتعنت يُعاني الويلات من طفولته المُتزمتة.

درس ليوبولد في مدرسة أكاديمية وتدرج بها كأي طالب عادي بالرغم من كونه أحد الملوك القادمين للبلاد، الأدهى من ذلك أنه قد التحق بالجيش مثل أي شخص عادي في عام 1853، وطبعًا بعد إنهاء التعليم والجيش يأتي الزواج، وهذا ما فعله ليوبولد عندما تزوج من إحدى النبيلات وأنجب منها طفل واحد كان حاملًا فيما بعد للقب ليوبولد الثالث، لكن، هل هذه كل شيء؟ هل سارت الحياة حقًا على هذا النحو الطبيعي؟ بالطبع لا، بل كانت هذه مجرد بداية لطاغية قادم.

ليوبولد يتولى الحكم

في عام 1865 تولى ليوبولد حكم مملكة بلجيكا، وذلك بعد أن توفي والده ليوبولد الأول، ولا يعرف أحد هل توفي هذا الرجل حقًا في ظروفٍ طبيعية أم أن ولي عرشه قد عجل بذلك الأمر، على كلٍ، استيقظ الشعب البلجيكي على خبر تولي الشاب ليوبولد الثاني حكم بلجيكا، وطبعًا دخول الشباب في أي أمر يجعل البعض يشعرون بالراحة نظرًا لأن الشباب عادةً ما يحكمون جيدًا ولا يتسببون في أي مشاكل، لكن، منذ اليوم الأول لذلك الفتى بدأت الصعوبات تواجه أغلب فئات الشعب البلجيكي، وعلى رأسها بالتأكيد فئة المُعارضين السياسيين الذين كانوا يجدون راحةً أكبر في عهد ليوبولد الأول.

سعى الملك الجديد للقضاء على المعارض واجتثاثهم من جذورهم، لم يُفكر حتى في إبعادهم عن المشهد أو تهميشهم أو سجنهم، بل كان محوهم من على وجه الحياة الطريقة الأولى والوحيدة بالنسبة له، ليس هذا فقط، بل إنه كذلك نشر الأعين في كل مكان وسن الكثير من القوانين التي تُجرم وتُحرم أي نوع من المعارضة، وهو ما أدى إلى اختفاء المعارضة تمامًا في غضون ثلاث سنوات من حكم الشاب الجديد، والحقيقة أنه كان يملك مُبررًا لذلك يتمثل في كون المعارضة التي حدث في الدول المجاورة له مثل فرنسا وإنجلترا هي التي بدأت في تعجيل سقوطهما، لذلك كان عليه أن يُسكت ذلك الصوت.

البحث عن التوسع

بعد أن أسكت ليوبولد الثاني كل الأصوات الداخلية بدأ ينتبه إلى الخارج، كان يرى بلجيكا دولة كبيرة تستحق مكانة أكبر من التي هي عليها، تستحق المزيد من الموارد ومصادر الدخل، وهذا ما لم يكن بالإمكان توفيره من بلجيكا فقط، ولذلك قرر التوسع في الدول المجاورة أو حتى البعيدة عنه من أجل توسيع الرقعة البلجيكية، فمن وجهة نظره لم تكن بريطانيا وفرنسا أفضل من دولته في شيء، ولذلك بدأ حملة التوسع والاستعمار التي أظهرت حقًا السمات الأولية لهتلر بلجيكا.

في أسيا كانت الكعكة مُقطعة بالتساوي بين بريطانيا وفرنسا، وطبعًا لم يكن ليوبولد بذلك الجنون الذي يجعله يُفكر في أخذ أراضي تابعة لهاتين الدولتين العملاقتين، لذلك كان توجهه الثاني إلى أفريقيا، حيث كانت في ذلك الوقت لا تزال خاوية من المستعمرين، وهناك اختار ليوبولد مكانًا يُعرف باسم حوض الكونغو التي تقع عليه دولة الكونغو، حيث توسم فيه الكثير من الثروات نظرًا لتواجد الغابات الاستوائية الكثيرة التي تتواجد بها مادة المطاط، ولمن لا يعرف فإن مادة المطاط كانت صاحبة الريادة والأكثر طلبًا في هذا الوقت، عمومًا، نجح ليوبولد في احتلال تلك المنطقة بعد أغوى سكانها أولًا بأنه جاء من أجل بعض الإصلاحات، وقد كانت جمعية الكونغو الخيرية التي أنشأها دليله على صدق نيته.

استعباد أهل الكونغو

حل ليوبولد وجيشه في هذه المنطقة بأبشع طريقة قد يكرهها الإنسان في يومٍ من الأيام، وهي طريقة الاستغلال والتجهيل، حيث أن طرق الاستعمار العادية تقوم على أساس هزيمة الجيش الدولة ثم السيطرة عليها، لكن ليوبولد في البداية أوهم أهالي البلاد من خلال الجمعية الخيرية التي أنشأها، ثم بعد ذلك بدأت النوايا تظهر شيئًا فشيئًا عندما ادعى أنه يرغب في الحصول على أكبر قدر من العمال في مقابل مُرتبات مُغرية، وقد فعل ذلك الأمر حقًا في الشهور الأولى، ثم بدأ بعد ذلك الوجه الآخر لتلك الداهية في الظهور، وجه المُستعبد المُستعمر.

