كان السبب في نزول نبي الله آدم –عليه السلام-، وزوجته حواء من الجنة إلى الأرض بسبب ارتكابهما لذنب ما، وعلى الرغم من ذلك عفا الله عنهما بعد أن استغفرا لذنبهما، ولكن كان هذا الذنب سببًا في هبوطهما إلى الأرض، وتركهما الجنة حتى يعيشوا حياةً جديدة عليها، وبهذا كان آدم وحواء أول البشر نزولًا على الأرض، وسببًا في تعميرها بالبشر إلى يومنا هذا، وحتى يبعثنا الله إليه، وقد توعَّد الشيطان لبني البشر أن يغويهم، ويلقي بهم جميعًا في نار جهنم، إلا من تمسك بحبل الله، وحافظ على إيمانه، فلا يزال الشيطان متربصًا بنا إلى يوم القيامة، وقد كان لآدم –عليه السلام- أبناء ومن بينهم قابيل وهابيل ، فكيف استطاع الشيطان أن يزين لقابيل قتل أخيه هابيل؟ هذا ما سوف نتحدث عنه في هذا المقال.
من هو آدم –عليه السلام-؟
هو نبي الله، أبو البشر، أول من خلقه الله من بني البشر، كرمه الله على سائر المخلوقات؛ فقد خلقه الله –عز وجل- بيده الكريمة، ونفخ فيه من روحه، وعلمه أسماء كل شيء، وأسجد له الملائكة، غير أن إبليس رفض السجود له، وأصبح عدو البشر الأزلي. خلق الله لآدم حواء من ضلعه حتى يسكن إليها، وأسكنهما الله الجنة، إلى أن أخرجهما ذنبهما منها، بعد أن وسوس لهما الشيطان، وهكذا هبطا من الجنة إلى الأرض، وكثرت ذرية آدم، وأصبح له بنون، وبنات، ومن أبناء آدم قابيل وهابيل ، ومن نسله الأنبياء والمرسلين.
المعصية التي كانت سببًا في نزول آدم وحواء من الجنة
بعد أن رفض الشيطان الرجيم السجود لآدم –عليه السلام- كما أمره الله –عز وجل-، ظانًّا منه أنه أشرف من آدم خلقًا، وأرفع مكانة، لأنه مخلوق من النار، وآدم قد خلقه الله من الطين، فلعنه الله لذلك، وأخرجه من الجنة، وحينها توعد إبليس لجميع بني آدم، أنه سيقعد لهم بالمرصاد، ويوسوس لهم حتى يخرجوا عن طاعة الله –عز وجل-، ويكونوا معه في النار، إلا من يتمسك بطاعة الله، ولا يتبع خطوات الشيطان. وعندما سكن آدم وحواء الجنة كانت لهما يأكلان ويشربان منها حيث يشاءان، ولكن هناك شجرة قد نهى الله عنها، أن يأكلا منها، وهذا كان أول مدخلٍ للشيطان لهما، حيث وسوس لهما الشيطان، أن يأكلا من تلك الشجرة، حيث وصفها بشجرة الخلد، إلى أن عصيا أمر ربهما، وتناولا من تلك الشجرة، ولذا فقد غضب الله عليهما، وأهبطهما من نعيم الجنة إلى الأرض، ولكن قبل ذلك فقد استغفرا الله على ما فعلا، وقد تقبل الله توبتهما رغم ذلك، وهو التواب الرحيم، ولا زال الشيطان يقعد لبني آدم بالمرصاد إلى يوم يبعثون، ومن صور تربص الشيطان لبني آدم ما حدث مع قابيل وهابيل .
من هم أبناء آدم –عليه السلام-؟
عندما هبط آدم وحواء إلى الأرض كانت تلك بداية حياة جديدة بالنسبة إليها، وأخذا في تعمير الأرض، ورزقهما الله بالأبناء، ولم يتطرق القرآن لذكر أبناء غير قابيل وهابيل بسبب القصة التي ذكرتها آيات سورة المائدة، ولكن قد ذكر العلماء أن لآدم وحواء أبناء كثر، وقد اختلفوا أيضًا في تحديد أعداد أبناء آدم وحواء، فقد ذكر أن حواء ولدت لآدم مئة وعشرين بطنًا، وكان أولهم قابيل وتوأمته قليما، وقد أُنجب هابيل في البطن الرابعة، وقد وُلد شيث بن آدم بعد خمس سنوات فقط من جريمة قابيل وهابيل ، أي بعد موت أخيه هابيل، ويُقال أن شيثًا كان نبيًا مباركًا، وهناك من يقول أن حواء ولدت لآدم في عشرين بطن أربعون من ذكرٍ وأنثى، وهناك بعض العلماء من يقول أن آدم لم يمت حتى رأي من نسله، أحفاده، وأبناء أحفاده، وأبناء أبناء أحفاده، وأبناؤهم حوالي 400 نسمة، وهناك من يقول أن عدد أبناء آدم 239 ولد. ويقول الطبري أن أبناء آدم مئة وعشرون ولد من الإناث والذكور، وغيرها من الأقوال التي حاول العلماء الاجتهاد فيها، ولكنا سنتحدث هنا عن أو جريمة قتل وقعت بين قابيل وهابيل باستفاضة أكثر.
