مما لا شك فيه أن الممرضات وكل شخص آخر له علاقة بالمجال الطبي يعرفون اسم أسوأ شخص دخل هذا المجال في تاريخ البشرية، سوزانا أولاه، تلك المرأة المجرية التي سجلت رقمًا قياسيًا في القتل يتجاوز المئة ضحية، والأكثر من ذلك أن أغلب هؤلاء الضحايا كانوا في الأصل مجرد مرضى يحتاجون المساعدة من تلك الممرضة، وكانت هذه هي المُساعدة التي تبرع سوزانا في تقديمها لهم، قتلهم شر قتل والإجهاز على أرواحهم إذا كانوا يقتربون من الموت، كان بمثابة تذكرة سريعة إلى العالم الآخر، لكن الأشد جنونًا من ذلك أنها لم تفعل كل هذه المآسي من أجل جنونٍ شخصي، وإنما اتباعًا لجنون آخر يأتي من حكيمة صانعات الملاك التي تستحوذ على جزء كبير من القصة التي سنتعرف على تفاصيلها سويًا في السطور المُقبلة، فهل أنتم مستعدون حقًا للتعرف على سوزانا أولاه وفريق صانعات الملاك العجيب؟
من هي سوزانا أولاه؟
كما هي العادة، أول شيء يجب أن تعرفه في أي قصة هو ذلك الذي يتعلق ببطلها، وبطل قصتنا بكل أسف سفاحة وقحة لم تحترم الأرواح التي كان من المُفترض أن تسهر على حمايتها، فهي سوزانا أولاه من مواليد قرية ناجيريف بالمجر، وتحديدًا عام 1890، ومن المعروف عن المجر أنها من الدول التي لا تسمع لها صوتًا ولا تصدر منها أي مشاكل، مجرد دولة مُسالمة بسيطة لا تشتهر بأي شيء، اللهم إلا شهرة سيئة منحتها لها محور قصتنا سوزانا أولاه، وربما تلك الطبيعة الخيرة هي التي جعلت العالم كله يُصدم في اللحظة التي أُعلن فيه عن حقيقة السفاحة المجرية سوزانا أولاه ورفاقها.
حياة سوزانا ليس به الكثير الذي يستحق أن يُحكي وتُسرد له الصفحات الطويلة، فهي مجرد فتاة فقيرة من بيت مُعدم، تربت بالكاد حتى واتتها فرصة الالتحاق بأحد المستشفيات الموجودة في ناجيريف كممرضة، وقد كان ذلك عام 1910، أي قُبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى، لكن من سيهتم بالحرب في المجر أكثر من الاهتمام بما يُثار عن نادي صانعات الملاك الذي التحقت به سوزانا في نفس العام الذي انضمت به للمشفى!
نادي صانعات الملاك
مع مطلع القرن العشرين ظهرت في المجر ظاهرة غريبة جدًا، وهي نادي صانعات الملاك الذي كانت تقوده سيدة حكيمة تُعرف باسم جوليا فازيكاس، وحكمة جوليا في الحقيقة ليست الوصف الأدق لما كانت تفعله، وإنما هي مجرد لقب أُطلق عليه ضمن كثير من الألقاب تغنت به النساء التي كانت تنضم إلى النادي، والذي لم يكن محمودًا بالمرة، حيث أن فكرة النادي الحقيقية تقوم على وجود كيان ترأسه جوليا ويتولى مهمة توجيه النصح والتوجيهات لكل النساء التي كانت تنضم للنادي، وربما يُفهم من ذلك أنه نادي خَيّر إلا أنه في الواقع لم يكن كذلك بالمرة.
نصائح جوليا رئيسة النادي كان أغلبها يتمحور حول القتل، المشكلة الحقيقية أن جوليا كانت تنصح النساء بقتل أشخاص قريبين منهم للغاية كالأزواج والأبناء، الأغرب أن النسوة كانت تستمع لتلك النصائح وتقوم فعلًا بقتل ذويهن، لكن، قبل أن نتوسع أكثر في هذه النقطة، وقبل أن نتحدث عن انضمام سوزانا للنادي والدور الذي قامت بتنفيذه لمساعدة العضويات بهذا الكيان المُخيف، دعونا أولًا نتعرف على أهداف نادي صانعات الملاك الذي يُصنف كأغرب الكيانات في التاريخ.
