حظيت قصة اختفاء القبطان العجوز ذو السبعين عام أوين بارفيت بشهرة واسعة، وذلك بسبب الملابسات الغريبة التي وقعت بها الحادثة، والتي لا تدل إلا على حدوث حادثة اختفاء تابعة لسلسلة الحوادث الغامضة التي وقعت في هذا القرن، فقد كان الرجل يجلس على كرسيه المتحرك في منزل شقيقته سوزانا، ثم فجأة، وبلا أي مُقدمات، اختفى من على كرسيه ولم يتم العثور على أية أثر له، اللهم إلا معطفه الذي كان معه قبل لحظات من الاختفاء، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على أوين بارفيت وقصة اختفائه كاملة، مع أهم النظريات التي قيلت حول ذلك الاختفاء.
من هو أوين بارفيت؟
أهم شيء على الإطلاق في أي قصة هو بطلها، وبطل قصتنا هو رجل سبعيني يُدعى أوين بارفيت، وقد ولد أوين في نهاية القرن السابع عشر، ومنذ إتمامه لعقده الثاني خرج للعمل في البحر، وقد تتدرج في المناصب حتى أصبح قبطانا مرموقًا، وقد قيل إن ذلك الاحترام الذي كان يحظى به أوين لم يكن نابعًا من حب الناس له أو أخلاقه الجيدة، وإنما كان مصدره الخوف الذي ذرعه في قلوب هؤلاء، فقد كان أوين معروف بكونه القبطان الأكثر وحشية وحنونًا، وهذا ليس مجرد حديث عابر، وإنما يستند على عدة جرائم قام بها أوين أثناء عمله بالبحر.
جرائم أوين بارفيت
قبل حادثة اختفاء أوين بارفيت الغامضة كان ذلك الرجل معروف بسطوته وجبروته، حيث يقال إنه كان يتحكم في كل شيء يتعلق بالبحر، أو بمعنى أدق، قد جعله امبراطورية له، وكان مشهورًا بالعقاب الذي كان يتجرعه كل من يُخالف تعليماته أو يُجادله في قرارته، وذلك العقاب كان الإلقاء في عرض البحر.
جرائم أوين بارفيت في الحقيقة لم تقتصر على البحر فقط، وإنما امتدت لخارجه أيضًا، فقد كان ذلك الرجل لا يشتري الأشياء، وإنما يأخذها منهم عنوة دون أن يدفع تكاليفها، وهو ما جعلهم يكنون له كل الكره والرغبة في الأذية، لذلك لم يشعروا سوى بفرحة غامرة عندما عرفوا بأنه قد فقد قدميه في حادثة وأصبح قعيدًا على كرسي منذ سن الأربعين، والحقيقة أن العقاب الأكبر كان استمراره على ذلك المنوال حتى عامه السبعين، أي لمدة ثلاثين سنة.
اختفاء أوين بارفيت
وقعت حادثة اختفاء أوين بارفيت في عام 1763، والقصة باختصار أن أوين كان في بيت شقيقته الوحيدة سوزانا وجالس كالعادة على الكرسي المتحرك الذي يُلازمه منذ أكثر من ثلاثين عام، وعلى ما يبدو أن الجو وقتها كان باردًا، إذ أنه كان مُغطى بمعطف صغير، وكالعادة أيضًا، تركته زوجته في حديقة المنزل ودخلت لقضاء بعض الأشغال، على أمل أن تعود في بعد انقضائها وتُدخل أوين المنزل لتناول وجبة الغذاء، وقد حدث بالفعل كل ما خططت سوزانا لفعله، عدا أمر واحد، وهي أنها عندما عادت لاصطحاب شقيقها وجدته قد تبخر، لم يكن له أي أثر أو وجود، اللهم إلا معطفه الصغير الذي كان يتغطى به قبل وقوع الحادثة.
ما الذي حدث بالضبط؟
تفاصيل الحادثة التي تم تناقلها فيما بعد تقول باختصار أن منتصف ذلك اليوم الغريب قد شهد عاصفة غير مُعتادة، وهي التي قد تسببت في سرعة عودة سوزانا شقيقة أوين بارفيت لاصطحابه من حديقة البيت، لكن العاصفة على ما يبدو لم تُحرك الجمادات وأوراق الشجر فقط، وإنما اصطحبت معها أيضًا ذلك القعيد، وبالرغم من أن ذلك الاحتمال كان مُستبعدًا إلا أن سوزانا في البداية قد حاولت البحث عن شقيقها بالقرب من البيت، وبالتأكيد قد أغفلت بذلك الأمر حقيقة إصابة شقيقها بالشلل، لكنها على حد قولها فضلت التشبث بالأمل الأخير في العثور على شقيقها القعيد، لكن ذلك الأمل خاب بعدم العثور عليه، لتبدأ بعد ذلك الخطوة التالية، وهي إبلاغ الشرطة بما حدث.
