تسعة مجهول
راقية إبراهيم
الرئيسية » غرائب » راقية إبراهيم : جاسوسة يهودية تسترت خلف عباءة الفن

راقية إبراهيم : جاسوسة يهودية تسترت خلف عباءة الفن

راقية إبراهيم فنانة يهودية مصرية، اكتسبت شهرة كبيرة جدًا في بدايات القرن العشرين، لكنها كانت جاسوسة تعمل لصالح إسرائيل وساهمت في جمع الكثير من المعلومات.

تُعد راقية إبراهيم واحدة من مفاجآت القرن العشرين، حيثُ استطاعت تلك الفتاة اليهودية أن تصفع الشعب المصري بأكمله وعلى رأسه الوسط الفني صفعة كبيرة، مُستغلةً جمالها وقدرتها على التمثيل في الانغماس وسط فئات الشعب، ولم يكن المصريون بطيبتهم المعهودة يتوقعون أن الرقيقة راقية إبراهيم، صاحبة أحد أهم مشاهد السينما المصرية مع العملاق محمد عبد الوهاب في أغنيته الشهيرة حكيم عيون، حيثُ علقت هذه الأغنية في أذهان المصريين تمامًا كما علقت بطلتها بعد اكتشاف خيانتها وولاءها لصهاينة اليهود وإمدادهم ببعض المعلومات المهمة، ووصل الأمر ذروته عندما اعترفت حفيدتها بأن راقية إبراهيم جدتها قد شاركت في اغتيال عالمة الذرة المصرية سميرة موسى، ليبقى السؤال، كيف فضّلت راقية إبراهيم يهوديتها عن مصريتها؟

راقية إبراهيم والقصة الكاملة

من هي راقية إبراهيم؟

راقية إبراهيم هو الاسم الفني لتلك الجاسوسة الإسرائيلية، اسمها الأصلي راشيل أبراهام ليفي، ولدت لأسرة يهودية فنية في حارة اليهود عام 1919، حيثُ صاحب مولدها ميلاد ثورة 1919، لكنها لم تنتصر أبدًا لمصريتها، وحرضت يهود مصر على السفر إلى إسرائيل والمساهمة في بناء دولتهم الوليدة.

كانت راقية إبراهيم تعمل منذ صغرها بالخياطة والحياكة، واستطاعت بجمالها الوصول إلى القصر الملكي، حيث عملت هناك كخياطة للملوك والأمراء، وكانت تملك طموح وطمع دائم في الشهرة، واستطاعت بإصرارها اقتحام عالم الفن، حيث أُعجب بها أحد المخرجين وطلبها للتمثيل معه.

راقية إبراهيم في السينما

دخلت راقية إبراهيم مجال السينما في أربعينيات القرن العشرين، وقدمت عدة أفلام أمام أكبر نجوم هذا الزمن، مثل محمد عبد الوهاب الذي قدمت معه واحدة من الأعمال الخالدة في ذاكرة الجمهور وهو فيلم “رصاصة في القلب “، والذي شهد تألق رقية، خصوصًا في أغنيته الشهيرة حكيم عيون، ثم قدمت عدة أفلام أخرى مع أنور وجدي ونجيب الريحاني وآخرين ممن أتاحوا لرقية التوجد على قمة الشاشة الصغيرة وقتها، لكنها- من أجل إسرائيل- تركت كل ذلك.

في إحدى دورات مهرجان كان السينمائي طُلب من راقية إبراهيم تمثيل مصر، إلا أنها رفضت تمثيل مصر مُدعيةً أنها لا تنتمي إليها انتماءً خالصًا، وأن ولاءها الأول والأخير لدولة إسرائيل، وفي الستينيات، عندما طُلب منها المشاركة في فيلم تجسد فيه دور بدوية تقوم بمساعدة جنود الجنود العرب ضد الجيش الصهيوني رفضت رفضًا قاطعًا، مما جعل الجميع يتوجس منها وقتها، ودفع المنتجين إلى التقليل من العروض عليها، أما هي فلم تأبه لكل ذلك وسافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية وعاشت حياة جديدة، وتزوجت مرة أخرى.

للمفارقة، ظهرت شقيقة راقية إبراهيم الفنانة نجمة إبراهيم على العكس تمامًا، رغم أن راقية كانت تظهر في الأفلام على بوجه ملائكي يقول أنها أكثر من ملاك طاهر، ونجمة شقيقتها كانت تظهر دائمًا في أدوار الشر واشتُهرت بحركة عينيها المُخيفة والغريبة، إلا أن الأولى باعت وطنها وفضلت إسرائيل عن بلدها مصر، أما الثانية فقد تمسكت بمصر وقدمت أعمال تؤيد وتُحفز على الحرب، وتم تكريمها من الرئيس عبد الناصر.

راقية إبراهيم والزوج

تزوجت راقية إبراهيم أكثر من مرة، ففي المرة الأولى تزوجت من المهندس مُصطفى والي باشا، وقد كان الرجل بخلافها وطنيًا حتى النخاع، ورغم أنه قد تزوجها حبًا فيها وإعجابًا بجمالها، إلا أنه لم يتردد في الانفصال عنها منذ الحظة الأولى التي أعلنت فيها انتمائها لإسرائيل، فما كان منها إلا أن سافرت للولايات المتحدة الأمريكية، خاصةً وأنها قد أصبحت وقتها منبوذة من الوسط الفني، كما أن الشكوك أيضًا بدأت تحوم حولها.

