تُعتبر المأساة التي تعرضت لها عائلة ديفو في عام 1974 أحد أبرز الغرائب التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية في النصف الثاني من القرن العشرين، فقد ظن العالم أنه لم يعد ثمة مكان للغرائب بعد ظهور الكائن الفضائي، لكن أن يقوم ابن بقتل أبويه وأشقائه فهذا فعلًا أمر يستحق وصف أكبر بكثير من العجيبة، ثم إن الجريمة نفسها لم تكن الشيء الوحيد الغريب في هذا الأمر، بل كانت الملابسات كذلك أحد أهم الأسباب التي خلدت الجريمة وجعلتها أيقونة للروايات والأفلام التي تعتمد على تيمة الرعب، أجل، فلقد كان الأمر مرعبًا بحق، مرعبًا للدرجة التي لا يُمكن معها تصديقه أو تخيله، وإذا كنتم تظنون أننا نبالغ فكل ما عليكم هو متابعة السطور القادمة بعناية وحرص، حيث سنحمل لكم فيها تفاصيل ما حدث داخل تلك العائلة وزلزل نيويورك والولايات المتحدة الأمريكية بأكملها، فهل أنتم مستعدون لذلك؟
معلومات عن عائلة ديفو
الأمر البديهي الأول الذي يجب أن نتحدث عنه قبل استعراض يوم الجريمة المثيرة هو معرفة المزيد عن عائلة ديفو ، فالبعض ربما لم يسمع سوى بأمر المذبحة وما حدث بها، لكن هل تعرفون من هي هذه العائلة التي حدثت بها المذبحة؟ بالتأكيد لا، وعمومًا فإن الأمر بسيط جدًا، فهي عائلة مكونة من سبعة أفراد تعيش في أحد ضواحي نيويورك، وطبعًا نيويورك ولاية شهيرة من ولايات الولايات المتحدة الأمريكية، وكأن تلك البلد موعودة دائمًا بحدوث المعجزات على أرضها!
السبعة أفراد الذين تتكون بهم العائلة كانوا الأب رونالد وزوجته، بالإضافة إلى خمسة أبناء، ثلاث ذكور وبنتين، ولكيلا نُبعثر الأوراق دعونا نتفق أن الاسم الذي نحتاجه هو اسم الابن الأكبر فقط، لأنه سوف يكون حاضرًا معًا في الكثير من الأحداث، وهو للغرابة يحمل اسمه أبيه، رونالد، فما الذي حدث مع العائلة التي تحمل بينها شخصين يدعون رونالد؟
جريمة عائلة ديفو
ببساطة شديدة، دخل شاب يُدعى رونالد ديفو أحد الحانات في الثالث عشر من نوفمبر القابع في عام 1974، كان شديد التوتر والخوف، ولم يكن أي شخص بحاجة إلى سماع كلماته لإدراك تلك الحقيقة الواضحة وضوح الشمس، لكن مع ذلك فقد أعاره الجميع الانتباه وانتظروا حتى التقط الفتى أنفسه ثم انفجر بالمفاجأة المدوية التي كان يحملها، لقد قال الفتى ذو الثلاثة والعشرين عام أنه قد عاد إلى البيت قبل قليل فوجد والديه مُمدين كجثة هامدة، وأنه يطلب المساعدة بسرعة!
أُصيب الناس بالذعر وركضوا مع الفتى باتجاه البيت، وقد لاحظوا في البداية أن كل شيء كان مُنظمًا وهادئًا، وهنا ظنوا أن الفتى مجرد مجنون أو شقي يعبث بهم، لكن مع صعود الدرج ودخول غرفة النوم رأى الجميع جثة زوج وزوجته ممدين بصورة ملائكية على الفراش، وكل واحدٍ منهما يحمل رصاصة في رأسه، ومع دخول الغرفة المجاورة كان نفس المنظر موجودًا، لكن أبطاله كان شابين صغيرين لم يتجاوز أكبرهم العشرين عام، وفي الغرفة التالية كان ثمة بنتين بنفس المنظر تقريبًا، إذًا، وبلا أدنى مبالغة، هذه ليست جريمة قتل، إنها مذبحة بكل ما تعنيه الكلمة من معان!
