يُعتبر مرض السرنمة أحد أغرب الأمراض وأشهرها على الإطلاق، هذا على الرغم من كون هذا المرض نادر ولا يُصاب به أكثر من عشرين بالمئة من البشر، لكن هؤلاء المساكين يُعانون أشد المعاناة جراء الإصابة به، بل أنهم يرتكبون عدة أفعال لا تتناسب أبدًا مع سلوكياتهم وعادتهم، وهنا تكمن خطورة السرنمة الفعلية، والحقيقة أنه لأمر يدعو للدهشة أن يفتك ذلك المرض بأشخاص هم في الأصل يتعرضون لعملية فقدان للعقل مع بداية النوم، وكأنه بمعنى أدق يستعبد أجسادهم ويجعلها تحت تصرفه لا تصرفهم، وهو ما فتح الباب أمام ضلوع الجن في هذه العملية المدهشة، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على كل شيء يتعلق بمرض السرنمة، ما هو وما هي أسبابه الحقيقية وطرق علاجه الممكنة، وهل حقًا يمكن أن يتدخل الجن في مثل هذه الأمور؟
ما هي السرنمة؟
عندما نخلد إلى النوم فإننا نتعرض غالبًا لعدة اضطرابات يُطلق عليها اضطرابات النوم، هذه الاضطرابات معظمها ما يكون بسيط والصحي مثل التقلّب أثناء النوم، ومنها ما يحمل خطورة مثل السقوط أثناء النوم أو السير أثناء النوم، تلك الظاهرة التي اتفقنا قبل قليل أن اسمها العلمي هو السرنمة.
السرنمة عملية مُعقدة، يقوم خلالها المريض بارتكاب عدة أفعال لا تشتمل أبدًا مع رغبته الشخصية، وإنما هي فقط نابعة من الاضطراب الذي تحدثنا عنه، وذلك المرض لا يأتي غالبًا لأي شخص، مثلما هو الحال مثلًا مع اضطرابات أخرى كالتقلّب أثناء النوم، والذي يحمل فائدة لا مجال لذكرها، ويُصاب به نسبة مئة بالمئة من البشر، أما السرنمة فهي تُصيب أشخاص بعينهم تجمعهم بعض الصفات المشتركة.
المصابون بالسرنمة
أول الصفات المشتركة التي تجمع الأشخاص المصابون بمرض السرنمة أنها تُصيب بصورة أكبر الأشخاص الذين اعتادوا على النوم العميق، فهؤلاء تجد فيهم السرنمة فريسة أسهل وأفضل، لكن ذلك بالطبع لا يعني أن كل شخص يُعاني من النوم العميق يُمكن أن يُصاب بالسرنمة، وإنما ثمة مؤهلات أخرى مثل السن مثلًا، فالسرنمة تكون موجودة أكثر في الأطفال أو البالغين بالكاد، كذلك النوع يُعتبر ضمن العوامل، فقد أثبتت الدراسات أن الذكور أكثر تعرضًا للسرنمة من الإناث، وكل هؤلاء يُمثلون نسبة قليلة جدًا من البشر، وهي ثمانية عشر بالمئة، فليس كل طفل معرض للسرنمة، كذلك ليس كل ذكر مُهدد بها، وإنما هم قلة قليلة يكونون قليلي الحظ للدرجة التي تجعلهم يُصابوا بمرض السرنمة.
مرض السرنمة
الأمر الغريب حقًا بمرض السرنمة أن الإنسان عندما ينام فإنه في الأساس يبحث عن الراحة والسكينة، فالنوم أصلًا تعويض عن المجهود الذي يُبذل طوال اليوم، لذلك لم يكن غريبًا أن يتم استنكار فعل مثل السير أثناء النوم، إلا أن إرجاع ذلك الأمر إلى غياب العقل جعله مقبولًا إلى حدٍ كبير، والحقيقة أننا قد اعتدنا على أمور قريبة من السير أثناء النوم مثل التحدث أثناء النوم، والذي نُسميها نحن بالهلوسات، عمومًا، بالتأكيد ما يشغل بال الجميع الآن هو التعرف على الأسباب التي قد تدفع أي شخص للسير أثناء النوم، أو السرنمة كما تُعرف علميًا.
أسباب السرنمة
بالرغم من كون السرنمة مرض مثل باقي الأمراض التي قد يُصاب بها أي إنسان إلا أن الأطباء قد حددوا بعض الأسباب له، والتي تكون احتمالية الإصابة بهذا المرض كبيرة عند وجدوها في شخص واحد، والحقيقة أن أهم هذه الأسباب على الإطلاق يتمثل في الاضطرابات النفسية التي تُصيب بعض الأشخاص نتيجة للضغوطات.
