يُعتبر طريق الدموع الموجود بكندا أحد أغرب الطرق الموجودة بالعالم، وغرابة ذلك الطريق ليست في تصميمه أو المكان الذي يتواجد به، وإنما الحوادث الغامضة التي تقع على متنه وتُحير الشرطة في كل مكان بالعالم، أجل، فلقد وصل الأمر بهذا الطريق إلى الاستنفار العالمي من أجل حل اللغز، لكن أحدًا ما لم ينجح في ذلك، ليبقي هذا الطريق لغزًا منذ ستينيات القرن المنصرم وحتى وقتنا الحالي، وطبعًا هذا التخاذل والعجز من الحكومة الكندية جعل الأهالي ينتفضون في غضب على ذلك الإهمال، أو ما كانوا يعتبرونه كذلك بسبب طول أمد البحث، لكن، دعونا لا نبدأ من نتائج فشل الحكومة في حل لغز الطريق ونأخذ الأمر من بدايته، حيث وُجد طريق الدموع وتحول إلى مسرح لأغلب الجرائم، وسنعرف كيف حدث ذلك سويًا في السطور القادمة، فهل أنتم مستعدون لواحدة من أغرب القصص التي ستسمعونها في حياتكم؟
الطريق السريع 16
في البداية ثمة أمر هام جدًا يجب أن تعرفوه، وهو أن اسم طريق الدموع ليس الاسم الرسمي لهذا الطريق، بل هو مجرد لقب حظي به بعد ما وقع به من جرائم، أما الاسم الحقيقي فهو الطريق السريع 116، وقد وُجد ذلك الطريق للربط بين مكانين هامين جدًا، وهما برينس روبرت وبرينس جورج اللذان يقعا في مقاطعة شهيرة غريبة في كندا تُسمى كولمبيا البريطانية، وذلك الطريق يمتد لمسافة طويلة تصل إلى سبعمائة كيلو متر.
كانت كندا في فترة من الفترات تحت الاحتلال البريطاني، والحقيقة أن أكثر الدول حظًا هي تلك التي وقعت في يوم من الأيام تحت الاحتلال البريطاني، وإن كان الاحتلال كله سيء بالطبع، لكن ما نعنيه أن بريطانيا كانت تضمن للدول التي تحتلها كافة الأشياء التي تضمنها لنفسها، فهي تبني لها الطرق وتُدخل القطارات والطائرات، ومن هنا جاءت استفادة كندا بأحد أقدم الطرق وأكثرها جمالًا، الطريق السريع 16.
تضاريس الطريق السريع 16
يقع الطريق السريع 16 في منطقة هادئة بعض الشيء، بعيدة كل البعد عن العمران وقريبة جدًا من المناطق الخضراء، وبالطبع هذه ميزة رائعة، لكنها في نفس الوقت كانت تجعل المنطقة خاوية وشبه معدمة الموارد، وعلى رأس تلك الموارد كانت الشبكة التي تجعل من وجود الهواتف أمرًا ممكنًا، وبالتالي، كان السكان من الطبقة المتدنية، بل إن أغلبهم كانوا يتبعون الهنود الأنيوت، وهم يرجعون إلى سكان أمريكا الأصليين، وبالكاد يستطيعون إطعام أنفسهم، ومن هنا يمكنك القول إن المعاناة الخاصة بهذا الطريق قد بدأت.
من ضمن الموارد التي قلنا إنها نادرة في القرى الواقعة حول هذا الطريق السيارات، فلم يكن بإمكان سكان هذه المناطق، خاصةً في ظل إهمال الحكومة لهم، الحصول على سيارات، أيضًا كانت وسائل المواصلات قليلة أو أشبه بمنعدمة، وهذا ما مهد لتحويل الطريق السريع 16 إلى طريق للدموع بكل ما تعنيه الكلمة من معان.
بداية طريق الدموع
كان كل شيء يسير بخير، صحيح أنه ليس هناك موارد حقيقية تعني وجود حياة حقيقية، لكن في النهاية كانت الأمور طبيعية، كانوا يخرجون ويعودون في المساء وينامون بكل هدوء، ولم يكن إهمال الحكومة للسكان الموجودين في هذه المناطق يُشكل فارقًا بالنسبة لهم، لكن، بين عشية وضحاها انقلب كل شيء حرفيًا، وبات الناس لا يأمنون على أنفسهم مما يقع لهم على الطريق، وخاصةً الفتيات، واللاتي كن يخرجن في الصباح ولا يعدن إلى بيوتهن أبدًا، اللهم إلا جثث، مجرد جثث لا وجود لأي شيء بها يدل على قاتلها، والواقع أن أبواب هذا الجحيم قد فُتحت في عام 1969.
