الهند ، دولة المئة رب، تلك الدولة التي تجاوز عدد سُكانها المليار وربع المليار نسمة، وتُعد ثاني أكبر دولة في العالم تقدمًا في مجال الطب، وثاني أكبر دولة في مجال صناعة السينما، ما زالت تتصدر قائمة أكثر الدول من حيث عدد الآلهة والأديان، حتى إن الأمر قد بلغ إلى حد القول بأن عدد آلهة الهند أكثر من عدد سُكانها، ولا يبدو هذا القول مُبالغًا فيه إذا ما وضعنا في الحُسبان أن الديانة الهندوسية وحدها تتجاوز الرُبع مليون اله، بالإضافة إلى عشرات الأديان الأخرى والتي تضم آلاف الآلهة، لكن الشيء المُدهش في هذا الأمر أنه رغم هذا الكم الهائل من الأديان ثمة شعب هندي واحد، يُمثل دولة واحدة قوية تُصنف على أنها واحدة من النمور الأسيوية الأربعة.
خمسة أديان رئيسية في الهند
الهندوسية، ديانة من لا دين له
وهي الديانة الأولى في الهند من حيث عدد مُعتنقيها الذين تجاوزوا ثلاثة أرباع السكان، كما تُعد الديانة الهندوسية أيضًا أكبر وأقدم ديانة في العالم بأكمله وليس في الهند فقط، على الرغم من أن نحو التسعين بالمئة من التابعين لهذا الديانة يقبعون بالهند، ويتضح ذلك بالطبع من اسم الديانة المُشتق من اسم الهند، ويتراوح عددهم ما بين التسعمئة مليون والمليار هندوسي، وهو عدد كبير جدًا، يُفسره كون هذه الديانة لا تنتمي إلا إله واحد فقط، بل يصل العدد على الأقل إلى ثلاث مئة إله، حيث يعتقد الهندوسيون أنه يُمكن اعتبار كل ما يخدم الإنسان اله أيًا كان وصفه أو ما يفعله، بداية من النملة وانتهاءً بالبقرة، مرورًا بالشمس والرياح والنباتات والأشخاص أحيانًا.
المرجع الديني الرئيسي في الديانة الهندوسية هو الإله البراهما، وهو إله من صُنع الهندوسيين، تم وصفه بالكثير من صفات إله المُسلمين، وربما يرجع ذلك إلى اختلاط الهندوسيون بالمسلمين الأزلي، بل ويصل التشبيه إلى القول بعدم وجود الإله البراهما على الأرض، رغم اطلاعه على كل ما يفعله عباده، وقدرته على مُعاقبتهم ومُكافأتهم وقتما يشاء، وأن جميع الأشياء تحدث بتقديره وإرادته وفي هذا بالطبع تشبيه بالمولى عز وجل.
السينما الهندية بدورها اعتنقت هذه الديانة نظرًا لشيوعها، فجاءت أغلب الأعمال المُقدمة تتحدث عن الهندوسيين، وتجعل الأبطال القادرين على صُنع المُعجزات هندوسيين، بل وجسدت الإله البراهما أكثر من مرة على أنه المُنقذ والمُخلّص، الباعث للخير والحامي من الشر، والناصر لتابعيه، لكل ذلك تكون الديانة الهندوسية هي الديانة الأولى في البلاد، وديانة من لا دين له من الهنديين.
الإسلام، ثاني أكبر الديانات
من يُصدق أن الديانة الإسلامية كانت حتى قرن ونصف مضوا الديانة الرئيسية في الهند، بل وكان المسلمون في تزايد باستمرار، إلا أن الاحتلال الإنجليزي للهند عام 1857 جاء ليُنهي ذلك، ليُصبح عدد المسلمين 123 مليون نسمة فقط، وهو ما يُعادل 12% من سكان الدولة، ورغم قلة النسبة إلا أن العدد نفسه يقترب من ربُع المُسلمين الموجودين في جميع أنحاء العالم، فخمسة دول إسلامية كـ (مصر، قطر، الإمارات، البحرين، الأردن) يُعادلون نسبة المُسلمين الموجودين في الهند، لذلك يأخذ المُسلمين حقهم هناك، ويُقيمون الشعائر ويُحيون رمضان ويحتفلون بالأعياد دون أية مُضايقات.
في السينما الهندية أيضًا يجد المسلمين أنفسهم مُتربعين على عرش المهنة، حيثُ يعتنق أكبر ثلاثة ممثلين في الهند الإسلام، وهم شاروخان، سلمان خان، عامر خان، ويحظون بشعبية وجماهيرية كبيرة من جميع الهند، وهو أمر أخر يُظهر ترابط الهنديين أيًا كانت ديانتهم.
