تسعة مجهول
إميلشيل
الرئيسية » ظواهر » إميلشيل : تعرف على أرض العشاق وقصتها كاملة

إميلشيل : تعرف على أرض العشاق وقصتها كاملة

على الرغم من كونها ملحمة رومانسية لا تقل روعة عن ملاحم الحب الشهيرة، إلا أن إميلشيل لم تحظى بالقدر الكافي من الاهتمام، تعرف على قصة أرض العشاق الكاملة.

تُعتبر قصة أرض إميلشيل من القصص سيئة الحظ، وذلك لأنها لم تنل ذلك القدر الذي تستحقه من الشهرة والتخليد، هذا بالرغم من أنها لا تقل عن قصص العشق المُخلدة حتى الآن كروميو وجوليت وقيس وليلي وعنتر وعبلة، فما حدث في أرض إميلشيل لبطلينا موحا وحادة يفوق ما حدث لهؤلاء العشاق بكثير، بل أن تابعات أسطورة إميلشيل ما زالت حاضرة حتى الآن، على عكس باقي القصص التي لم يبقى منها سوى الذكرى فقط، فما هي قصة موحا وحادة، وما الذي حدث قبل قرونٍ في إميلشيل، هذا بالضبط ما سنحاول معرفته في السطور الآتية.

إميلشيل وأسطورة العشق الأبي

إميلشيل قبل الأسطورة

كانت إميلشيل قبل أن يحدث فيها ما حدث عبارة عن منطقة جبلية تقع ضمن تضاريس جبل الأطلس، وتحديدًا جنوب شرق المغرب، وكانت الزراعة ورعي الغنم هما الحرفتين الأساسيتين لسكانها، والذي كانوا في البداية قبيلة واحدة تُدعى ايت حديدو، وهي إحدى قبائل البربر التي تعيش في دولة المغرب حتى الآن وتنحدر من الأمازيغية.

قبيلة ايت حديدو التي كانت كتلة واحدة مُتماسكة ضد أي مُعتدي أو مُحتل مرت بها إحدى فترات الضعف والانحلال، واستطعت يد العبث التفريق بين فرعين رئيسيين فيها حتى تمكنت من تقسيمها إلى قبيلتين مُتناحرتين هما ايت إبراهيم وايت عزا، وقد كان الخلاف بينهما يتمحور حول المياه والرعي، حيث كانت الإبل الخاصة بكل قبيلة تدخل أراضي القبيلة المُعادية فيتم ذبحها، كذلك المياه، كان يتم حجبها من كل قبيلةٍ عن الأخرى، وهكذا كانت لعبة القط والفأر بين القبيلتين حتى بدأت أسطورة إميلشيل الخالدة.

بداية أسطورة إميلشيل

بدأت أسطورة إميلشيل بميلاد قصة الحب بين موحا، وهو أحد أفراد قبيلة ايت إبراهيم، وحادة، والتي كانت من قبيلة ايت عزا، حيث نشأ هذان الحبيبان نشأة حبٍ مُستأصلة، وقويت الروابط بينهما حتى وصلت إلى التوحد والتكامل، حتى أنه كان يُقال أن حادة إذا بكت في مكانٍ فإن موحا كان يبقى تلقائيًا في مكانٍ آخر دون أن يعرف أصلًا أن حادة تبكي، وهو أيضًا إذا قام بجهدٍ وعملٍ شاق في مكان كانت حادة تشعر بالتعب هي الأخرة، ببساطة، لقد كانت علاقة حبٍ وعشق كاملة الأركان، وكان من الممكن جدًا أن تُختتم بالنهاية السعيدة لولا أن التاريخ كان رغبة شديدة في تخليدها للأبد.

زواج موحا وحادة

على ما يبدو أن موحا وحادة حين بدأوا في علاقة الحب تلك لم يكونا على علمٍ بالعداوة الشديدة بين القبيلتين، ففور انتشار خبر حبهما وقف الجميع أمام زواجهما وقرروا منعهما حتى من رؤية بعضهما، فقد كان من نتاج استفحال العداوة بين القبيلتين أن تم تحريم الزواج وكافة علاقات الترابط بينهم، وبالرغم من مجاهدة موحا وحادة وتهديدهم بالانتحار إذا لم يتزوجا من بعضهما لم يوافق كبار القبائل على الزواج، فما كان من شيخ كبير المقام هناك يُدعى سيدي أومغاني إلا أن قام باحتضانهما وتزويجهم بالرغم من قبائلهم، لكنهم لم يعترفوا بذلك الزواج أيضًا وقرروا مقاطعة موحا وحادة وعدم الاعتراف بانتمائهم إليهم، بل وطردوهم من البلدة.

