تسعة مجهول
الإمبراطور نيرون
الرئيسية » جريمة » الإمبراطور نيرون : كيف كان جنون نيرون وإلى أي درجة وصل ؟

الإمبراطور نيرون : كيف كان جنون نيرون وإلى أي درجة وصل ؟

يشتهر الإمبراطور نيرون بجنونه وحرقه لمدينة روما، نصحبك في رحلة مجنونة مع هذا الإمبراطور الذي تخطى كل الأمور المعقولة في زمانه وبعد زمانه.

الإمبراطور نيرون إمبراطور روما القديمة وهو خامس الملوك من بعد أغسطس مؤسس الإمبراطورية، حكم من سنة 54 إلى 68 ميلادياً، وكان عهداً مجنوناً من تاريخ روما بسبب جنون هذا الشخص ومجونه. وسمعة الإمبراطور نيرون تسبقه إذ إن في عهده أحرق روما بالكامل حتى يغني على أصوات الصراخ والنيران المشتعلة. وكانت نهايته بشعة إذ قامت ثورة عليه واختبأ هو في كوخ بعد أن تركه كل أتباعه بسبب فساده وقبل أن يهجم عليه الجنود لقتله كان قد قتل نفسه بعد عدة محاولات فاشلة بسبب خوفه وجبنه، ليترك البلاد في حالة انهيار اقتصادي وانحلال أخلاقي. وفي هذا المقال أستكمل لك قصص جنون هذا الرجل بجانب حرقه لروما كلها ستسأل بالتأكيد بعدها كيف وصل مثل هذا المجنون إلى كرسي الحكم!

الإمبراطور نيرون وتماديه في الجنون

أحرق المسيحيين كمصدر للضوء

بعد حريق روما الكبير والذي استمر لمدة أسبوع كامل تحولت فيه عشرة أحياء من أصل أربعة عشر أحياء في روما إلى الرماد، ومات جراء الحريق ألاف الضحايا الأبرياء. اتجهت أصابع الاتهام إلى الإمبراطور نيرون لأنه كان يغني في برج عالي ولا يفعل أي شيء لإنقاذ روما بل قيل إنه هو مفتعل الحريق بالأساس، وكان يغني قصائد لهوميروس الذي كان يصف فيها حريق مدينة طروادة. إذ إن الإمبراطور نيرون كان عاشق للأغاني والموسيقى وكل الفنون الجديدة ولكن بطريقة غريبة ومريبة. ولكي يخرج نفسه من هذا المأزق كان يجب أن يجلب كبش فداء له ويضع التهمة على غيره، فكان أمامه اختيارين إما اليهود أو المسيحيين، واليهود كانوا محميين من قبل إحدى زوجاته الملكة بوبياسبينا. فألصق التهمة بالمسيحيين لأن وقتها كانت المسيحية تبدأ في أولى خطوات الانتشار بين المجتمع الروماني ويوجد الكثيرين ممن لا يفضلون وجودها وبقاء الوثنية لضمان سلطتهم. فكان يجلب المسيحيين الخونة على حد تعبيره ويسمرهم على الصلبان ثم يحرقهم أحياء بعد غياب الشمس ويستعملهم كمصدر للإضاءة في الشوارع وبين ضيوفه، ويرتدي ملابسه ويتكلم مع المتفرجين كأنه لا يوجد صراخ ولا نيران تشوي شخص حي.

