جاك السفاح هو الاسم الذي اطلقته الصحافة البريطانية على قاتل متسلسل ظهر في منطقة وايت تشابل في شهر ايلول من العام 1888 ميلادية وقد تخصص هذا المجرم في قتل النساء ذوات السمعة السيئة او اللواتي يمتهن الدعارة ويقدمن الخدمات الجنسية اما من خلال النوادي الليلية او في الشوارع، وقد سمي ايضا بالقاتل ذو المئزر او قاتل وايت تشابل وكذلك جزار وايت تشابل، وقد ادى الاهتمام الكبير للصحافة بتتبع قضايا القتل التي قام بها الى نشر الهلع والفوضى في وايت تشابل كما عمد بعض الصحفيين الى اختلاق رسائل مزيفة مما ضلل التحقيق وساهم في اضفاء مزيد من الخوف لدى الناس, ولم تكن ظاهرة السفاح قد عرفت قبل تلك الحوادث الرهيبة ولكن مع الغموض المتزايد للقضية وخاصة مع عدم كشف هوية جاك الى الان شجع ظهور علم دراسة السفاحين كما كان من اهم مقدمات ظهور علم الجريمة الحديث.
قام جاك السفاح على مدى شهري ايلول وتشرين الاول من العام 1888 بقتل خمس نساء والتمثيل بجثثهن, وفيما عدا الضحية الاولى والاخيرة فقد قام بإستئصال رحم ضحاياه واخفائه وهو ما يؤكد حقده على الجانب الانثوي في النساء وقد يكون ذلك عائد الى صدمة ما تلقاها من هذا الجانب تحديدا فهو اما شخص تعرض لخيانة فضيعة، واما انه شخص اصيب بمرض جنسي انتقل اليه عن طريق علاقة غير شرعية مع احدى بائعات الهوى او انه شخص شاذ لم ينجح في اقامة اية علاقة مع امرأة من قبل، ولكن يظهر ان معظم الدراسات ركزت على اصابة المجرم بمرض الزهري الذي يؤدي الى حالة من الجنون لدى صاحبه في مراحله المتقدمة وهذا افضل دليل يمكن الارتكاز عليه لتفسير تلك التصرفات المجنونة التي قام بها جاك السفاح, وقد ذهبت بعض الدراسات الى القول انه شخص اراد نشر الفضيلة في وايت تشابل بإعتبار انها كانت تعج ببيوت الدعارة وببائعات الهوى في تلك الفترة .
شكل جاك السفاح حالة من الهوس ليس عند الصحفيين والعامة فقط بل وحتى عند القتلة الاخرين فقد قام اشخاص اخرين بقتل بائعات هوى ومحاولة تقليد جاك في التمثيل بجثثهن حيث وصل عدد جرائم القتل التي رافقت ظهور السفاح 11 عشرة حالة، ويؤكد معظم الباحثين في قضية جاك انه غير مسئول الا عن الجرائم الاربعة الاولى ويسقطون عنه تهمة الجريمة الخامسة التي ظهر فيها قاتل غير محترف في التشريح كما في الحالات الاربع الاولى, حيث ثم من معاينة الشرطة لجثث الضحايا الاربعة الاولى على يد شخص له خبرة جيدة في التشريح اذ يمكن ان يكو طبيب او جزار.
جاك السفاح ولائحة المتهمين
وكما في كل القضايا المتشابه والتي تنتهي نهاية مفتوحة دون الامساك بالفاعل الحقيقي فقد تم وضع عدة فرضيات لشخصيات مجنونة وحاقدة على المجتمع وخاصة على النساء اللواتي يعملن في الدعارة في الاحياء الفقيرة كما في حالة وايت تشابل وذلك ان تلك النساء كانت اهم مصادر العدوى بمرض الزهري القاتل في تلك الفترة, ومن اهم الشخصيات التي وضعت على لائحة الاتهام على مدى اكثر من مئة عام من التكهنات:
احد افراد عائلة الملكة فكتوريا وقد حامت الشبهات حول اثنين وهم الامير ادوارد ابن الملكة وطبيب الملكة ويليام جال وقد بنيت هذة النظرية ان الامير ادوارد اصيب بداء الزهري القاتل عن طريق علاقة مع بائعة هوى مما دفعه للانتقام منهن, وتتهم نظريات اخرى طبيب الملكة الخاص بإعتبار عمليات التشريح الدقيقة التي كانت تتم وكذلك كان يعتقد انه رجل ماسوني وان ما قام به يتطابق مع بعض تعاليم الانتقام في الماسونية، وترى بعض الدراسات ان ام الامير اي الملكة فكتوريا هي من امر الطبيب بقتل بائعة هوى كانت على علاقة بإبنها ومما يدعم هذة النظرية هو تشابه اسمي اثنتين من الضحايا وهو نفس اسم الفتاة التي كانت على علاقة بالامير .
