تسعة مجهول
عيشة قنديشة
الرئيسية » اسطورة » عيشة قنديشة : أسطورة المغرب التي أرعبت المغاربة لقرونٍ طويلة

عيشة قنديشة : أسطورة المغرب التي أرعبت المغاربة لقرونٍ طويلة

عيشة قنديشة امرأة مغربية عاشت قديمًا ويُقال إنها كانت واحدة من أهم الأساطير في المغرب، وتحديدًا الأساطير المرعبة، لأنها كانت مصدر رعب وقلق للجميع.

تُعتبر عيشة قنديشة أحد أبرز ثمار التراث العربي القديم، وتحديدًا التراث المغربي، والذي نادرًا ما نجد به أسطورة ثرية مثل تلك الأسطورة المنتمية إلى نوعية الرعب، والحقيقة أنه من المُحير حقًا أن يعرف الناس الزمن الحقيقي الذي ظهرت به تلك المرأة المجهولة، لكن الأكثر حيرة على الإطلاق هو ما وقع في تلك القصص الذي رويت عن عيشة، والتي تصل غرابة بعضها إلى الحد الذي يُطير العقل من الجنون، فالمغرب بطبيعته بلد هادئ نادر الأساطير، وإذا كنا سنجعله مهدًا للأساطير فليس من المنطقي أبدًا أن تعج بالرعب، عمومًا، تبقى تلك القصص، وهذه الأسطورة بشكل عام، قائمة بقوة، لدرجة أن البعض يعتقد أنها أحداث حقيقية وليست مجرد أسطورة مُختلقة، فما هي حكاية عيشة قنديشة؟ وكيف أصبحت أيقونة قصصية مغربية؟ هذه الأسئلة سوف نحاول الإجابة عليه سويًا من خلال السطور القادمة، فهل أنتم مستعدون؟

من هي عيشة قنديشة؟

إذا ما ذهبت إلى المغرب وبدأت بالسؤال عن عيشة قنديشة فسوف تجد الكثير من الأسماء لها، فهناك من يُسميها عيشة السودانية وهناك من يُسميها عيشة مولات وهناك من يُسميها أيضًا بالمرأة الأسطورية، كل هذه الأسماء في النهاية لا تعني سوى شخص واحد، هو في الأصل يُعتبر من أهم الشخصيات المُرعبة في المغرب، بل وفي العالم العربي بأكمله، إنها الأسطورة الخالدة عيشة قنديشة، جنية المغرب ومارلين العرب كما يُطلق عليها البعض في الاسم الرابع لها.

عيشة كما تتناقلها الأسطورة جنية مغربية تظهر على شكل امرأة عادية، وتحديدًا امرأة شديدة الجمال، أما الأماكن التي تظهر بها فهي الأماكن النائية المهجورة والمقابر كذلك، ولو لم تكن تظهر في هذه الأماكن لما كانت أسطورة مُرعبة، فمهما كان الشخص ومهما كانت قوة تحمله فإن ظهور جسم مُظلم له في هذه الأماكن المذكورة بالتأكيد سوف يُسبب له حالة من الذعر الشديد، وهذا ما كان يحدث بالضبط في حالة عيشة ويجعل الجميع ينفرون منها ويتخذونها أيقونة مُتفردة في الرعب، لكن يا تُرى، ما هي أبرز القصص والخرافات التي قيلت عن صاحبة تلك الأسطورة المرعبة؟

قصص وخرافات عيشة قنديشة

من الطبيعي جدًا انتشار القصص والخرافات في مجتمع يعج بأشخاص بارعي التخيل، وفي نفس الوقت يعتمدون على المبالغة بشكل أساسي، فهؤلاء يجعلون من الشيء الصغير البسيط حدث عظيم جلل، وهم كذلك يمتلكون القدرة على بث الرعب حتى ولو لم يكن ثمة سبب لذلك الرعب، وربما ذلك ما حدث بالضبط في قصة عيشة قنديشة، فقد تناقل الناس بعض الحكايات الغامضة عنها على سبيل التسلية ثم تحول الأمر فيما بعد إلى تصديق مُطلق لكل ما يُثار عنها، حتى انتهى الأمر في النهاية باعتبارها واحدة من الأساطير المرعبة في التاريخ بأكملها، ولكي نكون مُنصفين أكثر، دعونا نتعرف على أبرز القصص التي خرجت على عيشة ونتبين صحتها كذلك، ولتكن البداية مثلًا مع قصة الوليمة الغامضة.

