نتعرض في هذا الموضوع إلى بعض قصص الحب المأساوية التي انتهت بالإعدام، فمن الحب ما قتل كما يُقال. لقد كانت هذه الجملة واحدة من أشهر الجمل المستخدمة في نهايات القصص الرومانسية وهي ما سنتحدث عنه الآن. ولعلنا سنطيل بعض الشيء في سردنا حين يستدعي الأمر ذكر التفاصيل، ولن يكون هذا مملًا إن انخرطنا في الأحداث متصلين عبر الحروف بأحدنا الآخر وبشخصيات كل قصة من القصص التالية. أول قصة منهم هي قصة قديمة تعود للقرن التاسع عشر بين يهودية ومسلم ويلعب الاختلاف العقدي هنا دور تراجيدي مثير، وتظهر القصة المأخوذة من المصادر اليهودية والإسلامية غلاظة القوانين في هذا الوقت.
تعرف على قصص الحب المأساوية التي انتهت نهاية غير طبيعية
زليخة وفتى طنجة
كانت زليخة فتاة يهودية تعيش في طنجة التي كانت إسلامية في هذا الوقت. إسلامية قانونًا وحكمًا، القاضي رجل دين والمشرع هو الفقيه والمواطن هو المسلم. رغم وجود يهود في المدينة ولكن لا يمكن أن ندعوهم مواطنين إن لم يكن لهم الحق في تحديد أي شيء فيما يخص الدولة. لهم فقط تجارتهم والحياة الاجتماعية. بجانب بيت زليخة تسكن عائلة مسلمة عريقة. بين العائلتين علاقات صداقة فلزليخة صديقة في عمر مقارب لها من تلك العائلة. تلك الفتاة اليهودية التي حين وصلت للسابعة عشرة كانت جميلة يتوقف المسرع في طريقه ليشاهدها. كانت كالسحر بالنسبة للرجال. وبالطبع قد أحبها شقيق صديقتها المسلمة، وكأي فتاة في السابعة عشر وقعت في حب شقيق صديقتها الوسيم الشجاع. فتاة مراهقة ولكنها قوية.
واحدة من أهم قصص الحب المأساوية
هذا ما ستخبرنا إياه مواقفها التالية، فبعد وقت من الحب بينها وبين فتى طنجة المسلم أراد الفتى أن يتزوجها، فطلب منها أن تدخل الإسلام ولكنها لم تكن مراهقة لهذه الدرجة. رفضت زليخة طلب حبيبها في أن تترك دينها رغم إلحاحه في الطلب واستخدام وسائل عاطفية وعقلية وبأساليب مختلفة. من هنا تظهر آراء مختلفة في أحداث القصة. بعض المصادر تقول بأن فتى طنجة دفع المال لبعض الرجال في المدينة ليقولوا بأن زليخة قد دخلت الإسلام وبهذا تكون قد اضطرت لتحقيق رغبته. فإن أصرت على يهوديتها مع وجود شهود بإسلامها يطبق عليها حد الردة وهو القتل، وإن دخلت الإسلام تحقق له ما يريد. بل إنه يقال أن صديقتها المسلمة قد شهدت أمام المحكمة أن زليخة أسلمت. يقال أيضًا أنها قد دخلت الإسلام بالفعل تحت ضغوط حبيبها ثم عادت لليهودية مرة أخرى، وإن كان هذا حقيقيًا فإنه لا يخفف من قصص الحب المأساوية التي نعتبر هذه القصة واحدة من أهمها. رغم اختلاف الرأي والغموض حول دخولها الإسلام أم لا، فلم تختلف المصادر عن أنه تم القبض عليها ومثلت أمام المحكمة. توقع الجميع أنها ستقول بإسلامها لتتفادى الإعدام. أشجع الرجال كان ليفعل هذا أمام السياف المطيح برؤوس جميع من يحكم القاضي بموتهم.
النهاية المحتمة
في هذا الوقت حاول يهود طنجة وعلى رأسهم أبيها وأمها أن يزعزعوها عن هذا الإصرار. أرادوا منها أن تقول أنها أسلمت حتى لو على سبيل الادعاء. كان هذا كفيلًا أن يبقي علي رأسها فوق كتفيها، لكنها لم تتنازل عن موقفها وأصرت على يهوديتها وإنكار دعوى إسلامها. على إثر ذلك رحلها القاضي إلى مدينة فاس ليحكم عليها هناك. عندما عرضت زليخة على محكمة فاس حاول السلطان مولاي عبد الرحمن إقناعها بأن تدخل الإسلام وتتجنب إعدامها. حتى أن الحاخام الأكبر للمدينة حاول إقناعها بنفس الأمر حقنًا لدماء الفتاة المسكينة، لكن شبابها لم يكن ليسمح لها بالخضوع، رفضت كل محاولاتهم وأصرت على يهوديتها. في عامها السابع عشر قطعت رأس فتاة طنجة اليهودية بعدما نطق القاضي كلمته الأخيرة. مذهل كيف يستطيع أن يحكم الإنسان بقتل آخرين هكذا كأنه يهش ذبابة من على طعامه، ومن الحب ما قتل.