نظام زواج أبناء آدم –عليه السلام- من بعضهم
لأن الأرض كانت خالية من البشر، وكان آدم –عليه السلام- وأبناؤه هم أول البشر على الأرض، فقد أُحل لأبناء آدم وبناته الزواج من بعضهم على وجه معين، حيث كانت السيدة حواء تلد في كل بطن أو في كل مرة ولدًا وبنتًا، فكان الولد من المرة الأولى، يتزوج من البنت في البطن الثانية، وهذا كان السبب الرئيسي في نزاع قابيل وهابيل ، حيث أراد قابيل أن يتزوج الفتاة التي هي نصيب أخيه هابيل، لأنها كانت أجمل من أختها.
قربان قابيل وهابيل
عندما رأى آدم –عليه السلام- النزاع الذي دار بين قابيل وهابيل على الفتاة التي كانت من نصيب هابيل، قال لهم أبوهم آدم أن يقدموا قربانًا إلى الله –عز وجل-، وينظروا من سيتقبل الله منه قربانه، سيكون هو الفائز بتلك الفتاة، وكان قابيل مزارعًا يعمل في مهنة الزراعة، فكان قربان قابيل الذي قدمه حزمة من زرع رديئة، أما هابيل فقد قدم جزعة سمينة، وكان صاحب غنم، يعمل في المرعى، وقد قبل الله –عز وجل- قربان هابيل، حيث نزلت نار فأكلت قربان هابيل، دليلًا على قبول الله لهذا القربان، وتركت قربان قابيل، وحينها ثار قابيل على أخيه، وتوعد له بالقتل حتى لا ينكح أخته، وكان رد هابيل عليه أن الله يتقبل من المتقين، وهناك من يقول أن آدم –عليه السلام- كان معهما يوم قربان قابيل وهابيل ، وحينها قال قابيل لأبيه أن الله تقبل من هابيل بسبب دعوته لهابيل، وعدم دعوته لقابيل، وحينها توعد لأخاه بالقتل فيما بينهما.
ما حدث بين قابيل وهابيل
بعد ما حدث يوم القربان في يومٍ آخر، كان هابيل قد تأخر من عمله في الرعي، فبعث آدم –عليه السلام- أخاه قابيل لينظر ما الذي أخر أخاه، فلما ذهب إليه أعاد عليه ما حدث في وقت القربان، فقال له هابيل أن الله يتقبل من المتقين، وحينها ثار قابيل، وقد ورد في آيات القرآن الكريم أن هابيل رفض أن يقتل أخاه، بل قال له إنه لن يفعل ذلك، لأنه يريده أن يعاقب من الله –عز وجل- جراء فعلته من القتل، وأن يأخذ إثم القتل، وقد اختلف في الطريقة التي قتل قابيل أخاه بها، فقيل أنه ضرب أخاه بحديدة كانت معه، فقتلت هابيل، وقيل أن أداة القتل كانت صخرة رماها قابيل على رأس أخيه بينما كان نائم، وقيل بل إن قابيل خنق أخاه خنقًا شديدًا، وقام بعضِّه مثل السباع، والله أعلم كيف حدث ذلك تمامًا، ولكنه في النهاية قتل أخاه. وهكذا وقعت أول جريمة قتل في تاريخ البشرية.