الوليمة الغامضة والضحية المسكينة

القصة الأولى التي تُقحم عيشة قنديشة بها هي تلك التي تتحدث عن إقامة وليمة كبيرة لقبيلة من القبائل المغربية القديمة، تلك الوليمة كان من الطبيعي جدًا أن يحضر بها أشخاص كثيرون، وطبعًا في تلك الكثرة قد تغفل عن بعض الحضور ولا تعرف ماهيته، لكن الحقيقة أن الجميع بلا استثناء قد لمح وجود امرأة غريبة جدًا تُحملق في إحدى نساء القبيلة بشكل أقل ما يُقال عنه أنه مُريب للغاية، وطبعًا لا يحتاج الأمر إلى كثيرٍ من التفكير لنُدرك أن تلك المرأة الغريبة لم تكن سوى بطلة أسطورتنا عيشة قنديشة، فما الذي حدث بعدها يا تُرى؟

بعد حملقة طويلة من عيشة لأحد نساء القبيلة بات الجميع يلاحظون ذلك الأمر المُلفت للنظر، لكن احترام الغريب دفعهم إلى عدم إبراز تلك الدهشة أو سؤال عيشة عن السبب، بل إنهم في نهاية الوليمة قاموا بالروتين المُعتاد في مثل هذه الظروف، وهو دعوة الأغرب إلى بيوتهن من أجل المبيت معهم حتى الصباح، وبكل غرابة لم تقبل عيشة دعوة أحد سوى تلك المرأة التي كانت تُحملق بها طوال الوليمة، وبدا جليًا أن أمر ما سيء على وشك الحدوث.

سقوط المرأة المسكينة

تقول الأسطورة أن عيشة قنديشة قد قبلت دعوة المرأة المسكينة التي شبعت من التحليق بها، وطبعًا كانت المرأة تشعر أن ثمة شيء غريب يدور في ذهن تلك المرأة الغريبة، وهي عيشة السودانية بطلتنا، لكن احترام العهد أجبرها على اصطحابها إلى البيت وتجهيز مكان للمبيت، وبالتأكيد لم تنسى إخبار زوجها بما تشعر به تجاه الضيفة الغامضة، لكنه أخبرها بعدم وجود أي شيء يدعو للخوف، وأن الأمر لا يتجاوز مجرد كونه إعجاب أو استغراب أو حتى تشبيه بشخص تعرفه، لكن، في الصباح، وعندما استيقظ الزوج معتقدًا أن زوجته تحضر له الإفطار، لم يجد أحدًا في البيت، ولا زوجته ولا المرأة الغريبة، فقد كان ثمة بقع دماء منتشرة في أماكن عديدة، وطبعًا من البديهي أن يُخمن الرجل ما حدث لزوجته، والتي لا يعرف أحد حتى الآن أين ذهبت جثتها ولماذا أقدمت تلك المرأة المجنونة على أذيتها، ومن هنا كان الحضور الأول لبطلتنا المُرعبة عيشة قنديشة، لكنه لم يكن الحضور الأخير على الإطلاق.

عيشة قنديشة والكهف المهجور

مرة أخرى تظهر عيشة قنديشة في أساطير مُرعبة مغربية، وهذه المرة كانت في نهاية القرن الماضي، حيث تشكلت عيشة كما تقول الأسطورة في صورة امرأة عجوز ثم وقفت في طريق مهجور قليل السيارات وأشارت بيدها لسيارة يتيمة كانت تمر في هذه الأثناء، وطبعًا النخوة العربية دفعت السائق إلى التوقف من أجل تلك المرأة الكبيرة في السن وتقديم المساعدة، وبالفعل طلبت منه الذهاب إلى مكانٍ ما من أجل زيارة ابنتها، وقد كانت حسبما يصف السائق مُريبة إلى أبعد حد، فكان يتحدث ولا تُجيبه، وكان كل نظرها موجهًا إلى الظلام، ولا يعرف السائق بعد إلى أي شيء كانت تنظر تلك المسنة، لكن المهم هو ما حدث بعد ذلك، وتحديدًا عندما طلبت منه المرأة التوقف للنزول.

طلبت عيشة من السائق النزول في مكان مجهول به كهف صغير، الغريب حقًا أن ذلك المكان لم يكن معروفًا وجود كهف به، بل كان مكان عادي جدًا، لكن عيشة عندما وضعت قدميها به وجدت أمامها كهف فدخلت به وتعمقت حتى اختفت، ولأننا نتحدث عن ساعات متأخرة من الليل لم يقم السائق بالنزول للتقصي من الكهف، وإنما فضل فعل ذلك في الصباح الباكر، وعندما حل الصباح لم يكن الكهف موجودًا، وبالرغم من أن البعض قد اتهم السائق بالجنون إلا أنه سرعان ما تم نسب القصة إلى عيشة قنديشة، ومنذ ذلك الوقت أصبح المكان يُعرف باسمها.

