إذا ما ذُكر الإجرام والمجرمين، الجنون والمجانين، فإن ايرل نيلسون سوف يكون حاضرًا بقوة على رأس قائمة تضم أشهر السفاحين في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم بأكمله، فقد وُلد ذلك السفاح وعاش حياته ومات خلال ثلاثين سنة فقط، لكنه بالرغم من ذلك تمكن من فعل الكثير والكثير خلال تلك العقود الثلاثة، أبرز هذه الأمور التي فعلها أنه قد خلق نمطًا خاصًا به عند ارتكاب الجرائم، حيث قام بقتل النساء وممارسة الرذيلة معهن بعد موتهن، الأدهى أنه كان يفعل ذلك داخل بيوتهن، ثم بعد ذلك يدفنهن تحت سرائرهن في خطوة أقل ما يُقال عنها أنها مجنونة، لكن الخطوة لم تكن أقل جنونًا من صاحبها الذي يقوم بها، والذي سنحاول التعرف عليه سويًا من خلال السطور القادمة، فهل أنتم مستعدون للسماع بأشهر سفاح مجنون عاش في الولايات المتحدة الأمريكية؟
من هو ايرل نيلسون؟
أولى مُفردات حديثنا تتعلق ببطلها، فهو الكل في الكل كما يقولون، لكنه هنا يُمثل السوء بأكمله، عمومًا، اسمه كما يتضح هو ايرل نيلسون، وقد ولد في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1898، وهذا الوقت بالمناسبة يسبق القفزة الكبرى لأمريكا بسنوات قليلة، فقد كانت في هذا الوقت شيء والآن أصبحت شيء آخر، لكن الآن لا يعنينا أبدًا البلد، وإنما مواطن واحد فيها اسمه ايرل، وهو الذي ولد في مقاطعة صغيرة تُدعى مقاطعة كاليفورنيا، وطبعًا كانت صغيرة في الوقت الذي ولد فيه ايرل، أما الآن فهي شيء آخر مُختلف تمامًا.
طفولة ايرل لم تكن مثالية، لكنها في نفس الوقت لم تكن مُزرية، بمعنى أنها لم تمر بالكثير من الصعاب على المستوى المادي أو الأسري الاجتماعي، عائلة مُستقرة وأشياء متوافرة بعدد وافر يفوق الحاجة، لكن متى كانت آخر مرة اعتدنا فيها أن تكون الحياة لطيفةً معنا إلى الحد الذي يجعلنا نُكمل ذلك الاستقرار والهدوء بصورةٍ طبيعية؟ بالتأكيد أنتم لا تذكرون، لكن، هل تعرفون كيف سارت الأمور مع ايرل؟ لقد كانت أسوأ بكثير مما يُمكن أن يصل إليه تخيلكم.
الحياة تُدير ظهرها
لو استمرت الحياة على نفس المنوال الذي وجدها ايرل عليه لكان من الممكن جدًا أن يتغير ذلك التاريخ السيئ لذلك الرجل، لكن بكل أسف كانت السنة الثامنة من عمر ذلك الطفل على موعدٍ مع حادثة من الحوادث التي غيرت كثيرًا في تاريخ البشرية وليس حياة ايرل فقط، حيث كان يركب دراجته ويلعب بها كأي طفلٍ عادي، وقد تعرض كذلك لحادثة تحدث لأي طفل عادي، وهي السقوط من فوق الدراجة والارتطام بالأرض، لكن ما لا يحدث غالبًا مع الأطفال هو ارتطام الرأس بحجر كبير، ولكي نكون دقيقين، ارتطام الجمجمة بأكملها وتذبذب مكان العقل.
كانت حادثة فارقة بحق، فقد استيقظ ايرل بعدها وهو مُتغير تمامًا عما كان عليه من قبل، بدا أكثر شعورًا بالسادية وحب العنف، لم يعد بإمكانه السيطرة على غضبه أو انفعالاته، لكن هذا ليس كل شيء، فمن الطبيعي تمامًا أن يتغير سلوك الطفل بعد حادثة بهذه الخطورة، لكن ما ليس منطقيًا بالمرة أن يتغير السلوك إلى الحد الذي يجعل ايرل يُفكر في العنف والتعذيب على أنه أمر طبيعي ومنطقي القيام به.
