من المؤكد أن أدب الجريمة هو من أكثر أنواع الآداب إثارة، وهو يجذب الصغار والكبار وحتى الأشخاص الذين لا يحبون القراءة، فقراءة رواية قصيرة لشيرلوك هولمز هو خيار يمكن للكثيرين أن يقوموا به دون أن يشعروا بأي شيء صعب، أما عشاق هذا النوع من الأدب فإنهم ينكبون على تلك القصص لقراءة العشرات منها في أوقات قصيرة، وأهم شيء في تلك القصص شخصية المحقق التي لا تختلف كثيرًا من قصة لأخرى، فهناك بعض السمات المشتركة بين المحققين، إلا أن هناك سحر يحيط ببعض المحققين المميزين، وفي الفقرات التالية سنذكر لك أهم أولئك المحققين البارزين في أدب الجريمة بدايةً بذكر شيرلوك هولمز ثم أوجست دوبين وهركيول بوارو ونيرو ولفي والمحققة الوحيدة في قائمتنا الآنسة ماربل.
أهم محققي أدب الجريمة في العالم
من هو شيرلوك هولمز؟
قد يكون شيرلوك هولمز هو المحقق الأكثر شهرة على الإطلاق في أدب الجريمة وحتى أنه أشهر من المحققين في الواقع، حيث يضرب به العامة المثل حتى إن لم يعلموا أي شيء عنه، فالبعض يظن أنه محقق حقيقي، لكن الحقيقة أنه عبارة عن شخصية خيالية ابتدعها الإنجليزي آرثر كونان دويل، وطوال الخط العام في القصص نجد القدرات المذهلة لهولمز في الاستنتاج المنطقي والسرعة التي قد تبدو خيالية، ويتم توظيفه من قبل جهات متعددة لحل القضايا مثل مكتب سكوتلاند يارد وهو من أشهر مكاتب الشرطة في بريطانيا وربما في العالم، وهناك العديد من القصص الحقيقية المثيرة التي استطاع محققو المكتب حلها، وهذا يضيف الكاتب بعض الواقعية على شخصية هولمز، وكي لا ننسى فإنه يحصل على قضايا هامة من أفراد محددين ومنهم أفراد في درجة مجتمعية كبيرة، لذا فإن شيرلوك هولمز هو المحقق الأول الذي يلجأ إليه صاحب أي قضية صعبة في لندن، وفي أغلب الأحوال تكون تلك الشخصيات ثرية أو مشهورة نوعًا ما.
ظهور هولمز في القصص
ظهرت الشخصية للمرة الأولى في سنة 1887 في رواية “حجرة دراسة قرمزية” والعنوان نفسه مأخوذ من جملة قالها هولمز، ومن هنا بدأ تركيز الكاتب على الشخصية وكذلك شخصية الدكتور واتسون الغريبة التي جعلتهما ثنائي مميز، وهناك ملاحظة هامة لابد أن نأخذها في عين الاعتبار، وهي أن آرثر كونان دويل كتب 56 قصيرة محتوية على شخصية هولمز مع أربع روايات منها هذه الرواية، وهناك العديد من النقاد الذين كتبوا نظريات مختلفة حول هروب الكاتب من عالم الروايات، إلا أن أغلبهم اتفقوا في النهاية على أن مهارة الكاتب جعلته قادرًا على إيصال تفاصيل دقيقة أسرت عقول القراء من مختلف دول العالم وأنه لم يحتج إلى صفحات طويلة كي تكون العقدة ذات حبكة مميزة مع الكاريزما الموجودة في شخصيتي هولمز وواتسون، كما أن هذا الخط الذي سار عليه الكاتب اتبعه مؤلفو أدب الجريمة فيما بعد.