الاضطرابات النفسية، أهم الأسباب
تُعتبر الاضطرابات النفسية من أهم الأسباب التي قد تقود إلى مرض بخطورة السرنمة، وبالطبع أنتم لا تنسون أننا عندما شرعنا في تعريف السرنمة قلنا إنها في الأصل عبارة عن اضطراب نفسي، وبهذا يتضح أنها اضطراب نفسي يُسببه اضطراب نفسي آخر عادةً ما يكون أشد وطأة وقوة، عمومًا، مهما بلغت قوة الاضطرابات النفسية فإن احتمالية إصابة الأشخاص الذين يعانون منها بالسرنمة تظل احتمالية ضعيفة لا تتجاوز العشرة بالمئة، وذلك على خلاف السبب الثاني لهذا المرض النفسي والذي يُعد الأكثر تسبيبًا للمرض، وهو العامل الوراثية.
العوامل الوراثية، الأكثر تسبيبًا للمرض
عندما يكون هناك شخص مُصاب بمرض السرنمة فإن احتمالية إصابة الأشخاص المقربين منه من الدرجة الأولى تكون مُرتفعة جدًا، بحيث تتجاوز العشرين بالمئة، أي أن الأب الذي يُعاني من مرض كهذا فسوف يضمن وجود طفل له على الأقل مُستعد لاستكمال المسيرة من بعدها ونقل المرض إلى الحفيد وهكذا دواليك، والحقيقة أن التصدي لأمر كهذا صعب جدًا، لكنه ممكن في حالة إذا ما تم معالجة الفرد الأول المُصاب بالمرض، وبالتالي تُصبح العوامل الوراثية والعدم سواء.
شرب الكحول، سبب خطير
عندما نريد التأكيد على وجود أشخاص على هذه الأرض يرغبون في أذية نفسهم فإننا لن نجد مثال أفضل على ذلك من هؤلاء الذين يتناولون الكحول قبل نومهم مباشرةً، أو الذين يتناولون الكحول بشكلٍ عام، فهؤلاء يُعرضون أنفسهم بشدة للاضطرابات النفسية، وهنا نسترجع ما ذكرناه مسبقًا بخصوص كون الاضطرابات النفسية، أو الاضطرابات عمومًا، هي الوجه الثاني لاضطرابات النوم، والسبب الرئيسي في مرض السرنمة على وجه التحديد، لكل ذلك يتم اعتبار شرب الكحول سبب خطير يُمكن تلافيه بسهولة واتقاء شره.
تناول الأدوية النفسية
هل تعرفون أن الثلاثة أسباب السابقة هي السبب الرئيسي الذي قد يقود إلى تناول الأدوية النفسية، وهنا يكون كل شيء قد انتهى حرفيًا، ويُصبح المشي أثناء النوم أحد أقل الأضرار التي تُصيب الشخص الذي تتواجد به كل الأسباب السابقة، على كلٍ، وكيلا نكون سوداوين كل هذا القدر، بالتأكيد لكل مرض علاج، والسرنمة مجرد مرض مثل باقي الأمراض، لذلك دعونا نبحث عن أهم طرق علاجها والتخلص منها بأسرع وقت.
علاج السرنمة
علاج السرنمة يكمن ببساطة في الابتعاد عن الأربعة أسباب التي ذكرناه آنفًا، فالاضطرابات النفسية بالتأكيد لها أسبابها المعروفة والتي يُمكن حلها والحد من تطورها الذي قد يصل إلى مرحلة الإصابة بمرض مثل السرنمة، كذلك تناول الكحوليات يُمكن وقفه إذا رغب الشخص في ذلك، وبالتالي سوف نضطر إلى عدم تجرع الأدوية النفسية، وهو ما يُزيل السبب الثالث من أسباب السرنمة، لكن بالتأكيد يبقى السبب الأهم والأكثر تأثيرًا، إنها العوامل الوراثية.
ذكرنا من قبل أن العوامل الوراثية تتسبب في إصابة نسبة تتجاوز العشرين بالمئة بمرض السرنمة، وبالطبع جميعكم تقسمون الآن أن ذلك الأمر لا يمكن تغييره أو مقاومته، وهذا أمر صحيح، لكن في نفس الوقت يجب ألا ننسى أننا إذا تعالجنا من هذا المرض فإننا سنضمن عدم وجوده، وبالتالي لن تكون هناك فرصة لانتقاله إلى الأجيال القادمة عن طريق العوامل الوراثية والجينات، وهو المطلوب إثباته بكل تأكيد.