من ملاك إلى وحش
الأطفال عادة ما يكونون ملائكة، هم أحباب الله ورحمته في الأرض كما يقولون، لكن ايرل منذ أن تعرض لتلك الحادثة لم يعد طفلًا بالمرة، حيث يُمكن القول أنه منذ سن العاشرة وهو قد أصبح جنونًا وتهورًا، في أكثر من مرة تم ضبطه وهو يعتدي على أحد أصدقائه، ثم تطور الأمر إلى محاولة الاعتداء عليهم بصورة منافية للأخلاق، ثم توسع الأمر ليصل إلى الفتيات، فسبب تحرشه بهن كاد ايرل أن يُفصل من التعليم أكثر من مرة، ناهيكم عن أنه لم يعد يمتلك أي أصدقاء أو مقربين منه بسبب تلك الأفعال، والتي من الطبيعي تمامًا أن تُبعد الجميع عنه، فمن يا تُرى يُريد مصاحبة ايرل المتوحش؟
مع تجاوز ايرل لسن الخامسة عشر تطور الأمر أكثر، لم تعد المسألة مسألة اعتداء واغتصاب وتهديد، بل أصبحت الدماء حاضرة وبشدة في الأمر، وكأن الحياة تقول للجميع أنه ثمة متوحش يولد، وهو ما ساهم بالطبع في زيادة الابتعاد عنه، لكن هل سيُفيد الابتعاد عن الوحش في شيء؟ بمعنى أنه سوف يستيقظ مثلًا ذات يوم ويُقرر التوقف عما يفعله بسبب ابتعاد الناس عنه؟ بالتأكيد لا، وهذا ما اتضح بشدة فيما بعد، حيث أصبح لدينا سفاح جديد يُدعى ايرل نيلسون.
السفاح ايرل نيلسون
هكذا بدون أي تردد، قرر ايرل نيلسون أن يُوسع من أنشطته الإجرامية ويصل بها إلى أبعد حدٍ يُمكن لشخص أن يحلم بالوصول إليه، وهو حد القتل، لكن القتل بالتأكيد ليس سهلًا، بل يحتاج إلى كثير من الإعداد والتخطيط من أجل تنفيذ الجريمة وإخفاء الجثة وكل هذه الأمور التي نُشاهدها في الأفلام ونقرأ عنه في الكتب، بيد أن ايرل لم يكن يهتم بكل ذلك أو يُعره أي اهتمام، بل كان إذا قرر القتل يقتل على الفور، واسألوا تلك المرأة العجوز الذي سقطت كأول ضحية في سلسلة القتل المجنونة هذه، وأين؟ في بيتها، بل تحت سريرها على وجه التحديد.
في الليلة التي قرر ايرل فيها أن يجعل من القتل مهنة له رأى في الشارع أحد الإعلانات التي تُشير إلى وجود مكان شاغر في أحد البيوت، ذلك المكان يُشترط لتأجيره أن يكون الشخص صالحًا مُلتزمًا ومُحترمًا للجير، وبصورةٍ مجنونة رأى ايرل أن كل هذه الشروط تتوافر بالطبع به، وأنه رجل صالح ومُلتزم، لكن الأدهى من ذلك أنه تمكن من خِداع المرأة صاحبة النُزل أو الغرفة المعروضة للتأجير، وبتلك الموافقة بدت وكأنها تُعطي تصريحًا بقتلها بدمٍ بارد.
ايرل نيلسون والضحية الأولى
وافقت المرأة على وجود ايرل نيلسون في غرفتها المعروضة للتأجير، توسمت فيه الخير بسبب وجهه الحسن والإنجيل الذي كان يُمسكه في يديه والصليب الذي كان مُعلقًا في سلسلة على رقبته، قالت في نفسها أنها أخيرًا قد عثرت على شخص مُلتزم دينيًا سيجعلها مُطمئنة طوال فترة تواجده معها، لكن ما هي إلى أيام قليلة حتى فاحت رائحة كريهة من داخل غرفة السيدة المسكينة، وبعد الحصول على إذن الاقتحام كان بوسع الجميع رؤية ما كان موجودًا تحت السرير، ببساطة، لقد كانت جثة صاحبة النزل، والقاتل شخص لا يعرفه أحد كان يسكن هنا قبل يومين.
يومين فقط كانا كافيين كي يقوم ايرل نيلسون بجريمته الأولى داخل منزل الضحية، حيث اقتحم عليها غرفتها بعد يوم واحد من مبيته في أحد غُرف النُزل، بعد ذلك قام بتكميمها وتخديرها والاعتداء عليها، ثم قتلها والتلذذ بانتشال بعض أعضائها بعد شق بطنها والعبث بها قليلًا، وأخيرًا، وببرودٍ تام، بدل ملابسه ثم غادر النزل وكأن شيئًا لم يكن، بدا وكأنه يفعل شيئًا طبيعيًا لا يستحق أبدًا الاختفاء والتواري أو حتى التظاهر.
