كان العالم قديمًا يعج بالكثير من المخلوقات الأسطورية الغريبة، وقد كان غريفين بلا شك أحد أهم تلك المخلوقات وأكثرها تواجدًا، وهذا ليس مجرد تخيل وإنما حقيقة تعتمد على عدد وافر من الأساطير التي فردت مساحتها لذلك المخلوق، وأيضًا ليس من السهل أبدًا أن يُسجل مخلوق أسطوري حضوره في أكثر من حضارة مثلما حدث مع غريفين، والذين يتواجد في الحضارة اليونانية الإغريقية والحضارة الفرعونية والحضارة الفينيقية وغيرهم الكثير من الحضارات الشاهدة على ذلك المخلوق وغرابته، وبالرغم من أن غريفين لم يكن وحده في العصور الوسطى إلا أنه قد تمكن من حفر نفسه في التاريخ والحاضر كذلك، حيث لجأت الكثير من الأعمال الفنية والأدبية له وصدرته كواجهة للمخلوقات الغريبة التي ظهرت في التاريخ، فمن هو غريفين هذا؟ وكيف ظهر وكيف اختفى؟ هذه الأسئلة وأكثر سوف نحاول الإجابة عليها سويًا من خلال السطور القليلة المقبلة، فهل أنتم مستعدون لركوب آلة الزمن وخوض تلك الرحلة المُثيرة؟
من هو غريفين؟
عادة أبطال الروايات والأفلام والقصص والأشعار وكل شيء مقروء ومسموع أن يتم في البداية التعريف بهم وتوضيح ماهيتهم، فليس من المنطقي أبدًا أن نتحدث عن كيان ما دون أن نعرف أصله وفصله، وغريفين ببساطة كائن أسطوري، ولا يُمكننا بالطبع القول بأنه حيوان أسطوري بالرغم من امتلاكه لبعض صفات الحيوان، إلا أن غرابته وهيئته وشكله الغير منطقي يجعلنا غير قادرين على الجزم بكونه نوع معين من الكائنات التي نعرفها، كل ما نستطيع فعله أن نصفه بأنه كائن أسطوري قديم، عاش في العصور الوسطى، ومصطلح العصور الوسطى هذا قد يأخذنا إلى عشرة آلاف سنة قبل الميلاد.
عُرف غريفين ربما قبل أن يعرف الإنسان أشياء كثيرة على هذه الأرض، ربما قبل أن يعرف أصلًا أنه ثمة كائنات أخرى مثله تعيش على ذات الرقعة، كان كائنًا مهيبًا بحق، وكانت مشاعر الناس نحوه تتفاوت بدرجةٍ غريبة، فهناك من يراه أحد أهم مُسببات الرعب والبعض الآخر كان يرى فيه دلالة واضحة على وجود القوة، وأن قوة الإنسان مُجتمعة لا تعني أي شيء أمامه، فما هي أوصاف ذلك المخلوق يا تُرى؟
أوصاف غريفين المُذهلة
أول شيء يجب أن تعرفه عن غريفين أنه يمتلك جناحين فريدين، وربما يجعلك ذلك الأمر تعتقد سريعًا أننا نتحدث عن طائر، لكن عندما تعرف أن جسمه يُشبه الأسد فسوف تتوقف عن ذلك الوصف، لكنك ستعود عندما تعرف أن رأس غريفين تُشبه كثيرًا رأس النسر، وهذا في الحقيقة أمر مُحير، فهل هو نسر أم أسد؟ وكيف يُعقل أصلًا أن يكون كائن واحد جامع لصفتين من حيوانين مُتباعدين تمامًا؟ ببساطة، لأجل تلك الحيرة قلنا في البداية أنه لا يجب أبدًا تصنيف غريفين، وإنما التصنيف الأمثل له هو عدم التصنيف، فقط هو مجرد كائن غريب الأطوار عاش قديمًا في عالمنا.
كانت القوة والمهابة تتدلى من ذلك الكائن، وهذا أمر لا يحتاج إلى الكثير من البحث والدراسة من أجل التسليم به، فقد اقتنع الإنسان الأول بهذا الوصف لأن رأس النسر كانت ترمز للمهابة والحذر، وجسم الأسد كان يرمز طبعًا إلى القوة، ولهذا كان غريفين مصدر خوف للجميع، وخاصةً الأطفال، والذين كانوا يرونه بعد أن يروا العصافير البريئة، فقد تخيلوا ذلك الأمر، رؤية غريفين بالمواصفات التي ذكرناها بعد رؤية عصفور!