معلومات حول ظهور هولمز في القصص
ظهرت القصص القصيرة للمرة الأولى في مجلة “ستراند”، وهي مجلة شهرية أسسها جورج نيونز وتهتم بأدب القصص القصيرة، وللعلم فقد بدأ نشرها منذ يناير 1891 وحتى 1950، وطوال تلك الفترة أصدرت 711 عدد وحققت مئات الآلاف من المبيعات، واختيار آرثر كونان دويل لها زاد من شهرة المجلة بشكل كبير في العقد الأول والثاني من القرن الماضي، والقصة القصيرة الأولى التي ظهر فيها هولمز هي “فضيحة في بوهيميا”، وهي واحدة من 38 قصة تعاون فيها الرسام سيدني باجيت ليزين كلمات المؤلف حتى أصبحت الرسومات من أكثر الأشياء المميزة للقصص حتى في النسخ المترجمة، وأيضًا ظهرت شخصية إيرين آدلر في الرواية والتي عادةً ما تستخدم في الإطار الرومانسي عندما يحتاج المؤلف إلى إدخال عنصر الحب في القصة، ويشير العديد من النقاد إلى أهمية هذه القصة ويعتبرها البعض أهم قصص هولمز، ودويل نفسه اعتبر القصة خامس قصة مفضلة لديه من بين 12 قصة مفضلة بالنسبة له من بين قصصه، وقد تم نشر القصة في 25 يونيو 1891 وقد تم تجميعها فيما بعد في مجموعة “مغامرات شيرلوك هولمز” التي نشرت في السنة التالية والتي يعاد طبعها حتى يومنا هذا.
الجو العام لقصص شيرلوك هولمز
الفترة التاريخية الغالبة في قصص هولمز هي الحقبة الفيكتورية أو الإدواردية بين سنوات 1880 و1914، ولعل هذا الجو الفريد هو الذي أتاح للمؤلف أن يجعل شخصية هولمز كلاسيكية وخالدة، وأغلب القصص يرويها الدكتور واتسون الذي أصبح رفيقًا لهولمز في كل مغامراته وتحقيقاته، وهو الذي يخبرنا كل شيء عنه، ويتشارك معه السكن في الشقة المميزة “221 بي شارع بيكر، لندن”. وصنفت موسوعة جينيس هولمز باعتباره أكثر شخصية خيالية تم تصويرها في التاريخ، وهو يعتبر أيقونة في بريطانيا، وهناك العديد من آثار هولمز والتي نجدها في كتب أدب الجريمة والغموض، وقد تم تحويل القصص إلى كل ما قد تتخيله من أعمال فنية وترفيهية مثل المسرح ومسرحيات الراديو والتلفاز والأفلام وألعاب الفيديو وغيرها من أنواع الوسائط لأكثر من قرن.
هولمز وواتسون
عمل هولمز كمحقق لمدة 23 سنة، وكان واتسون شريكه لحوالي 17 سنة، وكانا يتشاركان غرفة واحدة قبل أن يتزوج واتسون في 1887 وبعد وفاة زوجته، والسيدة هودسون هي التي ترعى المنزل وغالبًا ما تظهر في شخصية الإنسان الساخط والمتحفظ وفي أوقات عديدة تثير مشاكل مع الثنائي إلا أن الرضا المؤقت يعود بينهم، وهناك العديد من الصراعات التي تحدث بين الصديقين، لكن بالرغم من وجود اختلافات كبيرة بينهما إلا أن كل منهما يعرف أهمية الآخر في حياته ومتأكد من تميزه وتفرده، مع العلم بأن ما نقرأه هو آتٍ من وجهة نظر واتسون فقط.
سي. أوجست دوبين
مؤلف الشخصية هو الكاتب والشاعر الأمريكي إدجار آلان بو، وهو من أكثر المبدعين الذين أثروا في أدب الجريمة والغموض، بل هو مؤلف أول قصة بوليسية وأول محقق وهو دوبين، حيث ظهر في قصة “جرائم شارع مورج” في سنة 1841، وظهر مرة أخرى في قصتين أصدرها بو في السنين التالية وهما “لغز ماري روجيه” و”الرسالة المسروقة”، ودوبين ليس بمحقق محترف، لكن لديه حس ودوافع تجعله راغبًا في حل الجرائم التي يقابلها في طريقه وذلك بسبب حدسه الاستثنائي وقدرته المميزة على التخيل وربط الأمور الصغيرة ببعضها، لكن هذا المحقق لا يملك كاريزما قوية مثل شيرلوك هولمز أو هركيول بوارو ولهذا السبب ليس له شعبية بين القراء العاديين.
