في هذا العالم ثمة الكثير من المعجزات تحدث من حولنا دون تفسير، ومن ضمن هذا المعجزات تلك التي وقعت في القرن الخامس عشر مع طفل فرنسي عُرف باسم جاك الفقير أو جاك المعجزة ، فبالرغم من أن الطفل كان فقيرًا مُعدمًا في أسرة يموت أفرادها من الجوع إلا أنه كان يمتلك واحدة من المواهب التي تُقدر بالذهب، وهي موهبة التنبؤ بالأشياء قبل حدوثها، وطبعًا حاول الجميع استغلال تلك الموهبة لتحقيق أقصى استفادة ممكنة، بما في ذلك الملك الفرنسي هنري السابع، والذي وصل إعجابه بالفتى إلى الدرجة التي جعلته يأخذه إلى القصر ويُقربه منه، لكن الرياح دائمًا لا تأتي بما تشتهيه السفن، فقد كان انتقال جاك إلى القصر الملكي يُمثل الحجر الأول في نعشه، حيث قضى نحبه في أحد غرفه، بعد أن توقع أيضًا الطريقة التي سيموت بها، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على القصة الكاملة للطفل الفقير جاك وكيف قادته موهبته إلى نهاية مأسوية لم يكن يتوقعها أحد غيره.
من هو جاك المعجزة ؟
لكل قصة أبطال يجب التعرف عليهم قبل البدء في أحداث القصة، وبطل هذه القصة هو في فتى فقير يُدعى جاك وُلد في فرنسا بداية القرن الخامس عشر، وفي تلك الفترة لم تكن فرنسا كفرنسا التي نعرفها الآن ولا حتى أوروبا كأوروبا التي نعرفها الآن، كل شيء كان يأخذ المنحنى الأسوأ له والأسرع باتجاه الفقر، وطبعًا قرى فرنسا كانت أقل بكثير من مدنها، وفي واحدة من هذه القرى كان ثمة شخص له من الأبناء عشر، أشهرهم وأهمهم بالنسبة لنا الطفل جاك، جاك المعجزة.
كان الطفل جاك أحد إخوته العشرة، لكنه في نفس الوقت كان يُعرف بكونه أكثرهم بلاهةً، لدرجة أن أهالي القرية كانوا يستخفون منه، أما والديه فقد تخلوا عنه منذ سن السادسة، وهذا لم يكن غريبًا بالمرة في ذلك الوقت الذي كان الناس فيه يقتلون أطفالهم لعدم قدرتهم على إطعامهم، أي أن التخلي عنهم كان أرحم بكثير من دفنهم أحياء، والواقع أنه قبل أن يبدأ جاك في المعاناة مثل باقي أطفال القرية ظهرت عليه ملامح المعجزة التي زلزلت حياته.
موهبة جاك العظمى
كان من الممكن جدًا أن يكون جاك المعجزة طفل عادي، بمعنى أنه طفل فقير من المتوقع أن يموت جوعًا أو أن يكد ويعمل حتى يحظى في النهاية بفرصة عمل بالكاد تجعله يعيش حياته، لكن ما حدث أن جاك كان موهوبًا، وطبعًا لم تكن تلك الموهبة هي الرسم أو الخط الجميل أو حتى كتابة الشعر، فهذا الأمور كانت بعيدة كل البعد عن الفقراء، بل كانت موهبة جاك هي التنبؤ بالأشياء قبل حدوثها، أجل كما سمعتم بالضبط، لقد كان عرافًا في سنة العاشرة!
كان الأمر مُدهشًا بحق، ففي الوقت الذي بدأ فيه الجميع يبتعد عن الطفل الفقير الأبله جاك كان الطفل يحمل في جعبته ما هو قادر على جذبهم جميعًا، وذلك شيء ببساطة هو موهبة التنبؤ، فمثلًا، عندما يختفي أي شيء من القرية فإن أول شخص سوف يفكر الجميع في الذهاب إليه هو الطفل جاك، حيث كان بإمكانه أن يدلهم على مكان الأشياء التي اختفت، وعندما ينقطع المطر كان جاك قادرًا على تحديد موعد عودته كذلك، كان مُفيدًا لهم، ومن هنا انقلبت حياة جاك تمامًا.