كيف تمت الجريمة؟
يقول المحققون الذين تولوا القضية أن مقتل عائلة ديفو والتحقيق بما حدث لهم يُمكن اعتباره من أغرب الجرائم التي مرت خلال سنوات عملهم، ففي بداية الأمر ثمة شيء غريب وغير مفهوم بالمرة، وهو أن العائلة كلها كانت نائمة تقريبًا قبل النوم، والسؤال الآن، هل يُمكن قتل ستة أشخاص ومع ذلك يبقى كل فرد من الستة ساكنًا أثناء قتل الذي يسبقه؟ أليس من المنطقي أن يركضوا مثلًا باتجاه النافذة أو الباب أو أي ملاذ للهرب؟ بالتأكيد هذا منطقي، لكن ما حدث كان خلاف ذلك بالمرة، فالعائلة بأكملها كانت مقتولة في وضعية النوم، وهذا أمر يُمكننا أن نتوقف عنه كثيرًا فيما بعد.
يقول رجال التحقيق أيضًا أن الجريمة قد تمت بمسدس من نوع كاليبر، وهو يتعلق أكثر بالهواة الذي يرتكبون جرائم قتل للمرة الأولى، وأيضًا من الأمور الغريبة أنه لم يكن ثمة فوض في مكان في البيت، فقط كان هناك ستة جثث ساكنة ومطمئنة وكأنها لم تشعر بأي شيء، أليس من المنطقي يا سادة أن يُحدث المجرم بعض الفوضى أثناء الاقتحام أو أثناء الهرب؟ أليس من المنطقي أن يكون الدم في كل مكان؟ لكن كل هذا للغرابة لم يحدث، كانت جريمة نظيفة للغاية.
اتهام عبثي
أول من سألته الشرطة بالتأكيد كان الناجي الوحيد من المذبحة المروعة هذه، رونالد ديفو، والذي قال أنه ذهب إلى العمل في السادسة صباحًا ثم عاد فوجد كل شيء بهذه الطريقة التي رأتها جهات التحقيق، وعندما سألته الشرطة عن إمكانية اتهامه لأحد بارتكاب تلك المذبحة فكر قليلًا ثم قال بأن ثمة بائع للقطع الصغيرة قد تشاجر معه قبل أيام ثم هدده في النهاية بأنه سوف يقوم بذبح كل عائلته، ولذلك فإنه يشك بأن ذلك الرجل قد نفذ اتهامه، لكن بالتقصي اكتُشف أن الشخص المذكور قد أُلقي القبض عليه في شجار قبل موعد المذبحة بيوم كامل، وهذا يعني استحالة قيامه بهذا الأمر، إذًا من يا تُرى يُمكن أن نرفع في وجهه أصابع الاتهام وندعوه بالجاني؟
من الجاني؟
هذا سؤال منطقي بالتأكيد لا يحتاج إلى من يتطوع ويوجهه، فالجميع يُريد أن يعرف من الذي تجرأ وقام بتنفيذ تلك الجريمة البشعة بحق عائلة ديفو ، لكن، إذا كنا سنبحث حقًا عن الجاني وسط كل ما سبق من أدلة وبراهين فعلين أن نتأكد من الآن أننا لن نصل لشيء، ولذلك، دعونا نتعرف على بعض الحقائق والخبايا التي كانت تحدث داخل العائلة ثم نُقرر بعدها في وجه من سوف نرفع أصابع الاتهام، ولتكن البداية بالحالة العصبية للعائلة.
الحالة العصبية للعائلة
كانت الحالة العصبية لتلك العائلة أشبه بالمترنحة، فمثلًا، فيما يتعلق بالعلاقات فقد كانت متوترة لأتفه الأسباب، وخاصةً بين رونالد الأب ورونالد الابن، وهذا طبعًا بشهادة الجيران الذين قالوا إنهم قد سمعوا الكثير بين الصراعات والشجارات المحتدمة بين الأب والابن، والتي كانت عادة ما تنتهي بترك الابن للبيت مدة من الوقت قد تصل لثلاثة أيام.
رونالد يكذب
الأمر الثاني فيما يتعلق بخبايا عائلة ديفو أن رونالد لا يذهب إلى العمل في السادسة صباحًا كما ادعى، أصلًا كان الفتى قد حصل على إجازة من عمله لمدة أسبوع كامل، وهذا يعني أنه كان في البيت طوال الوقت، لكن هل هذا يعني أن ثمة شيء قد يؤخذ عليه؟ بالتأكيد لا، فهي في النهاية مجرد كذبة.
رونالد يستخدم السلاح
الصاعقة الحقيقية التي نزلت على الجميع أن رونالد الابن والأب كانا يستخدمان السلاح، وهذا يعني أنه من الممكن جدًا لأي شخص منهما الإمساك بذلك المعدن الصغير واستخدامه في القتل، وبما أن رونالد الكبير قد مات فهذا يعني أن الشخص الآخر هو من استخدم السلاح وفعل ما فعل، وهنا كانت الطاولة على أتم استعداد كي تنقلب على رونالد.
