في كل مكان ثمة شيء مجهول يُثير اندهاش وتعجب الناس، والحقيقة أن النصب المجهول الموجود في ولاية بنسلفانيا الأمريكية يُعتبر أحد هذه الأماكن الغامضة المجهولة، حتى مع مرور مئة وخمسين عام على الحادثة يظل النصب مُحتفظًا بغموضه وغرابته، فقد شهد ذلك المكان حدوث اختفاء وموت مفاجئ لطفلين صغيرين فطرا قلب الولاية بأكملها عليهما، لدرجة أن الاتهامات في هذا الاختفاء قد طالت أقرب الناس إلى الطفلين، والديهما، حيث تم اتهامهما بقتل الأطفال بغرض در تعاطف الناس معهم والحصول على المساعدات المالية بسببهما، حتى جاءت نهاية القصة عن طريق حلم مجهول لا يزال مشكوكًا حتى الآن في صحته، بل إن هناك من يقول أن صاحبه قد اختلقه من أجل طمس حقائق أكثر غرابة، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على القصة الكاملة لذلك النصب المجهول وما هو ذلك الحدث الغامض الذي بُني من أجله النصب.
النصب المجهول في بنسلفانيا
النصب المجهول بشكل عام هو المكان الذي يُبني به قبر دون وجود جثة صاحب القبر أو وجود جثة دون معرفة صحابها، أو غالبًا يحدث شيء من ذلك القبيل، لكن النصب الذي نتحدث عنه مجهول بسبب اختلاف المعلومات المتواترة عنه، عمومًا في النهاية يبقى غامضًا ومُثيرًا، وهو موجود في حديقة بلو نوب الموجودة في ولاية بنسلفانيا، وهي ولاية ليست شهيرة تقع على أراضي الولايات المتحدة الأمريكية، ويُعتبر النُصب الذي نتحدث عنه هو أشهر معلم من معالم تلك الولاية، ولكم أن تتخيلوا أن نُصبًا مجهولًا يُصب أيقونة لولاية كبيرة تقع في دولة كبيرة مثل أمريكا!
في كل مكان تسير به في شوارع بنسلفانيا، وإذا بدا واضحًا جدًا أنك لست من سكان الولاية، فسوف تجد الناس هناك يُرشحون لك زيارة هذا المكان، سيقولون لك أنه يحتوي على عبق قصة مضى عليها قرابة القرن ونصب، وعندما تكون أمام النصب فسوف تتعجب من اللافتة الموجودة عليه والتي تكاد تكون فارغة من الكلمات المعفى عليها من الزمن، وحينها لن يدور في ذهنك سوى سؤال واحد منطقي، ما هي قصة ذلك النصب؟
بداية قصة النصب المجهول
القصص دائمًا تحتاج أن تُسرد من البداية، والحقيقة أن قصة النصب المجهول الذي نتحدث عنه قد بدأت على يد صامويل وزوجته سوزان، واللذان أنعم الله عليهما بطفلين جميلين اسمهما جوزيف وجورج، حيث كانت أعمارهما سبع سنوات لجورج وخمس سنوات لجوزيف، وقعد عاشت تلك العائلة الصغيرة في كوخ جميل بناه الأب صامويل بيده، وطبعًا عندما نتحدث عن قصة مضى عليها أكثر من مئة وخمسين عام فلا يُمكن أن نتوقع أبدًا أن تكون البيوت شيء بخلاف الأكواخ المبنية من الطين، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الوقت لم تكن بدرجة التقدم والرقي التي هي عليها الآن، لذلك كان كل ذلك طبيعي، لكن ما لم يكن طبيعيًا بالمرة هو ما حدث لتلك العائلة المسكينة في شهر أبريل الواقع في عام 1865، حيث يُمكننا القول أن العاصفة قد حلت في ذلك اليوم المُخيف.
الاختفاء المفاجئ للطفلين
كان يوم عادي جدًا، الأولاد خلف البيت يلعبون والأب والأم منشغلين في عملهما، كان ذلك عندما أطلق الكلب الواقف أمام البيت نباحه، وهنا ظن الأب أن حيوان مفترس أو شخص غريب يقترب من البيت، فأخذ على الفور سلاحه ثم خرج يتحقق من الأمر بالقرب من المنزل وفي كل مكان يُمكن أن يُمثل تواجد حيوان مفترس خطرًا فيه، لكن الأب لم يجد شيئًا، وكذلك لم يجد أطفاله يلعبون خلف البيت كما هو المعتاد، فظن أنهما قد دخلا إلى المنزل لتناول الطعام، وفي نفس الوقت، كانت الأم تزعق على الأطفال من أجل تناول الطعام، لكن أحدًا لم يكن يُجيبها، فظنت هي الأخرى أن الأولاد قد ذهبوا مع والدهم إلى الغابة للبحث عن سبب نباح الكلب.
