تسعة مجهول
الفاتيكان
الرئيسية » معــالـم قــديـمــة » الفاتيكان : دولة أم مدينة أم مدينة داخل دولة ؟

الفاتيكان : دولة أم مدينة أم مدينة داخل دولة ؟

الفاتيكان هي المكان الأكثر قدسية بالنسبة للمسيحيين الكاثوليك حول العالم، نتطرق في هذه السطور لنشأة الفاتيكان وتحولها إلى المركز الروحي الرئيسي للمسيحيين.

تُعد مدينة الفاتيكان المعروفة دوليًا بدولة الفاتيكان واحدة من مُعجزات هذا العالم المُحيرّ، وذلك لما تمتلكه من مقومات ومؤهلات غريبة جعلت منها دولة يُعترف بها رسميًا وتحرص أكثر من 178 دولة على إقامة سفارات بها وتبادل الزيارات والعلاقات المشتركة معها، في الوقت الذي تسعى فيها دولة كبيرة غير مُعترف بها مثل فلسطين إلى الاعتراف بها دوليًا، رغم أنها تمتلك أضعاف أضعاف ما تملكه الفاتيكان والتي مرّ على تأسيسها ما يقترب من قرن، قرن كامل ومازال العالم يسأل، كيف ومتى ظهرت الفاتيكان؟

الفاتيكان: كل ما يخصها

كيف ظهرت الفاتيكان؟

من يُصدق أن دولة الفاتيكان عبارة عن دولة داخل دولة؟، أجل فالفاتيكان بالأصل جزء من دولة إيطاليا تقع داخل حدود عاصمتها روما، أي أن الدولة بالمثل تتبع قارة أوربا، بل وتمتلك مقاعد في كافة المجالس الدولية مثلها مثل باقي الدول التي يمتد تاريخها لألاف السنين.

الدولة بالشكل الحالي لم تكن موجودة قبل عام 1929، تحديدًا قبل عقد اتفاقية لاتران الثلاثية والتي أقيمت في قصر لاتران بين الحكومة الإيطالية المُتمثلة في موسوليني وممثل الكنيسة البابا بيوس، ونصت هذه الاتفاقية على أن يكون الحكم في الفاتيكان حُكمًا بابوبيًا، يتبع باب الكنيسة كمنصب شرفي، ويقوم بابا الكنيسة بتعيين رئيس لمجلس الوزراء لإدارة شئون البلاد، تلك البلاد التي يُمكن أن تجتمع بأكملها في قاعة واحدة في وقت أقل من عشرة دقائق.

دولة الفاتيكان

الفاتيكان دولة – كما يقول العالم- لا تتجاوز مساحتها 0،44 كيلو متر مربع!، وربما يكون من المُدهش أن تتم مُعاملة مدينة صغيرة بهذا الحجم معاملة دولة عادية، لكن الأكثر إدهاشًا هو عدد سكان هذه المدينة المُسماة دولة، حيثُ يأمل سكان هذه الدولة أن يرتفع عددهم قبل عام 2020 إلى ألف نسمة!

أجل كما سمعتم، هذه الدولة لا تتخطى حاليًا ال 800 نسمة، أي أنها أصغر بكثير من عائلة واحدة في حي شعبي فقير قد تجتمع كلها على طاولة واحدة لتناول وجبة العشاء معًا!

الدولة بأكملها تُعتبر تُحفة أثرية كما اعتبرها اليونيسكو، أي أن السياح غير مجبورين على البحث في الدولة عن مناطق أثرية، بل أن وجودهم في هذه الدولة يُعد في حد ذاته جولة سياحية، رغم أن المعالم داخل هذه الدولة لا تتعد الكنيستين الموجودتين فيها، لذلك يتم اعتبار المطبعة والمدرسة والمسجد هناك مَعلمًا سياحيًا.

النشيد الوطني

قام المؤلف الفرنسي شارل غونو بتأليف نشيد وطني لهذه الدولة في منتصف القرن التاسع عشر كهدية للبابا، لكن هذا النشيد لا يتم استخدامه في المحافل الرياضية وذلك لعدم تواجد محافل رياضية في الأساس، فلا وجود لدوري كرة قدم وبالتالي لا وجود لما يُسمى ب “منتخب الفاتيكان”، لكن يتم تعويض ذلك بإقامة مباراة كل أسبوع يحضرها كل سكان الدولة، ليصبح الأمر أشبه بمعجزة، فمن المستحيل حضور جميع سكان أي دولة في العالم – عدا الفاتيكان- مرة واحدة في ملعب واحدة، ومن هنا تأخذ الفاتيكان تفرّدها.

في الدولة أيضًا لا توجد مطارات أو موانئ، وثمة وجود طفيف للقطارات، كذلك يندر وجود المحلات التجارية لقلة سكان الدولة وعدم الحاجة إلى ذلك، بل إن البعض يذهب إلى روما خصيصًا لشراء احتياجاته، وهذا رسميًا يُعد سفرًا من دولة إلى أخرى، لكن الأمر برمته في الحقيقة لا يأخذ أكثر من نصف ساعة.

