تُعتبر المدن الضائعة واحدة من المعجزات الخالدة على مر التاريخ، فالإنسان حين يفقد شيئًا ما، ولو كان مُجرد إبرة في كومة من القش، فإنه يبحث جاهدًا حتى يصل إليها، بل إن إمكانية العثور عليها من الأساس تكون قائمة، لكن، التاريخ يشهد أن البشرية بأكملها قد ضاعت منها أشياء كان من المستحيل أصلًا ضياعها، ولم تعثر على أشياء كان من المفترض أن يكون العثور عليها أمر سهل، وهذه الأشياء ببساطة هي المدن الضائعة، فقد فُقدت منذ بدء الخليقة وحتى الآن أكثر من عشرة آلاف مدينة، دعونا نتعرف سويًا في السطور الآتية على أشهرها وأهمها.
أهم المدن الضائعة على مر التاريخ
كيف يحدث ذلك؟
قبل أن نتعرف على أشهر وأهم المدن الضائعة يجب علينا أولًا التعرّف على كيفية حدوث ذلك الضياع، فهو ليس كما سيظن البعض من الوصف، اختفاء المدينة بالخسف تحت الأرض أو الرفع إلى السماء، وإنما يكون الضياع المقصود بطرق أخرى، أهمها مثلًا الهجرة، والهجرة هنا تعني أن يقوم كل أهالي المدينة بلا استثناء بتركها، ليس هذا فقط، بل أن يفنوا جميعًا قبل أن يتمكن أحد غيرهم من الوصول إليها، كما أن ثمة طريقة أخرى طبيعية تحدث عن طريق الظهور المفاجئ للغابات، والتي تُحاوط المدينة حتى يُصبح من الصعب العثور عليها، وهناك أسباب أخرى لكنها قد لا تبدو منطقية بعض الشيء، لكن الأمر الوحيد المؤكد أن التاريخ يشهد بوجود مدن قد تعرضت بكاملها للضياع.
البتراء، أشهر المدن الضائعة
تُعد مدينة البتراء واحدة من أشهر المدن الضائعة، وربما تكون شهرتها قد ازدادت بعد انتشار الأنباء التي تؤكد على أنها تابعة لمدينة ثمود المذكورة في القرآن الكريم، وأن من قاموا ببنائها هم الأنباط، والواقع أنه لا أحد يعرف متى كانت بداية البتراء بالضبط، الشيء الوحيد المعروف أن اكتشافها جاء في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي.
تم اكتشاف مدينة البتراء في الأردن، وقد وُجد أنها مدينة كاملة تقبع في الصخور، أو بمعنى أدق، منحوتة داخل الصخور، وربما هذا ما يُعطيها جمالًا جعلها تتنافس مع مدن أخرى على لقب أجمل مدينة في العالم، وقد حصلت بالفعل على المركز الثاني في مسابقة مُتخصصة في هذا الشأن تحمل اسم عجائب الدنيا السبع.
مدينة القياصرة، المدينة المتجولة
عُرفت مدينة القياصرة منذ عدة عقود على أنها واحدة من أشهر المدن الضائعة، لكن الحقيقة أنه لم يثبُت حتى الآن وجودها من الأساس، أي أنها لم توجد لتضيع، وقد حظيت بشهرة كبيرة من الأشعار والروايات فقط، حتى تفاقم الأمر وأصبحت شبه مؤكد وجودها، بالرغم من عدم وجود ما يُثبت ذلك كما ذكرنا.
تعرف مدينة القياصرة بين المعترفين بها باسم المدينة المتجولة، وهو في الحقيقة وصف للمدينة أكثر من كونه مجرد اسم لها، حيث أكد المؤمنون بها أن تلك المدينة أخذت تتنقل من مكانٍ إلى آخر حتى اختفت وضعت في إحدى مناطق أمريكا الشمالية، كما يرون أنه من المتوقع ظهورها مرة أخرى في نهاية العالم، لكن كل هذا يظل مجرد أسطورة حتى يتم العثور على ما يُثبته أو يُنفيه.
مدينة ممفيس، مدينة الفراعنة
تُعتبر مدينة ممفيس أيضًا واحدة من المدن الضائعة الشهيرة، وقد ازدادت تلك الشهرة بسبب وقوع المدينة ضمن نطاق واحدة من أشهر الحضارات الموجودة على الأرض، وهي الحضارة الفرعونية، حيث قيل في كثير من الكتب أن تلك المدينة كانت في الأساس العاصمة الفرعونية الأولى.
