لا شك طبعًا أن موهبة التمثيل واحدة من أفضل وأهم المواهب في العصر الحالي نظرًا لتحول من يمتلكونها إلى نجوم بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ، أيضًا الوصول إلى الشهرة بالنسبة إلى هؤلاء يكون أمرًا في غاية السهولة، لكن الوضع هنا لا يتعلق فقط بوجود موهبة التمثيل، فهو أمر ممكن ومتاح لدى الكثيرين، وإنما تطوير هذه الموهبة منذ سنٍ صغيرة والعمل على الوصول إلى أعلى أداء تمثيلي أمر يجب علينا كذلك وضعه في الحسبان، ولهذا فإن هذا المقال له جمهور محدد، وهو الآباء أو أولياء الأمور، فهؤلاء سنخبرهم بالسطور القليلة المقبلة كيفية اكتشاف موهبة التمثيل بالنسبة للأطفال وكيف يكون بمقدورهم تطويرها على نحو جيد والحصول من خلال ذلك على أفضل نتائج ممكنة، فهل أنتم مستعدون لذلك؟ حسنًا لنبدأ سريعًا.
موهبة التمثيل
لكي نكون على خط واحد من الدراية والإدراك دعونا نقول إن موهبة التمثيل يُقصد بها القدرة على التقمص والتجسيد، وهذا ما يُمكن إجماله في طريق الفن، أم التمثيل المقصود به الكذب أو المواربة فهو أمر آخر مختلف كل الاختلاف، فالطفل الذي يقوم بالتمثيل أو قول ما هو مخالف للحقيقة في أي مكان آخر بخلاف أمام الكاميرات فهو ليس ممثل، وهذا ما يأخذنا إلى كون التمثيل فعل أخلاقي يجب تعليمه للطفل وتعليمه كذلك الطرق الصحيحة لتأدية هذا الفعل، وعلى الرغم من أن الأمر قد يبدو بالنسبة للبعض بسيطًا نسبيًا إلا أن الحقيقة غير ذلك تمامًا، إذ أن هذه الموهبة من أصعب المواهب وأكثرها ندرة، ولكي نكون دقيقين فإن الموهبة التي نتحدث عنها لا يجب أن تقارن كتعريف ومثال بموهبة التمثيل في بعض الممثلين العرب، إذ أننا نتحدث عن الموهبة الحقيقية التي يولد الإنسان بها ويتمكن من خلالها إمتاع الآخرين، والسؤال الآن، كيف يُمكننا يا تُرى أن نبدأ في وضع حجر الأساس لهذه الموهبة ونعمل عليها، بمعنى أدق، كيف يُمكننا اكتشافها؟
اكتشاف موهبة التمثيل
لا تطلب عملية اكتشاف وجود موهبة التمثيل شخص مُتمرس، وإنما يكفي أن يكون الشخص خبير بعض الشيء أو مُلم بعالم التمثيل ويُمكنه التفريق بين الجيد والسيئ، حتى أنت عزيزي القارئ من الممكن جدًا أن تكون حاضنًا لهذه الموهبة لكنك للغرابة غير قادر على اكتشافها، ولذلك سوف نضع بعض المحددات التي تدل على وجودها، وأهمها الجرأة مع الآخرين.
الجرأة مع الآخرين
هل الجرأة بشكل مجرد مقياس من مقاييس الحكم على الشخص بأنه يمتلك موهبة التمثيل أم لا؟ الإجابة ليست دقيقة، إذ أنه ثمة الكثير من الأشخاص الممتلكين لجرأة عالية جدًا عند الحديث مع الآخرين، بيد أنهم في نفس الوقت لا يمتلكون فعليًا موهبة التمثيل، وهذا الأمر ببساطة شديدة يرجع تكامل الجرأة مع العوامل الأخرى المُحددة لجودة الممثل ووجود الموهبة به، بكلمات أدق، التمثيل يحتاج إلى عدة عوامل ضمنها الجرأة، بل والجرأة الشديدة على وجه التحديد، فأنت عزيزي الممثل الموهوب سوف تقم أمام الكاميرات وجمع كبير جدًا من المترقبين لك، كذلك ستقوم بتأدية مشاهد ربما لا تتوافق مع أفكارك أو شخصيتك، لكنك في النهاية مضطر لذلك، وما سيساعدك في تحقيق الأمر وجود الجرأة، لذلك هي ضمن أركان الموهبة.
