الموتى الأحياء أحد الصيحات الغريبة في السينما الغرية، وكذلك في الأدب، تنوعت أساطير الرعب التي نراها اليوم في الأفلام ونقرأها في روايات أدب الرعب، حدثني عما تراه وتعرفه أنت من كلمة رعب عن الأساطير التي سمعت بها وعرفتها، مصاصو الدماء هم الأشهر أليس كذلك؟ مذؤوبون؟ أكلة لحوم البشر أشباح وعفاريت متقمصون متحولون وحش بحيرة لوخ نس سحرة ومشعوذون وحوش وغيلان سفاحون وقتلةٌ مجانين أخبرني أكثر، زومبي؟! ومن هؤلاء؟ الموتى الأحياء كما يسمونهم في مناطق أخرى! هل يعود الموتى من قبورهم ثانيةً؟ يا للفرحة فبعد أن فقدناهم عادوا! لا تكن متأكدًا فربما عادوا ليفتحوا أبواب الجحيم على رؤوسنا فالحياة والموت بينهما طريقٌ أحادي الاتجاه، والكائن الذي يعبره بالمعكوس لهو الهول يمشي على قدمين فاهرب.
لنضئ الأنوار ونتحدث بواقعية من أين أتى الزومبي أو الموتى الأحياء وما حكايتهم؟ أي خيالٍ ذاك الذي جعل الإنسان في وقتٍ من الأوقات وبلدٍ من البلاد يفكر في شيءٍ بهذه البشاعة وينشرها للعالم، كل أسطورةٍ كان لها يومًا بداية وأصلٌ وسبب، بعضها كان من قديم التراث وامتزج مع الأحداث والعادات والتقاليد والتاريخ والحكايات لمنطقةٍ معينة فخرج لضوء النهار، تبدو كل تلك الأساطير كأنها بدأت كقصص الجدات يخوفون الصغار ليلًا ليخلدوا للنوم لكنها مع الوقت صارت تخيف الكبار قبل الصغار ويؤمنون بها ويحملون لها الخوف والرهبة والإجلال والاحترام، فكيف بدأت أسطورة الموتى الأحياء؟
الموتى الأحياء : منشأ الأسطورة
وإلى جامايكا
هل تعرف جامايكا؟ إن لم تكن تعرفها فلا تحاول إقناعي أنك تعرف شيئًا عن الأساطير وقصص الرعب، إن لم يخطر بخيالك لحظة سماع اسمها صورة المشعوذة سمراء البشرة نخرة الأسنان والدخان يتصاعد من حولها وأوراق التوت بين أصابعها فما زلت غير جديرٍ بعالم الرعب، إن لم تمر كلماتٌ كسحر الفودو ودمى الفتيش ببالك فصدقني يفوتك الكثير، ما مشكلتها جامايكا؟ إنها ببساطة هي -أو كما قيل عنها- موطن أسطورة الموتى الأحياء ومبعثها، وربما جار الموطن أي جزيرة هاييتي التي تقع شرقها، من قلب الاثنتين خرجت تلك القصة المخيفة، ويُقال أن شعبهما عاش لفترةٍ ليست بالقليل في حالة رهبةٍ وخوفٍ من تلك الأسطورة وأنها كانت مبعث رعبٍ بين هؤلاء الناس حتى أنه أتت عليهم فترةٌ من الفترات كانت جلّ أمانيهم ألا يتحولوا إلى زومبي بعد مماتهم ويبقوا راقدين بسلامٍ في قبورهم تحت التراب،لكن في الأسطورة يبدو أنه لم يكن جميعهم محظوظين لينالوا موتًا هنيئًا كهذا، ففي الأسطورة كانت تلك هي أرض الموتى الأحياء.
ماذا قالت الأسطورة؟
الأسطورة ببساطة تحكي عن مجموعةٍ من سحرة الفودو على ضفاف النهر وتحت القمر يمارسون السحر الأسود إما على أنفسهم وإما على الآخرين، أمرٌ في منتهى البساطة ثم بعد موت المقصود بتلك اللعنة بثلاثة أيام يستيقظ من موته ويسيح في الأرض، لكن بدلًا من أن يسعد به أهله وبنوه فإنهم يتجنبونه وليسوا وحده وإنما يتجنبه كل أهل القرية والغريب والبعيد، كيف يعرفونه؟ من جثته طبعًا فعودته من الموت لا تعاني أنه صار حيًا يُرزق وإنما هو ما زال جثةً آخذةً في التحلل يتساقط جلدها ولحمها وتظهر عظامها للعيان يسير بشكلٍ آلي لا يقترب من أحد ولا يحادث أحد لا يأكل ولا يشرب ولا ينام ولا يفعل شيئًا مما يفعله الأحياء وليته يفعل فعل الموات على الأقل، يبث الرعب في القلوب وقيل أن الميت لو كانت له بعض الصفات أو العادات المعينة أثناء حياته فهي تظل موجودةً بعد عودته من الموت مرةً أخرى، لا احتياجًا للقيام بها وإنما هي من قبيل العادة التي تميزه عن غيره من الموتى الأحياء فحسب.
