يعتقد العلماء بإمكانية اختفاء مدن عملاقة بأكملها قبل نهاية القرن الحالي. الأخبار مبنية على حقائق علمية وتهديدات حقيقية متوقعة. ورغم ذلك يعيش الآلاف بل والملايين من البشر داخل هذه المدن دون أخذ الحذر اللازم. وأمر اختفاء المدن ليس بجديد، ففي أعماق البحار ستجد عدة دول مبتلعة كما هي تحت البحر، ما زالت تحتوي على معالمها وأثارها الواضحة، وحتى أهرا ماتها في بعض الأحيان. وتوجد مدن مدمرة ومهجورة منذ مئات السنين، وأخرى متجمدة على الوضع التي مات فيه سكانها مثل مدينة بومباي الرومانية. وفي هذه القائمة سنذكر أشهر المدن التي ستختفي في هذا القرن بتقدير العلماء، ومن بينهم مدن عربية وإسلامية.
سان فرانسسكو
سان فرانسسكو أشهر مثال على إمكانية اختفاء مدن عملاقة نتيجة الكوارث الطبيعية. هي مدينة اقتصادية عملاقة في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، ويقطنها ما يزيد عن 865 ألف شخص بالإضافة إلى العديد من السياح والزائرين للعمل. فهي ثاني مدينة في الأعلى كثافة في الولايات المتحدة، ورابع مدينة من حيث عدد السكان. بُنيت هذه المدينة على منطقة خط زلازل، أي مهددة بوقوع أقوى الزلازل دائمًا. يسمى صدع سان أندرياس. وثبُت أن الأعوام القادمة ستشهد مجموعة من أقوى الزلازل التي ستهز المدينة بقوة 7 رختر أو أكثر. وسيحطم أكثر من 75% من المدينة، لأن أغلب البنايات وناطحات السحاب لا تتناسب مع معايير السلامة ضد الزلازل.
والأهم أنها تقع على ساحل المحيط الهادئ، أي من يسلم من الزلازل سيقضي عليه التسونامي المرافق للزلازل. مما سيقلل من سبل النجاة. بعد كل تلك المصاعب لن يكون للمدينة أمل للبقاء، وستُترك خرابًا. وقد تم التحذير من تلك الفكرة في فيلم “سان أندرياس” من بطولة المصارع “ذا روك”.
اختفاء مدن عملاقة في روسيا
إيفانوفو، هي مدينة روسية كانت يومًا ما من أقوى المدن خلال الاتحاد السوفيتي. لأنها كانت مدينة اقتصادية صناعية تعمل بالنظام الشيوعي آنذاك. وكان يهاجر إليها الآلاف من الشباب والعائلات للعمل في المصانع، مثل مصنع النسيج الأشهر في ذلك الوقت. بعد وقوع الاتحاد السوفيتي وتفككه، بدأت المدينة في الانهيار، ولم تتأقلم مع الوضع الجديد خارج النظام الشيوعي. حاليًا تعتبر المدينة من أقل المدن توازنًا بين النساء والذكور، لكثرة هجرة الشباب إلى خارجها للبحث عن عمل، وبقاء أعداد كبيرة من الإناث. ومن المقدر أنها لن تستمر إلى نهاية القرن الحالي، وستُترك خالية وخربة. فهي أصبحت بالفعل شبه خالية، وفكرة تأسيس عائلة هناك هي فكرة صعبة وغير أمنة.
اختفاء مدن عملاقة نتيجة أعمال الشغب
مدينة ديترويت هي أكبر مدن ولاية ميشيغان الأمريكية، والتي كانت يومًا مقرًا للتجار الفرنسيين، وكانت تشتهر بصناعة السيارات. ولكن في الآونة الأخيرة تغير الوضع بشدة، فمعدل الهجرة إلى خارج المدينة يتزايد بشدة، لتصبح أجزاء بالفعل منها الآن خالية تمامًا. بنيات بأكملها قد هُجرت، وشوارع لم تُستعمل منذ وقت طويل. كل ذلك بسبب كثرة العصابات وأعمال الشغب. فأصبحت مدينة قادرة على احتواء المجرمين ومهربين المخدرات والعصابات بجدارة. فتتخذها العصابات كمخبأ ومقر تنظيم عمليات لمدن أخرى مجاورة. وأخذت أعداد الشرطة في التناقص والبعض منهم يعمل مع العصابات. ومن المتوقع استمرار تناقص الأعداد وارتفاع معدل الهجرة، إلا أن تختفي المدينة بالكامل.
مدينة البندقية
أنا أعلم أن العديد من القراء سيحزنون بشدة على هذه المدينة، إذ إنها المدينة الرومانسية الأولى على مستوى العالم، ويأتي إليها السياح من حدب وصوب لتمتع بروائع طبيعتها. إنها مبنية فوق المياه والتنقل بها بالقوارب، وتشتمل على العديد من الأثار الرائعة لأنها طالما جذبت أعين الفنانين الإيطاليين. ولكن هذه المدينة الشاعرية ضمن قائمة المدن المهددة، إذ نُشرت تقارير بعدم توازن التربة وتدهور ثبات البنيات بشكل يدعو للقلق. وقد أعلنت منظمة اليونسكو أنها ترعى المدينة، ورغم ذلك تظل المدينة في أعلى قائمة اختفاء مدن عملاقة في نهاية القرن الحالي. ستنهار المباني بسكانها وجمالها وثقافتها، ويبتلعها البحر.