إلا أننا لو نظرنا بدقة سنجد أن الصفحات المكتوبة عنه ستكون أقل بكثير من نصف عدد الصفحات المكتوبة في قصة واحدة لهولمز، أي أن الكاتب لم يضع مساحة كافية ليعبر المؤلف عن التفاصيل الدقيقة للشخصية، وهذا يعني أن الكاتب اعتمد على التركيز القوي، وهذه هي الفكرة الأساسية التي يلجأ إليها إدجار آلان بو في الكتابة وهي التي ميزته وجعلت قصصه خالدة لأكثر من قرن ونصف، ويكفينا أن نتخيل مرارًا ما يمكن تخيله من قراءة واحدة لقصة “القلب الواشي” التي تعتبر من أهم قصص أدب الجريمة ، فهذا التكثيف في الأسلوب يدعو القارئ إلى التخيل، وقد تنطبع الشخصية في ذهن القارئ بدون تقطع بالمرة، والمقارنة ظالمة بين آلان بو الذي يكتب بتكثيف بالغ وبين دويل الذي يفرد صفحات طويلة لأدق التفاصيل، مع ملاحظة أن شخصية هولمز نفسها مستوحاة من شخصية دوبين، وليس هولمز فقط بل العديد من الشخصيات الأخرى، فنحن نتحدث هنا عن المحقق الأول في تاريخ أدب الجريمة .
شخصية المحقق دوبين
عائلة دوبين هي غنية إلى حد كبير، لكن بسبب ظروف وحوادث غامضة فإنه قرر الابتعاد عن حياة الغنى وفضّل أن يعيش بصورة متواضعة وبالاعتماد على ضروريات الحياة، وأقام في باريس مع صديقه المقرب المجهول الذي يروي دومًا حكاياته، وقد تقابلا عن طريق الصدفة عندما كانا يبحثان عن نفس الكتاب النادر في مكتبة غامضة، وشخصية دوبين مليئة بالغموض الذي يحرك حدسه، فهو ولع باللغة الهيروغليفية والألغاز والمسائل غير المحلولة، ويحمل لقب فارس حاصل على وسام جوقة الشرف، ومع ذلك فهو يتشارك بصورة كبيرة مع سمات شخصيات المحققين الذين ظهروا لاحقًا في أدب الجريمة وبالتحديد فيما يعرف بالعصر الذهبي لأدب المحققين أو أدب الجريمة ، وهناك شرطي صديق له يساعده دومًا في إيصال المعلومات اللازمة.
ظهور المحقق دوبين في القصص
في القصة الأولى “جرائم شارع مورج” يحقق دوبين في قضية مقتل أم وطفلتها في باريس، والقصة التالية يحقق فيها عن مقتل ماري روجيه وهي شخصية حقيقية كانت تعمل كبائعة في محل لبيع السيجار في مانهاتن وتم اكتشاف جثتها في نهر هودسون في سنة 1841، والظهور الأخير لدوبين كان في قصة “الرسالة المسروقة” التي تتحدث عن تحقيق لخطاب تم سرقته من ملكة فرنسا نفسها، ويعتبرها إدجار آلان بو من أهم قصصه في أدب الجريمة وربما بصورة مطلقة، وهذه الثلاثية تقدم لنا صورة شاملة عن سي. أوجست دوبين وتعطينا أجواء مختلفة مميزة، ففي القصة الأولى يسافر بو في شوارع المدينة، وفي الثانية التي ظهرت على ثلاثة أجزاء نجده يسافر في الأماكن الخارجية المتسعة حيث نجد جريمة قتل لامرأتين لكن رواية الشهود مختلفة للغاية، وفي الثالثة في مكان خاص مغلق، وفي النهاية علينا أن نتذكر أن دوبين لا يعمل لقاء أجر، وهذا يؤكد لنا أن ولعه بالتحقيق هو ولع فطري، والمرة الأولى التي يحصل فيها على أجر كانت المكافئة التي حصل عليها في القصة الثالثة.