كيف دفن قابيل جثة أخيه؟
من الجميل جدًا كيف يمكن لغرابٍ أن يعلم إنسانًا كيف يفعل شيء ما، ولدينا من قصص القرآن الكثير من الحيوانات التي كان لها دورٌ مهم على طريقتها الخاصة، مثل هدهد سليمان، وناقة صالح، وعنكبوت الغار، وكلب أصحاب الكهف، وغيرها من الحيوانات، وبطل قصتنا اليوم هو غراب قابيل وهابيل ، حيث بعثه الله بعد أن قتل قابيل أخاه هابيل، ولم يستطع ماذا يفعل به، حيث كان هابيل أول من يموت من البشر، وحينها لم تكن هناك مراسم معينة معروفة لدفن البشر، وهناك من يقول أن قابيل حمل أخاه على ظهره سنة، وآخرون يقولون أنه حمله مئة سنة، وقال آخرون أيضًا أنه ظل معانقًا أخاه حتى تغيرت رائحته، والله أعلم، إلا أن هذه الأقوال لن تفيدنا بشيء، وربما تكون دليلًا على ندم قابيل على فعلته، وكان الغراب الذي أرسله الله –عز وجل- معه غراب آخر ميت، وكان يحفر في الأرض حتى ألقى بالغراب الميت في حفرة حفرها، ثم هال عليه بالتراب، في مشهد غريب، كأن الغراب يعلم قابيل درسًا، وحينها فعل قابيل ما فعله الغراب، ودفن أخاه. وقد حزن آدم –عليه السلام- على ولديه حزنًا شديدًا، وقد أدرك أن هذا الأمر من فعل الشيطان الذي سيظل يتربص بأبناء آدم إلى يوم القيامة.
الشيطان، وقابيل، والحسد.
سنجد أن الحسد هو الذي أخرج الشيطان الرجيم من رحمة الله، ولعنه إلى يوم يبعثون، عندما عصى الله، واعترض على أمرٍ من أوامره، ناهيك عن نظرته إلى نفسه أنه الأحق بالسجود له، بدلًا من آدم، وأنه المخلوق الأفضل من بين مخلوقات الله، فإن حسد الشيطان لآدم –عليه السلام- كانت السبب الأكبر في كل ما حدث بعد ذلك، وخروج آدم من الجنة، وهبوطه إلى الأرض وهكذا، وسنجد أيضًا أن الحسد هو أساس قصة قابيل وهابيل ، فحسد قابيل لأخيه هابيل كان أساس قتل قابيل لأخيه، إن الشيطان يدخل للإنسان من مداخل رغباته دائمًا، فرغبة قابيل بالزواج من أخته التي كانت من نصيب هابيل، جعلته يكن الحقد والغضب في قلبه، والذي لا يجعل منه رجل صالح حتى يتقبل الله منه القربان، إن القلب السليم هو أساس كل شيء، ولا يدخل حسد في قلب سليم، عافانا الله وإياكم. يجب على كل إنسان أن يغض الطرف عن ما رزق الله به غيره، أن يجعل ذكر الله دائمًا وأبدًا على لسانه، فـ”ما شاء الله، لا قوة إلا بالله” يجب أن تكون رد الفعل الأول عند رؤية كل ما هو جميل، فقد يظهر لك من أخيك جميله فقط، أو ما رزقه الله به فقط، وتجهل كثيرًا كربه، وما يفتقد في حياته، وقد تكون أنت تمتلكه في كثيرٍ من الأحيان.
القتل في الإسلام
القتل جريمة من أكبر الجرائم في تاريخ البشرية، بل إنها تعد من الكبائر في الإسلام، وقد جرَّم القرآن القاتل. وحرمة القتل لا تختص بقتل مسلم فقط، بل لغير المسلم، فلا يوجد حق لأي بشري أن يزهق نفسًا بغير سبب شرعي، هذا بخلاف القتل الخطأ، وقد قرر القرآن الكريم عقوبة القاتل عمدًا في الآخرة، أنه يخلد في نار جهنم، يحيط به سخط الله وغضبه، يحرم من رحمة الله، العذاب في الآخرة. هناك العديد من الأمور التي تساعد على القتل، والتي منها الحسد مثل ما حدث مع قابيل وهابيل ، وأيضًا الكفر بالله –عز وجل-، إن البعد عن الله يجعل كل حرام سهلًا، عافانا الله وإياكم.
إن القصص التي جاء بها القرآن الكريم حول آدم وبنيه قابيل وهابيل ، ليست مجرد قصصًا تعرض بعض المواعظ فقط، بل هي عبارة عن تصوير طبيعة النفس البشرية، وما يحدث داخلها من صراع، تصوير عدو البشر الأزلي وكيف يمكن تجنبه، تصوير كيف يمكن للمرء أن ينجو إلى رحمة الله، وكيف يفر منها. إن النفس البشرية لم تخلق في عصمة من الخطأ، كما أن الدنيا لم تمهد للإنسان كي تكون متاعًا فقط، بل هي دار ابتلاء واختبار، وإن تلك الابتلاءات يجب أن تكون دروسًا للإنسان مادام قد رزقه الله ساعةً أخرى في تلك الحياة، يجب أن نحمد الله على كل نقس آخر، وكل ساعة أخرى قد أمهلنا الله فيها كي نعود إليه. الحمد لله دائمًا وأبدًا.
الكاتب: رقية شتيوي
أضف تعليق