قنبلة هيروشيما والسادس من أغسطس عام 1945، أمران علقا في أذهان اليابانيين واكتسيا بلونين مُتغايرين، هما الأبيض والأسود، فقد يتم اعتباره من البعض أسوأ الأيام في تاريخ تلك الإمبراطورية، وقد يعتبره البعض الأخر بمثابة شمس اليابان التي أشرقت ذاك اليوم وما زالت تُشرق حتى الآن، أجل، فمن يُصدق انه في تلك الليلة وبهذه القنبلة، انتهت الحرب العالمية الثانية وبدأت النهضة، نهضة اليابان الجديدة، التي تُعد واحدة من اشرس النمور الأسيوية، وإحدى الدول الرائدة في القرن الواحد والعشرين، وللمفارقة، أصبحت اليابان التي تعرضت للقصف من الولايات المتحدة الأمريكية ثاني أكبر دولة في العالم الآن، بعد الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا، إنها بحق واحدة من المعجزات الصغيرة!
قنبلة هيروشيما : القصة كاملة
لماذا قنبلة هيروشيما ؟
مع انطلاق الحرب العالمية الثانية تصارعت الدول في تأييدها لأحد المعسكرين، دول الحلفاء التي كان على رأسها فرنسا وانجلترا والولايات المتحدة الأمريكية،أو دول المحور والتي كان على رأسها ألمانيا بقيادة هتلر وإيطاليا بقيادة موسوليني، وانضمت إليهما دون معرفة عواقب هذا القرار دولة اليابان، أكثر البلاد أذية واستفادة من الحرب.
اليابان لم تنضم إلى دول المحور فحسب، بل تدخلت تدخلًا عسكريًا كاملًا يرى العالم بأكمله أنه كان تدخلًا غير منطقي، خاصةً وأن اليابان كانت بعيدة كل البعد عن أطراف هذه الحرب ولا تمتلك أي مصالح مع أو ضد أيًا من الطرفين، لكنها تدخلت بسبب خطأ عسكري بسيط ووارد حدوثه، حيثُ تعرضت إحدى سُفنها للقصف بالخطأ عن طريق القوات الجوية للولايات المتحدة الأمريكية، فلم تمض ساعات إلا وأعلنت اليابان دخولها الحرب بجانب ألمانيا وإيطاليا، أو أعلنت بطريقةٍ ما أنها قد أدخلت شعبها كاملًا الجحيم.
منذ دخول اليابان الحرب جاهدت الولايات المتحدة الأمريكية في إقناعها بالعدول عن هذا القرار خاصةً وأنه يعني ترجيح كافة هتلر الذي كان في طريقه لإبادة العالم، لكن اليابان لم تستمع لتلك النصائح بل وأعلنت في قرارٍ غريب تجنيد الشعب الياباني بأكمله ضد دول الحلفاء، الرجال القادرين على المشي يدخلون الجيش، والنساء القادرات يدخلن المستشفى الحربي لإسعاف المُصابين والجرحى، ومن عداهم يتبرعون للجيش بالمال والمؤن.
بدأت الحرب من قِبل اليابان قوية للغاية، حيثُ أحرز الأسطول الياباني انتصارات هائلة، واستطاع السيطرة على مياه الحرب بأكملها، بل واستطاع إحراز تقدمًا جويًا ملحوظًا، وأخذ يُلقي بجنوده في كافة المناطق المُلتهبة دون حساب، حتى جاوز عدد الضحايا المليونين، لكن في نفس الوقت كانت الكفة – بسبب اليابان- تميل لدول المحور، وكان لابد من تدخلٍ قوي من دول الحلفاء، تدخل ربما يحدث لأول وأخر مرة في تاريخ الحروب.
السادس من أغسطس،اليوم الأسود
كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعي خطورة اليابان جيدًا، وتعي أيضًا أن الجيش الأمريكي قد تم انهاكه في ألمانيا وإيطاليا ولن يكون قادرًا على الصمود في جبهة ثالثة باليابان، لذلك حاولت التواصل مع اليابان أكثر من مرةٍ لإنهاء الحرب، ثُم عقدت مؤتمر بوتسدام عام 1945، وتم الاتفاق على إنهاء الحرب واستسلام اليابان دون شروط، لكن اليابان رفضت ذلك وقامت صباح اليوم التالي بقصف مواقع أمريكية، وكأنها كانت تُريد أن تُجبر على الاستسلام.
في صباح السادس من أغسطس عام 1945 قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإرسال أول قُنبلة في التاريخ، وسمتها الولد الصغير، مُستهدفةً بها هيروشيما، ثم أرسلت قنبلة هيروشيما الثانية في صباح التاسع من نفس الشهر، وسمتها الرجل البدين، مُستهدفةً بها ناكازاكي، بعدها بستة أيام أعلنت اليابان استسلامها لدول الحُلفاء.