هركيول بوارو
ابتكرت الكاتبة الإنجليزية أجاثا كريستي (15 سبتمبر 1890 – 12 يناير 1976) شخصية المحقق الاستثنائي هركيول بوارو في العشرينيات وشعرت مع تقدم ظهوره في القصص العديدة التي كانت تنشرها في كل سنة بأنه مجرد شخصية بغيضة، لكن على ما يبدو فإن القراء أحبوا مثل تلك الشخصية الأنانية وتعلقوا بها للغاية، مع أنه لا توجد أية ملامح جسدية مميزة خاصة بالشخصية أو أهداف نبيلة أو شيء يمكننا أن نجعل نشعر بالشفقة أو أية ملامح أخرى يمكن أن تضيف إلى الشخصية بعض الكاريزما مثلما في حالة شيرلوك هولمز مثلاً، فكل شيء متعلق بالشخصية هو الطريقة الذكية والمميزة التي يفكر بها، وهو على ما يبدو أوروبي تقليدي ويبدو أخلاقيًا إلى حد كبير ولديه بعض العادات المعينة ويظهر التحفظ عليه من خلال تعابير وجهه، ويبدو كالمثقفين الفرنسيين في طريقة حديثه.
المفترض أن بوارو هو مواطن بلجيكي الأصل ويتحدث الفرنسية، وهو أكثر شخصيات أجاثا كريستي شهرة والتي يعتبرها البعض ملكة أدب الجريمة ، وظهر في 33 رواية لها ومسرحية واحدة هي القهوة السوداء، والأهم أنه ظهر في أكثر من خمسين قصة قصيرة، وكل هذا تم نشره فيما بين 1920 وحتى 1975، وأعمال أجاثا كريستي هي من أكثر الأعمال الأدبية التي تم تحويلها إلى أعمال سينمائية أو تلفازية، ويمكننا مقارنتها في هذا بأنطون تشيخوف أو إدجار آلان بو بالرغم من أنها حديثة نسبيًا بالنسبة لهما، لذا فإن شخصية هركيول بوارو تم تصويرها مرات عديدة بواسطة ممثلين كثر مثل الممثل والمخرج والمسرحي الشهير أورسون ويلز وغيره مثل أوستين تريفور وجون موفات وألبرت فيني والسير بيتر يوستينوف والسير إيان هولم وتوني راندال وألفريد مولينا وغيرهم.
اسم هركيول بوارو
يعمل بوارو كمحقق خاص وسابقًا كان ضابط شرطة، ووالده يدعى جولز-لويس بوارو ووالدته جوديليف بوارو، ويدين بالكاثوليكية الرومانية، وتاريخ ميلاده المفترض ما بين 1854 – 1873 في قرية سبا في بلجيكا ومات في أكتوبر 1949 في ستايلس كورت في المملكة المتحدة. والاسم مكون من اسمين لشخصين خياليين، الأول هو السيد بوارو الذي ابتدعه فرانك هاول وهو ضابط شرطة بلجيكي متقاعد يعيش في لندن والثاني هو هركيول بوبو الذي ابتدعته ماري أديلايد إليزابيث راينر لاوندز التي ولدت باسم بيلوك وولدت في 5 أغسطس 1868 وتوفت في 14 نوفمبر 1947 وهي من أشهر الكاتبات الإنجليزيات اللواتي كتبن في أدب الجريمة وقد نشطت في كتابة هذا النوع منذ مطلع القرن العشرين وحتى وفاتها.
هل هركيول بوارو هو امتداد لشيرلوك هولمز؟
يجب أن نلاحظ تأثير شخصية شيرلوك هولمز على الإلهام الذي سببه لأجاثا كريستي وعلى غيرها من كتاب أدب الجريمة ، ففي سيرة حياتها الشخصية قالت أنها كانت تحاول ابتداع شخصية بوارو بالاعتماد على نفس نمط هولمز، أي المحقق الغامض والذي يشبه المحقق ليستراد أي محقق من محققي مكتب سكوتلاند يارد، وهو شخصية أخرى ابتدعها آرثر كونان دويل، أي أن تأثيره عليها ظاهر من خلال شخصيتين، مع العلم بأن دويل نفسه اعتمد على شخصية دوبين التي ألفها بو وكذلك شخصية جوزيف بيل.