أساطير حول غريفين
كما هي العادة، مع انتشار أخبار غريفين وبداية عصر اختفاءه بدأت بعض الأساطير في الظهور عنه، تلك الأساطير كان الهدف الأول منها هو جعل ذلك المخلوق خالدًا للأبد، ولذلك نجد فيها تضاربًا شديدًا، فمنها ما هو مُستعرض لقوة المخلوق في الخير ومنها ما يجعله وحشًا مفترسًا لا يترك صغيرة أو كبيرة إلا ويفتك بها، وبالطبع على سبيل الالتزام بالتاريخ سوف نذكر كلا النوعين من الأساطير، ولتكن البداية مع الأسطورة التي جعلته حامي الخير وطارد الشر.
غريفين نصف الإله
الأسطورة الأولى التي يتم ترديدها عن غريفين أنه كان بالنسبة للناس قديمًا أشبه بنصف الإله أو مُطبق أحكام الله في الأرض، فقد كان العالم في هذا الوقت لا يعرف الحكم، كان الإنسان قابل للتحول إلى حيوان مفترس من أجل الحصول على الطعام والشراب لأولاده، وطبعًا هذا كان يؤدي إلى الاقتتال بين الناس في الوقت الذي لم تكن فيه حكومات أو حتى ملوك يُسمع لهم، كان الإنسان يعيش بنفسه ولنفسه، وكان قادرًا على تحويل العالم إلى جحيم فقط من أجل سمكة واحدة في بحر لا ينتمي إلى أحد، أصلًا لم تكن هناك دول أو حدود أو ممتلكات، وهنا ظهر نصف الإله غريفين.
عندما ظهر غريفين في البداية تسبب في إثارة الذعر والخوف لدى البعض، هذا الذعر جعل الناس يحترمونه ويقدرونه ويخافون منه كذلك، وقد ساعدت تلك الانطباعات على جعل غريفين قادر على ترسيخ الخير والشر وتحديد ما هو واجب وما هو غير واجب، والأهم من كل ذلك أنه كان يستخدم مبدأ الثواب والعقاب، كما يُقال في الأساطير التي تُرجح تلك الحقيقة أن غريفين هو من أسس لوجود الممالك والحكام والأنظمة التي تطورت إلى ما هي موجودة عليه الآن.
غريفين يُستخدم في الحرب
هناك من يقول كذلك أن استخدام ذلك المخلوق كان أسوأ بكثير مما يُمكن تخيله، فقد عرف العالم كله أن ثمة مخلوق مُخيف اسمه غريفين، لكن ما لا يعرفوه أن بعض السحرة والمشعوذين كانوا يمتلكون القدرة على السيطرة عليه، وبالتالي يُطوعونه للاستخدام في أي غرض يُريدونه، وغالبًا ما كان هذا الغرض هو خوض المعارك والحروب مع قادتهم، فوجود مخلوق مثل هذا قد يُغني بلا مبالغة عن وجود أكثر من عشرة آلاف جندي، ولهذا فإن الحرب كانت تبدو شبه محسومة حتى قبل أن تبدأ أو يرفع جُندي واحد سيفه.
غريفين كما تقول الأسطورة لم يكن يشارك في الحرب فقط لكونه خاضع لعمليات السحر، بل إنه أيضًا كان يعيش على لحوم البشر، ولهذا فإن كان ينتظر لنهاية المعركة ثم يأكل كل جثث الضحايا الذين خلفتهم هذه المعركة، وكذلك كان يجد متعته في إحراقهم وتحويلهم إلى رماد، ومن هذا يتضح أن تلك الأسطورة تختلف كثيرًا عن الأسطورة السابقة، فالأولى أظهرته كنصف إله، والثانية جعلته وحش كامل لا يشغله شيء سوى القتل، وطبعًا شتان البون بين الأمرين.
الرحالة غريفين المُتنقل بين الممالك
الأسطورة الآتية جعلت من المخلوق غريفين رحالة بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ، حيث قالت إن غريفين كان لا يستمر في دولة أو حضارة أكثر من عام، بعده ينتقل إلى دول وحضارات أخرى باحثًا عن طعامه وشرابه، ولهذا نجد دليلًا على وجوده في حضارات مُختلفة مثل الحضارة الإغريقية والحضارة الفينيقية، وطبعًا الحضارة الفرعونية شهدت كذلك تواجده، وأدلة ذلك تكمن في الرسومات والنقوش التي وُجدت له على جدران المعابد العتيقة، حيث عُثر عليها تحمل أوصافه التي ذكرناها، وقد أخذ البعض من هذا دليلًا على أن غريفين لا ينتمي إلى حضارة بعينها، بل هو مخلوق لكل الحضارات.
