قصة تابوت روبرت باتي قصة يقف لها شعر الأبدان من شدة الخوف والغموض الذي يعتريها. فكيف لتابوت ميت أن يخرج من مكان دفنه تحت الأرض من تلقاء نفسه كل ليلة! ولكن قصة مثل هذه لن تدخل الرعب الشديد على نفوس سكان إنجلترا في القرن السابع والثامن عشر الميلادي. ببساطة لأن قصص الرعب والأشباح كانت منتشرة بشكل كبير ومتزايد في كل أنحاء البلاد. لدرجة اعتياد الشعب على سماع مثل هذه القصص، والسخرية عليها أو الإيمان بها لفترة قصيرة ثم الانتقال إلى قصة أخرى مرعبة ببساطة. أكمل معنا المقال وتعرف على قصة تابوت روبرت باتي، كما ذكرها الكاتب فريدريك جورج في كتابه بعنوان “لمحات في الشفق: ملاحظات مختلفة، وسجلات، وأمثلة من فوق الطبيعة”.
من هو روبرت باتي؟
روبرت باتي هو شاب إنجليزي في مقتبل العمر، عاش في أواخر القرن السابع عشر في منطقة كارلايل في كومبريا، شمال غرب إنجلترا. وهي منطقة ريفية وغير حضارية، يوجد بالمنطقة بلدة صغيرة تدعى لونغتاون وقرية إيستون. يحدها بالغرب نهر إيسك، ونهر لاين إلى الجنوب. وكان يعتز جدًا بتاريخ عائلته الطويلة والعريقة. وكان شابًا يهتم بالذهاب إلى الكنيسة التي ترعى شعب منطقته، تدعى ” كنيسة أرثوريت”. طالما رغب هذا الشاب بأن يدفن بجانب أسلافه عندما يموت. إذ تمتلك العائلة مدفن في قبو الكنيسة.
موت ودفن روبرت باتي
في سن الثالثة والعشرين، لقى روبرت باتي مصرعه، بعدما سقط في النهر وغرق بالخطأ. وتم انتشال الجثة ودفنها داخل تابوت مخصص له، في يوم 12 أغسطس عام 1680. وعلى خلاف جميع تعليماته ورغابته، دفنت العائلة تابوت روبرت باتي في فناء كنيسة أرثوريت، وليس في قبوها بجانب أسلافه.
مطالبة روبرت باتي بتغير مكان دفنه
في الليلة التي عقبت ليلة الجنازة، ظهر روبرت في المنام إلى شقيقته ماري، والتي كانت تحب أخيها بشدة وحزنت جدًا لفراقه وموته المفاجئ. وقال لها أنه مستاء جدًا لما حدث مع جثته. وأن المكان الذي دُفن فيه ليس هو المكان الصحيح الذي يفضله. ثم غضب كثيرًا وتوعد بأنه سيزعج كل من كان له يد في هذا القرار، إلى أن يتم وضع تابوته في المكان الصحيح بقبو العائلة.
تابوت روبرت باتي يخرج من قبره
في صباح اليوم التالي، لم تذكر ماري هذا الحلم لأي شخص. ظنًا منها أنه مجرد حلم عابر وليس له أهمية. وأن هذا التهديد الذي ألقاه أخيها مجرد وهم ولن يتحقق. ولكنها فوجئت مع كل العائلة عندما سمعوا خبر خروج تابوت روبرت باتي من قبره. فقد تم العثور في الصباح على النعش كاملًا خارج الأرض. وكأن أحدًا قام بحفر القبر وإخراج التابوت لفوق. وكان التابوت مفتوح تمامًا. وجثة روبرت باتي واضحة للعيان. إلا أنها لم تتحرك من مكانها، أو يطرأ عليها أي تغير أو تشويه، سوى بداية التحلل المعتاد للجثة بعد الموت والرائحة النتنة.
على الرغم من حالة الرعب التي بدأت تتغلغل إلى العائلة والوافدين إلى الكنيسة، إلا إن الأمر لم يأخذ اهتمامًا كبيرًا في البداية. وتم إعادة تابوت روبرت باتي إلى مقبرته ودفنه جيدًا، في نفس المكان في الباحة الخلفية للكنيسة.
تابوت روبرت باتي يخرج من جديد
نام الجميع في حالة من الذهول في تلك الليلة، وفي الصباح التالي كان الأمر أشد ذهولًا. إذ خرج تابوت روبرت باتي مرة أخرى من القبر بدون تدخل من شخص أو مساعدة أي أحد. وهذه المرة كانت الرائحة أشد نتانة إلى أن وصلت الكنيسة من الداخل وأزعجت كل من فيها. ولكن كما بالمرة السابقة لم يكن هناك أي تغير بالجثة أو طريقة وضعه، ولم تكن مفقودة بالتأكيد. كل ما في الأمر أن التابوت خارج الأرض ومفتوح.