المناخ

المناخ في الفاتيكان بالطبع يشبه المناخ في إيطاليًا، شتاء شديد البرودة وصيف معتدل،ورغم عدد السكان الدولة الداعي للسخرية ثمة قوانين حازمة تمنع من إعطاء الجنسية الفاتيكانية لأي فرد من خارج البلاد إلا بعد أن يجتاز العديد من الاختبارات، وهذا في حد ذاته يُعتبر أمر داعي للدهشة، حيثُ أنه من الطبيعي أن تجتذب الفاتيكان المواطنين من كل حدبٍ وصوب لزيادة عدد سُكانها، بل وتُسهل من عملية الحصول على جنسيتها، لا أن يتم معالجة الأمر بهذه الطريقة التي تفتح الباب للقول بأن الكنيسة لا ترغب في زيادة عدد سُكانها حتى تظل معجزة العالم وتُحفته إلى أمدٍ طويل، وهو تبريرٌ منطقي وجائز.

على النقيض، تمنع الفاتيكان مواطنيها من تولي منصب الحرس الكنسي للبابوبية، وتشترط لهذا المنصب شخص أجنبي، وقد تم تفسير ذلك أيضًا بعدة تفسيرات أهمها خوف الكنيسة وحرصها على الحكم، خاصةً وأن الاستيلاء على الحكم في هذه البلاد قد يحدث بسكينٍ صغير يحمله القائم بالانقلاب، لكن هذا القول لا يستند على دعامة حقيقية ولا يُمكن القول به لأنه وببساطة لا يوجد عقل قد يُفكر في الاستيلاء على الحكم في دولة ليس فيها سوى كنيسة وبعض المحلات التجارية، حتى إن الاجتماعات والمشاورات والأشياء التي تخص دولة الفاتيكان تحدث جميعها داخل الكنيسة أو في منزل البابا.

تتبع الفاتيكان جيش إيطاليا عسكريًا، فهو المُخول بحمايتها في أوقات الحروب، سواء الداخلية أو الخارجية، وذلك حسب ما تنص عليه اتفاقية لاتران الثلاثية، وإن كان هذا الأمر مُستبعد من الأذهان، فلا يوجد شخص في العالم قد يطمع في دولة لا تتجاوز الألف نسمة، إلا إذا كان ينتوي أن يحكم نفسه.

مُعجزات صغيرة داخل الفاتيكان

في الفاتيكان لا صوت لبكاء الأطفال، في الدولة أصلًا لا توجد أطفال، ويرجع ذلك إلى عدد الدولة الكُلي والذي لا يتجاوز الألف نسمة حاليًا، السدس تقريبًا يعمل كحرس للبابوبية، والربع من السفارات والمؤسسات الخارجية الموجودة داخل الدولة، فيتبقى ما يزيد عن النصف بقليل، وبما أن أغلب النساء تهب نفسها للكنيسة تندر حالات الزواج وبالتالي تندر كذلك حالات الولادة، حتى عندما يُولد طفل في مكان ما في الفاتيكان يُبادر أهله في تسجيله تبعًا للحكومة الإيطالية، لما تتمتع به الجنسية الإيطالية من مميزات، بل إن الطريف في الأمر أن المرأة الفاتيكانية قد يُراودها المخاض في الفاتيكان في تمام التاسعة وتتمكن من الولادة في إيطاليا قبل حلول التاسعة والنصف، نظرًا لقُرب المسافة بين الدولة وروما، نصف ساعة تقريبًا، وبالطبع لا وجود للتأشيرات بين البلدين.

في الفاتيكان أيضًا لا وجود لقنوات فضائية رسمية تابعة للدولة أو خاصة، كما لا توجد محطات إذاعية أو راديو، حيثُ تُعقد اجتماعات في الكنيسة يحضر فيها جميع سكان الدولة، ويتم بها إلقاء الخطابات وإعلان القرارات وتنفيذ العقوبات، وقد ألغت دولة الفاتيكان عقوبة الإعدام لسبب طريف جدًا وهو عدم وجود شخص قادر على تنفيذ هذه العقوبة!

في الفاتيكان عامةً لا يوجد جيش حربي أو قوات بحرية، لسبب طريف أخر وهو أن أي عدد سيتم تجنيده داخل هذه الدولة سيُصبح أكثر بكثير من العدد المسموح به في الجيوش، فجيش الدولة إذا كان 500 فرد سيُصبح أكثر من نصف الدولة، لذلك لا يتواجد سوى قسم شرطة واحد مُكون من عشرة أفراد يقوم بتأمين المُمتلكات العامة وتنظيم حركة المرور، ومعاقبة المُذنبين الذين لا تخرج جرائمهم عن مُضايقة السياح.

هذا ومن الجائز جدًا ضم دولة الفاتيكان إلى دولة إيطاليا من جديد، وقد يتأخر هذا القرار بسبب ضغط الكنيسة الفاتيكانية وإصرارها على الاستمرار في كونها واحدة من المُعجزات الصغيرة في هذا العالم، وكي تظل أيضًا سؤالًا مُحيرًا للعالم بأكمله، هل الفاتيكان دولة أم مدينة؟

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

أربعة + واحد =