حبس الناس للاستماع لموسيقاه

جنون الإمبراطور نيرون وحبه لموسيقاه وقصائده وأعماله المسرحية تتعدى كل مراحل الجنون، وفي ذلك العصر كان المسرح من أهم وأجمل وأشهر الفنون التي تمارس بين مثقفي المجتمع. وهو يجد في نفسه مؤدي مسرحي ومغني رائع ولأنه الملك والمتحكم فلا يوجد من يستطيع قول العكس له. ووصل حد جنونه إلا أنه كان يحبس الجماهير داخل المسرح ويقفل الأبواب ويضع حراسة مشددة على أبواب المسرح حتى لا يخرج أحد، ليلقي هو ما يود من أعمال فنيه طويلة جداً قد تصل لساعات اليوم بطوله، وعلى الناس رغم معاناتهم من الجلوس ومشاهدة العمل الملل الطويل أن يعلوا التصفيق والهتاف له. وبحسب المؤرخ سوتونيوس الروماني الذي حبس ضمن الجماهير بالفعل مرة، قال إنه رأى الجماهير تحاول أن تهرب من المسرح وتقفز إلى الخارج، وأن امرأة كانت على وشك الولادة لم يسمح لها بالخروج وبسبب طول العمل المسرحي ولدت ابنها بداخل المسرح وسط الجماهير الغفيرة التي كانت الولادة وصراخ المرأة ممتع لهم ومشوق أكثر من سخافة أعمال الإمبراطور نيرون.

الإمبراطور نيرون يحمل الرقم القياسي في الفوز في الأولمبياد

من أسخف وأجن ما قد تسمعه هو إن الإمبراطور الماجن صاحب البطن المنتفخ والمترهل كان يحمل 1808 إكليل أولمبي وهو الجائزة المقدمة للفائز في الأولمبياد اليونانية القديمة التي كانت تحدث كل أربعة سنوات. وكيف فعل هذا؟ بالطبع الإجابة واضحة، بالغش والسيطرة على الحكام الذين لا يستطيعون عصيان الإمبراطور نيرون أقوى ملك بالعالم بهذا الوقت. إذ إنه كان يرى نفسه رياضياً ويستحق الألقاب البطولية الخاصة بالأولمبياد فدخل في كل المسابقات المختلفة في الدورات الأولمبية، وجعل الحكام يحكمون بأحقية فوزه في كل مرة وتتويجه بالإكليل من أغصان الزيتون. وفي قصة يروى فيها أنه خدع المتسابقين في سباق العجلات التي تجرها الخيول، إذ كان يُسمح للمتسابق باستخدام أربعة أحصنة وإنما هو جلب عشرة أحصنة والمضحك أنه حتى مع كل تلك الأحصنة لم يستطيع السيطرة على السباق ولم يعبر خط النهاية، بل وقع من على العجلة وخرج من السباق، وبالطبع الحكام أعلنوا فوزه هو بالنهاية بدون أي سبب غير أنه الإمبراطور نيرون المجنون.

الإمبراطور نيرون وبناءه قصر للعربدة

الإمبراطور نيرون كان مجنون في البذخ والإسراف ولا يهتم أبداً بالمشاكل الاقتصادية التي تمر بها البلاد وكل ما يهمه الحياة المترفة التي يعيشها. ومن ضمن أسباب سمعته هذه هو بناءه لقصره الفاخر للعربدة وكان القصر كله مصنوع من الذهب والعاج واللؤلؤ وهو مخصص لكل أنواع المتعة المتاحة بذلك العصر خاصة المتعة الجنسية. وكان سقف هذا القصر مصمم لكي يمطر على الحاضرين بتلات من الورود الجميلة باستمرار بالإضافة إلى قطرات مستمرة من أجود أنواع العطور. وأمام القصر كان يقف تمثال للإمبراطور نفسه عارياً يحمي القصر بارتفاع 37 متر. وقد تتغاضى عن فكرة بناءه لقصر مخصص للمجون إذ إن غيره من الملوك على مدار التاريخ فعلوا بالمثل، أما الذي لا يتغاضى عنه أي شخص هو زمن بناء القصر بعد حريق روما مباشرة في الوقت الأكثر احتياجاً لمساعدة الشعب للخروج من تلك الأزمة العصيبة وإعادة بناء المدينة بكاملها. وبعد موت الإمبراطور نيرون بفترة وجيزة تم نهب هذا القصر بالكامل وتدميره لأنه رمز للأنانية.