أعراض السرنمة
عرفنا أسباب السرنمة وعلاجها، لكن السؤال الأهم الآن، كيف تعرف أصلًا أنك مُصاب بهذا المرض؟ الإجابة ببساطة تكمن في التعرّف على بعض الأعراض التي تكون واضحة وضوح الشمس، فمثلًا، فيما يتعلق بوجه المريض، فإنه يكون خلال إصابته بهذه الحالة خالٍ من أي ملامح غضب أو حزن أو فرح أو أي تعبيرات عمومًا، بل يبدو كشخص باهت لا وجود له، حتى هو نفسه لا يشعر بتواجده، كذلك الحديث لا يكون حاضرًا بأي شكل من الأشكال، فالسائر أثناء نوم مجرد جسد بلا عقل، لذلك لا يمكنه التفكير في أمور طبيعية مثل التفكير والحديث والشعور بالإحراج وهكذا من الأفعال البشرية.
في الحقيقة ما ذكرناه من أعراض حول غياب عقل الشخص المصاب بالسرنمة لا ينفي أبدًا قدرته على القيام ببعض الأفعال، أفعال طبيعية يمكن أن يقوم بها أثناء يقظته، لكنه يقوم به في النوم دون رغبة منه، وذلك مثل الذهاب إلى المرحاض أو تناول الماء، وبالطبع نحن نسمع عن أشخاص عندما يواجهون ببعض الأفعال من هذا القبيل فإنهم ينكرونها تمامًا ويقسمون أنهم لم يفعلونها، وهم في الحقيقة مُحقين، لأن العقل أو الذاكرة بالتحديد لم تُسجل هذا الفعل، وهذا في الواقع أمر يجعلنا نزداد خوفًا من هذه الظاهرة الغريبة.
حالات المشي أثناء النوم
المشي أثناء النوم ليس مجرد ظاهرة يُحكى عنها من الناس وتُقرأ كذلك في الكتب، بل هي أمر واقع ثبت بالدليل القاطع حدوثه، بل إن هناك الكثير من الحالات التي تُوثق لذلك الأمر، منها مثلًا حالة كينيث باركس، والذي تُعتبر قصته درب من الخيال، فقد أُصيب كينيث بهذا المرض وتتطور معه حتى جاء اليوم الذي نزل فيه إلى الجراج وأخذ سيارته ثم ذهب إلى بيت حماه وقام بالاعتداء عليه وقتل حماته، هكذا دون أي أسباب، وذلك على الرغم من أنه كان يُحب حماه حماته ويكن لهما كل احترام، لذلك اعتبرته الشرطة فيما بعد غير مُذنبًا بالكامل وتم تخفيف العقاب عليه.
حالة أخرى من حالات السرنمة حدثت مع بريان توماس، والذي استيقظ ذات ليلة فوجد لصًا فقام بخنقه حتى الموت، لكن ذلك لم يحدث في الحقيقة، وإنما أخذه المشي أثناء النوم إلى زوجته ثم صورها له على أنها لص، وبالطبع لم يترك بريان ذلك اللص وقتله، ليكتشف بعد أن يفيق أنه لم يقتل أحد سوى زوجته، فلا يتمالك نفسه ويقطع وريده بآلة حادة مُنهيًا حياته هو الآخر في قصة مأساوية بطلها ظاهرة السرنمة المجنونة.
المشي أثناء النوم والجن
في الحقيقة ليس هناك نص نبوي أو قرآني أو ديني بشكل عام يقول بأن السرنمة من ضمن أعراض المس من الجن، هذا على الرغم من التسليم التام بأن الشخص الذي يُصاب بمس من الجن يرتكب الكثير من الأفعال الغريبة، لكن أن ترتقي هذه الأفعال إلى المشي أثناء النوم فهذا أمر لا يمتلك الكثير من الدلة، والواقع أن الناس بسبب الجهل باتوا ينسبون أي فعل غريب وغير مُعتاد عليه من شخص ما إلى الجن والقرين وما شابه.
كما قلنا، ليس هناك ما يؤكد أن السرنمة تحدث بسبب الجن، وإنما لها أسباب علمية ذكرنا الكثير منها فيما سبق، لكن، مع ذلك لا يجب أيضًا ترك الأمر هكذا دون أخذ الاحتياطات اللازمة، والتي تتمثل في عمل الرقية الشرعية للشخص الذي يُشك فيه، كذلك قراءة القرآن عليه من آن لآخر، فهذا تحصين بطريقة أو بأخرى من الجن أو المس.
أضف تعليق