ما السر وراء الجنسية البلجيكية؟
كان بوارو رئيسًا لمكتب شرطة بروكسل قبل الحرب العالمية الأولى، وبلاشك فإن المجرمين كانوا سعداء للغاية عندما رحل. وبغض النظر عن الشخصيات الأخرى التي ذكرناها سابقًا والتي كانت إلهامًا قويًا لأجاثا كريستي، فإن بوارو ظهر كشخصية ناضجة للمحقق الذي ألفته في كتابها الأول في سنة 1916 ونشرته بعد أربع سنين، وبالنسبة لجنسيته البلجيكية فإن الأمر محير، لكن البعض يخبرونا بأن المقصد منه واضح، ففي ذلك الوقت كانت بلجيكا محتلة من قبل ألمانيا، وهذا يجعلنا نطرح سؤالاً مهمًا وهو: لماذا يوجد محقق بارع مثل بوارو بدون عمل ولماذا يعمل في حل المشاكل الغامضة في إنجلترا؟ فهذا يعني أن كريستي أرادت إظهار تعاطف تجاه الشعب البلجيكي، وهذه بروباجاندا كانت تعمل بريطانيا على توجيهها في تلك الفترة خاصةً مع اندلاع الحرب العالمية الأولى وحتى بعدما انهارت الإمبراطورية الألمانية وظهر الوجه الشرس لألمانيا النازية.
جريمة في قطار الشرق السريع
ظهرت رواية “جريمة في قطار الشرق السريع” في المملكة المتحدة في مطلع يناير من سنة 1934 وظهرت بعناوين أخرى بعد ذلك، وتعتبر من أشهر الروايات التي ظهرت فيها شخصية هركيول بوارو والتي لابد أن تقرأها إذا كانت معجبًا به، وتبدأ القصة برحلة لقطار تاوروس السريع الذي يبدأ من حلب في سوريا إلى إسطانبول، وفي هذا الوقت كان يقيم بوارو في أحد الفنادق لكنه تلقى رسالة تخبره بأن يعود إلى لندن للقيام بأعمال معينة، وبسبب كونه شخصية معروفة وكذلك معرفته للعاملين في القطار فقد حصل على تذكرة الدرجة الأولى وركب مع شخصيات مهمة في هذا القطار المميز الذي يسير في طريق مميز أيضًا، لكنه لاحظ في البداية وجود أشخاص مميزين لدرجة تثير الشك، وفيما بعد اكتشف أن هناك علاقة وثيقة بين هؤلاء الأشخاص، ويقول بعض النقاد أن شخصية بوارو تعرضت إلى ضغط كبير في تلك القصة حيث أنه كان غير قادر على التحليل بسرعة كما هي عادته في القصص الأخرى، ولولا الصدفة فإنه لم يكن ليقدر على الوصول إلى استنتاجه.
تحولت القصة إلى فيلم بريطاني شهير في سنة 1974 بنفس العنوان من إخراج سيدني لوميت صاحب “12 رجل غاضب” وإنتاج جون باربورن وريتشارد بي. جودين وسيناريو بول دين، وشارك في التمثيل عدد كبير من الممثلين المشاهير مما أضاف للفيلم رونق خاص وجسد ألبرت فيني شخصية بوارو، وشاركت الممثلة إنجريد برجمان في دور صغير (وبسبب كثرة الشخصيات في الفيلم فإنه بإمكاننا اعتبار كافة الشخصيات شخصيات فرعية) وحصلت عليه على أوسكار أفضل ممثلة مساعدة، مع العلم بأن أغلب النقاد قالوا أن الجائزة هي شرفية بسبب المسيرة الحافلة التي قدمتها الممثلة وأن اللجنة لم تعني أدائها في هذا الفيلم بالتحديد، فبالفعل لم تقدم أي شيء مميز في الفيلم بسبب عدم وجود مساحة قبل أي شيء ولأن الدور هو درامي لكن مقتضب، وشاركت أيضًا الممثلة لورين باكال وجون جيلجود وفانيسا ريدجريف ومايكل يورك وجاكيلين بيسيت وأنتوني بيركنز وويندي هيلر، ونجح الفيلم بدرجة كبيرة في شباك التذاكر وحصل على مراجعات نقدية إيجابية جدًا وحصل على 6 ترشيحات لجائزة الأوسكار في دورتها السابعة والأربعين عن أداء ألبرت فيني كأفضل ممثل رئيسي وإنجريد برجمان وجوائز أفضل سيناريو مقتبس وأفضل موسيقى أصلية وأفضل تصوير وأفضل ملابس، لكن لم يربح الفيلم أي جائزة سوى إنجريد برجمان، ويتم العمل في سنة 2017 على إعادة إنتاج الفيلم من بطولة كينيث باران الذي يمثل شخصية بوارو وبمشاركة جودي دينش وجوني ديب.