بعد ادعاءات من الجراح البريطاني نشرها في عام 1970 تفيد ان حفيد الملكة وهو الامير البرت قد اصيب بمرض الزهري القاتل والذي لم يكن له علاج في تلك الفترة بعد علاقة جمعته ببائعة هوى وقد قرر الانتقام وقد دعم ادعاءاته بما كان يفعله الامير من نزع احشاء ما يصيده من الغزلان .
الجزار اليهودي جيكوب ليفي وهو من الاسماء التي تم التوصل اليها مؤخرا وذلك لعدة اسباب اهمها بالاضافة الى كونه جزار يعرف كيف يستخرج الاعضاء الداخلية, انه كان مصاب بالزهري وان المرض كان في مراحل متقدمة مما أثر على ادائه العقلي وجعله يترك العمل ويترك عائلته معظم الوقت ويهيم على وجهه, وقد سجل في شهادة وفاته انه توفي بداء الزهري, كما انه يهودي وقد كتب القاتل بعد احدى الجرائم عبارة بالدم تفيد ان اليهود وحدهم لن يعاقبوا على هذة الجريمة .
المحامي جون دريت وهو محام فاشل صرح بحقده على النساء وقد انتحر في نفس فترة انتهاء مسلسل جرائم جاك السفاح مما يشير الى انه قد يكون هو.
وقد تعددت النظريات التي تشير الى اشخاص متهمين انهم جاك السفاح، وقد اعتمدت معظم هذة النظريات على ركائز اساسية وهي ان الشخص مجنون وصاحب خبرة في علميات التشريح او الذبح وله ثأر مع بائعات الهوى في لندن بإعتبارهن السبب في اصابته بمرض الزهري الخطير، وقد كانت بعض النظريات اكثر جنونيا من الشخصيات نفسها فقد اشار الكاتب الاسباني والخبير في الخطوط خوسيه لويس ان القاتل هو نفسه المحقق الذي تم تعيينه لحل لغز القضية وانه كان ذكي ومحترف في تضليل المحققين المساعدين وقد استند في ذلك الادعاء الى التشابه بين خط المحقق وخط احد الاشخاص المتهمين في القضية و كما اشارت دراسة حديثة اخرى ان جاك السفاح هو بحار الماني تم اعدامه بتهم اخرى في امريكا في العام 1894 بعد ان رحل اليها بعد ارتكابه للجرائم الخمس في وايت تشابل، وقد دعم نظريته بأن البحار الالماني تواجد في لندن وقت وقوع احد الجرائم كما ان اسلوبه في بعض الجرائم التي اشتهرت عنه كان مشابها لجاك السفاح .
اكتسبت قضية جاك السفاح تلك الاهمية على مدى اكثر من قرن من الزمان لعدة عوامل مجتمعة اهمها الصحافة التي هولت من القضية وزادتها غموضا وكذلك كون ظاهرة جاك السفاح هي الاولى من نوعها في بريطانيا فلم يسجل اي قضية لقاتل متسلسل قبل ظهوره, وكذلك ميل الكثيرين لإضفاء طابع ملكي على مرتكب الجرائم حيث اتهم اكثر من فرد من عائلة الملكة فيكتوريا, فيما كانت الماسونية احد اهم عوامل الاثارة التي رافقت القضية وزادت من متابعيها طول قرن، ويمكن القول انه الى الان لم يظهر دليل واضح على هوية جاك الحقيقية وذلك لكبر الفاصل الزمني بين وقوع الجرائم وتاريخ بدء الدراسات الجدية التي اجريت فيما بعد وهو ما جعلها تقوم على فرضيات مفتقرة الى ادلة ملموسة من مسرح اي من الجرائم.
أضف تعليق