التنبؤ الأغرب على الإطلاق
ظل الطفل جاك المُعجزة يُمارس موهبته في التنبؤ بالأشياء التي تحدث ومعرفة بعض الأمور التي غالبًا ما لا يعرفها غيرها، فقد كان يستخدم موهبته استخدامًا يضمن له جلب الأموال وتوفير الطعام والشراب له ولأسرته، لكن مع الوقت خرجت موهبة جاك خارج ذلك الإطار وأصبحت أكثر تعمقًا، فهو لم يعد يتحدث في تلك الأمور البسيطة، بل كبر حديثه لدرجة أنه في يوم من الأيام، وفي واحدة من تنبؤاته، ألقى بأغرب تنبؤ له على الإطلاق، وهو ذلك الذي يتعلق بالملك هنري الثالث، ملك فرنسا في ذلك الوقت.
كان يومًا عاديًا، وكان جاك يقف في أحد الحقول يُطالع السماء، وفجأة أخذ يصرخ مهللًا وهو يُردد لقد انتصر الملك، وكان الملك هنري هو الملك الذي يقصده، أما من انتصر عليه هنري فلم يكن أحد يعرف أحد به لأن وسائل الاتصال قديمًا كانت شبه معدمة، وكانت الأخبار تصل إلى الناس بعد حدوثها بشهور وربما بعدة سنوات، ولهذا فإن الذين سمعوا جاك في هذه اللحظة لم يصدقوه وأجمعوا على أنه قد تمادى في جنونه، لكن الحقيقة أنه كان صادقًا فيما يقوله.
الملك يسمع بجاك
بعد أيام قليلة جاءت قافلة من المدينة، وعندما تم سؤالها عن أمر الحرب قالوا إنه كان ثمة حرب فعلًا قبل أيام قليلة وفاز فيها الملك هنري الثالث على الملك البريطاني ريتشارد الثالث، وهنا اندهشت القافلة عندما عرفت أن هناك طفل صغير قد عرف بنتيجة الحرب دون أن يُخبره أحد، وهنا بدأ الناس يتحدثون أكثر وأصبح انتشار جاك أكبر حتى اقتحم خبره قصر الملك هنري الثالث نفسه، والذي بالطبع لم يقل سوى كلمة واحدة، احضروه لي الآن.
قبل أن يصل تابعي الملك إلى جاك كان الطفل قد مارس عادته المفضلة وتنبأ بذلك الأمر أيضًا، حيث كان يعرف أن الملك قد أرسل في طلبه، وهنا بدأ يصيح ويقول للناس في القرية أن الملك سوف يأخذه إلى القصر وأنه سوف يموت هناك من الجوع، وبالطبع كان الناس يستبعدون ذلك الأمر كاستبعاد شروق الشمس من المغرب دون أن تكون أحد علامات الساعة، ففي النهاية جاك مجرد طفل فقير كريه الرائحة رث الثياب، فكيف إذًا سيُدخله الملك قصره ويُقربه منه، لكن، ما هي إلا أيام قليلة حتى تحقق الوعد وكان تابعي الملك يحملون جاك معهم إلى حيث يكون القصر الملكي.
جاك المعجزة يُقابل الملك
كان الملك قد قرر قبل ملاقاة جاك المُعجزة أن يقوم بعمل اختبار له ليتأكد من صدق ما يتردد عنه، ولهذا قام بنزع خاتمه ودسه في مكانٍ ما بعيد عن الأعين، ولم يُخبر حتى أقرب الناس له بذلك المكان، كان يُريد أن يضمن قوة الاختبار، وبالفعل عندما دخل جاك سأله الملك عن مكان الخاتم الذي ادعى أنه قد ضاع منه في حربه الأخيرة، والحقيقة أنه عندما رأى الطفل وصغر سنه وبلاهته وثيابه الرثة لم يتخيل أبدًا أنه هو من تُقال عنه كل هذه الأمور، لكنه صمم في النهاية على استكمال الاختبار وكشف الحقيقة الكاملة.
بعد سؤال الملك عن خاتمه نظر جاك إلى الفراغ قليلًا ثم فاجئ الجميع عندما وصف الملك بالكاذب، وقد برر ذلك الوصف بأن الخاتم الذي يدعي أنه قد ضاع هو من واراه، ثم ذهب إلى المكان وأخرجه منه، وهنا أقر الملك بصدق ما يُقال عن جاك وقرر استخدامه أفضل استخدام ممكن، تمامًا مثلما حدث مع كل الذين عرفوا بموهبة جاك الغريبة.