معلومات شيقة عن هركيول بوارو
- لعب الممثل جيمس كوكو دور ساخر (بارودي) يجسد فيه شخصية هركيول بوارو في فيلم Murder By Death والذي ضم عدد كبير من محققي أدب الجريمة في جريمة هزلية.
- شعبية بوارو هي كبيرة جدًا بالنسبة لمحقق وقد بدأت في التزايد منذ الثلاثينيات بالتحديد، وهناك بعض العلامات التجارية التي تستخدم اسمه مثل شركة إنجليزية لإنتاج البيرة.
- السكرتيرة الخاصة به تدعى الآنسة فيليسيتي ليمون.
- كلماته الأخيرة كانت “صديقي العزيز” وكانت موجهة إلى صديقه القديم الكابتن هاستنجس الذي شاركه في العديد من المغامرات.
الآنسة ماربل
ميس ماربل أو الآنسة ماربل هي في الحقيقة امرأة عجوز تهوى الجرائم الغامضة وتساعد المحققين في حلها بالرغم من أنها لا تملك أية علاقة بالتحقيق من قريب أو بعيد، وقد ظهرت في 12 رواية و20 قصة لأجاثا كريستي، وهي امرأة عانس يبدو عليها طيبة القلب والرغبة المستمرة في مساعدة الآخرين والتخفيف من أحمالهم، ومع هركيول بوارو فهي أكثر الشخصيات المحبوبة من شخصيات كريستي وتم تصويرها مرارًا في الأعمال السينمائية وعلى التلفاز، وكان ظهورها الأول في قصة “ملهى يوم الثلاثاء الليلي” والتي نشرت في المجلة الملكية في ديسمبر 1927، والتي ضُمت بعد ذلك إلى الفصل الأول من “المشاكل الثلاث عشر” والتي نشرت في 1932، أما الظهور الأول لها في رواية كاملة فكانت رواية “جريمة في بيت الكاهن” المنشورة في 1930.
كيف ظهرت شخصية الآنسة ماربل؟
يرجح أن الإلهام أتى إلى الكاتبة لنسج الشخصية من جدتها أو عمتها مارجريت ويست، أما كريستي نفسها فقد أشارت إلى مصادر عديدة استوحت منها الشخصية، وقالت أن الآنسة ماربل هي من أنواع السيدات اللواتي يشبهن صديقات جدتها، السيدات العجائز اللواتي قابلتهن مرارًا في القرية عندما كانت فتاة صغيرة، وقالت أيضًا أن الدافع القوي الذي دفعها إلى خلق الشخصية هو شخصية العانس كارولين شيبارد التي ظهرت في رواية “من قتل روجر أكرويد؟” التي ضمنت لكريستي مكانة كبيرة بين كتاب أدب الجريمة ، فعندما حول مايكل مورتون الرواية إلى مسرحية استبدل شخصية العانس بفتاة شابة، وشعرت المؤلفة بالحزن بسبب إقصاء شخصية المرأة العجوز وشعرت بأنه لابد أن يكون للعجائز صوت في أدب الجريمة ، ومن هنا ولدت الآنسة ماربل، وبالنسبة للاسم فلا يوجد أي تفسير واضح له باستثناء أنه قد يكون مأخوذًا من محطة قطار ماربل في ستوكبورت، أو ربما هو اسم لعائلة ما عاشت في أبني هول.