البحث عن أوين بارفيت
بدأت رحلة بحث الشرطة بعدما تيقنت سوزانا شقيقة أوين بارفيت أنها لن تتمكن من العثور عليه وحدها، أو بمعنى أدق، بعدما شعرت أنه ليس له وجود، والحقيقة أن الشرطة في بداية الأمر كانت تعتقد أن الأمر في غاية السهولة، وأن العثور على شخص مختفي أسهل ما يكون، خاصةً وأننا نتحدث عن قرية بها عدد بيوت قليل ولا يتجاوز سكانها الألفين، لكن الواقع جاء مُغايرًا لذلك تمامًا، إذ أن الشرطة قد قلبت القرية رأسًا على عقب ومع ذلك لم تستطع العثور على القبطان المُختفي أو حتى جثته، لتُعلن في النهاية عجزها وتوقفها عن البحث، ويبدأ بعد ذلك سلسال النظريات والتفسيرات.
نظريات وتفسيرات
بعدما بات يقينًا أن أوين بارفيت قد اختفى بلا عودة، كان من المنطقي جدًا أن يبدأ المحققون في البحث عن أسباب مقنعة لذلك القبطان، والحقيقة أن تلك التفسيرات لم تتجاوز الرقم ثلاثة، فأولها يتهم سوزانا شقيقة المُختفي، والثاني يتهم ماضي أوين السيئ بالتسبب في اختفائه، أما التفسير الثالث فلا يتهم سوى الطبيعة، وسوف نستعرض هذه النظريات والتفسيرات الثلاثة بالتفصيل في السطور القادمة.
طمع سوزانا، التفسير الأول
التفسير الأول الذي أخذ يتردد عقب اختفاء أوين بارفيت هو أنه قد تعرض لعملية جشع وطمع من أقرب الناس إليه، شقيقته سوزانا، حيث رُجح أنها قد فضلت التخلص منه من أجل الانفراد بأمواله، خاصةً وأنه لم يكن متزوجًا وليس له أولاد أو ورثة من أي نوع عمومًا، بمعنى أدق، سوف تُصبح جميع الأموال والمنافع التي سيتركها شقيقها من نصيبها، وهو ما يرفع من أسهم شروعها في القتل، لكن، على الجانب الآخر، وبعيدًا عن وجهة النظر المتجنية هذه فإن شقيقة أوين لم تكن في حاجة أصلًا إلى قتله لأنه كان قعيدًا وغير مُلم بأي شيء تقريبًا، وعليه فإن جميع ثروته كانت تحت تصرف شقيقته، مما ينفي الحاجة إلى قتله.
الماضي ينتصر، التفسير الثاني
التفسير الثاني حول اختفاء أوين بارفيت يمكن إجماله في ماضي أوين السيئ، والذي قضاه في ظلم الآخرين وفرض سيطرته عليهم، مما تسبب في حالة من الكره وعدم التقبل، تلك الحالة بالتأكيد كانت سببًا في تدبير التخلص منه، وربما نجحوا في ذلك الأمر بالفعل عن طريق خطفه وقتله، وهو ما يضع تفسيرًا منطقيًا لاختفائه، لكن أيضًا، لماذا يصمت ذوي المظلومين كل هذه الفترة دون اتخاذ أي إجراء؟ لماذا ظهرت الحاجة فجأة إلى الانتقام؟
للطبيعة رأي آخر، التفسير الثالث
التفسير الثالث الذي ظهر بعد اختفاء أوين بارفيت كان من نصيب الطبيعة، حيث أن الأسباب المنطقية كلها أصبحت غير منطقية، وكان لابد بالتأكيد من التفكير في أمور أكثر جنونًا لكنها مُحتملة، وذلك مثل الاختفاء الغامض الذي ليس له أي أسباب أو تفسيرات، بمعنى أكثر توضيحًا، لقد قال أصحاب ذلك الرأي بأن أوين بارفيت قد تبخر في السماء!
أضف تعليق