في الولايات المتحدة الأمريكية تزوجت راقية مرة أخرى من يهودي أمريكي، ورغم أنه كان يكبُرها بعدة أعوام إلا أنها أحبته وأنجبت منه، كما شاركته في عمله وافتتحت بوتيكا لبيع المغزولات والأعمال الشرقية، قبل أن يرحل عنها في مطلع السبعينيات، وتلحق به بعدها بسبعة أعوام.

راقية إبراهيم وسميرة موسى

حتى الآن لا يمكن استيعاب ما فعلته راقية إبراهيم فقط من أجل يهوديتها، فليس من المعقول التخلي عن الوطن التي نشأت وترعرعت به، وتركِها سماء النجومية التي كانت قد بدأت تُحلق بها، وهدم حياتها الزوجية المستقرة، وفعل الكثير من الأشياء لصالح دولة وليدة، قامت على استيلاء واختلاس أراضي الفلسطينيين، دون مراجعة عواقب ذلك.

لكن الأكثر إدهاشًا، والذي يدعو للتأمل بحق، هو ما فعلته راقية إبراهيم تجاه هذه الدولة، والذي يجعل الجميع يُجذم أنها قد نشأت وترعرعت هناك، وليس ذلك بسبب دعوتها ليهود العالم من مصر والولايات المتحدة الأمريكية إلى الهجرة لبلدهم الأولى إسرائيل، ولكن بسبب دخولها معترك الجاسوسية وضلوعها في مُحاولة اغتيال لواحدة من أهم العُلماء في القرن العشرين، وهي عالمة الذرة المصرية سميرة موسى، والتي استغلت راقية صداقتها معها وسهلت على الموساد اغتيالها بدم بارد عام 1952، لتسقط بهذا من أنظار المصريين، وتذهب هي وأعمالها الفنية إلى جحيم النسيان.

راقية إبراهيم – باعتراف حفيدتها- ساهمت بشكل كبير في اغتيال سميرة موسى، حيثُ عملت على التقرّب منها، وأقنعتها بأنها صديقةً لها، وأخذت تتردد كثيرًا على منزلها، حتى استغلت انشغالها ذات مساءٍ وقامت بنسخ مفتاح المنزل على قطعةٍ من الصابون، ثم أعطتها للموساد الذين استطاعوا استخراج نسخة طبق الأصل من المفتاح عن طريق قطعة الصابون تلك.

في اليوم التالي دعت راقية سميرة موسى لتناول العشاء معها، ليستغل الموساد ذلك ويتمكنوا من دخول البيت والحصول على معلوماتٍ سرية هامة، والغالب أن إسرائيل قد رأت أن مثل هذه المعلومات قد تُستخدم من قِبل الجيش المصري في مجال المفاعل النووي، فقررت التخلص من المعلومات، ثم قررت بعدها التخلص من سميرة موسى نفسها، وبالطبع حدث كل ذلك بمساعدة الجاسوسة راشيل أبراهام ليفي، أو كما يعرفها المصريون “راقية إبراهيم”.

تم تكريم راقية إبراهيم على أعمالها من قِبل الحكومة الإسرائيلية، وتم تعيينها كسفيرة للنوايا الحسنة، ومنحها الكثير من الأوسمة، في حين تم اعتبار شقيقتها نجمة إبراهيم واحدة من أعداء إسرائيل، وعلى النقيض تمامًا، قام الرئيس جمال عبد الناصر بتكريم الفنانة نجمة إبراهيم ومنحها وسام الشرف والوطنية، وتم اعتبار راقية إبراهيم جاسوسة يهودية لا تنتمي لمصر، وتم نزع الجنسية المصرية منها، لتخرج هي بعدها مُستفزةً مشاعر المصريين ومُعلنةً أن لا تتشرف بالجنسية المصرية، وأنها قد حصلت بعد الزواج على جنسية أفضل، وهي الجنسية الأمريكية، وأنها نادمة كل الندم على الفترة التي قضتها في مصر، وعملت فيها بالتمثيل.

مع الوقت، لم يستطع المصريون نسيان راقية إبراهيم، وذلك لأنها قد توغلت في الكثير من الأعمال الفنية الخالدة، لكن الجمهور لم يتذكرها بخيرٍ أبدًا، بل كان يسأل كُلما رأها على الشاشة، كيف استطاعت تلك الجاسوسة اقتحام الوسط الفني بهذه السهولة؟ ومن أين جاءت للموساد فكرة اقتحام هذا المُعترك الهادئ وجعله أرضًا خصبة للتجسس؟

أسئلة كثيرة تعصف بأذهان المصريين، لكن السؤال الأهم الذي يسأله الجميع، والذي كان على راقية إبراهيم أن تسأله لنفسها أيضًا، كيف تمكنت بهذه السهولة من تفضيل يهوديتها على جنسيتها، وما الثمن الذي باعت به وطنها إذا كانت قد قضت سنواتها الثماني والخمسين دون أن تطأ أرض إسرائيل؟

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

عشرة − 7 =