ايسلي وتسليت

كل ما سبق كان مجرد قصة عشقٍ عادية، لكن الأسطورة الحقيقية بدأت عندما اجتمع موحا وحادة ذات يومٍ عند منطقة نائية في إميلشيل وأخذوا يتوجعون على ما حدث لهم من قسوة الأهل وتخليهم عنهم، لتبدأ بعدها عيونهم الدخول في سيلٍ من الدموع لم يشعروا به إلا وقد تكونت بُحيرة تحت قدم كل شخص منهم، بُحيرة تحت قدم موحا تم تسميتها فيما بعد ايسلي وبُحيرة وتسليت التي سُميت بعد أن تكونت تحت قدمي حادة، وهذان الاسمان في اللغة الماغونية يقصد بهما العروس والعريس.

الأسطورة لم تنتهي عند ذلك الحد، بل زادت أكثر فأكثر، حيث قيل أيضًا أن موحا وحادة بعد أن كونا البحيرتين بدموعهما لم يجد بُدًا من الانتحار وإنهاء هذا العذاب الذي يعيشان فيه، فألقى موحا بنفسه في بحيرة إيسلي وألقت حادة بنفسها في بحيرة وتسليت، ليموتا غرقًا وتبدأ بعدهما قصة حبهما الخالدة في الانتشار.

وصل الخبر إلى أهالي القبيلتين، والذين لم يتوقعوا أبدًا أن يكون الموت هو نتاج عداوتهم تلك، فما كان منهم إلا أن ذهبوا إلى بُحيرتي إيسلي وتسليت واستخرجوا جُثتي موحا وحادة، وأقاموا الحزن في هذه المنطقة لأكثر من عشرة أشهر، ظلوا خلالها يندبون حظهم ويتحسروا على ما اقترفوه من ذنبٍ بحق هؤلاء العشاق، لكن، ثمة شيء آخر قد حدث في نفس الوقت وربما لم يلتفتوا إليه، لقد توحدت القبيلتين!

كان موت موحا وحادة أشبه بقربانٍ للآلهة لكي تقوم بتوحيد القبيلتين، وهذا بالفعل ما حدث، حيث انتهت الخلافات بينهما للأبد وعادوا قبيلة واحدة مُتماسكة من جديد، قبيلة ايت حديدو، لكن، قبل أن ينغمسوا في فرحة توحدهم من جديد لم ينسوا رد الجميل لمن كانوا سببًا في هذا الأمر، موحا وحادة.

أخذ أهالي القبيلة المُتحدة يبحثون عن طريقة يتمكنون خلالها من رد الجميل لموحا وحادة، فلم يجدوا سوى تخليد ذكراهم وذكرى بُحيرتهم للأبد، حيث قاموا بإقامة عرس شبه سنوي في أحد أيام سبتمبر بمنطقة إميلشيل، وفيه يُزوجون كل من يُريد الزواج ولا يقدر عليه، وللغرابة، استمر هذا الأمر حتى الآن، وأصبح العشاق في العالم كله يذهبون إلى إميلشيل في هذا الوقت ويتزوجون ثم يعودون إلى أوطانهم، كما أن الحدث نفسه نال شهرة علمية وأخذت عدة صحف ووكالات عالمية بتغطيته وتسليط الضوء عليه، ومما يذكر أيضًا أنه في كل عام يتم توحيد العنوان في كافة الوسائل التي تغطي أخبار عُرس إميلشيل الجماعي، ويكون دائمًا “الحب ينتصر”.

بحيرة إيسلي وتسليت الآن

ما زالت بُحيرتا إيسلي وتسليت موجودتان إلى الآن في منطقة إميلشيل، فبحيرة إيسلي حسب الإحصائيات الأخيرة تمتد بعمق يصل إلى سبعة وثلاثين مترًا، وعلى بعد اثني عشر كيلو متر منها توجد بحيرة تسليت، والتي يبلغ عمقها أكثر من ستة وثمانين متر تحت سطح الأرض، وهو الآن بمثابة منتجعات سياحية فاخرة، يقوم بزيارتها كل العاشقين من شتى أنحاء العالم، بل وتُفرض لهم خصومات ويحصلوا على الكثير من الهدايا هناك، وفي الواقع، لقد استطاعت هاتين البحيرتين تكوين قاعدة سياحية كبيرة لدولة المغرب، وجعلت أغلب دخلها السياحي منهما، وفي هذا انتصار آخر لقصة الحب بين موحا وحادة.

قصص عشقٍ أخرى

لم تبلغ حتى الآن قصة عشق ما بلغته قصة موحا وحادة، فلم يستطع أحد تعميم كل هذا النفع بمجرد قصة حب عادية بين شخصين، لكن التاريخ يشهد على الكثير من المحاولات التي تقترب من قصة موحا وحادة، منها مثلًا قصة روميو وجوليت التي تتشابه كثيرًا مع هذه القصة، فقد كانت أيضًا بين فردين من قبيلتين مُختلفتين وقد انتهت أيَا بنفس النهاية وهي قتل العاشقين بعضهما، كذلك قصة عنتر وعبلة التي نشأت بين عبد فقير وسيدة، لكن هذه القصة كُللت بالنجاح وأصبح يُضرب بها المثل على الإصرار في السعي للوصول إلى الهدف، لكن لا أحد بالرغم من كل ذلك استطاع تكرار ما حدث في أرض إميلشيل بين موحا وحادة.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

8 + خمسة =