في لحظة التقاء بين الأب والأم تبين أن كلا الظنين غير صحيحين، فلا الأولاد ذهبوا مع أبيهم ولا كانوا يتناولون الطعام مع أمهم، إذًا، وببساطة شديدة، ودون أي إعمال للعقل، تيقن الأبوين من أن شيء ما خاطئ قد حدث، شيء ما يستدعي إعلان حالة الطوارئ في كافة القرية، بل والولاية كذلك.
البحث عن الأطفال
قبل بناء النُصب المجهول، وقبل حتى أن يتم الجذم بموت الطفلين، تضافر الجميع من أجل القيام بمحاولات البحث التي بدت وكأنها محاولات بحث عن إبرة في كومة كبيرة من القش، فقد كان كل شيء تقريبًا ضد العثور على الطفلين، لدرجة أنه في الليلة الأولى للاختفاء خرج مئة رجل للبحث، وفي الليلة التالية خرج أكثر من ألف رجل دون جدوى أيضًا، كان الأمر مُدهش بحق، وكان من الصعب أن يتوارى طفلين لم يتجاوزا السبعة أعوام في غابة صغير دون أن تعثر عليهما ألف عين ظلت طوال يوم كاملة مُنهمكة في تلك العملية التي بدت شبه مستحيلة.
كان ثمة منطقة جدول مُكدسة بالثلج الذي بدأ في الذوبان، لذلك توقع أحد المُتشائمين أن يكون الطفلين قد ذهبا هناك ثم غدر بهما الجدول وسقطا في الثلج الذي تحول فيما بعد إلى ماء، كان يقول ببساطة أن الأطفال قد غرقوا وماتوا، ولهذا تشجع الناس وذهبوا إلى الجدول وبحثوا به، ولم يكن هناك أثر لأي شيء أيضًا، وهنا كانت أحد العقول المفكرة تُفكر في أمر جنوني للغاية، أمر لم يمر من قبل على ذهن أي شخص من الذين باشروا البحث طوال الليالي الماضية.
هل قتلهما الأب والأم؟
الفكرة المجنونة التي طرأت على العقول المفكرة بعد فشل البحث عن الطفلين أن الأب والأم قد أصابهما الجنون وقاما بقتل أطفالهما ودفنهما في حديقة المنزل، وذلك من أجل كسب تعاطف الناس وجبرهم إنسانيًا على تقديم المساعدات المادية لهم، فقد كانا فعلًا يمران بظروف مادية صعبة، والحقيقة أن تلك الفكرة لم تأخذ وقتًا طويلًا حتى شقت طريقها في عقول الناس وبدئوا في التحرك من أجل التقصي عن الأمر وحقيقته.
تجمع ألف شخص أمام الباب ثم قاموا باقتحامه وهدم الكوخ بأكمله والحفر في كل مكان يُحيط بالبيت، كانوا يبحثون كالمجانين عن الجثث التي يعتقدون أن الأب والأب قد دفنوها تحت المنزل، لكن في النهاية لم يجدوا شيء، ولم يُكلفوا أنفسهم حتى بالاعتذار عن ذلك الظن، بل تركوا البيت وقد تمت تسويته بالأرض ثم ذهبوا يبحثون عن طريقة أخرى يُمكن من خلالها الوصول إلى حقيقة ما حدث للأطفال في تلك الليلة المجنونة.
طرق أخرى للبحث
تيقن بعض الناس أن الطفلين قد ماتا، لكنهم، وكمحاولة أخيرة، فكروا في التواصل مع مستنبئ ماء وساحرة، أما مستنبئ الماء فالمقصود به هو الرجل الذي يعرف أين يتواجد الماء من خلال بعض الأمور الفلكية، ولهذا كان من المنطقي أن يكون العثور على الأطفال أمر لا يختلف كثيرًا عن العثور على الماء، لكنه لم ينجح في الخروج بأي نتيجة، وكأن الأطفال قد تبخروا إلى السماء ولم يعودوا على الأرض حتى يُمكن العثور عليهما.