أهداف نادي صانعات الملاك
انضمت سوزانا أولاه إلى نادي صانعات الملاك المجري لأنها كانت ترى فيه بعض الأهداف التي تتماشى مع طبيعتها العدوانية الناشئة عن تربيتها، فقد كان ذلك النادي يقتل الأشخاص لأسباب مجنونة حقًا، فمثلًا، إذا أرادت عضوة من ذلك النادي الهرب مع عشيقها فإنه على جميع العضويات في النادي التعاون معها من أجل قتل زوجها والتخلص منه، وأيضًا إذا أردت الهرب من البلدة ورفض زوجها فإن العضويات لا يجدن أي مانع من التعاون مع زوجته لقتله بصفته رجل غير صالح للعيش معه حسبما يرون، تخيلوا أنهم كانوا يزهقون الأرواح لأسباب تافهة كهذه!
الهدف الأسمى الظاهر للجميع من تأسيس نادي يؤدي هذه الأغراض هو بالطبع حماية النساء والحصول على حقوقهن من أزواجهن، وأيضًا إعلاء كلماتهن ورفض أي اعتداء عليهن، فالويل كل الويل لذلك الرجل الذي كان يتجرأ ويرفع يده على زوجته، فغالبًا كان يُعثر عليه خلال أسبوع وهو مُجرد جثة هامدة، عمومًا، بعد تأسيس النادي بفترة قصيرة انضمت سوزانا أولاه إلى ذلك الكيان الشيطاني وأصبحت ضمن شياطينه.
سوزانا تنضم للشياطين
كانت جوليا مؤسسة الكيان الشيطاني تسعى لضم كل من يُمكنهم المساهمة أكثر في تحقيق أهداف النادي، فمثلًا، كان له ابنة عم تعمل بسجل الوفيات الحكومي، لذلك قامت جوليا بضمها وجعلتها تُزور أسباب الوفاة كي تبدو طبيعية دون وجود أي شُبهة، وهنا تجدر الإشارة أن القتل غالبًا كان يتم من خلال دس سم الزرنيخ في الطعام، وذلك كي تكون احتمالية اكتشافه قليلة من قِبل الشرطة، لكن، ماذا إذا كان السم غير كافٍ للقتل وتم نقل الشخص المُتسمم إلى المستشفى؟ هنا ببساطة يأتي دور بطلتنا الشريرة سوزانا أولاه.
دور سوزانا كان يحين في الوقت الذي تذهب فيه الضحية إلى المستشفى، فإذا كانت ما زالت قادرة على مقاومة الموت فإنها ببساطة تقوم بالإجهاز عليها ومحو تلك الفرصة حتى تتم المهمة بنجاح، ولكم أن تتخيلوا أن سوزانا ظلت تفعل ذلك لفترةٍ طويلة دون أن يتمكن أحد من كشفها أو إيقافها عما تفعله، لم تكن ملاكًا للرحمة كما تقضي وظيفتها، بل بكل أسف كانت طريقًا سريعًا للموت رفقة كل أعضاء نادي صانعات الملاك.
ضحايا صانعات الملاك
الجنون الحقيقي سيبدو لكم جليًا عندما تعرفوا أن نادي صانعات الملاك المُثير للدهشة تمكن خلال عشر سنوات فقط، وتحديدًا من عام 1911 وحتى عام 1921، من قتل ما يزيد عن خمسين ألف شخص، كان أغلبهم من أزواج وأقارب القتلة الذين لم يرأفوا بهم، الأدهى أنه كانت هناك نية للتوسع وإنشاء أفرع في كل بقعة من العالم بحجة أن التطهير يجب أن يعم الكون بأكمله، لكن لحسن الحظ سقط الكيان ومن يقفون خلفه، وقبل أن نذكر كيفية سقوطه علينا أن نعرف بأن نصيب سوزانا أولاه من الضحايا كان يتجاوز المئة ضحية، وتقريبًا لم ينجو أي مريض من تحت يدها خلال الفترة التي عملت بها بالمستشفى كممرضة، فكل ما كانت تحتاجه للقتل هو أن يُشار للمريض بأنه مُستهدف من صانعات الملاك، ثم بعد ذلك يُمكنك استلام جثته في صباح اليوم التالي.
سقوط سوزانا أولاه
من حسن الحظ أن سقوط سوزانا أولاه لم يكن مخولًا بها وحدها، بمعنى أنها عندما سقطت سقط معها كل المشتركين في نادي صانعات الملاك، أو عدد ليس بالقليل منهم، وكان منهم بالطبع رأس الشيطان التي ترتدي ثوب الملاك سوزانا أولاه، وموضوع السقوط ببساطة جاء في البداية على صورة تحقيق صحفي نشره أحد الصحفيين مما تسبب في إثارة الضجة لدى المسئولين نظرًا لأن الصوت الإعلامي مسموع دائمًا، حيث قال الصحفي في تقريره أن مصادره تؤكد موت الكثيرين من رجال هذه القرية بطريقة منظمة يتواجد معها شبهة جنائية، وأن ما يحدث الآن يجعلنا نُفكر في وجود كيان قوي يقف خلفه ويدعمه، المعلومة الناقصة فقط هي ماهية ذلك الكيان والمسئولين عنه.