الجثث تتوالى تحت السرير
قلنا قبل لحظات أن ايرل نيلسون لم يكن يشعر أبدًا أن ما يفعله من قتل وتعذيب وتمثيل أمر خاطئ، فكما ذكرنا، الأمر كله يكمن في الجنون وارتفع نسبة العدائية لديه، لم يعد أبدًا يخشى السقوط، وسبحان الله، بالرغم من ارتكاب ذلك المجنون للكثير من الجرائم إلا أنه لم يسقط، كان يقتحم البيوت على النساء بعد مراقبتهن ليوم واحد، يوم واحد كان كافيًا كي يقوم بتحديد الضحية والوقت والمكان المناسبين، وطبعًا كان المكان دائمًا هو منزل الضحية، فما إن يدخله بأي طريقة كانت من الطُرق يُصبح من الصعب جدًا خروج الضحية على قدميها مرة أخرى، لقد انتهت حياتها، وإن خرجت فستخرج محمولة على الظهر كجثة هامدة، والذنب الوحيد لها أنها سقطت تحت أعين ايرل في يوم أسود بحياتها.
أسلوب ايرل نيلسون في القتل أصبح مُميزًا مع كثرة أعداد الضحايا، بات من الممكن جدًا أن تُرى الضحية في مسرح الجريمة ليتم الجزم بعدها مباشرةً بأن قاتلها هو ايرل، فهو في البداية كان يختار المكان تابعًا للضحية، كما أنه كان لا يقتل فقط، بل يحرص دائمًا على جعل القتل مفتاحًا للأمور الأخرى التي سيفعلها، كالتمثيل والعبث بالأعضاء، كان يجعل من مسرح الجريمة مسرحًا حقيقيًا يُمكن التقاط الصور له من شدة إبهاره، لكن، هل كان سيظل طليقًا هكذا للأبد؟ هل سيتبخر العدل لأجل رجل مجنون كهذا؟ بالتأكيد لا، كان السقوط آتٍ لا محالة.
سقوط ايرل نيلسون
في أحد المرات، وكسنة متوقعة في هذا الحياة بأن كل جدارٍ من الستر سيسقط في يوم من الأيام، ارتكب ايرل جريمته العشرين كالعادة في منزل الضحية، اقتحم بيتها ثم مارس معها كل ما يُمارسه مع باقي النسوة اللاتي قتلهن، بعد ذلك انسحب من المنزل بهدوء وكأن شيئًا لم يكن، لكن في هذه المرة كان يمتلك معلومة خاطئة جمعها خلال رحلة البحث عن الضحية، فقد كان يظن أنها مجرد أرملة مات زوجها خلال الحرب العالمية الأولى، لكن الحقيقة أن زوجها كان على قيد الحياة ومن مات في الحرب هو شقيقها وليس زوجها، عمومًا، في اللحظة التي كان ايرل ينسحب فيها من مسرح الجريمة جاء السقوط الذي طال انتظاره.
سقوط ايرل كان من المفترض أن يتطور إلى قتل مباشر، بمعنى أن زوج الضحية كان سيقتله في مسرح الجريمة لما ألحقه بزوجته، لكن على ما يبدو أن ذلك المجنون كان مقدرًا له العيش لسنوات أخرى، حيث أنه قد أفلت من يد الزوج الذي أثار شجارهما جلبة جذبت الجيران الذين استدعوا الشرطة، عمومًا في النهاية انتهى الأمر بطريقة شاعرية، وهي الإمساك بايرل واصطحابه إلى السجن ومن ثَّم المحاكمة.
نهاية ايرل نيلسون
في النهاية، وبعد سقوط ايرل، لم تأخذ المحاكمة وقتًا طويلًا للنطق بالحكم، فالأمر ببساطة أننا قد عثرنا على القاتل في مكان الضحية مُتلبسًا، ناهيكم عن الكم الكبير جدًا من الشهود الذي كان موجودًا عند الإمساك بايرل، عمومًا، كان الحكم النهائي هو الإعدام، وبالرغم من المحاولات المستميتة من المحامين لجعل الأمر يبدو وكأن مجرد مختل عقلي يرتكب الجرائم نظرًا لمشاكل نفسية إلا أن المحكمة لم تأخذ أبدًا بهذه المعطيات وأعطت هي حكمًا نهائيًا وسريعًا بإعدام ايرل، وقد حدث ذلك بعد شهرين فقط من تاريخ إلقاء القبض عليه.
أضف تعليق