ماذا يمكن للانسان ان يفعل عندما يفقد ثروته ومجده وسطوته وما الثمن الذي يكون مستعدا لدفعه مقابل ان يعود له ما فقده , كل الاثمان ممكنة لكن ما قدمه المارشال غيل دي ري كان غريبا من كل النواحي , ما قدمه كان ارواح اطفال صغار قرر القضاء عليهم بطريقة وحشية لإرضاء الشياطين كما اوهمه احد السحرة بذلك وما زاد من وحشية المشهد واجرامه الاعتداء عليهم جنسيا وتعذيبهم بأسوأ طرق التعذيب .
غيل دي ري : المارشال قاتل الاطفال
الجانب المشرق . البدايات والصعود للقمة
غيل دي ري مارشال فرنسي عاش في بدايات القرن الخامس عشر ومنذ نعومة اظفاره لم يترك بابا من ابواب التفوق والمجد الا وطرقه فقد وفر له والده كل الامكانات لتلقي ارقى تعليم وتدريب في ذلك الوقت , وهو ما جعل منه شاعرا وموسيقي وكاتب وخطاط بارع, لكن في سن الخامسة عشرة توفي والديه وهو ما جعل طموحاته العلمية والادبية تصاب بنكسة بعد ان انتقل للعيش مع جده الذي رأى فيه شخص اخر مختلف تماما فقد اراد له ان يضيف الى التفوق في التعليم تفوق اخر ايضا في ميادين القتال فدفعه الى تعلم الفروسية وما هي الا سنوات قليلة حتى شارك في حرب المائة عام التي خاضتها فرنسا ضد انجلترا , اظهر فيها شجاعة دفعته بقوة الى رأس الهرم العكسري حيث حصل على لقب مارشال وهو اعلى لقب عسكري فرنسي في تلك الفترة .
على الصعيد المادي ساعدته احلام جده في تحقيق ثروة في فترة قصيرة فقد اصر على تزويجه من ابنة عائلة ثرية من طبقة النبلاء , وقد مكنه ذلك من امتلاك عدة قرى وقلاع وزاد من سطوته على العامة في المناطق التي بسط نفوذه عليها.
الابتعاد عن العسكرية والسقوط نحو الهاوية
في سن الثامنة والعشرين فقد غيل دي ري جده _وعلى ما يبدو فإن وجود جده هو ما كان يحفزه على الانخراط في الاعمال العسكرية والسعي وراء النياشين والبطولات _ فقرر العودة الى حب الطفولة الذي اضطر للتخلي عنه لإرضاء رغبات جده فعاد الى الشعر والموسيقى والروايات .
كان اعظم ما فكر فيه هو تأليف مسرحية ضخمة احتوت على اكثر من خمس مائة ممثل وهو ما اضطره لإنفاق مبالغ طائلة قضت على معظم ثروته ولكن ذلك لم يمنعه من البذخ للاحتفال بعمله بطرق مجنونة وصلت الى تقديم الوجبات والمشروبات لجميع جمهور مسرحيته بل انه قدم بعض الهدايا الثمينة لذوي الشأن منهم وهذا جعله يلجأ للإستدانة وبطريقة مجنونة , مما دفع عائلته للطلب من الملك الحجر على املاكه حتى لا يبدأ ببيع بعض العقارات والمعالم التي تمثل فخر العائلة وتتعلق بشرفها بين عائلات النبلاء, ومع الحجر على املاكه ووضعه مباشرة تحت الرقابة الملكية وملاحقة عشرات الدائنين له جعله يعزل نفسه في قلعته قرب قرية ماكيكول, وفي هذة القلعة حدث له اسوأ ما قد يصيب انسان في حالته وهو ان تعرف على رجل دجال يدعى فرانسسكو بريلاتي اوهمه انه يمكن ان يستعيد كل ما فقده عن طريق السحر والشعوذة .
ابشع الجرائم في سبيل الثروة والمجد
بدأ غيل دي ري بإستدراج الاطفال والفتيان الفقراء الذين يلجأون الى قلعته بحثا عن بعض الاكل الذي يرميه سكان تلك القلاع بالعادة وعن طريق الاغراء بالمال والاكل والملابس الجميلة استطاع ادخالهم الى القلعة وتنفيذ جرائمه .