ضحايا طريق الدموع
أصبح طريق الدموع أشهر من أي شيء في كندا، بالطبع شهرة سيئة، فقد كان يُلقب باسم مقبرة الفتيات الجميلات، والحقيقة أن كلمة مقبرة هذه لم تكن كلمة مناسبة بسبب اختفاء الفتيات فقط دون وجود أي شيء آخر يدل عليهن بعد ذلك، كان مجرد اختطاف، لكن، في عام 1969، ومع العثور على أول جثة لفتاة مختفية، باتت كلمة المقبرة مناسبة جدًا.
غلوريا مودي، الضحية الأولى
غلوريا مودي كانت الضحية الأولى التي فتحت الباب أمام كل شيء سيء متوقع الحدوث، فقد كانت تلك الفتاة، والتي لا تتجاوز السادسة والعشرين من عمرها، خارجة ذات يوم من حان قريبة من هذا الطريق، ثم وقفت كالعادة تنتظر الفرج ومرور سيارة لأخذها إلى بيتها، وبالفعل مرت السيارة وأخذتها، لكن إلى حتفها، حيث اختفت وتم العثور على جثتها وسط المزارع، وكانت بذلك ناقوس الجحيم الذي فُتح ليُعلن أن ثمة إعصار قادم.
ميشلين بري، الضحية الثانية
في عام 1970، وبعد شهور قليلة من مقتل غلوريا مودي، تم العثور على جثة تتبع لفتاة أخرى تُدعى ميشلين بري، كانت لا تزال في الثامنة عشر حين تم اختطافها، وقد توقع الجميع أنها سوف تلقى مصير غلوريا ويُعثر عليها بعد أيام قليلة في أحد الأماكن الزراعية، لكن هذا لم يحدث، وهنا ظن البعض أن الأمور ستمر بخير، لكن اتضح فيما بعد أنها كانت مقتولة ومُلقاة بالقرب من مصرف مياه، وكالعادة، لم يتم العثور على القاتل أو حتى الاشتباه في أحدهم.
مونيكا اجنيس، الضحية ذات الأربعة عشر عامًا
لم يرحم طريق الدموع أحد، حتى مونيكا اجنيس، والتي لم تكن تتجاوز الأربعة عشر عام، قد لقيت حتفها عليه بطريقة دراماتيكية، ففي أحد الأيام كانت مونيكا ذاهبة إلى مدرستها على دراجتها البخارية، كان كل شيء يسير بخير تقريبًا حتى حل المساء ولم تعد الفتاة الصغيرة إلى بيتها، وطبعًا كان البديهي أن تأخذ الشرطة بلاغ الاختطاف بأعصاب باردة، لأنه وببساطة لم يكن الأول من نوعه، فقد أصبح شبه الطبيعي أن تختفي الفتيات على هذا الطريق وتُقتل، وفعلًا، بعد أكثر من ثلاث سنوات على الاختطاف، وتحديدًا في عام 1975، تم العثور على جثة مونيكا، أو بقاياها على سبيل التدقيق.
كولين ميلسين، فتاة التوصيلة
مثل كل الجرائم السابقة وقفت كولين ميلسين على قارعة الطريق تُشير بيدها إلى أي سيارة قديمة حتى تأخذها، كانت هذه هي المرة الأخيرة التي تم رصد الفتاة ذات الثامنة عشر عام، بعدها اختفت، ولم يتم حتى العثور على جثتها، لكن ذويها والشرطة قد توقعوا بأنها قد مات، وبالفعل، بعد أكثر من ثلاثين عام، تم العثور على بقايا جثتها، وتحديدًا في عام 2012، لكن هذه المرة كانت الجثة مزودة بدليل هام يقود إلى سلسلة من الجناة الذين تم الاشتباه بهم على مدار ثلاثة عقود.
سلسلة من الجناة
إذا قلنا إنه ثمة سلسلة من الجناة تم اتهامهم في ارتكاب حوادث طريق الدموع فلن يكون بحديثنا أي نوع من أنواع البلاغة، فبالفعل كانت هناك الكثير من الأدلة التي تقود إلى كثير من الجناة، المشكلة الحقيقية كانت في إثبات اتهام بشكل مؤكد، ولتكن البداية مثلًا بالمجرم الذي تم اتهامه بقتل كولين ميلسين، بوبي جاك.
