هنا نتحدث عن قبيلة المانجيبتو الغريبة الأفريقية والتي سكنت جنوب شرق الكونغو منذ زمنٍ بعيد وكما اعتدنا على الحياة القبلية فمن الطبيعي أن لكل شعب قبيلةٍ حياته الخاصة وعاداته وتقاليده الغريبة التي يؤمن بها ويعتقد أنه لا يستطيع الحياة بدونها ويعتبرها هدفًا ساميًا من أهداف حياته.
في قبيلة المانجيبتو كان أول ما لفت أنظار بقية العالم هو شكل رؤوسهم الغريب فبدلًا من أن تكون رؤوسهم دائريةً عاديةً مثلنا وجدوا أفراد القبيلة رؤوسهم عادية من الأمام لكن مؤخرة الرأس أسطوانيةٌ طويلةٌ بعض الشيء وهو أمرٌ مستغرب وما كان العلماء ليتركوه دون بحثٍ وتمحيص، فكان السؤال الأول هو لماذا تظهر رؤوسهم بهذا الشكل؟ هل هي صفةٌ متوارثة تجعل الأطفال يولدون برأسٍ مؤخرته أسطوانية أم أن هناك سرًا آخر وراء تلك الظاهرة الغريبة؟ فلنتعرف عليهم.
تاريخ قبيلة المانجيبتو
يعود التاريخ للوراء قليلًا في بدايات القرن التاسع عشر عندما لم تكن تلك القبائل موجودةً بعد وإنما كان كل ما هو موجود هي جماعاتٌ صغيرة من الأشخاص الذين كونوا تلك القبيلة يسكنون الحدود الجنوبية للغابات، كان ذلك عندما قرر قائد تلك الجماعات أن يصنع من أفرادها محاربين أشداء بدأوا بشن الحروب على الجماعات المجاورة لهم والسطو على أراضيهم وأملاكهم واعتبارها ملكًا لقبائل المانجيبتو وبهذا بدأت تلك القبيلة في الاتساع والانتشار.
وكانت أغلب تلك المناطق التي سكنوها هي الغابات ومناطق حشائش السافانا وهو ما جعل حرفهم الأساسية هي الزراعة ورعي الحيوانات المستأنسة وصيد الحيوانات والأسماك وكان لهم العديد من المزارع والمحاصيل التي يشتهرون بها على من حولهم.
عادات ومعتقدات قبيلة المانجيبتو
هنالك العديد من العادات الاجتماعية التي اشتهر بها شعب تلك القبيلة من أهمها أنه لو مات واحدٌ من الأبناء فإن جماعة الأب تكون ملزمةً بدفع تعويضٍ لجماعة الأم أيًا كانت الظروف المحيطة بذلك وغالبًا أصل تلك الفكرة أنهم يعتبرون وفاة الابن تقصيرًا من الأب في حمايته لذلك عليه دفع تعويض للأم وأهلها وهو ما قد يدفع البعض للاعتقاد بأن تلك القبيلة تعلي من شأن المرأة لكن ذلك ليس أمرًا دقيقًا.
في الحقيقة يقدس شعب المانجيبتو العلاقات الأبوية أكثر من العلاقات الأمومية ويكون لأبناء الأقارب من ناحية الأب أحقيةٌ في الميراث والحكم على هؤلاء الذين من ناحية الأم، وفي بعض الأحيان كانت تحدث عمليات استبدالٍ للنساء بين الجماعات والقبائل الغير مترابطة بهدف الترابط أو إثبات السلام بينهم.
في اختيار حاكم القبيلة كان هنالك عاملان رئيسيان يتم الاختيار على أساسهما الأول هو المهارة القيادية والقدرة والقوة التي تجعله مسيطرًا ومهيبًا وقادرًا على إخضاع الآخرين لحكمه والثاني هو الذكاء والحكمة والمهارات الشخصية مثل الرقص والغناء والتحدث إلى الجماهير، وكانت تلك القواعد مهمةً لهم حتى أنهم في بعض الأحيان ينقلون الحكم من الحاكم المتوفي لابنه الأصغر ويتجاهلون الأكبر لأنه غير مناسبٍ لشروطهم من وجهة نظرهم.
التقدم الصناعي والحرفي
خلال الغزو والاستعمار الأوروبي لمناطق عديدة من العالم منها البلاد الأفريقية في تلك الفترة من القرن التاسع عشر وجدوا أن شعب قبيلة المانجيبتو كانوا على تقدمٍ وتطورٍ واسعٍ في الصناعة والإنتاج بل اعتبروهم كذلك من أكثر الشعوب التي حاولوا استعمارها تقدمًا في تلك الفترة.
كانت بيوتهم مبنيةً بحرفيةٍ وجمالٍ يدل على تقدمهم الشديد في الهندسة والعمارة وكانت تحيط بها مزارع مهندسة ومدروسة بعناية لتعطي شكلًا جميلًا بينما أحاطت حقولٌ واسعةٌ مليئةٌ بالنخيل بالعاصمة أو المكان الذي اعتبرته القبيلة مركزها لتفصلها وتميزها عن بقية الأماكن.