لكن لماذا؟
سؤالٌ منطقيٌ جدًا أن نسأله لماذا يقوم السحرة بذلك وما الهدف منه؟ مما هو واضح ليس الأمر نتاج اشتياقٍ أصاب شخصُا نحو عزيزٍ عليه فقده فأراد أن يحييه مرةً أخرى، فهم يعودون بلا شخصيةٍ ولا ذاكرة ولا أي صفةٍ من صفات الأحياء فلماذا؟ الرد ببساطة هو السعي نحو السلطة والنفوذ، الحصول على الكلمة العليا والقوة والمال وأن يكون الساحر صاحب كلمةٍ مسموعةٍ وأمرٍ نافذ، البحث عن الخدم بلا مقابل عند عبيدٍ وجنود، كان السحرة حسب الأسطورة يسخرون جيشًا كاملًا من الزومبي تحت إمرتهم ينفذون لهم كل ما يطلبونه بدون أن يطالبوا بأي شيءٍ أو يتذمروا أو يتعبوا، بجانب الخوف الذي يبثونه في قلوب الأحياء في الأساس طبعًا بهيئتهم وكونهم ملعونين وعبيد سحرة فودو وأمواتًا يسيرون فوق الأرض! من بالله عليك سيقف في طريقهم أو يتصدى لهم؟
هل هناك أصلٌ حقيقي لتلك الأسطورة؟
بالطبع لكل شيءٍ أصل فلا شيء يأتي من الهواء هكذا، والسحر حق والسحرة كانوا موجودين في فتراتٍ كبيرةٍ من التاريخ ومعروفين قديمًا، لكن كإنسان العصر الحالي العالم المثقف وكصاحب ديانة سماويةٍ يؤمن بها هل يمكن للسحر مهما بلغ من القوة والتلاعب أن يعيد الموتى من قبورهم؟ بالطبع لا! إذًا ما الذي فعله هؤلاء السحرة؟ هنا تدخل علماء النبات يفكون اللغز أو يحاولون على الأقل ويستندون على استنتاجاتهم بقدم تلك الفترة التي ظهرت فيها أسطورة الزومبي الأحياء وشيوع الجهل وتأخر العلم والطب حتى أن الناس كان من الممكن أن يدفنوا شخصًا في غيبوبة ويحسبوه ميتًا، فكان السحرة يستخدمون نوعًا من السموم يستخلصونها من بعض النباتات والأعشاب ويحقنون بها ضحاياهم ليدخل في غيبوبةٍ تامة لعدة أيام، وهي الأيام التي قيل في الأسطورة أن الشخص يقضيها في القبر قبل الخروج منه، ثم بعد ذهاب التأثير يستيقظ الرجل فيُخرجونه من قبره ويحقنونه بالمهلوسات التي كانت سببًا في تلك الحالة المرعبة التي ذُكرت في الأسطورة، فيسير الرجل بين الناس مترنحًا رث الثياب بدنه مشبعٌ بطين قبره المنبوش وهو يهلوس لا يذكر شيئًا ولا يعرف أحدًا، وبالطبع يُصاب الناس بالهلع بعد أن دفنوه بأيديهم يظهر لهم مترنحًا في الشارع! من الانتحاري الذي سيحاول الاقتراب منه ليتأكد؟
أحمد خالد توفيق يكتب
من يعرف أحمد خالد توفيق لن يغيب عنه سبب ذكري له هنا فهو مربي أجيال الشباب على قصص الرعب والفانتازيا وسلسلة رواياته الشهيرة ما وراء الطبيعة، كان لـد.رفعت إسماعيل بطل سلسلة رواياته حادثةٌ ذات مرةٍ رواها لنا مع الموتى الأحياء في كتيبه الخامس من السلسلة، واحدةٌ من أقدم قصصه وأجملها بالنسبة لي شخصيًا حين ذهب لزيارة تلك الجزيرة وكونه نحسًا يمشي على قدمين طارده الموتى الأحياء يريدون رأسه، لكن كعادته كان ينتهي به وبنا المطاف في منحنى من الكوميديا السوداء فوجدناه أخذ بالقصة في منحنى آخر تمامًا عندما تبين في النهاية أن جماعة الزومبي تلك لم تكن ببساطة سوى جماعةٍ من المساكين المدمنين مرضى الجذام! ومرض الجذام هو مرضٌ جلدي ومناعي يتسبب في تآكل اللحم والجلد وتساقط الأطراف حتى تظهر العظام، تمامًا كما هم الزومبي وكان صاحب تلك المصحة رجلًا مجنونًا مهووسًا بالسلطة فبدلًا من علاج مرضاه جندهم عنده وأعطاهم العقاقير والمهلوسات ليصبحوا عبيدًا له، قصةٌ ساخرة ونهايةٌ صادمة إلا أن الموتى الأحياء دخلوا بقوة كأسطورةٍ مرعبةٍ في عالمي السينما والأدب وخرجت لنا العديد من الروايات والأفلام القوية تحمل قصتهم ورعبهم، أسطورةٌ أخرى مرعبة تضاف لمتحف الأساطير على الرف العلوي البارز.. وستبقى.
أضف تعليق