اللباقة والارتجال
كذلك ضمن المحددات الرئيسية التي يُمكننا من خلالها الجذم بأن الشخص الذي أمامنا يمتلك موهبة التمثيل أم لا قدرته على اللباقة والارتجال، وعلى الرغم من أن الممثل أساسًا يحصل على سكريبت خاص بالنص الذي يقوم بتمثيله إلا أننا نحتاج لذلك في تحديد ملائمته أساسًا للتمثيل من عدمه، فالشخص الخجول المترنح على نفسه والذي يغرق في شبر واحد من المياه كما يُطلق البعض عليه لا يصلح أبدًا أن يقف أمام الكاميرات، ثم إن موهبة التمثيل يندرج تحتها المسرح، والمسرح كذلك يحتاج بشكل رئيسي للارتجال، ودعونا لا ننسى كذلك معاملة الجمهور وأهمية التحدث معهم بلباقة من أجل كسب حبهم، فهم في النهاية المسبب الرئيسي لنجاح عملك، هكذا يُمكننا أن نرفع من فرص هذا الشخص في التمثيل وامتلاكه للموهبة.
القبول الفطري من الآخرين
كل العوامل التي تُحدد وجود موهبة التمثيل واكتشافها عوامل فطرية مئة بالمئة، لكن الشيء الهام جدًا، والعنصر الذي ربما لا يتوقف عليك عزيزي الممثل الموهوب، هو جود قبول فطري لك من المجتمع، أو تحديدًا مجتمع المشاهدين والذين سيتخذونك فيما بعد نجمًا لهم، إذ أن هذا الأمر لن يحدث إلا عندما ينجذب إليك جمهورك، والانجذاب هذا غالبًا ما يأتي بصورة فطرية تمامًا، بمعنى أنك لن تتدخل فيه بأي شيء، فقط دع الأمور تمضي كما هي، والحقيقة أنك إذا ما وقفت أمام شخص يمتلك قبول ولباقة وجرأة فأنت تقف فعلًا أمام شخص يستحق الدخول في عالم التمثيل، هكذا سيتم الأمر.
عشق التمثيل منذ الصغر
آخر شيء يُمكنك أن تُحدد من خلاله وجود موهبة التمثيل بك أن تكون عاشقًا بالأساس لذلك الشيء الذي تود فعله، إذ أن الإنسان بطبيعته الخالصة ينجذب إلى الشيء الذي يبرع فيه، فالموهوب بالكتابة ستجده منذ الصغر يُحب الكتابة والقراءة ولا يعشق شيء أكثر من الكتب، وكذلك الحال تمامًا مع الموهوبين في التمثيل، إذ أنهم سيعشقون الأمر منذ الطفولة ويكون عالمهم بالكامل متعلق بالأفلام والمسلسلات والمسرحيات وأي عمل آخر يُمكن أن تبرز به القدرات التمثيلية التي يكونون لها جذور بالتأكيد لكنهم غير قادرين على الانطلاق بهذه الموهبة، هذا هو ما يُمكننا أن نصفه بالشخص الموهوب بمجال التمثيل.
موهبة التمثيل للأطفال
هل يولد الطفل موهوبًا بالتمثيل؟ الإجابة بكل تأكيد أجل، فنحن قد شاهدنا الكثير من الأطفال الذين مروا بعالم السينما وقدموا أفلام كاملة من بطولتهم وهم لا يزالون في العاشرة وربما السابعة من عمرهم، هذه ليست معجزة تستحق الوقوف أمامها، فالأمر وما فيه أن التمثيل موهبة، وهؤلاء الأطفال كانوا سعداء الحظ بامتلاكهم لتلك الموهبة وأكثر حظًا بوجود من يمكنه اكتشافها وفق المحددات التي ذكرناها آنفًا، وبالمناسبة، التمثيل في الصغر من حيث الوصول أسهل بكثير من تمثيل الكبار الذين يتجاوزون العشرين من عمرهم على سبيل المثال، فبسبب قلة أو ندرة الممثلين الأطفال والحاجة إليهم في أعمال كثيرة يُصبح الطلب عليهم كبيرًا ويحصدون شهرة مُضاعفة، هذه هي المميزات الأهم لهذه النوعية من الممثلين، لكن كيف يُمكن تطويرها يا تُرى؟ هذا هو السؤال الأهم.