بالنسبة للساحرة فقد ادعت أنها تعرف مكان الأطفال، ثم طلبت مبلغًا من المال قبل القول بمكانهما، ولما حصلت على المال وقالت بالمكان وذهب إليه الناس لم يجدوا شيء، وهنا كان النفس الأخير يخرج في محاولات البحث المستميتة تلك، حيث تقرر في تلك الليلة عدم البحث مرة أخرى وترك الأمور للأيام القادمة وما ستُفصح عنه.
بداية كشف الستار
انتهى الأمر تمامًا في مكان حدوثه، حتى الأبوين قد أيقنا أن أطفالهما ليسوا بخير، وكيف يكون طفلين لم يتجاوزا السابعة بخير وهم بعيدين عن المنزل؟ لكن الحقيقة أن القصة قد أثرت كثيرًا في نفوس الناس وأصبحوا متعاطفين تمامًا مع الأبوين وحزانى لما نزل بهم من ألم، وفي قرية تبعد قليلًا عن مكان الأحداث كان ثمة مُزارع فقير يُدعى جاكوب قد سمع بالقصة المُتناقلة وأخبر زوجته أنه لا يُريد شيء أكثر من معرفة ما حدث للطفلين من أجل إخبار أبويهما وإراحتهما من الألم الذي يعانيا منه، وفعلًا، في تلك الليلة التي نوى فيها جاكوب ذلك الأمر حدث ما يُمكن تسميته بالمعجزة الصغيرة.
حلم يقود إلى الأطفال
في قرية صغيرة عاش بها المُزارع البسيط جاكوب كانت الأخبار تتناقل باستمرار عن الأطفال وما يُمكن أن يكون قد نزل بهم، الجميع كان يُشفق عليهما وعلى أبويهما كذلك، لكن جاكوب بالذات كان مهتمًا بالأمر لدرجة أنه قد نام في ليلةٍ من الليالي وحلم بأن شيء ما يُدخله إلى الغابة ثم يجعله يقتفي أثره ويصل به إلى بئر صغير، لكن قبل أن يصل إلى البئر في ثلاث ليالٍ متتالية رأى فيها هذا الحلم كان يستيقظ بطريقةٍ عجيبة، وهذا ما كان يُثير جنونه ويجعله يُفكر في الاحتمالات التي يعنيها ذلك الأمر، وفي مرة من المرات قرر أن يذهب إلى قرية الاختفاء ويُخبر ذوي الأطفال بكل شيء.
عندما ذهب جاكوب إلى قرية الاختفاء وأخبر جميع من فيها بما شاهده أثناء الحلم لم يُصدقه أحد في البداية، لكنهم قرروا مجاراته بما أنهم لن يخسروا أي شيء في النهاية، وفعلًا عندما ذهبوا إلى البئر ونظروا به وجدوا رفات الأطفال موضوعة بجانب بعضها، وهنا ظهر سؤال جديد مُحير، ما الذي حدث بالضبط؟
شكوك حول رواية جاكوب
طبعًا الجميع لم يأخذ انطباع الانبهار بحلم جاكوب ولم يُهلل بأن ذلك الرجل حقًا ولي من أولياء الله المكشوف عنهم الحجاب، بل كانت كل الاستطلاعات تقول في البداية أنه يجب الانتباه إلى ذلك الرجل والشك به وبروايته المجنونة، حيث كانوا يعتقدون أنه قد قتل الأطفال ثم حاك تلك القصة وكشف عن مكانهما نظرًا لشعوره بالذنب حول حالة الأبوين التي صارت يُرثى لها، لكن أيضًا كان ثمة أشياء توقف ذلك الظن أهمها أن جاكوب قد أثبت عدم تواجده في القرية من الأساس وقت الجريمة، كما أن جميع من يعرفونه شهدوا له بعظيم الأخلاق.
في النهاية توصل الجميع أن الأطفال قد خرجوا للعب بصورةٍ عادية لكنهم تعمقوا هذه أكثر داخل الغابة حتى سقطوا سهوًا داخل ذلك البئر مما أودى بحياتهم وجعلهم يُصبحون لغزًا كل هذه الفترة، عمومًا، تم بناء النصب المجهول وأصبح معلمًا من معالم القرية بل والدولة بأكملها، فلا يزال الناس حتى الآن ينظرون إليه ويتذكرون المأساة التي حدثت قبل قرون.
أضف تعليق