بوبي جاك، المتهم الأول وليس الوحيد
المتهم الأول في سلسلة الجرائم الكبيرة كان الأمريكي بوبي جاك، والذي قيل أنه كان كثير التنقل بدافع الصيد، وكذلك تم العثور على الحمض النووي الخاص به في أكثر من مسرح للجريمة، ومن ضمنها جريمة كولين ميلسين واثنين آخرين، ومن هنا كان يُمكننا الجزم أنه سفاح الطريق الذي نبحث عنه، لكن، في مفاجأة غير متوقعة، أثبت بوبي أنه كان محبوسًا منذ عام 1995 بتهمة أخرى، وهذا ما يعني استبعاده من الأمر لكون الحوادث قد استمرت حتى عام 2011، وإن كان طبعًا لا يعفيه من ارتكاب جريمة كولين، لكنه ليس الشخص الذي نبحث عنه، فمن هو السفاح المطلوب إذًا؟
آخرون مشتبه بهم
المجرمون الذين تم الاشتباه بهم في تنفيذ مذابح طريق الدموع لم يكونوا أبدًا بعيدين عن مستوى الشبهات، فقط كانوا يملكون الأدلة الكافية على براءتهم، والتي لا يعرف أحد صدقها من كذبها، فمثلًا هناك المجرم كودي ليغاباكوف والذي كان يمتلك قطعة أرض صغيرة بالقرب من الطريق السريع 16، وفي مرة من مرات البحث تم العثور على جثة داخل هذه الأرض، وقبل أن يتم اتهام كودي ثبت أنه لم يكن موجودًا بالبلاد في هذا التوقيت، وأن الجريمة فقط تمت بأرضه، وهذا لا يعني بالطبع أنه القاتل لا محالة.
المشتبه به الآخر كان ليناد فينسنت، وهذا بالذات قصته غريبة، فعلى الرغم من أنه قد تم العثور على حمضه النووي بالقرب من أحد الجثث إلا إنه عند التحقيق في الأمر وُجد أن لينا كان مسجونًا بتهمة قتل أحد أشقائه في تلك الفترة التي ارتُكبت بها الجريمة، وهذا يعني بالتبعية أنه لا يعرف أي شيء عن الأمر، لأنه كان في السجن، وطبعًا أنتم تعرفون أن المجرم المسجون لا يُمكن أن يطلب الإذن بالخروج من أجل القتل والعودة مرة أخرى!
الاقتراب من السفاح
في سنة من السنوات ادعت فتاة أنها قد نجت بأعجوبة من بين أيدي السفاح، حيث أنها كانت ذاهبة من أجل الحصول على توصيل بالطريق السريع 16 ثم فجأة شعرت أن يد تسحبها وتخنقها، لكنها كانت قوية بعض الشيء فاستطاعت الهرب والنجاة بنفسها، وقد ذكرت الفتاة، والتي تُعتبر الناجية الوحيدة، أن ذلك الرجل الذي حاول سحبها كان عجوزًا ويظهر عليه الشعر الأبيض في كل مكان، وبالفعل عممت الشرطة الأوصاف التي حصلت عليها من الفتاة إلا أنه لم يتم العثور على أي شيء يقود إلى سفاح الدموع، وهنا ادعت القرى المجاورة للطريق أن الحكومة تتخاذل عن حمايتهم فقط لأنهم لا يتبعون سكان كندا الأصليين، لكن الحقيقة لم تكن كذلك بالمرة، فحقيقةً كانت من الصعب القبض على سفاح الطريق السريع 16 لأسباب كثيرة آخرها التخاذل.
الحكومة تفشل والطريق يمتلأ بالدموع
أي حكومة في الحقيقة قد تجد صعوبة بالغة في القبض على سفاح يرتكب جرائمه على الطريق السريع، وذلك ببساطة لعدة أسباب، أهمها أنه لا شهود على ذلك الطريق، فلا يُمكن التقصي عن المجرم، كذلك لا مسرح معين للجريمة يُمكن من خلاله الخروج بنتائج إيجابية، وأيضًا الجثث يُمكن التخلص منها بسهولة والانتقال من مدينة إلى أخرى دون أن يلحظ أحد أي شيء، الموضوع بسيط جدًا، وأضف إلى كل ذلك أننا لن نتمكن بأي حال من الأحوال من تغطية جميع الطرق ومراقبتها، وقد مهد كل هذا إلى جعل الطريق السريع 16 يحول إلى طريق الدموع، دموع الأمهات على أبنائهن.
أضف تعليق