الرحلات التي كان يقوم بها ذلك المخلوق الإعجازي كانت تتسبب غالبًا في إرهاقه، فبالرغم من كونه مخلوق ضخم مُخيف إلا أنه كان لا يقوى على الطيران دون أن يلتهم عدد وافر من الفرائس، وذلك الأمر كان يؤثر عليه تأثيرًا يصل إلى الموت، ولكم أن تتخيلوا أن ذلك الحيوان الضخم الذي عاش حياته دون أن يقوى عليه أحد بدأ يموت نتيجة للسفر المتكرر، ولهذا كان من الطبيعي أن تبدأ عملية انقراضه المحتومة.
اختفاء غريفين الأسطوري
إذا كنتم تعتقدون أن كل ما سبق ذكره كان مجرد أسطورة، وإن كانت فكرتكم عن الأساطير أنها أفكار غريبة لا أساس لها من الصحة يتم زرعها في عقول البشر دون داعٍ، فإنكم بالتأكيد قد أصبحتم مُستعدين لتقبل فكرة عدم وجود غريفين من الأساس، لقد كان مجرد أسطورة عادية لم تظهر لكي نقول أنها قد اختفت، فالعقل يقول أن الشيء القابل للاختفاء هو نفسه الشيء القابل للظهور، لكن إذا كان الأمر نقيض ذلك، وأنه غريفين هذا اسم لمخلوق أسطوري كان موجود بالفعل قبل أكثر من خمسة عشر ألف عام فيجب أن تعرفوا بأن اختفاء ذلك المخلوق قد بدأ قبل أربعة آلاف عام من الميلاد واستمر يتقلص ويتقلص حتى أصبح غير موجود، وهذا ما فتح الباب أمام اعتباره أسطورة لا أساس لها من الصحة، لكن، قبل قرنٍ ونصف من الآن، ظهر ما يؤكد صحة تلك الأسطورة، أو ما كانت تُعتبر كذلك.
دليل وجود غريفين
في منتصف القرن التاسع عشر تم العثور على عظام لمخلوق غريب مدفونة في أحد الجبال الجليدية بروسيا، وطبعًا كلنا نعرف أن جبل الجليد كي يتشكل فإنه يحتاج لوقت طويل جدًا قد يصل لمئات الآلاف من السنين، وهذا ما يؤكد على أن العظام كانت لمخلوق قديم للغاية، هذا قبل أن تتضح ماهية ذلك المخلوق، والذي هو ببساطة غريفين، وقد أثار ذلك الإعلان حفيظة البعض وجعلهم يذهبون بأنفسهم إلى ذلك المكان من أجل استكشاف تلك العظام.
كان الأمر مهيبًا فعلًا، فبالمواصفات التي ذكرناها قبل قليل لذلك المخلوق العملاق لم يكن من المعقول أبدًا أن تكون عظامه أقل ضخامةً منه، عمومًا، عقب ذلك الإعلان لم يعد هناك مُتسعٌ من التكذيب بشأن غريفين واعتباره مجرد أسطورة خيالية، حيث كان ذلك الاكتشاف بمثابة دليل وجود لا يحتمل التشكيك، وإن كان هناك من يقول إن تلك العظام لم تكن سوى لمخلوق ضخم آخر نعرفه جميعًا، وهو الديناصور، ذلك الذي كتب الاختفاء الخاص به قبل آلاف السنين أيضًا.
غريفين والسينما
لم تترك السينما مخلوق بعظمة غريفين دون أن تستخدمه كمادة سينمائية نافعة، فقد ظهر في الكثير من الأفلام والمُسلسلات التي تتحدث عن العصور القديمة أو حتى تلك التي تتعلق بالخيال منها، فإذا أراد صناع الأفلام الإشارة إلى مخلوق قديم ضخم ومُخيف وتم انقراضه فإن الأصابع بالتأكيد سوف تتجه للديناصور في المقام الأول ثم بعد ذلك غريفين، عمومًا أشهر ظهور للمخلوق العملاق الذي نتحدث عنه كان في سلسلة هاري بوتر الشهيرة، والتي قوامها الرئيسي يقوم على السحر والأحداث الخيالية، لكن ما دام قد ظهر في هذا العمل الشهير فإن الأمر يُعد بمثابة شهادة اعتراف بوجوده أو على الأقل انتشار أسطورته إلى حد الشهرة الطاغية.
أضف تعليق