حياته الجنسية لم تكن طبيعية

الحياة الجنسية للإمبراطور نيرون تخطت كل الحدود الأخلاقية، فلم يكتفي بتعدد زوجاته الكثيرة ولا بحفلاته المجنونة في قصره، بل كان الأمر يصل إلى زواجه من رجال. بحسب مؤرخين بعهده مثل تاسيتوس وسوتونيوس كان الإمبراطور نيرون يقيم حفلة عربدة كلما طلب معه الأمر لتستمر لأيام كثيرة، وقد تزوج مرتين رجلين مختلفين في حفل زواج وهمي، كان اسم واحداً من هؤلاء الرجال فيثاغورس وهو رجل حر وليس عبد. وقيل إنه كان يربط الفتيان والفتيات عراة ويقفز هو عليهم بزي حيوان مفترس كأنه يلتهمهم، وذلك كإعادة تمثيل لعدالة الملك في القضاء على المحكوم عليهم بالإعدام، وكل ما سبق يُقام أمام جماهير وذلك لكسر الروتين والملل ليس إلا.

أجواء نشأة الإمبراطور نيرون

لم تكن الأجواء التي نشأ فيها الإمبراطور نيرون طبيعية أبداً وقد تشك أنها هي السبب في جنون هذا الرجل. فعمه الإمبراطور كاليغولا كان رجلاً صعباً وعنيفاً جداً، وقد نفى أم وخالة نيرون إلى جزيرة بعيدة ثم مات ولم يكن ورثة فحكم بعده عم نيرون الأخر “كلوديوس” وكان ضعيف الشخصية وله ابناً شرعياً “بريتانيكوس” من زوجته الخائنة “ميسالينا”، ولكن أم نيرون “أغربينيا” التفت حوله بعد موت والد نيرون، فأرجعها من نفيها إلى روما حتى استطاعت أن تتزوج منه وتجعله يوافق على تبني نيرون ابناً له. وبعد موت كلوديوس المفاجئ أصبحت أغربينيا المتحكمة بالعرش نيابة عن ابنها التي زوجته إلى ابنة كلوديوس “أوكتافيا” وهو بسن الثالثة عشر، ومع بعض الحيل والعطايا إلى مجلس الشيوخ تناسى الجميع الوريث الشرعي وأصبح نيرون إمبراطوراً على روما، ثم بدأ الصدام بين نيرون وأمه التي طالما هددته بأنها صاحبة الفضل والسلطة وأنها بإمكانها سلب كل شيء منه، فكان على نيرون التخلص منها ومن كل تابعيها باستخدام العطايا والهدايا ليلتفت له المجلس بدلاً عنها، ومحاولة تحجيم سلطتها شيئاً فشيئاً حتى طردها من القصر تماماً، بل وقتل بريتانيكوس بالسم ليطمئن على حكمه، وكل ذلك وهو لم ينهي عامه السابع عشر. هذا الجو المشحون بالمؤامرات والاغتيالات كان له الأثر السلبي على نفسية الإمبراطور نيرون وجعلوه يرى كل من حوله خونه.

حكم على إحدى السيدات بالاغتصاب قبل الموت

من أغرب القصص هي قصة “لوكوستا” وهي امرأة كانت تعد السموم القاتلة والتي لا تخلف دليل وراءها، وقيل إن تلك المرأة هي التي ساعدت أغربينيا أم نيرون على قتل كلوديوس ثم ساعدت نيرون على قتل بريتانيكوس، مقابل أن تنجو من حكم الإعدام الواقع عليها. ولكن حين تمكن نيرن من الحكم قرر إعدام كل من ساعد أمه فكانت ميتة هذه السيدة شنيعة، وعلى حسب قصة شعبية قديمة فإن نيرون حكم عليها أن يتم اغتصابها من قبل زرافة مدربة على مثل تلك الأفعال الشاذة، ومن ثم رماها إلى الحيوانات المفترسة لتلتهمها حية.