سمات شخصية الآنسة ماربل
الظهور الأول للشخصية هو مختلف إلى حد بالغ عن ظهورها في القصص اللاحقة، فأولاً ظهرت كامرأة تحب التلصص وسماع ونشر الشائعات ولم تظهر كشخصية لطيفة مطلقًا، وقد أحبها جيرانها لكنها كانت ترهقهم بتصرفاتها السيئة، لكن فيما بعد ظهرت بمظهر متزن للغاية والأهم أنها تحولت إلى شخص لطيف، ولكن السمة الأهم في الآنسة ماربل هي قدرتها على ملاحظة أدق التفاصيل والوصول إلى مختلف الاستنتاجات بسهولة، وتحاول الكاتبة في أغلب الأوقات الإشارة إلى أنها تصل إلى تلك الاستنتاجات من خلال تجاربها في الحياة والأمثلة المحددة التي تعرفها عن الجوانب السيئة لشخصية الإنسان والتي تستخرج منها دوافع الجريمة، وعادةً تذكرها الجرائم بحوادث مماثلة، كما أنها تملك قدرة غير عادية على ملاحظة التعليقات التافهة وربطها بأسس الجرائم، وفي العديد من القصص تعتمد على معرفتها بالسير هنري كليثرينج وهو ضابط متقاعد كان يعمل في مكتب شرطة ميتروبليتان كي تحصل على المعلومات الرسمية في حالة احتياجها إليها.
آنسة أم عانس؟
لم تتزوج الآنسة ماربل طوال حياتها ولا تملك أي أفراد عائلة قريبين منها، باستثناء ريموند ويست ابن أخيها وهو مؤلف مشهور يظهر في بعض القصص مثل “الجريمة النائمة” مع زوجته جوان وهي فنانة حداثية، وقد ظهرت سابقًا باسم جويس ليمبرير في “المشاكل الثلاث عشر”، وعادةً ما يخطأ ريموند في تقدير قدرات عمته. تقوم الآنسة ماربل بتوظيف نساء شابات ظهرن في قصص مختلفة مثل كلارا وإيميلي وأليس وجويندا وإيمي وكلهن تربين في ملجأ أيتام بالقرب منها، حيث تعمل على تدريبهن للعمل كمدبرات منزل وتجعلهن يعملن في منزلها، ولم تقم بهذا الأمر إلا بعد تقاعد خادمتها الوفية فلورينس.
نيرو ولفي
نيرو ولفي هو شخص سمين ويستريح في أغلب الأوقات في المسارات التي يمشي فيها، وعلى ما يبدو فإنه لا يأبه لأي شيء في الدنيا باستثناء الأكل والتفكير، والظاهر أنه لا يحتاج إلى القيام بأي شيء آخر، فهو ممتاز في هذين الشيئين إلى حد البراعة، لذا لا تفكر مطلقًا في قراءة قصة له وأنت تشعر بالجوع، حيث ستجد أدق التفاصيل عن مختلف أصناف الطعام أمامك، سيكون هذا بمثابة تعذيب للذات. ولفي هو المحقق الأقرب إلى نموذج شيرلوك هولمز، فأولاً نحن لا نراه إلا بعيون صديقه المقرب آرتشي جودوين الذي يعمل باعتباره الطاهي الخاص له كما نرى هولمز بعيون واتسون، والتجهم هو سمة مشتركة بينهما وكذلك حب التفكير والخروج عن الواقع والانغماس في التفكير والهدوء، فما يفعله ولفي هو التحدث ثم الاستماع ثم التفكير، وبعدها يكون قد تمكن من حل القضية.
ظهور شخصية نيرو ولفي
مؤلف الشخصية هو الأمريكي ريكس ستوت الذي يعتبر من أهم كتاب أدب الجريمة والغموض، وظهرت الشخصية للمرة الأولى في سنة 1934، والمفترض أن ولفي ولد في مونتينجرو وهو يحاول دومًا أن يجعل ماضيه سرًا لكل الناس، ويعيش في منزل فاره في 35 من الشارع الغربي في مدينة نيو يورك، ومنذ فترة طويلة وهو لا يخرج من المنزل إلا لأغراض العمل لأنه يحتقر أي نشاط يمكن أن يبعده عن كتبه والاهتمام بأزهار الأوركيد الخاصة به وتناول الوجبات التي يعدها آرتشي. وقد ظهرت شخصية ولفي في 33 رواية كتبها ستوت و39 رواية قصيرة وقصة قصيرة بين سنوات 1934 حتى 1975 وهي تقريبًا نفس الفترة التي كتبت فيها أجاثا كريستي، وأغلب القصص تقع في مدينة نيو يورك، وتحول عدد كبير منها إلى أعمال سينمائية وتلفازية ومسرحية.
شكرا