المسيحية، ثالث الديانات وأقدمها
عرف الهنود المسيحية مُنذ القرن الأول الميلادي على يد شخص يُدعى توماس الرسول، وعلى عكس الديانة الإسلامية ترعرعت المسيحية في عهد الاحتلال الإنجليزي، حيثُ اختلط الهنديين مع الإنجليز الذين يدينون بالمسيحية، مما أدى إلى اعتناق الكثير منهم للمسيحية، وبالتالي اندثرت الديانة الإسلامية، لكن، وبالرغم من ذلك، لم تذهب المسيحية بعيدًا من حيثُ عدد السكان المُعتنقين لها، فلم يتجاوزا المليون الخامس بعد العشرين، وهو عدد صغير جدًا مُقارنةً مع عدد سكان الهند، حيثُ يمثل تعداد المسيحين اثنين ونصف بالمئة من إجمالي السكان.
لم يأخذ المسيحين حقهم في السينما مثل الهندوسيين والمسلمين، كذلك لم تُبنى لهم كنائس بالشكل الكافي، لكن عوضًا عن ذلك تقّلدوا أعلى المناصب وحصلوا على أعلى الأجور، بل إن غالبية مُثقفين الهند من المسيحين، والأكثر من ذلك أن المسيحين يُمثلون الطبقة العُليا هناك، فهم الأعلى دخلًا والأكثر علمًا.
البوذية، الأقدم والأقل
رغم كون البوذية من أقدم ديانات الهند بعد الهندوسية إلا أنها في نفس الوقت لا تتعدى الواحد بالمئة من إجمالي عدد سكان الدولة، يحدث ذلك على الرغم من مرور إحدى الفترات كانت فيها الديانة البوذية هي الديانة الرسمية للهند، وبالرغم أيضًا من أنها خامس ديانات العالم.
للبوذيين اله واحد، اسمه بوذا، وهو اله مُطلق مُطاع، لا معبود – لدى البوذيين – سواه، وهو لا يقتصر على كونه اله فقط، بل هو مُعلم أيضًا، وجميع مؤيدوه تلاميذ له، ينهلون من علمه ويتبعون تعاليمه، ويبذلون قصارى جُهدهم لخدمته والعمل على راحته، وذلك طمعًا في ثوابه وخشيةً من عقابه.
هذا ويظهر التشابه الكبير بين البوذية والهندوسية، الإله بوذا والإله البراهما، وهذا التشابه كان سببًا في اندثار البوذية واندماجها في الهندوسية، فما دام الإلهين لهما نفس الحقوق وعليهما نفس المهام فما الحاجة إلى وجود الهين، وما دامت الهندوسية هي الأقدم والأكبر فدخول البوذية وانصهارها فيها أحق، وهذا ما حدث بالضبط، حيثُ تقلصت البوذية إلى أقل من واحد بالمئة، بينما اتسعت الهندوسية لتشمل أكثر من ثمانين بالمئة من تعداد الدولة.
السيخية، صهاينة الهند
يتشابه السيخين -الذين يُمثلون واحد ونصف بالمئة من سكان الهند- كثيرًا مع الإسرائيليين، حيثُ بدأ السيخيون ب 500 فرد فقط، ثم أخذوا في نشر تعاليمهم ومُعتقداتهم حتى نموا واصبحوا أكثر من ثلاثة وعشرين مليون نسمة، وتجاوزوا البوذيين الذين يعتبرون أنفسهم أقدم الهنديين وأحق الديانات بالسيادة.
انتهج السيخين نهج الصهاينة، حيثُ حاربوا بكل ما لديهم لإنشاء وطن لهم يقومون فيه بنشر مُعتقداتهم وتعاليمهم، ويجتمع فيه السيخيين من شتى أنحاء العالم، وللوصول إلى هذا الهدف قام السيخيون بالعديد من العمليات الإرهابية وزعزعوا استقرار الهند أكثر من مرة وهددوا أمنها من أجل الرضوخ لمطالبهم بإنشاء وطن خاص بهم.
يُعرف السيخي بشعره، فثمة قاعدة ومعتقد لديهم يأمرهم بترك الشعر وعدم قصه من الولادة وحتى الموت، كما اهتمت هذه الديانة بتفاصيل غريبة كاللباس والطعام، وأجبرت كل سيخي على حمل خنجر صغير للدفاع عن نفسه، ولكي يشعر هو بالقوة، وعلّمتهم أنهم أصحاب هذه الأرض الأصليين، وأنهم سادة والبقية عبيد لهم، تمامًا كما يُردد الصهاينة.
وبالرغم من كل هذه الأديان والآلهة، لا تطفو على الساحة الهندية أي مشاكل تتعلق بالشأن الديني، بل يُمكن اعتبار الدين في الهند مُكمل وليس ضرورة، لذلك قد ينام الهندي على دينٍ ويستيقظ على دين أخر دون أن يُثير ذلك أي مُشكلة، ولهذا أُطلق على الهند دولة المئة رب.
أضف تعليق