بعد انقضاء الشهور الأولى في العمل باستخراج المطاط تغير كل شيء، فأولًا لم يعد العمل مُقابل مال، ثم بعد ذلك لم يعد العمل وفقًا للرغبة، بل إجباريًا، حيث كان العمال يُساقون من بيوتهم ويُجبرون على العمل هم وعائلتهم كاملة، والحقيقة أن وجبة واحدة من الطعام كانت كافية ليشعر هؤلاء بالرضى، لكن هذا لم يحدث، بل سجل التاريخ في تلك الفترة أسوأ مظاهر التعذيب المُمكنة في هذه المرحلة من تاريخ العالم بأكمله.

صور من التعذيب بالكونغو

مهما كان الكلام مُعبرًا فإنه يحتاج إلى صور وأحداث واقعية تُبرهن عليه، أو بمعنى أدق، يجب أن نذكر بعض أمثلة التعذيب التي حدثت في عهد ذلك الرجل ولا نكتفي فقط بذكر التعذيب كمُصطلح مطاط، والحقيقة أن الشعب الكونغولي قد عانى معاناته في أكثر من صورة، ولتكن البداية مثلًا مع معاناة التعذيب بالمطاط.

معاناة التعذيب بالمطاط

لكي تعرفوا أننا حقًا لم نكن نبالغ عندما وصفنا ليوبولد الثاني بهتلر الثاني إليكم تلك الصورة من العذاب التي كانت تتم من خلال وضع المطاط على جسد المواطنين الكونغوليين من أجل انتظار تهيئته وتجهيزه في الشمس، بعد ذلك يتم نزعه بوحشية ينتج عنها ألم شديد للشخص المنزوعة منه، حيث أن عادة المطاط أن يعلق بالجسد كاللزق، فكان عندما يخرج من الأجساد ينتزع قطعة من اللحم معه بوحشية لا مثيل لها، لدرجة أن البعض كان يموت في حركةٍ كهذه.

القتل والاعتداء على النساء

كان من الممكن جدًا أن يتوقف زحف ليوبولد الثاني في هذه البلاد المسكينة عند التعذيب الغريب الذي ذكرناه الآن، لكن ذلك الفاشية لم يكتفي حتى بالقتل والاعتداء على النساء بكل وحشية مُمكنة، فقد كان يُرغم العمال على العمل، ومن يرفض منهم فإنه كان يُجبر على ثلاثة أمور لا رابع لها، أولها طبعًا العودة إلى العمل، وثانيها قتله، وثالثها الاعتداء كل من يتبعون له أمامه، والحقيقة أنه حتى في حالة عودة الرجل إلى رشده واستمراره في العمل فإنهم كانوا يعتدون على زوجته وأطفاله، حتى أن بعضهن كن يمتن خلال ذلك الاعتداء، أرأيتم وحشية أكبر من هذه يا سادة؟

التشويه الجسدي

كانت هناك طريقة مُخيفة يستخدمها ليوبولد الثاني في تعذيبه لأهالي البلدة الطيبة، فقد كان يعرف أن أثمن شيء يمتلكه الإنسان هو جسده، لذلك كان يتعمد أحيانًا تشويه ذلك الجسد وجعله على غير العادة بالمرة، فأحيانًا يفقأ عين، وأحيانًا يقطع قدم، وفي أحيانٍ كثيرة كان يقطع لسان أو أذن، كان كل ما يعنيه تشويه، وكان من المستحيل استمرار ذلك للأبد.

نهاية جنون ليوبولد

عام 1904، وبعد أن كانت الأحداث قد تصاعدت إلى ذروتها، أرسل القنصل البريطاني مساعديه إلى الكونغو للتقصي حول ما يُقال إنه يحدث هناك من مجازر، وبالفعل جاء القنصل وقام بتدوين تلك الأحداث المجنونة، كما ذكر أن سكان البلاد قد انخفضوا وأصبحوا أقل ستين بالمئة مما كانوا عليه قبل خمس سنوات، عمومًا، مع الضغط الدولي توقف ليوبولد أخيرًا وانسحب بجيشه تاركًا خلفه جحيم حقيقي ومعاناة ما بعدها معاناة.

موت ليوبولد الثاني

ترك ليوبولد الثاني الكونغو بعد أن أخذ منها كل ما أراده، حيث جمع ثروة تزيد عن خمسمائة دولار، وهي ثروة كبيرة جدًا بلا شك في ظل هذه الظروف التي كان يمر بها العالم في ذلك الوقت، لكن دولارًا واحدًا لم يكن قادرًا على منع الموت عن ليوبولد في عام 1909، حيث رحل وترك كل شيء خلفه باستثناء التاريخ السيئ الذي كتبه.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

ستة عشر + 11 =