انزعجت الكنيسة هذه المرة، وانزعج سكان المنطقة وبدؤوا في الرعب وتناقل القصص عن غموض تابوت روبرت باتي. كان البعض منها صحيح، وبعض القصص كانت بها بعض المبالغات عن ظهور شبح روبرت بجانب التابوت وإرعابه للمارة. كما أكد العجائز وكبار السن بالمنطقة، أن هذا الأمر يحدث لسبب ما بالتأكيد. ولابد أن روبرت باتي كانت لديه رغبة أو مشكلة يريد أن يوضحها قبل أن ترتاح روحه أخيرًا.
رد فعل الكنيسة
بعد المرة الثانية، كان على الكنيسة تخصيص حراسة لمنع أي محاولة اقتراب من التابوت. ظنًا منهم أن هناك من يحاول نشر البلبلة بين السكان بإخراج التابوت ليلًا ووضعه بتلك الطريقة. على أمل منه بالتأثير في نفوس المصليين وإبعادهم عن الكنيسة، أو تحدي سلطة الكنيسة. لأن هذا الوقت من الزمن انتشر فيه الخلاف الطائفي بين مذهب الكاثوليك المتمثل في إسبانيا وروما، ومذهب البروتستانتية المتمثل في كنيسة إنجلترا المشتقة عن الكنيسة الكاثوليكية، بعد خلاف الملك هنري الثامن وبابا روما على أحكام منع الطلاق الصارمة.
وعلى إثر هذا الخلاف تم اضطهاد وتعذيب آلاف المؤمنين بالعقيدة الكاثوليكية في إنجلترا. واعتبارهم خونة ومجرمين يريدون إسقاط الملك ونظام الحكم. وتعددت المؤامرات الخارجية والداخلية لقتل ملوك بيت ستيوارت الإسكتلنديين الذين حكموا إنجلترا بعد الملكة إليزابيث الأولى. وأشهر تلك المؤامرات هي مؤامرة البارود الشهيرة. فكانت الكنائس الإنجليزية تتخذ حذرها الدائم من أي محاولة لإضعاف سلطتها وتحكمها في الشعب الإنجليزي.
تابوت روبرت باتي يخرج لثالث مرة
رغم محاولات الكنيسة لوقف هذه المهزلة المرعبة، إلا أن تابوت روبرت باتي خرج من قبره مرة ثالثة على التوالي. ولا ندري بالتحديد كيف يخرج إلى اليوم. وهل يقوم شخص بذلك أم أنه حقًا طريقة شبح روبرت للتعبير عن غضبه! بطريقة أو بأخر، وجدت العائلة التابوت خارج الأرض مرة أخر. ولابد أن خرج على غفلة من الحراسة التي وضعتها الكنيسة. وكانت الرائحة نتنة للغاية بسبب تحلل الجثة وبداية ظهور الدود، إلا أنها لم تتحرك من داخل التابوت قيد أنملة كالعادة.
عند هذا الحد وتكلمت ماري شقيقة روبرت أخيرًا عن حلمها. إذ أنها أدركت أنه لم يكن مجرد حلم، بل زيارة من أخيها في المنام ليتم تنفيذ طلباته، وكان وعيده على حق وقام بتنفيذه بالفعل. وقامت بإخبار كل العائلة عن مطلب روبرت وتذكيرهم برغبته.
نقل تابوت روبرت باتي
في نفس اليوم، قامت العائلة بنقل تابوت روبرت باتي أخيرًا إلى مدفن أسلاف العائلة في قبو الكنيسة. وقد رضخت الكنيسة في محاولة إنهاء هذه المهزلة. وقاموا بإعادة تجفيف وتنظيف جثة روبرت، نحو مثواه الأخير. ودفنوه بالفعل بجانب أسلافه الذي طالما اعتز بهم.
وفي صباح اليوم التالي، كان كل شيء في مكانه الطبيعي. ولم يعد تابوت روبرت باتي للخروج مرة أخرى من قبره. واعتقد الجميع أنه بذلك اطمأنت روح روبرت الغاضبة وذهبت بسلام. وإلى اليوم تظل الكنيسة واقفة وتشهد عن تلك القصة المرعبة التي انتشر خبرها في أنحاء إنجلترا كلها.
ختام
قد تصدق أو لا تصدق قصة تابوت روبرت باتي. وقد تدعم ولا تدعم فكرة مطالبة الموتى بأمور تخصهم بعد الموت. ولكننا هنا نعرض فقط القصة ولا ننحاز لأي جانب، ولك الاختيار.
الكاتب: أيمن سليمان
أضف تعليق