كلارا وموسوليني
ولدت كلارا بيتاتشي في روما لعائلة غنية نوعًا ما، فقد كان أبوها الطبيب الخاص لبابا الفاتيكان، وبالطبع هذا مركز يوفر حياة اجتماعية واقتصادية جيدة. الغريب عن كلارا هو افتتانها بموسوليني منذ كانت صغيرة، طفلة تحب إمبراطور ينشد إعادة مجد روما. كيف تحب طفلة رجلًا بوحشية موسوليني وقسوته. ليس هذا فقط ولكنه يكبرها أيضًا بثمانية وعشرين سنة، يبدو الأمر غريبًا من البداية. في سن الرابعة عشر أرسلت كلارا رسالة إلى موسوليني تهنئه فيها على نجاته من محاولة اغتيال، وقد أثارت الرسالة إعجابه فجعل سكرتيرته تكتب لها رسالة رد وشكر، وقد زاد هذا الأمر من إعجاب كلارا وتعلقها بموسوليني. أما عن موسوليني فقد عرف عنه أنه زير نساء، بل إن البعض يقول أنه كان مدمنًا على مثل تلك الأمور، حيث كانت إحدى الوظائف الرئيسية لمدير مكتبه هي إحضار مجموعة من النساء كل يوم ليختار منهن موسوليني ما يريد ليقضين معه الليلة. هناك أيضًا أريكة مكتبه التي عرفت علاقاته الكثيرة. لكن اجتماع موسوليني بكلارا لا يزال غريبًا رغم هذا.
مراهقة وطاغية
في يوم من الأيام كانت فتاتنا تسير في الشارع مع خطيبها ورأت الدكتاتور وهو يعبر في سيارته. ومن هذه اللحظة بدأت واحدة من أبرز قصص الحب المأساوية تركت خطيبها وأخذت تطارد موكب موسوليني في الشوارع تريد أن تلحق به وتتحدث إليه. عادت كلارا إلى بيتها وأخذت تراسل موسوليني وتغرقه برسائل الحب والشوق، كأنهما طالبان مراهقان في المدرسة. في النهاية وافق موسوليني على مقابلتها وقد أسعدها ذلك كثيرًا. فحتى البغضاء والملاعين من الناس يمكنهم أن يجدون من يحبهم. بالطبع كان موسوليني سيقابلها بعد كل ما فعلته، فكيف يرفض زير نساء امرأة شابة متيمة به. لكن الأمر مع كلارا كان مختلفًا، لقد أحبها الدكتاتور فعلًا. حسب ما تذكر كلارا في مذكراتها فإن علاقتهما كانت مليئة بالفرح والطاقة والحياة. في هذا الوقت وصلت كلارا لأفضل ما يمكنها أن تصل له. فقد كانت حبيبة موسوليني وهو ما أرادته بشدة، فضلًا عن المنافع التي عادت عليها هي وعائلتها من هذه العلاقة. فقد جعل لها موسوليني قصر وملجأً آمن من القنابل.
النهاية المحتمة
لكن عند الوصول إلى القمة لابد أن نبدأ في النزول، وكان انحدارهم شديد السرعة. فقامت الحرب وبعد أربع سنوات من مساندة موسوليني لهتلر فاز الحلفاء واستولوا على المستعمرات البريطانية وبهذا أصبح موسوليني مهددًا. حاول في هذا الوقت الهرب مع حبيبته كلارا مع إحدى كتائب الألمان المهزومة، ولكن قوات المقاومة أوقفت سيارتهم وقبضت عليهم جميعًا ما عدا شقيق كلارا الذي قتل حين أمسكوهم. في الصباح أعدم موسوليني وخيرت كلارا بين أن تتركه أو أن تعدم معه فاختارت أن تموت بجانب حبيبها. لهذا أيضًا نقول ومن الحب ما قتل.
خاتمة
قصص الحب المأساوية كثيرة ولا يسعنا الوقت لسردها كلها. من القصص التي مررنا بها هنا نجد الحب ليس بمعزل عن العالم والظروف السياسية والاقتصادية وإن كان حالمًا. المأساة في الحب تتجلى عندما لا تتوافق أحلام الحب مع مسار الواقع. الحب لا يتحكم في الواقع هنا وإنما ينتهي تحت عجلاته نهاية مؤثرة نسمع نحن عنها بعد مئات السنين ونأسف لحال هؤلاء العاشقين أو نراهم حمقى حالمين. لا يهم، فهذا لا يغير شيئًا مما حدث في قصص الحب المأساوية تلك . ربما فقط سيغير هذا ما سيحدث لنا نحن.
أضف تعليق