صحيحٌ أن الدراسات أثبتت أن كثيرًا من تلك المهارات والحرف التي برعوا فيها كانت مسروقةً من القبائل التي أغاروا عليها إلا أن ذلك لا ينفي حقيقة تشجيعهم للفنون والصناعات والمهارات وقابلتيهم لتعلم المهارات الجديدة بل وأن يصبحوا بارعين في تنفيذها.
كانت من ضمن تلك الصناعات هي صناعة الأسلحة والسكاكين والعقود والمجوهرات والحلي والأطباق بجانب روعة فنون النقش عندهم والتي أخضعوها لكل شيءٍ بدايةً من الأواني الصغيرة مرورًا بالأدوات العادية ووصولًا إلى البنايات والبيوت، وعبر النقش كانوا يسجلون كل تاريخهم وحضارتهم.
قصة الرأس الأسطواني الغريب
الحقيقة أن الرؤوس الأسطوانية المميزة لشعب قبيلة المانجيبتو ليست طفرةً جينيةً ولا مشكلةً وراثيةً تسبب ظهور الأطفال بذلك الشكل وإنما هي فكرةٌ جماليةٌ عند هؤلاء القوم يرون فيها أن شكل الشخص يصبح أكثر جمالًا وتميزًا عن بقية البشر عندما تكون مؤخرة رأسه أسطوانيةً طويلة، في البداية كانت الأسرة الحاكمة أو الجماعة الحاكمة أو ما قد نشير إليه اليوم بالطبقة رفيعة المستوى في القبيلة هي الوحيدة المسموح لها بالحصول على رؤوسٍ أسطوانية وكان يتم تمييزهم وتفرقتهم عن البقية بتلك الطريقة.
لكن مع مرور الوقت لم يعد الأمر مقتصرًا على الطبقة الراقية وحدها وبدأ كل أفراد المانجيبتو بإعطاء أطفالهم تلك الرؤوس، كيف يصنعونها؟ من المعروف أن الطفل تكون عظامه لينةً وطريةً وسهلة التشكيل لذلك كانت الأمهات يعمدن إلى أطفالهن فيربطن رؤوسهم بقوة بقطعةٍ من القماش تعرف عندهم باسم “ليبومبو” ويظل الطفل بها فترةً من عمره حتى ينمو رأسه على شكلها الأسطواني وعندما يتوقف عن النمو تصبح رأسه ببساطة بهذا الشكل.
ظلت هذه العادة منتشرةً حتى خمسينيات القرن الماضي ثم بعد ذلك بدأت تصبح أقل انتشارًا بسبب توافد الأجانب على تلك البلاد ورفضهم القيام بتلك العادة وتغيير رؤوسهم فغالبًا لم يعد يقوم بذلك سوى أحفاد شعب المانجيبتو الأصليين، ومن جهةٍ أخرى يقول بعض المؤرخين أن هنالك بعض الصلات التاريخية بين الرأس الأسطواني الطويل وبعض الأفراد البارزين من حضارات الفراعنة والمايا لكنها اختفت سريعًا معهم.
فخر قبيلة المانجيبتو بشكل رأسها
مع مرور الزمن بدأ هؤلاء الأشخاص يؤمنون بأن شكل رؤوسهم المميز يجعلهم مختلفين وفريدين من نوعهم مقارنةً ببقية البشر وهو ما دفعهم للفخر بتلك الصفة ومحاولة تخليدها في كل حرفهم بدايةً من النقش والرسم وتسجيل التاريخ في رسوماتٍ ونقوشٍ تظهر شكل الرأس الأسطواني للأشخاص بكل وضوح انتهاءً بالصناعات اليدوية.
كانت صناعاتهم عديدة وبرغم مرور الزمن عليها إلا أنها مازالت متقنةً وجميلة خاصةً بعض الآلات الموسيقية عذبة الصوت وجذابة الشكل وكانوا يحبون إضافة مجسماتٍ أو حفرياتٍ لآلاتهم فاشتهرت بعضها بحصولها على مجسمٍ صغيرٍ لشكل رأس إنسانٍ بمؤخرةٍ أسطوانية تمامًا كرؤوسهم.
العقيدة
مثلهم مثل أغلب القبائل التي عاشت في جوٍ كهذا وكانت صلتها كبيرةً بالطبيعة آمنوا بآلهةٍ لها صلةٌ بالطبيعة مثل إله الماء وبأن آلهتهم تتجسم في هيئة حيواناتٍ مهيبة، كما آمنوا بإعادة بعث روح الإنسان في هيئة حيوان وكذلك بالسحر والشعوذة والأرواح الغاضبة، وكانوا طبقًا لاعتقاداتهم الروحانية والدينية تلك يقيمون طقوسًا خاصة ويقدمون تضحيات ويعتقدون أن حاكمهم له نوعٌ من الصلات الخاصة مثل قدرته على التحكم بالمطر وجلب الخير على قبيلته أو استخدامه كسلاحٍ في صالحهم للحرب.
أضف تعليق