كانت الولايات المتحدة قد خططت لإرسال أربعة قنابل أخرى تحسُبًا لرفض اليابان الاستسلام، وكانت قد حددت مناطق حيوية عدة كفيلة بمحو اليابان من على وجه الأرض، وهذا ما قاله الإمبراطور الياباني أثناء إلقاءه خطاب الاستسلام على شعبه، حيث قال صراحة بأننا في الحرب، ونحن معرضون للإبادة إذا لم نستسلم، العالم كله سيتعرض للإبادة.
خرجت بعض المظاهرات الرافضة للاستسلام وحدثت انقسامات طفيفة داخل الجيش ورفض بعض الجنود ترك مواقعهم، لكن الإمبراطور أقنعهم بأن موازين القوة ليست مُتعادلة حاليًا وأن الحرب الآن محسومة، ووعدهم بالعودة والثأر عندما تكون اليابان قادرة على ذلك، وبالفعل استسلمت اليابان رسميًا في صباح الخامس عشر من أغسطس، وكانت قوات الحلفاء على الجانب الأخر تقترب من برلين، مما يعني أن الحرب قد انتهت رسميًا في أسيا وأوربا، وانتهت إلى الأبد امبراطورية هتلر والنازية معها، وأشرقت شمس أول يومٍ بلا حرب بعدها بشهرين.
السادس من أغسطس، اليوم الأبيض
جعلت هذه الحرب العالم كله يقف أمام خطورة الأسلحة النووية كثيرًا، وبدا واضحًا للجميع أن ثمة دولة على هذه الأرض تستطيع إبادة دولة كاملة في أقل من أربعة وعشرين ساعة، مما جعل الجميع يتداعى لإيقاف الولايات المتحدة وتقييد استخدامها للأسلحة النووية، وعلى جانبٍ أخر بدأت بعض الدول السعي نحو امتلاك الأسلحة النووية كي تتعادل موازين القوة التي كانت تميل بشدة باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، لكن دولة واحدة وقفت أمام العالم بأكمله تُحذره من هذا الأمر وتُطالبه بإيقاف تصنيع هذه الأسلحة تمامًا، وكانت هذه الدولة هي اليابان.
من الطبيعي تمامًا أن تكون اليابان هي أول الدول التي تنتفض ضد الأسلحة النووية وتصنيعها، فثمة فارق بين من شاهد وبين من عاش في الأمر وشعر بالمعاناة، لقد كان الأمر في السادس والتاسع من أغسطس عام 1945 أشبه بالجحيم، لقد تحولت هيروشيما إلى قطعة من اللهب، بل أن الطيار الذي جاء ليتأكد من إلقاء قنبلة هيروشيما أبلغ القيادة اليابانية بأنه لا يرى شيء مُطلقًا، ولم يكن يقصد بذلك انعدام الرؤية، بل كان يقول أنه لم يعد هناك أي شيء ليراه.
لقد تدمرت اليابان فعليًا، وأُصيب الشعب بخيبة أمل كبيرة، وكانت البلاد تتجه فعليًا إلى الاختفاء والنسيان، لكن أمرًا ما قد حدث وجعل الشعب الياباني ينتفض عن بكرة أبيه ويبدأ في إعادة بناء الدولة من جديد، لقد قال الإمبراطور الياباني للجنود الذين كانوا يرفضون الاستسلام نحن لسنا في قوتهم، عندما نصل لذلك سنثأر.
في العام التالي للحرب بدأ البناء من جديد، تم محو هيروشيما من الذاكرة كما تم محوها من الأرض، أُقيمت المنشآت وبُنيت المصانع مرة أخرى، وتم إلحاق عدد كبير جدًا من الطلاب بكليات الطب إجباريًا لأن الحرب كانت قد قضت على أكثر من نصف الأطباء، كما زادت ساعات العمل الرسمية لتصل إلى اثنا عشر ساعة بدلًا من ثمانية، وتم تحطيم الكثير من الأرقام القياسية أثناء رحلة بناء اليابان الجديدة، حتى أصبحت الآن واحدة من القوى العظمة بشهادة أكبر دول العالم، وبشهادة الولايات المتحدة نفسها والتي رُبما تندم على عدم إبادتها لليابان وقتها، حتى لا تُصبح ما أصبحت عليه الآن، فأحدث الأجهزة وشركات الهواتف المحمولة تُوجد في اليابان، وفي الغالب، لم تكن اليابان لتصل لذلك لولا تعرضها لأزمة شديدة كتلك التي تعرضت لها في الحرب العالمية الثانية، كذلك لم تكن الحرب لتنتهي لولا هذا الضغط الذي تعرضت له اليابان، مما يؤكد على القول بأن قنبلة هيروشيما كانت نهاية الحرب وبداية النهضة.
أضف تعليق