قصة المتجولة بين القبور

جميعنا طبعًا نخاف من المناطق المظلمة ونرتعب منها إذا كان ذلك الظلام يُصاحبه وجود شيء مثل المقابر، وهذا ما حدث بالفعل في قصتنا التالية التي يتم تناقلها عن عيشة قنديشة، حيث يقول الناس أنه كان ثمة إمام عائد من المسجد بعد صلاة الفجر ومر بالمصادفة بالقرب من القبر، وما إن وقعت عينه على منطقة القبور هذه حتى لمح طيف امرأة تسير به ببطء، الغريب أنه في النظرة الثانية لم يجد تلك المرأة وكأنها قد تبخرت، وطبعًا عندما شاعت القصة ووصلت إلى الناس لم يكن ثمة أي شك في إن تلك القصة حقيقية وأن تلك المرأة هي بطلتهم المرعبة عيشة قنديشة، وبالتأكيد كانت القصة أكثر تأثيرًا وصدقًا لأنها خرجت من إمام مسجد مشهود له بالصدق، لتُضاف بالنهاية إلى أساطير عيشة الخالدة.

قنديشة المرأة القطة

أيضًا من ضمن الأساطير التي تُقال عن عيشة قنديشة أنها قد تمثلت ذات يوم في صورة قطة ثم ذهبت إلى منزل رجل فقير غير متزوج، ذلك الرجل لم يكن يمتلك الأموال التي يذهب بها إلى السوق ويشترى الحاجات التي يُريدها، ولذلك كان ضجر وضيق الخلق دائمًا، ولأن عيشة، حسبما تقول الأسطورة، قد تمثلت في صورة قطة ثم جاءت تموء بجواره فإنه لم يستطع كبح جماعه ورمي القطة بحجر طالبًا منها الابتعاد وتركه بما يمتلكه من الهم، وكم كانت تلك اللحظة فارقة في بداية حياة من الجحيم لم يكن الرجل الفقير يتوقع أبدًا أنه قد يصل إليه.

أرادت عيشة أن تُساعد الرجل في البداية، فتمثلت في صورة امرأة جميلة ثم ذهبت السوق واشترت كل الأطعمة التي يحتاج إليها وعادت مرة أخرى وأخبرته بحقيقتها ثم طلبت منه أن يكونا زوجين سعيدين، شريطة ألا يبوح بذلك السر لأي شخص مهما كان، لكن الأسرار لا تعرف الحفظ أبدًا عند تعساء الحظ، فقد سكِر الرجل في جلسة من الجلسات وباح بالسر، وفي اليوم التالي كانت المفاجأة المتوقعة، فقد عُثر عليه في بيته مُقطعًا قطع صغيرة لا تكاد تُرى بالعين المجردة، ببساطة شديدة، لقد حققت عيشة وعدها وأحالت حياته إلى جحيم عندما أفشى سرها الكبير.

المرأة ذات الرداء الأبيض

الأساطير لا تتوقف، حيث قيل كذلك أنه في الدار البيضاء، أحد المدن المغربية الهامة، ثمة امرأة تتجول المدينة دائمًا وهي ترتدي الرداء الأبيض دون أن تكشف عن وجهه، وطبعًا هذا أمر طبيعي ولا يُمكن لأحد الاعتراض عليه، لكن الغريب حقًا أن تلك المرأة كانت تختفي بالدخول في حائط كبير أو النزول على سلم لم يكن موجودًا من الأساس، هذا بالإضافة إلى أنه كان يختفي بعد أن تصعد عليه السيدة ذات الرداء الأبيض، والتي لم تكن في الحقيقة سوى عيشة قنديشة، وتلك الحركة كانت فقط من أجل إثارة الرعب والحيرة في نفوس الناس.

عيشة قنديشة والنداهة

هناك من يربط أسطورة عيشة قنديشة بأسطورة النداهة الخالدة، فهي كما يتضح تتصف بنفس الصفات من حيث الجمال والظهور في أماكن مجهولة ليلًا ثم ترك ضحايا لها، بل هناك كذلك من يقول إن عيشة ليست في الحقيقة سوى النسخة المغربية من أسطورة النداهة الشهيرة، لكن الواقع أن ثمة اختلاف كبير جدًا بين الأسطورتين، فالنداهة، كما توارد ذكرها، كانت تولى اهتمامًا فقط بالأزواج، أما عيشة فثمة ضحايا لها من النساء، وأيضًا النداهة كانت تُغري الناس وتجعلهم يذهبون لها، أما عيشة فهي من الوارد جدًا ذهابها إلى ضحيتها بنفسها، عمومًا، تبقى الشخصيتين من الأساطير الخالدة والعالقة في الأذهان حتى الآن، وإن كانت أسطورة النداهة طبعًا أكثر شهرة وانتشارًا.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

3 − 1 =