أثار تحقيق الصحفي جدلًا كبيرًا وبدأ الجميع يوجه أنظاره نحو منطقة القتل هذه، وبتشريح بعض الجثث تبين فعلًا أنها تحتوي على سم الزرنيخ، وأن سجلات الوفاة لم تقول ذلك وإنما جعلته موت طبيعي، وهذا يعني ببساطة أنه ثمة متواطئين، ومن هنا بدأ السقوط الفعلي، حيث قاد طرف الخيط إلى بقية الخيط بأكمله، وتم إلقاء القبض على أكثر من خمسين امرأة يُتهمن في قتل ما يزيد عن ستين شخص، وطبعًا كانت بطلتنا الممرضة المخادعة سوزانا أولاه أحد النسوة المقبوض عليهن، وهنا كان توجيه الأنظار لأمر آخر أكثر تطورًا، وهو ما سيحدث خلال محاكمة هؤلاء السقاطات.
محاكمة سوزانا أولاه
كما سقطت سوزانا أولاه مع مجموعة صانعات الملاك فإنها كذلك قد تقدمت إلى المحاكمة معهن وكان موقفها من القضية واحد، بمعنى أن الحكم الذي سيصدر على أي واحدة منهن سوف يصيب الأخريات، والحقيقة أن المحاكمة كانت سهلة جدًا نظرًا لتوافر الأدلة بشكلٍ كبير، حتى أن أعضاء صانعات الملاك لم يجدن مبررًا للإنكار، فانفرطن معترفين بكل شيء بدايةً من الكيان وأهدافه انتهاءً بالنتائج والضحايا، وبالمناسبة، كان ثمة بعض الضحايا اللذين لم تكن الشرطة لتتوصل إليهن لولا أن صانعات الملاك، وتحديدًا سوزانا أولاه، قد نبهن المحكمة أنهن من قمن بتنفيذ هذه الجرائم.
عمومًا، في نهاية المطاف، وتحديدًا عام 1929، أصبحت المحكمة تمتلك قضية كاملة بين يديها، ثمة مُجرمين وقتلة ومقتولين، إذًا ليس هناك بد من التأخر أكثر عن النطق بالحكم الذي طال انتظاره، فقد تحولت القضية كما ذكرنا إلى قضية رأي عام بكل ما تعنيه الكلمة من معان، حتى أن المحاكمة كانت تعج بالصحفيين والمصورين، والحقيقة أن الحكم قد جاء شافيًا للصدور بإعدام كل المُتهمين، وقد سجل التاريخ هذه الواقعة كأكبر حالة إعدام جماعي للنساء، حيث كانت الأعداد تتجاوز المئة امرأة، ويُقال أن سوزانا أولاه كان ترتيبها الثامن بين المُتهمين المُعدمين.
سوزانا أولاه في السينما
لم تفوت الشاشة الصغيرة فرصة استغلال قصة سوزانا أولاه وصانعات الملاك من أجل تحويلها إلى عمل فني يتواكب مع ما حدث في دهاليز هذه القضية، فقد كان الأمر مثيرًا بحق، وكان من المنطقي جدًا أن يُصبح أكثر إثارة عندما يتحول إلى عمل يحاول قدر الإمكان تجسيد الحقائق أو تقريبها على الأقل، وربما هذا ما جعل الأعمال التي تناولت القصة تزيد عن الأربعة أعمال، وبالتأكيد لا يحتاج الأمر إلى شرح لنعرف أن البطلة الرئيسية في هذه الأعمال كانت شخصيتنا التي نتحدث عنها اليوم، الممرضة المجرية سوزانا أولاه، أو الشيطان المُتمثل في صورة الملاك على وجه التحديد.
الكتب كذلك والروايات الخيالية لم تنسى الإشارة إلى سوزانا وتخليدها من خلال الكتابة، فقد كانت معظم الكتب التي تتحدث عن الجرائم المرتكبة بواسطة الممرضات أو الأشخاص المتوارين تحت الأقنعة تتحدث عن سوزانا وتُشير إلى مكانتها الكبيرة بهذا الصدد، أما فيما يتعلق بصانعات الملاك وما حدث لذلك النادي المُثير للجدل فهذا أمر آخر من الأفضل أن نُخصص عنه مقالات منفصلة أخرى قادمة.
أضف تعليق