كانت الجرائم ترتكب بوحشية وسادية لم يسبق لها مثيل بناء على توصيات المشعوذ الذي يبدو انه لم يكن في قلبه ذرة انسانية او شفقة فقد قام خادمي غيل _وهما الوحيدان اللذان كانا يعرفان بما يقترفه سيدهم ويساعدانه_ بربط الضحية ثم يقوم غيل بالاعتداء عليه جنسيا او التحرش به بطرق مقززة ثم يتم جرح معصميه ورجليه ويترك لينزف حتى يموت ومما زاد من وحشية المشهد هو انه كان يضع ركبته على صدر الفتى ويراقب الامه وتوسلاته حتى يلفظ انفاسه الاخيرة , ولم يكتف بذلك بل انه كان يخرج امعاءه واعضاءه الداخلية ويعبث بهما قبل ان يتحول الفتى الى جثة هامدة ثم يتم حرق الجثة ونثر رمادها في المناطق المجاورة للقلعة.
انكشاف الجريمة والعقاب العادل
مع زيادة عدد الاطفال الذين فقدوا حول قلعة غيل دي ري حامت معظم شكوك الاهل حوله ولكن الحصانة التي تمتع بها كونه مارشال ومن طبقة النبلاء منعت تلك الشكوك من ان تتحول الى شكاوى تقدم لأي جهة ممكن ان توقفه عند حده وتعاقبه على ما اقترف من جرائم , لكنه جلب العقاب لنفسه بنفسه فقد قام بأكبر خطأ قد يقع فيه شخص في تلك الحقبة وهو الاعتداء على احد رجال الكنسية وقد كانت الكنائس هي اعلى سلطة في فرنسا , وهو ما جعل الكنسية تلاحقه وتفتح تحقيق بالشكوك التي حامت حوله , ومع توالي الشكاوى التي قدمت ضده تم القبض عليه في عام 1440 وتحويله للتحقيق .
خوف غيل دي ري من الذل والمهانة والتعذيب القاسي الذي كان يستخدمه المحققون في تلك الفترة جعله يعترف بسرعة بجرائمه التي تقشعر لها الابدان , وما هي الا ايام معدودة حتى تم تنفيذ الاعدام فيه في احد الساحات العامة في مدينة لا دي بيس , ورغم صدور القرار بإحراق جثته من مساعديه بعد انتهاء عملية الشنق مباشرة لم يتم حرق الجثة بل نقلت الى مكان مجهول ودفنت وذلك لعدم جواز حرق جثة رجل من طبقة النبلاء في تلك الفترة .
تلك النهاية كانت نتيجة طبيعية وعادلة لذلك المجرم الي تخطى كل ما هو انساني في جرائمه التي ارتكبها ضد اكثر البشر براءة على وجه الارض , لكن ذلك لم يمنع بعض المشككين في عمل الكنيسة من الادعاء ان قضية غيل دي ري لم تكن الا مجرد تهم ملفقة من الكنيسة بعد ان حاول القائمين عليها الاستيلاء على املاك غيل دي ري لكن تلك الادعاءات ليس لها ما يدعمها من دلائل تاريخية او منطقية فأملاكه كانت كلها ستعود للملك وليس للكنيسة كما كان ينص القانون الفرنسي كما ان كل الشهادات ضده ما زالت محفوظة الى اليوم في سجلات الكنيسة الفرنسية وبالتالي لا يمكن القول ان فساد الكنيسة وصل الى القضاء على بعض قادة الجيش الفرنسي الذين قدموا الكثير لفرنسا .
تعكس قصة غيل دي ري مدى ما يمكن ان يصل اليه الشخص من اجرام اذا سلم عقله وروحه للمشعوذين والدجالين وسعى لإرضاء الشياطين كما يقومون بإيهامه فقد تحول من فارس شجاع وقائد عسكري وفنان وكاتب مبدع الى مجرد قاتل مقزز لا يتورع في الايتان بأبشع الجرائم .
أضف تعليق