مدينة مكسيكو
هي عاصمة المكسيك، وتعد أقذر عاصمة بالعالم. يعيش بها أكثر من 21 مليون شخص ويأتي إليها ملايين الزوار سنويًا للسياحة والعمل. إذ إنها تشكل مقر حضارة الأزتيك القديمة. ولكن خطر التلوث يهدد وجودها يومًا بعد يوم. كما أنها مهددة بسبب الفيضانات من النهر المبنية بجانبه، والبحر من ناحية أخرى. ملايين الأشخاص مهددين بالأخطر جنبًا إلى جنب مع معالم ومباني المدينة المكتظة.
بانكوك في تايلاند
بانكوك هي عاصمة تايلاند الملكية. وتعد مركز للحضارة والثقافة والجمال. المدينة تغرق فعليًا في الوقت الحالي، إذ تعاني من الاحتباس الحراري بشدة وارتفاع مستوى سطح البحر. كما تعاني بانكوك من قلة المياه الصالحة للشرب، لأنها تعتمد في الأساس على المياه الجوفية التي تُختلط حاليًا بسرعة مع مياه البحر المالحة. وبفضل جهود الحكومة والتكنولوجيا المتقدمة التي تملكها تايلاند، قل الخطر نسبيًا عن الماضي. ولكن لايزال الخطر موجودًا على المباني وملايين الأرواح.
نابولي في إيطاليا
نابولي هي مدينة إيطاليا راقية وعريقة وتذخر بالتراث، وتشتهر بثروتها السمكية الغنية التي لا مثيل لأنواع السمك هناك. إلا إنها بُنيت تحت بركان ضخم يدعى فيزوف، وهو ذاته المسبب لكارثة مدينة بومبي الأثرية الموجودة بالمدينة، وهو مصدر تهديد للانفجار بأي لحظة الآن. المشكلة هي عدم قدرة العلماء لتحديد موعد الانفجار بدقة، فلن يكون هناك الوقت الكافي للفرار بأعداد كبيرة من البشر. وعندما ينفجر سيسد الطرق الرئيسية للمدينة، ويقف السكان أمام البحر وخلفهم الحمم البركانية.
اختفاء مدن عملاقة إسلامية
واحدة من أهم الدول الإسلامية الأفريقية على القائمة هي مدينة بانجول عاصمة غامبيا. بُنيت المدينة على جزيرة يمر من خلالها نهر غامبيا ليلتقي بالنهاية مع المحيط الأطلسي. يتزايد القلق حول ارتفاع منسوب المياه يومًا بعد يوم، ويقدر العلماء أن المياه سترتفع في السنين القادمة لأكثر من متر وستغرق المدينة بالكامل شيئًا فشيئًا. بما أنها مستعمرة هولندية سابقة، قررت هولندا مساعدة البلد الفقير، ولكن التقارير ما زالت مقلقة بسبب قصور البنية التحتية والإهمال.
تمبكتو
هي مدينة ضمن إمكانية اختفاء مدن عملاقة إسلامية أخرى. فهي مدينة كبيرة في مالي، ولكن على نقيض المدن السابقة، فهي تغرق تحت الرمال. تعاني المدينة من خطر ظاهرة التصحر، وتزحف الرمال بلا هوادة تجاهها. بعض البيوت اختفت بالفعل تحت الرمال وهاجرها أهلها. فرع نهر النيجر الذي يمر بها يعاني من الجفاف والردم بسبب الرمال المتراكمة عليه. جفت أغلب الأراضي الزراعية، وفشلت كل محاولات التشجر. والمشكلة الأكبر تكمن في قلة وعي السكان وعدم المحاولة لإنقاذ المدينة ويهجرونها بكل بساطة. على الرغم من شموخ المدينة ومساجدها العريقة وسحر الصحراء المتجسد في مناظرها الطبيعية، إلا إنها مهددة بالزوال والدفن.
مدينة الإسكندرية المصرية
إن الحديث عن جمال مدينة الإسكندرية ورونق حضارتها الرومانية سيطول جدًا. وهي الآن مهددة ضمن قائمة اختفاء مدن عملاقة عربية بالقرن الحالي. إذ يرتفع منسوب مياه البحر المتوسط بشدة وبدأ في أكل الشواطئ تدريجيًا. ومن المقدر أن بحلول عام 2070، سيتعرض السكان ال4.4 مليون لخطر الغرق. وستختفي المدينة التي بناها الإسكندر الأكبر وكانت منارة للعلم والثقافة.
خاتمة
بعض المدن التي ذكرنها اليوم قد تشاهدها بنفسك وهي تختفي في السنوات القادمة، والبعض لن يختفي إن أثمرت الجهود المبذولة. ونتمنى الخير للمدن العربية والإسلامية، حتى يتم الحفاظ على ثروتها الثقافية وشعبها.
الكاتب: أيمن سليمان
أضف تعليق