بُنيت مدينة ممفيس قبل ثلاثة آلاف عام، وقد استغرق بناءها ربع قرن، إلا أنه عندما تم إنجازها تم اعتبارها كواحدة من أكثر المدن جمالًا في المدن الفرعونية القديمة، وربما لهذا السبب تم نقل العاصمة الفرعونية إليها، وعاش فيها العديد من الملوك، حتى جاءت سنة من سنوات الفيضان الشديدة وأغرقت المدينة بأكملها حتى أخفتها، ولم يتم العثور بعدها سوى على بعض التماثيل والنقوشات، أما المدينة نفسها فما زالت مفقودة حتى الآن.
مدينة بومباي، ضحية البراكين
لا تُعتبر مدينة بومباي واحدة من أشهر المُدن الضائعة وحسب، بل هي أيضًا أحد أشهر المدن الهالكة على مر التاريخ، فقد هلكت عن بكرة أبيها في أغسطس القابع في العام التاسع والسبعين ميلاديًا، وذلك عن طريق بركان يُدعى فسيوفيوس، كان نتيجة لأفعالهم الشنيعة التي خلدها التاريخ.
تقع مدينة بومباي بالقرب من البحر الأبيض المتوسط، وبالطبع هذا يعني أننا لا نتحدث عن مدينة بومباي التي تقع ضمن حدود الهند، وإنما تلك التي كانت تقع بالقرب من السواحل الإيطالية ويحكمها الإمبراطور نيرون، فقد كانت مدينة تعج بحوادث الزنا، حتى قيل إن عقابهم جاء عن طريق البركان الذي أفناهم جميعًا مع مدينتهم.
اكتشاف مدينة بومباي كواحدة من المدن الضائعة جاء في القرن الثامن عشر، حيث عُثر، للغرابة، على بعض الجثث المتحجرة، وقد كانت بحالة يسهُل معها تحديد ملامحها، وكأنها قد خُلدت خصيصًا حتى يراها الناس ويعرفوا الجرم الذي ارتكبوه وأدى إلى هذا المصير.
أنجور، مدينة المعابد
أصبحت مدينة أنجور من المدن الضائعة بسبب الغابات التي نشأت تحتها وحولها، حيث اختفت تمامًا حتى تم نسيانها وأصبح من الصعب العثور عليها، بالرغم من أنها تحتوي على أكبر عدد من المعابد والأماكن الدينية، لذلك تم تسميتها باسم مدينة المعابد.
تقع مدينة المعابد في منطقة كومبوديا، وقد اختفت تمامًا كما ذكرنا بسبب الغابات التي نبتت فيها، لكن كان هناك سبب آخر وهو البحيرات التي تفجرت من تحتها، مما تسبب أيضًا في إغراق مُعظم أجزائها وإخفائه، لكن في الآونة الأخيرة بدأ العثور على بعض ما يُثبت وجود هذه المدينة في يومٍ من الأيام.
مدينة طروادة، مدينة الكُتب
مدينة طروادة ليست واحدة من المدن الضائعة فحسب، بل هي أيضًا واحدة من أشهر المدن الأسطورية على مر التاريخ، فقد قيل عنها في كُتب وأشعار اليونانيين ما جعلها شبه حقيقة مُطلقة، بالرغم من عدم وجود ما يُثبت قيامها من الأساس، وهذا ما حد ذاته أمر غريب.
تقع مدينة طروادة، حسبما تقول الأساطير، ضمن حدون تركيا، وقد كانت، كما تقول الأساطير أيضًا، شاهدة على أشهر معارك التاريخ وأغربها، تلك المعركة التي قامت من أجل امرأة وانتهت بحرق المدينة بأكملها وضياعها، وبالطبع جميعنا سمع عن بطل الأسطورة أخيل وما فعله في حرب طروادة، لكن ما لم يسمع به أحد حتى الآن هو زمن وقوع هذه الحرب أو مكانها بالتحديد، وهو ما يدفعنا إلى معاودة الكرة للتفكير من جديد في إمكانية عدم وجود مدينة بهذه المواصفات سوى في الأساطير، إلا أنها بالرغم من ذلك لا تزال تُعد واحدة من أشهر المدن الضائعة، على الأقل بالنسبة لليونانيين.
الدور ادو، مدينة الذهب
تعد مدينة الدور ادو واحدة من المدن الضائعة التي يحلم الجميع بالوصول إليها يومًا ما، كيف لا وهي مدينة الذهب، التي تعج بقصور ومنازل مصنوعة من الذهب الخالص والجواهر والحلى!
بدأت الرحلات إلى مدينة الدور ادو منذ القرن السادس عشر، لكن حتى الآن لم يتم العثور على أي آثار لها بالرغم من التأكيد على وجودها في إحدى المناطق الشمالية بالقارة الأمريكية الجنوبية، وقد الكثير من الباحثين نحبهم أثناء البحث عن تلك المدينة، وما زال الكثير غيرهم مستعدون لبذل كل ما لديهم من أجل العثور عليها والظفر بما فيها من كنوز.
أضف تعليق