تطوير موهبة التمثيل
الآن نحن نفترض يقينًا أنك كولي أمر تدرك وجود موهبة التمثيل في طفلك، هو شخص موهوب سيُصبح ممثلًا مرموقًا ومشهورًا، هذا أمر ممكن جدًا لكنه يحتاج إلى عدة خطوات ضرورية الغاية من أجل تطوير هذه الموهبة، هذا طبعًا بعد أن تمر بخطوات الاكتشاف والتيقن من التواجد أساسًا، على العموم، أهم خطوات التطوير التقديم في ورش التمثيل.
التقديم في ورش التمثيل
أول وأهم خطوة يجب اتخاذها من قِبل كل من يرغب في تطوير موهبة التمثيل لديه أن يكون هناك مواكبة من أجل الالتحاق بورش التمثيل، بمعنى أن يبحث ولي أمر الطفل عن مكان يُقدم فن التمثيل بشكل أكاديمي، صحيح أن الموهبة هي التي تحكم كل شيء لكن الآن نحن نتحدث عن تطوير هذه الموهبة، وهو أمر لن يأتي إلا من خلال هذه الورش، ودعونا لا ننسى بالتأكيد أن كل مهنة في العالم تكون بها بعض الأساسيات، والتمثيل احتراف وعمل قبل كل شيء، وهذا يعني أننا سنكون في حاجة ماسة إلى مثل هذه الورش، هذا إذا ما أردنا تأسيس أطفالنا على نحو جيد ومتزن من ناحية الموهبة.
مشاهدة أكبر قدر من السينما
السينما بالذات تمتلك تلك القدرة على التأثير في المشاهدين، وإذا كان المشاهد شخص يُريد تعلم التمثيل أو يمتلك أساسًا موهبة التمثيل فهو بالتأكيد سيكون منجذبًا لمشاهدة الأفلام والتركيز مع الممثلين والأداء الذي يُقدمونه، لكن هنا نحن نؤكد على أهمية الإكثار من مرات المشاهدة هذه بحيث يُمكن تغطية أكبر قدر ممكن من الملاحم السينمائية التي بالتأكيد سيتم الاستعانة فيها بترشيحات المتخصصين والخبراء، ومجددًا نذكر بأن تطوير الموهبة بهذه المرحلة وبتلك الطريقة يستدعي الإكثار من مشاهدة الأفلام الهامة والفارقة مع التركيز على أداء الممثلين الكبار وكيف تمكنوا من أداء جملةٍ ما بطريقة مثالية تجعلك ترغب في الانتفاض من مقعدك والتصفيق لهم.
البدء بالأدوار الصغيرة التجريبية
بعدما تقوم بالخطوتين السابقتين فإن المرحلة التالية سوف تطلب منك التجربة، وهذه التجربة طبعًا لن تأتي من خلال تولي بطولة فيلم ما بشكل مباشر، فهذا أمر من الناحية العقلية يُعد مستحيلًا، وإنما يُمكننا القيام بذلك الأمر عن طريق الأدوار الصغيرة التي غالبًا ما تكون متاحة بصورة طبيعية ولا تحتاج أي تدخلات أو توصيات، ففي النهاية أنت لن تفعل شيئًا كبيرًا بهذا الدور الصغير، لكنك لاحقًا سوف تحصد ثمار ذلك من خلال الجرأة والقدرة على الوقوف أمام الكاميرات، كما أنه جرى العرف أن تكون الأدوار الصغيرة سلمًا حقيقيًا للوصول إلى الأدوار الكبيرة.
التشجيع الدائم
بالنسبة للطفل الصغير فأنت عزيزي ولي الأمر سوف يكون لديك دور كبير في تطوير موهبة التمثيل لدى هذا الصغير، وهو أمر يحدث عن طريق التشجيع الدائم والوقوف بجوار الطفل في جميع الاختبارات والمواقف التي يتعرض لها أثناء وجوده في هذا المجال، ببساطة، عليك أن تُشعره بأنه ليس وحيدًا في ذلك وأن تمنحه الدعم المعنوي على الأقل، هذا طبعًا بعد أن تتأكد تمامًا بأنه يمتلك الموهبة والقدرة على وصول أعلى الدرجات في هذا المجال بالفعل، ثم بعد ذلك تشجيعك ودعمك سيقودانه للقمة.
أضف تعليق