الطاولة تنقلب على رونالد
محاصرة رونالد وقلب الطاولة عليه لم تكن لتكتمل سوى بدليل ملموس قوي، ولم يكن هناك أقوى بالطبع من العثور على علبة خشبية تحمل بقايا سلاح بنفس مواصفات السلاح الذي نفذت به الجرائم الست البشعة، وإذا كنا سنعمل العقل حقًا فإن الخطوة البديهية الأولى هي الذهب إلى ذلك الشاب المجنون والقبض عليه، وهذا ما حدث بالفعل، ومن المنطقي أنه قد ادعى الدهشة وأخذ يدبدب في الأرض من فرط الصدمة من الاتهام كما ادعى، لكن، ما محاصرته بالأدلة الموجودة وعدم وجود أي طوق للنجاة جاء دور اعترافات الغريق المنتظرة.
اعترافات غريق
كان رونالد، حسبما بدا واضحًا، يغرق وحده في هذه القضية، لم يكن أمامه بأية حالٍ من الأحوال سوى الاعتراف ووضع بعض النقاط على الأحرف، وبالرغم من أن بعض تلك الاعترافات لم تكن منطقية إلا أن ذكرها واجب بسبب الاهتمام الذي يلف تلك القضايا، وعلى رأس تلك الاعترافات مثلًا فقدان السيطرة على النفس.
لم أشعر بنفسي
يقول رونالد أنه عندما بدأ في تنفيذ جرائمه المجنونة هذه لم يكن يشعر بنفسه أو بما يقوم بها، بل كان يسمع صوتًا في رأسه يقول له اقتل بلا توقف، وقد رجح البعض أن يكون رونالد قد اختلق هذا الأمر بناءً على نصيحة المحامي الخاص به، وذلك حتى يبدو للجميع مجنونًا ويُخفف الحكم.
أبي كشف سرنا
الاعتراف الثاني الخطير الذي قال به رونالد أنه كان على علاقة غير أخلاقية محرمة مع شقيقته الصغرى، وعندما اكتشف والديه تلك العلاقة طردوه هو وشقيقته من البيت، ولذلك قرر قتلهما، ثم بعد ذلك إخوته كيلا يُفتضح أمره، وهذه بالطبع قصة مجنونة لأن مسرح الجريمة كان بالكيفية التي تحدثنا عنها مسبقًا، وهو ما لا يسمح بحدوث ما يدعيه.
كانوا يريدون قتلي
الاعتراف الأخير من اعترافات رونالد، والذي بدا قصة مسلية أكثر من كونه اعتراف في قضية، أن والده ووالدته كانوا يريدون قتله بسبب سوء السلوك وتسبيب المشاكل، لذلك قرر أن يقتلهم هو أولًا قبل أن يقوموا بتنفيذ ما يُفكرون به، وطبعًا هذا أمر استبعدته المحكمة تمامًا وفي النهاية صدر الحكم بالسجن مدى الحياة، أو بمعنى أكثر توضيحًا السجن لمدة مئة وخمسين عام على مُختلف الجرائم، وهو ما يعني مكوثه بالسجن مدى الحياة في أكبر جريمة مجنونة بالقرن العشرين.
المنزل يُصبح مسكونًا
بعد أن أصبح البيت بلا مال له سيطرت الشرطة عليه وقامت بتأجيره، ومن هنا بدأت بعد المشاكل في الحدوث، حيث يقال إن العائلة الجديدة التي سيطرت عليه كان ترى الأشباح والكوابيس والأصوات المرعبة في كل ليلة، ولذلك لم تجد بدًا من تركه، وبقي المنزل على حالته كما هو دون أن يقتر منه أحد بسبب ما يُقال عنه من أمور مرعبة.
فيلم عائلة ديفو
بكل تأكيد لم تفوت السينما العالمية قصة ثرية مثل هذه دون أن تستغلها الاستغلال الأمثل، وقد جاء ذلك الاستغلال في صورة فيلم سينمائي تم إنتاجه وتصويره في ديكور يُشبه البيت الحقيقي، وبالطبع كان رونالد هو المتهم من وجهة نظر صناع الفيلم، لكن تصنيف الفيلم لم يكن جريمة وغموض، بل كان رعبًا، وعلى ما يبدو أنه التصنيف الأمثل لما حدث فعلًا في تلك الليلة المجنونة.
أضف تعليق