من منا لم يتابع فيلما او اكثر يظهر فيه شخص مصاب بمرض غريب يحوله الى ذئب عن اكتمال القمر , فهل هناك مرض او سبب يمكن ان يحول الانسان الى ذئب وهل هناك مستذئب حقيقي في هذا العالم ؟, المستذئب بشكله الذي يظهر فيه في الافلام السينمائية كائن اسطوري وهمي من خيال المؤلفين والمخرجين ولا وجود لكائن معدي يأكل لحوم البشر ويتحول كليا الى ذئب ليلة اكتمال القمر من كل شهر ثم يعود طبيعيا في الصباح, ويطلق على هذا الكائن الاسطوري اللوغارو او لايكون .
شخصية المستذئب
المستذئب كائن مخيف من عدة جهات فهو يأكل لحوم البشر واذا عض شخص فأنه ينقل اليه العدوى فيصبح مثله وكذلك فهو في الغالب غير معروف للناس فمجرد انتهاء الليل وبزوغ الفجر تختفي كل الاثار التي ظهرت عليه ويعود شخص عادي وان لم يكن اصيب خلال احدى معاركه مع ضحاياه فلن يستطيع احد معرفته وهذا اخطر ما في الامر فقد الاخ او الزوج او الاب ويظهر فجأة داخل المنزل فيقتل من فيه او يصيبهم بالعدوى , هكذا تصور الافلام والاساطير هذا الكائن .
الاصول التاريخية للمستذئبين
قد يكون احد ابرز وجوه ظهور اسطورة المستذئب بصورة واضحة الى بعض الكتابات التي تعود لحضارة الاغريق فقد ادعو ان هناك قدرة لدى الهتهم الاسطورية بتحويل الانسان الى ذئب اذا اقترف ذنب يستحق ذلك , بينما ظهرت كتابات اخرى في عدة حضارات كالرومانية والصينية وغيرها , وقد ارجعت بعض الكتابات هذة الظاهرة الى مرض غامض او لعنة اصابت عائلات شريرة دون غيرها من البشر .
حسب الاسطورة الاغريقية فإن ملكا يدعى لايكون قام بخداع الالهة فقدم لها لحوم بشرية فما كان منها الا ان حولته الى ذئب وهذة الاسطورة محض خيال لكن ما زال المستذئب يسمى الى اليوم لايكون نسبة الى هذا الملك , وكان لايكون ملك اركيديا قد دعى الالهة الاغريق الى مأدبة من اللحم البشري وذلك ليختبر قدراتهم فلما تعرفوا الى اصل اللحم مسخه زيوس كبير الالهة حسب زعم الاغريق الى ذئب.
فيما ترجع الاسطورة الرومانية ظهور المستذئب الى اولاد الناجي الوحيد من مرض غامض قاتل اصاب قرية رومانية في العصور القديمة مما ادى الى مقتل كل ساكنيها وكان هذا الرجل مقاوم للمرض بشدة , وتقول الاسطورة ان احد ابنائه تحول الى ذئب بعد ان عضه ذئب بينما تحول الاخر الى خفاش بعد ان عضه خفاش والثالث بقي وحيدا وحافظ على صفته البشرية.
ويعتقد بعض المؤرخين ان اول حالات الاستذئاب الجماعي سجلت في عائلة سخاروزان التي حكمت ترانسلفانيا في القرون الوسطى وكانت عائلة ظالمة متجبرة وهو ما اصابها بلعنة الاستذئاب حسب زعم الاهالي حيث كان اولادها يصابون بهذا المرض الذي يبدأ بإسوداد البول ثم يبدأ الشعر بالنمو الكثيف حتى يغطي كامل الوجه تقريبا.
لم يغب السحرة وممارسي السحر الاسود تحديدا عن قصص المستذئبين فهناك بعض الروايات من جزر الكاريبي وبعض القبائل الافريقية عن سحرة لهم قدرات خارقة في تحول البشر الى ذئاب ولكن يبدو ان كل تلك القصص كانت مجرد اوهام اما من نسج خيال العامة او من تأليف الساحر واعوانه لضمان ولاء الناس له.