الملك يستخدم المعجزة
الملك بدوره لم يقف صامتًا أمام جاك المعجزة، وإنما قربه منه واستخدمه في كشف الأمور التي لا يستطيع أحد كشفها بخلاف جاك، فمثلًا، فيما يتعلق بالأشياء التي كانت تختفي من القصر كان جاك يتمكن من كشفها بسهولة شديدة، أيضًا الخونة لم يكونوا بمنأى عنه، ففي النهاية هو يتنبأ بالأحداث ويعرف ما يتم التستر عليه منها، لدرجة أن جاك قد تمكن أكثر من مرة من إحباط محاولات وترتيبات لاغتيال الملك، وذلك ببساطة لأنه كان يعرف وقتها ومكانها والأشخاص الذين يدبرون لها أيضًا، كان مُعجزة بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ.
في أحد الأيام قرر الملك الذهاب في جولة خارج البلاد، لم تكن جولة تابعة لأمور البلاد، بل يُمكن القول إنها كانت جولة ترفيهية في المقام الأول، ولهذا لم يرى سبب لأخذ جاك معه، خاصةً وأنه كان يُعاني من نوبات صراع وتخريف أغلب الشك أنها ترتبط بموهبته الغريبة، عمومًا، ترك الملك جاك في القصر وأوصى برعايته حتى موعد عودته، ولم يكن يعرف أن هذه المرة هي الأخيرة التي سيرى فيها الطفل المعجزة.
التخطيط للتخلص من جاك
عندما رحل الملك ترك جاك خلفه، كان يُريد أن ينفصل عن العالم بأكمله في رحلته تلك، لكنه أخبر جاك بأن يقوم بالمراقبة والتسجيل ثم بعد ذلك اطلاعه على كل شيء عقب عودته، كان يعتبره عينًا له يُمكن أن يرى بها ما يحدث خلف ظهر في القصر، والحقيقة أن كل من يعملون بالبلاط الملكي كانوا يُدركون هذه الحقيقة ويعرفون جيدًا أن وجود ذلك الطفل بينهم أمر ليس جيد بالمرة، لكنهم في وجود الملك لم يكونوا قادرين على فعل أي شيء معه أو حتى مجرد الاقتراب منه، بيد أنه بعد رحيل الملك تغير كل شيء، أو بمعنى أدق، أصبح قابلًا للتغيير.
في يوم من الأيام تذمر أحد الموجودين من ترهات جاك وقرر معاقبته، فلم يجد سبيلًا لذلك سوى بوضع الفتى داخل حجرة مُظلمة في مكان مجهول بالقصر ومنع أي أحد من الوصول إليه، كان يعرف جيدًا أن موهبة جاك في التنبؤ والتوقع، لكنها لم تكن أبدًا قوى خارقة ستُمكنه من الخروج من ذلك السجن الذي وُضع به، وهذا ما حدث بالفعل.
البلاط يقتل الفتى
مع مرور الأيام كان صراخ جاك المعجزة يهز الأرجاء، لكن أحدًا ما لم يكن بإمكانه الوصول إليه، فقد كانت الغرفة مجهولة بين آلاف الغرف الموجودة بالقصر، حتى الملك عندما جاء وسأل عن جاك أخبروه أنه قد اختفى ذات ليلةٍ ولم يعرف أحد أين ذهب، والحقيقة أن الوقت كان كفيلًا بجعل الملك ينسى الطفل وقدراته، لكن ذات الوقت لم يكن بإمكانه جعل الطفل يتوقف عن المعاناة التي عاشها بسبب الجوع والعطش، وربما يُذكركم ذلك بأمر قد ذكرناه سابقًا.
قلنا من قبل أن جاك قد تنبأ بأنه سوف يموت في قصر أحد الملوك من الجوع والعطش، وهذا ما حدث بالفعل، فبعد أيامٍ معدودة من تلك المعاناة لفظ جاك المعجزة أنفاسه الأخيرة داخل تلك الحجرة، ولم يُعره أي شخص اهتمام ولا حتى من قام بحبسه، لدرجة أن جثته قد تحولت مع الوقت إلى هيكلٍ عظمي بعد تحللها، لتكون هذه النهاية المُفزعة هي نهاية الطفل الفقير المُعجزة جاك، والذي قاده فقره وموهبته إلى أسوأ مصير يُمكن أن يُفكر به طفل في يومٍ من الأيام.
أضف تعليق