الإمبراطور نيرون يقتل أمه

بعد أن حاولت أغربينيا السيطرة على ابنها وفشلت وطردها من القصر إلى قصر خاص بها، كان نيرون يكن لها بعض الشر وكلما كان يزورها أصر على ارتداء أفخم الملابس ليبين لها أن حكمه أفضل منها. وفي يوم ما تلقى وشاية تقول بأن أمه تتفق مع أحد أبناء أعمامه على القيام بثورة على الإمبراطور نيرون فاستشاط هو غضباً وقرر أن يقتلها بتهمة الخيانة ولكن قائد جيشه “بوروس” تمكن من حل الخلاف وإيضاح الحقيقية، ولكن الأمر لم يتوقف عند ذلك. تعرف نيرون على واحدة من العاهرات التي تمكنت من السيطرة عليه والتلاعب بعقله بسبب مجونه وعربدته الدائمة وكان اسمها “بوبيه” فطلبت منه أن يطلق “أوكتافيا” ليتزوجها وحين علمت أمه بالأمر تصدت له، وهنا قرر نيرون التخلص من أمه نهائياً. بحسب رواية المؤرخ “ديو كاسيوس” فإنه دبر لها مكيدة في السفينة التي كانت تركبها، وحين وصلت لعرض البحر بدأت بالغرق ولكن أمه نجت من تلك المكيدة بصعوبة لتجد قاتلي الملك ينتظروها في قصرها، وكانت أخر كلماتها “اضربوا رحمي” دليلاً على غضبها وكرها لذلك الابن العاص الذي أنجبه رحمها.

لم تكن أمه الوحيدة المقتولة على يده من عائلته

لم تسلم عائلة نيرون من جنونه، فبعد موت أمه أصرت بوبيه على موت أوكتافيا امرأته حتى يكون المجال أمامها رحب، فنفى نيرون أوكتافيا أولاً ولكن ذلك لم يكفي بوبيه، فطلبت من أحد قواد نيرون أن يشهد زوراً ضد أوكتافيا ويقول بأنها أرادات أن تغويه للقيام بثورة، وعند معرفة نيرون لم يهتم بالمحاكمة ولا بأي دفاع عن أوكتافيا وأمر بإعدامها.

وإن كنت تظن أن بوبيه عاشت مع الإمبراطور نيرون حياة سعيدة فيما بعد فأنت على خطأ، إذ بعد فترة من الحياة الزوجية السعيدة زاد الخلاف وظهرت بوبيه على حقيقتها السيئة. وفي أحد الأيام وفي أثناء شجار بينهما قام نيرون وأخذ يضربها على بطنها مراراً وتكراراً حتى ماتت هي وابنها في بطنها. وبعد عدة سنوات رأى نيرون ولداً صبياً يشبه بوبيه في الشكل وبسبب جنونه صدق أنه نجا بعد موتها، فأمر بأن يرتدي ملابس أمه ويُرمى في البحر ليغرق ويموت أمام أعين روما كلها.

حتى معلمه “سينيك”، ذلك الرجل العجوز الذي كان له معلم وأب وصديق في صغره لم يهتم بهذه الصلة، لأنه كان صوت الضمير الباقي الوحيد بعد فساد وجنون نيرون، فقرر دس اسمه في مؤامرة زوراً وأمر جنوده بأن يذهبوا لقصره ويحاوطوه ويقولوا له أن نيرون يريدك ميتاً، ويجب أن تقطع أنت عروقك بنفسك. وحين رأى العجوز أن لا مفر من بطش هذا المجنون نفذ الأمر وقتل نفسه.

خلاصة القول عزيزي القارئ أن الإمبراطور نيرون، سواء كنت سمعت عنه مسبقاً أم أن هذه أول مرة، كان رجلاً شريراً ومجنوناً بالفعل وعهده من أسوء عهود الإمبراطورية الرومانية.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

أضف تعليق

عشرين + 2 =