في زمن الخلافة العباسية انطلق الرحالة العربي احمد بن فضلان نحو بلاد الفايكنج وهناك شارك بعض المحاربين الاشداء في محاربة كائنات تظهر مثل الذئاب وتسير على قدمين وعند التغلب عليها تأكد انها لم تكن الا مجر رجال لبسوا جلود الذئاب لإرهاب اعدائهم او لاعتقادهم انها تكسبهم قوة اضافية , وقد ظل هؤلاء الرجال يخفيون قبائل الفايكنج لعقود قبل ان يتمكنوا من كشف سرهم.
مرض يحول الناس الى ذئاب
تحدث الاطباء اليونانين لبقدماء وحتى المسلمين مثل ابن سينا عن مرض يكون مصحوبا بإعراض شبيه بأعراض الاستذئاب ومنها اسوداد البول ونمو الشعر بكثافة وحب اكل اللحم النيء والخوف من الشمس وقدم سميت “لايكا انثروبي” اما ابن سينا فسماها مرض “القطرب”, واما في العصر الحديث فيسميها الاطباء مرض البورفيريا .
مرض البورفيريا هو مرض وراثي نادر -وهذا يفسر توارث افراد عائلة سخاروزان له- , وهو ناتج عن اختلال في مادة البروفيرين في الدم مما يؤدي الى ضعف امتصاص عنصر الحديد ويتخلص منه الدم مع البول بدل الاستفادة منه, وهو يصيب الشخص بحالات مغص شديد كما يتحول لون بوله الى الاسود به وجود نسبة عالية من الحديد وينمو له شعر كثيف , وفي الحالات المتقدمة تبدأ الشفاه بالتشقق والجفاف وقد يصاب الشخص بفقدان السيطرة على عقله ويصبح مجنونا او غير مدرك لما حوله , وقد شاع بين الاطباء قديما ان السبب في الاصابة قد يكون من عضة ذئب مسعور او من اكل فطر سام , لكن اثبت العلم الحديث ان المرض وراثي وان هناك بعض الاعراض المذكورة قديما لم يثبت ظهورها في العصر الحديث.
من الثابت ان المستذئب الذي يظهر في الافلام السينمائية ليس الا وهم وخيال ولا علاقة له بمرض البروفيريا الا بالشكل وبعض الاعراض وان الشخص المصاب بهذا المرض وان فقد بعض قدراته العقلية لا يتحول الى وحش يقتل الناس او يصيبهم بالعدوى بل على العكس هو في الغالب انسان ضعيف مهزوز يعتصره الالم ويعاني نتيجة الخلل الوراثي المصاب به .
من الممكن انه تم استحضار شخصية المستذئب في الافلام للدلالة على الشخص الوفي المظلوم والذي يتعرض للظلم الشديد ولا يقدر ان يدافع عن حقوقه ويرى بعض النقاد انه يمكن اسقاط هذة الشخصية على حالة الطبقة العاملة في البلاد الصناعية والتي تعرضت لظلم شديد مما جعل بعضها تصاب بالتوحش وتقوم بثورات غيرت مجرى الاحداث في كثير من دول العالم وكل ذلك حسب تحليل بعض النقاد .
بقي ان نقول ان المعروف عن شخصية المستذئب انه لا يموت بسهولة ولا يمكن قتله الا بإستعمال سلاح من الفضة وغالبا ما يلجأ الاشخاص الذين يتعرضون للهجوم الى جرحه ثم البحث عن شخص مجروح نهارا وكل ذلك مجرد خيال , اما فيما يخص مرض البورفيريا فإن علاجه يتم بأخذ هرمونات وعقاقير طبية وقد يتطلب علاجها وقتا طويلا, كما ان هناك بعض العقاقير التي تخفف من تقدم الاعراض في حالة عدم استجابة المريض للعلاج, وقد يكون مرضى البورفيريا احد ابرز ضحايا السينما التجارية التي تهدف الى الربح من خلال خلق وحوش وشخصيات خارقة وابطال وهميين للناس دون الاهتمام ببيان الحقيقة التي غالبا ما تكون غير مثيرة للاهتمام.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ولاكن اذا الإنسان أصاب نفسه بمرض البروفيريا أو مهما كان يتحول إلى ذئب حقيقي ؟